السلفية في العراق

من ویکي‌وحدت



سلفية العراق
اسم التيّار السلفية
نسبة الشعبية ضئيلة
القادة فاتح كريكار\إياد القيسي\نعمان الالوسي
من أهدافه تخليص الشريعة من الشوائب
الأسس المتبنية عنده اتباع منهج السلف الصالح
علاقة التيّار بالحاكمية الحاكمية لله وتكفير الحاكم
كيفية جذب الإشخاص دعوى الرجوع إلى الإسلام الأصيل
الحالة الفعلية للتيّار الانحسارية

السلفية في العراق تتناول هذه المقالة موضوع الحركة السلفية في وادي الرافدين وجذورها الفكرية وعملياتها في الداخل العراقي واهم شخصياتها وغيرها من المسائل المهمة في المقام.

مدخل

لم تكن للدعوة الوهابية شعبية في العراق في العهد الملكي وحتى نهاية الثمانينات. ثم بدأت تنمو في المدن العراقية في الوسط والأماكن ذات الغالبية السنية، بعد استفحال أزمة النظام الحاكم وسياسته التخريبية في جميع المجالات وآثار حروبه الكارثية. ولا يمكن الحديث عن فكر الحركة إلا بالعودة الى طروحات أقطابها وفقهائها في بيئة نشأتها الأولى.

كان أتباع الحركة السابقون يطلقون على أنفسهم في السعودية اسم "الموحدون" أو "المسلمون" في مقابل المشركين، في حين يطلق خصومهم عليهم اسم "الخوارج". أما أتباع هذه المدرسة المعاصرون فيفضلون استخدام اسم "السلفية" و"السلفيون". وقد شاع أيضا استخدام اسم "الوهابيون" من الطرفين كاسم علم عليهم من باب أنهم يشكلون تيارا فكريا مميزا له تاريخه وخصائصه ومصنفاته وشيوخه، وهو يختلف عن التيار العام للسلفية في كثير من الأمور.

الجذور الفكرية

تعتمد الوهابية في طروحاتها السياسية على منهج سلفي يستمد أصوله من منهج أحمد بن حنبل 164هـ - 241هـ . وقد ذاع صيت الامام أحمد بعد تعرضه للسجن في عهد المأمون والمعتصم لرفضه فكرة خلق القرآن، وإبراز كتب أهل السنة والجماعة لدوره ومعاناته في السجن نتيجة موقفه من الحادثة المعروفة في التاريخ وفي الفقه والعقائد الاسلامية والمسماة بـ "محنة خلق القرآن"، التي جرت في عهود كل من المأمون والمعتصم والواثق، وانتهت في زمن المتوكل بعد الهجوم على المعتزلة الذين خالفوا طريقة "السلف" في فهم العقائد، واعتمدوا على منهج عقلاني في طرح تصوراتهم العقائدية.

وارتبطت سلفية الامام أحمد في العقائد الإسلامية بسلفيته في مجال السياسة والسير على نهج ما اتبعه أكثر الصحابة والتابعين وفي مجال القضية الخلافية الأساسية في الإسلام "قضية الخلافة والسلطة الإسلامية"، فرأى جواز إمامة من تغلب في الحرب، والأكثر من هذا يرى أن من تغلب وإن كان فاجرا تجب طاعته، حتى لا تكون الفتن، ومن حق الخليفة أن يعهد بالخلافة لمن يراه صالحا من بعده.

وإضافة الى ابن حنبل، تعتمد هذه الحركة على أفكار ابن تيمية "728هـ - 1328م"، الذي قال في كتابه المشهور "السياسة الشرعية في إصلاح الراعي والرعية" :ان ستين سنة من إمام جائر أصلح من ليلة واحدة بلا سلطان.

وفكرة القبول بالحاكم الظالم على أساس قبول الأمر الواقع فكرة أقدم من طروحات أحمد بن حنبل. فهذه الفكرة تنسب الى السياسي العربي عمرو بن العاص القائل: "سلطان عادل خير من سلطان ظالم، وسلطان غشوم خير من فتنة تدوم"، حسبما أورد اليعقوبي في تاريخه. وهو قول مشابه لرأي القانوني الفرنسي الكاثوليكي المحافظ فرانسوا لوجاي العام 1589م، في كتابه المسمى كرامة الملك والأمراء السادة، "إن مئة عام تحت حكم طاغية، أهون من مقاساة يوم واحد في ظل حرب أهلية".

وانعكست هذه الفكرة على موقف الكثير من الإسلاميين من نظام صدام حسين، إذ اعتبروا بقاءه أفضل من الفتنة التي يجلبها الأميركان. وهذا ما نلمسه من موقف مجموعة علماء المسلمين السنة الذين أصدروا بيانا خارج العراق، ومن دون ضغوط من النظام العراقي آنذاك، ضد احتمالات الغزو الأميركي ودعوا الناس إلى الجهاد ضدهم، من دون أن يشيروا بأي شكل من الأشكال الى مسئولية النظام العراقي وجرائمه بحق الشعب العراقي.

وتعتمد هذه الحركة على فكرة "الفرقة الناجية"، التي طرحها ابن تيمية، ويعبر عنها أحد السلفيين الجدد بفكرة "الطائفة المنصورة"، والتي تجد صدى لها في فتاوى عدد كبير من رجال الدين السعوديين من ذوي الاتجاه الجهادي.

يعتقد ابن تيمية أن الأمة الإسلامية ليست كلها على الحق ولا هي مضمونة النجاة، وانما بعض منها وهم "أهل الحديث"، الذين كانوا يشكلون "الفرقة الناجية". ويقول: "ان الله لم يكن ليجمع هذه الأمة على ضلالة، وإنه لايزال فيها طائفة ظاهرين على الحق لا يضرهم من خالفهم ولا من خذلهم".

أما منهج السلفيين في أصول الفقه، فهو منهج الامام أحمد وطريقته في الأصول، أي العلم بالقواعد والأدلة الإجمالية التي يتوصل بها الى استنباط الحكم الشرعي. وهو منهج يعتمد بالدرجة الأولى على النصوص "القرآن والسنة"، فإذا وجد النص أفتي به، ثم الاعتماد بالدرجة الثانية على فتاوى الصحابة. واذا ما اختلف الصحابة يجرى اختيار القول الأقرب الى الكتاب والسنة. كما يأخذ بالحديث المرسل والضعيف، وأخيرا بالقياس عند الضرورة.

لم تصطدم الدعوة السلفية بالسلطة الحاكمة في بغداد بسبب موقفها الفكري من مسألة السلطة، واستطاعت التكيف حتى من خلال العمل داخل حزب البعث الحاكم. وركزت في دعوتها ونشاطها على مجال العبادات "عدم زيارة القبور، النهي عن الاستعانة بغير الله، معاداة التيار السياسي الشيعي، ونعتهم بالرافضة والمارقين، الحجاب الاسلامي" إضافة الى معاداة التصوف والمتصوفة وشيوخ الطرائق. فعلى سبيل المثال قام جند الاسلام بهدم ضرائح الأولياء في بيارة، وهي قصبة تقع شمال حلبجة على الحدود مع ايران.

وفي كردستان العراق اتخذت الدعوة السلفية أشكالا متطرفة: "حزب التوحيد، جند الاسلام وغيرهما"، وهذه التسميات سبق ان استخدمت من قبل القوات العسكرية للحركة الوهابية في الجزيرة العربية في حملاتها العسكرية الداخلية والخارجية.

العلاقة السلفية- الاخوانية

علاقة الوهابيين بحركة الإخوان المسلمين ليست على ما يرام دوما. ويرجع السبب إلى تدهور العلاقات بين السعودية وحركة الاخوان بعد تطور نشاط حركة الإخوان، إلا أن هذا الأمر لم يمنعهما من إقامة تحالفات بينهما عند الضرورة. وتتهم أقطاب من الحركة التقليدية حركة الإخوان المسلمين بكونها السبب الرئيسي في توجه مجاميع من الوهابيين إلى الفكر الجهادي ضد السلطة السعودية، إلا أن تلك الأقطاب تشجع ما تسميه بالجهاد ضد الأميركان وضد السلطات العراقية التي هي في طور النشوء، والمتهيئة لتسلم السيادة العراقية بعد انتهاء الاحتلال.

هناك عدة فصائل للحركة السلفية لم تتمكن السعودية من السيطرة عليها، وتقيم هذه الفصائل علاقات وثيقة فيما بينها ومع منظمة القاعدة. وقد اضطرت السعودية في نهاية مايو/ أيار ،2003 الى فصل عدد كبير من رجال الدين وخطباء الجوامع وأدخلت مجاميع منهم في دورات إعادة تأهيل.

بعد زيادة نشاط منظمة القاعدة والأعمال الإرهابية التي قامت بها في السعودية، حدث نوع من التمايز بين الحركة السلفية "الوهابية" وبين القاعدة. ويشير قادة الحركة السلفية إلى أن حركة الإخوان المسلمين هي التي تسببت في بروز القاعدة وممارساتها الإرهابية.

وأثرت الخلافات في الحركة السلفية داخل السعودية على توجهات الحركة الوهابية في العراق، ويبدو أن قسما من الحركة، وارتباطا بالتفجيرات والعمليات الانتحارية التي جرت في السعودية، يتبنى الموقف الرسمي للإفتاء في السعودية، في حين ميزت أوساط من الحركة نفسها بتبنيها خط الجهاد، وأسمت نفسها بكتائب مجاهدي الجماعة السـلفية المجاهدة في العراق، ويظهر من طروحاتهم أنهم جزء من القاعدة.

ونشرت هذه الحركة "قيادة كتائب مجاهدي الجماعة السـلفية المجاهدة في العراق" أول بيان لها في موقع أبي دجانة العراقي، أمير كتائب الجماعة السلفية المجاهدة بتاريخ 1/7/،2003 وحدد البيان التوجهات السياسية "الشرعية" للحركة. وبين البيان معاداته للعلمانية والاشتراكية والشيوعية والقومية، وسمى هجمات 11 سبتمبر/ أيلول بغزوة نيويورك وواشنطن، وأشار الى وجود تحالف صليبي - صهيوني ضد الإسلام.

وعرفت الحركة نفسها بأنها "جماعة موحدة سنية سلفية الراية والعقيدة والمنهج، دستورها ومصدر تلقيها كتاب الله وسنة رسوله بفهم السلف الصالح، تؤمن بأن الجهاد في سبيل الله هو الحل الوحيد والطريق الصحيح لإعادة ما سلب من هذه الأمة العظيمة من مجد وعزة وكرامة، الذي يمكن من خلاله للأمة أن تستأنف حياتها الإسلامية الصحيحة وتقيم الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، فالجهاد وصف ملازم للجماعة لا تقوم إلا به".

وتظهر الامتدادات العالمية لهذه الحركة في قولها "اننا حينما نرفع راية الجهاد على هذه الأرض لن نكتفي بإخراج قوى الكفر الصليبية الحاقدة من العراق ولكننا نسعى إلى إقامة دولة الخلافة الراشدة على سائر بلاد المسلمين ومن ثم استكمال سير الفتوحات الإسلامية استجابة لنداء الحق، ولو كلفنا ذلك مقاتلة كل قوى الكفر الكبرى والصغرى الأصلية والمرتدة".

وبينت الحركة توجهاتها القاعدية من خلال تمجيدها لأسامة بن لادن، إذ أشار البيان الى الدعاء لـ "شيخ المجاهدين عبدالله عزام تقبله الله في الشهداء وشيخ المجاهدين أسامة بن لادن حفظه الله بمنه وأبقاه ذخرا للمسلمين وشوكة نكاية في أعين الكافرين".

العمليات الانتحارية

تظهر الدعوة والحث على القيام بالعمليات الانتحارية "الاستشهادية" في البيان الأول لهذه الحركة بشكل يعبر عن وجود اختلالات نفسية وفقدان للتوازن. ونشرت الحركة بلاغات عسكرية عن قيامها بعمليات باسم كتائب "جند الله وأسد التوحيد". وأصدرت بيانا عن "الهيئة الشرعية في الجماعة السلفية المجاهدة/العراق" تبين فيه الجهات والأطراف المستهدفة بالعمليات "الجهادية"، على أساس الموقف الشرعي من "المتعاونين والمناصرين لاعداء الله الأميركان من شرطة أو جيش أو أعضاء المجالس والحكومات العميلة المرتدة وغيرهم من المترجمين والمتعاونين".

وبعد ذكر آيات قرآنية وأحاديث للنبي، تم تأويلها بما ينسجم ووجهتهم السياسية، تذكر تلك الهيئة مجموعة من أقوال الفقهاء المتشددين وغالبيتهم من الحنابلة، لتبرير تكفير وقتل العناصر المذكورة سالفا.

ومما ورد في بيان الهيئة الشرعية: "قال الشيخ محمد بن عبدالوهاب في النواقض العشر المجمع عليها، قال الناقض الثامن: مظاهرة المشركين ومعاونتهم على المسلمين والدليل قوله تعالى "ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين" "المائدة: 51". وقال الشيخ عبدالعزيز بن باز في "فتاويه1/274": "وقد أجمع علماء الإسلام على أن من ظاهر الكفار على المسلمين وساعدهم بأي نوع من المساعدة فهو كافر مثلهم". كما خاطبت هذه الحركة مجموعة من رجال الدين للحصول على فتاوى لتبرير العمليات الانتحارية، ومنهم حامد العلي، ناصر العمر، أبو بصير الطرطوسي، سليمان بن ناصر بن عبدالله العلوان.

وفي جواب لحامد العلي عن الموقف من الشرطة العراقية ومجالس الإدارة، يقول: "كل من كان في صف العدو عونا وجزءا من معسكره في القتال، يكون حكمه حكمهم، ولكن على المجاهدين أن يكونوا واعين لعدم تشتيت القوة الجهادية في غير الضربات النوعية لنقاط قوة العــدو". وتقدير توجيه العمليات بحيث تحدث أكبر الأثر في المحتل وتوفير قوة الجهاد، بحيث لا تستهلك في صراع مع الذين يتمترس بهم العدو من أهل البلد، على حساب العدو الأصلي المحتل - الذي يلتف الشعب حول من يجاهده ويكون الشعب درءا له وعونا - تقدير ذلك كله متروك للمجاهدين في الموضع. وإنما المعونة على قدر صلاح النية، وهذا جواب عام يصلح لكل مكان، لا نعني به موضعا مخصوصا، والله أعلم".

أما عن العمليات "الاستشهادية" فقد أفتى الشيخ علي بن خضير الخضير للحركة كاتبا لهم: "العمليات الاستشهادية من الجهاد، بل هي اليوم من أفضل الجهاد في سبيل الله، ويدل على ذلك أدلة منها: قوله تعالى: "ومن الناس من يشرى نفسه ابتغاء مرضاة الله والله رؤوف بالعباد" "البقرة: 207"، وما رواه مسلم عن النبي "ص" في قصة الغلام وأصحاب الأخدود وفيها أن الغلام أمر بقتل نفسه لأجل مصلحة ظهور الدين، قال ابن تيمية في الفتاوى "28 /540": إن الغلام أمر بقتل نفسه لأجل مصلحة ظهور الدين. ثم قال ابن تيمية: "ولهذا جوز الأئمة الأربعة أن ينغمس المسلم في صف الكفار وإن غلب على ظنه أنهم يقتلونه إذا كان في ذلك مصلحة للمسلمين".

ويضيف الخضير مخاطبا مستفتيه: "هذا على وجه الاختصار نظرا إلى طلبكم، وتجدون برفقته فتوى شيخنا العلامة حمود بن عقلاء الشعيبي في جواز العمليات الاستشهادية وأنها مشروعة ومن الجهاد في سبيل الله، فقد أجاد وأفاد وأطال في ذكر الأدلة، ورد على أدلة المخالفين، فجزاه الله عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء، وأبلغ سلامنا للإخوان عندكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته".

من جهة أخرى تبنت الحركة الفتوى الشرعية التي حملت توقيع اسماء متعددة ومختلفة: "هيئة علماء الرابطة العراقية، رابطة المسلمين العراقيين في الخارج، المركز الإعلامي الإسلامي العالمي".

مختارات عقائدية

لا يمكن معرفة جوهر الحركة السلفية الجهادية العراقية، إلا من خلال الاطلاع على التوجهات السياسية الشرعية للحركة والتي أجمعتها الحركة في باب "عقيدتنا ومنهجنا"، والذي يتكون من 41 فقرة، وفيما يأتي بعض الفقرات المختارة:

- نؤمن بأن الحكم والتشريع من خصائص الله وحده، وان حكمه هو العدل المطلق وكل ما خالفه فظلم مردود. وان من لوازم الايمان وشروط صحته رد الأمور إلى حكم الله وتشريعه، وان كل من رد أمرا إلى غير حكم الله وحكم بغير ما انزل الله اتبع تشريعا حادثا لم يأذن به الله فهو كافر خارج عن ملة الإسلام متبع حكم الجاهلية.

- نؤمن أن محمدا "ص" رسول الله إلى الخلق كافة أنسهم وجنهم، يجب اتباعه وطاعته في جميع ما أمر به وتصديقه والتسليم له في جميع ما اخبر به، وان ذلك من لوازم صحة إيمان المرء، ومن طاعته التحاكم إليه والى سنته فمن رد حكمه فقد رد حكم الله ومن رد حكم الله فقد كفر.

- نؤمن بأن التكفير حكم شرعي مرده إلى كتاب الله وسنة رسوله والإجماع.

- نؤمن بأن تارك الصلاة كافر كفرا أكبر مخرج من الملة.

- نؤمن بأن الحاكم بغير ما أنزل الله وطائفته المبدلين للشريعة هم كفار مرتدون والخروج عليهم بالسلاح والقوة فرض عين على كل مسلم.

- نؤمن بأن من صرف شيئا من وجوه العبادة كالطاعة والمحبة والخوف والرجاء والاستعانة والدعاء والاستغاثة بغير الله انه كافر كفرا اكبر مخرج من الملة.

- نؤمن بأن العلمانية على اختلاف راياتها ومسمياتها وأحزابها هي كفر بواح مخرج من الملة، فمن اعتقدها أو دعا إليها أو ناصرها أو حكم بها فهو كافر مشرك مهما تسمى بالإسلام وزعم انه من المسلمين.

- نؤمن بأن الديمقراطية فتنة العصر تكرس ألوهية المخلوق وحاكميته وترد له خاصية الحكم والتشريع من دون الله، فهي كفر أكبر مخرج من الملة فمن اعتقدها بمفهومها هذا أو دعا إليها فهو مرتد.

- نؤمن بأن أية طائفة من الناس اجتمعوا على مبدأ غير الإسلام هي طائفة ردة وكفر كالأحزاب القومية والوطنية والشيوعية والبعثية.

- نؤمن بأن الجماعات الإسلامية التي تدخل الانتخابات والمجالس التشريعية هي جماعات بدعية نبرأ إلى الله من أفعالها.

ونستنتج من تلك الفقرات أن الأسس التي يتكون منها فكر هذه الجماعة مبني على الالتزام بمنهج الوهابية في مسائل العبادات، مع تأكيد العقلية التكفيرية التي تعتبر أساسا لمفهوم "الطائفة المنصورة"، واعتبار معظم المسلمين مرتدين عن الإسلام في حال عدم إيمانهم بمنهج وعقيدة الجماعة، وكذلك مشروعية الجهاد التي عبروا عنها بممارسة العمليات الانتحارية بغض النظر عن احتمال وقوع الضحايا من المسلمين الأبرياء سواء كانوا من النساء أو من الشيوخ والأطفال. ويجب التأكيد أن الحركة السلفية تضم تنظيمات عدة ، مدعومة أساسا من القاعدة وأبي مصعب الزرقاوي.

النشأة الملتبسة ومراحل التطور

تختلف التفسيرات والروايات حول نشأة التيار السلفي العراقي، فمنها ما يدَّعي نشأته في مرحلة متأخرة من حكم الرئيس الأسبق صدام حسين، وذلك بعد الاضطرابات التي أصابت النظام السياسي العراقي السابق في مرحلة ما بعد حرب الخليج الثانية، إلا أن الوقائع تؤكد أن التيار السلفي العراقي ضارب بجذور في أعماق التاريخ العراقي منذ ما يقارب القرنين من الزمان، وأنه ليس وليد التطورات السياسية خلال العقود الثلاثة الماضية.

ويمكن التمييز بين أربع مراحل رئيسية في تطور ونشأة التيار السلفي العراقي، خاصةً أن كل مرحلة تميزت بسمات مختلفة، وهو ما سيتم توضيحه في النقاط التالية:

المرحلة الأولى: «التأسيس على يد الألوسي»

تزامنت الدعوة السلفية في العراق مع نظيرتها في المملكة العربية السعودية؛ فالارتباط التاريخي بين السلفية السعودية والعراقية وثيق جدًّا، كما أن مؤسس التيار السلفي محمد بن عبدالوهاب، سبق وأن تلقى علومه الدينية في مدارس «البصرة» الدينية جنوب العراق، وهو الأمر الذي سمح بانتشار الدعوة السلفية في بلاد الرافدين.

ويُعدُّ الداعية العراقي «نعمان الألوسي» (1836 - 1899) أشهر من تأثروا بتعاليم محمد بن عبدالوهاب، وعمل على تأسيس تيار سلفي جديد في العراق أشبه بما يُسمى الآن بـ«السلفية العلمية»، ومن أبرز تلاميذ تلك المدرسة: إياد عبداللطيف القيسي، ومرشد الحيالي (المولود في بغداد عام 1963)، وأبوالمنار العلمي، وعبدالحق التركماني.

وانطلق التيار السلفي العراقي خلال مرحلته الأولى تحت مسمى «الدعوة السلفية»، إلا أنها لم تحظَ بكِيان تنظيمي ينظم صفوفها وقواعدها؛ حيث انتشرت في شكل حلقات ومجموعات متفرقة يجمعهم رابط تطبيق الفكر السلفي، وخلال تلك المرحلة انطلقت أفكار ومبادئ السلفية نحو دعوة المسلمين بالالتزام بتعاليم الدين الإسلامي وفقًا لمنهج السلف الصالح ورفض التصوف، والأهم من ذلك رفض الانخراط في العمل الحزبي والسياسي والدخول في معترك الحياة السياسية العراقية.

المرحلة الثانية: «تسييس السلفية»

بدأت تلك المرحلة في سبعينيات القرن العشرين، في ظل التوترات السياسية في الداخل العراقي، التي أسفرت في النهاية عن سيطرة حزب البعث -بقيادة صدام حسين- على المشهد السياسي العراقي.

وخلال تلك المرحلة ظهرت السلفية الحركية العراقية الداعية إلى تكفير الحاكم، الذي لم يطبق الشريعة الإسلامية، وتأسيس الجمعيات والجماعات لتنظيم القواعد الشعبية ونشر الدعوة. ومن أبرز رموز ذلك التيار :إبراهيم المشهداني، وسعدون القاضي، الضابط البعثي السابق والقيادي السلفي الحالي، وأحد أبرز قيادات تنظيم «أنصار السُّنَّة في العراق»، ومن أبرز رموز تلك المدرسة محمود المشهداني، الذي أصبح فيما بعد رئيسًا لمجلس النواب العراقي عام 2005، وأيضًا الداعية سامي رشيد الجنابي.

وشهد العام 1978، أولى محاولات إنشاء جماعة سلفية عراقية تحت اسم «جماعة الموحدين»، وسرعان ما ألقت السلطات العراقية القبض على عناصر هذه الجماعة، والزج بهم في السجون؛ ليتم وأد أول تنظيم سلفي عراقي.

المرحلة الثالثة: «الحملة الإيمانية»

تُحاول بعض الكتابات تأريخ نشأة التيار السلفي العراقي منذ هذه المرحلة التي نشأت في أعقاب حرب الخليج الثانية؛ حيث لجأ النظام العراقي إلى زيادة المساحة الدعوية المخصصة للتيار السلفي؛ من أجل مواجهة المشكلات التي استفحلت بعد حربي الخليج الأولى والثانية؛ ففي عام 1993 أطلق الرئيس العراقي صدام حسين، حملة «العودة إلى الإيمان»، والمعروفة إعلاميًّا بـ«الحملة الإيمانية»، وهدفت فيما قيل إلى تطبيق الشريعة الإسلامية، والاهتمام بالبرامج الدينية وإحياء السنة النبوية؛ ما أتاح فرصة كبيرة للجماعات السلفية للتمدد والانتشار في الداخل العراقي، وتوجد العديد من الأسباب التي تُفسر توجه النظام البعثي في تسعينيات القرن العشرين نحو السلفية، ومنها:

(1)الاضطرابات الداخلية الطائفية التي شهدها العراق في مارس 1991، والمتمثلة في انتفاض الجموع الشيعية بالجنوب العراقي ضد نظام صدام حسين؛ لأنه زج بالبلاد في حرب خاسرة بالكويت.

(2)الفشل الأيديولوجي الذي واجهه النظام البعثي؛ حيث يُعدُّ احتلال الكويت في عام 1990 انهيارًا لمنظومة القيم العروبية التي نادى بها صدام حسين، ومن ثم أصبح عليه أن يسلك مسلكًا أيديولوجيًّا آخر يُحقق منه الشعبية والانتشار، فتبنى الرؤى والأفكار الخاصة بضرورة تطبيق الشريعة الإسلامية.

(3)فشل الدولة العراقية بعد حرب الخليج أدى إلى تراجع دورها في تقديم الخدمات الاجتماعية؛ الأمر الذي وفر للسلفيين مساحة كبيرة لتقديم الخدمات الاجتماعية والتبرعات للمحتاجين في العراق، في ظل تراجع دور الدولة الاجتماعية؛ نتيجة وطأة العقوبات الدولية التي فرضت عليها.

(4)التيار الإسلاموي السُّنّي، خاصة السلفي، لم يكن له موقف عدائي واضح من نظام صدام حسين، عكس التيار الشيعي الذي دخلت قياداته في صراعات طويلة معه.

ورغم أن تلك المرحلة تميزت بعلاقات دافئة بين النظام البعثي والتيار السلفي؛ فإن مناوشات لا تُذكر حدثت بين الجانبين؛ حيث ظهرت على الساحة العراقية جماعة تُدعى «جماعة فائز الزيدي»، نفذت هجمات ضد أهداف شيعية؛ ما أدى إلى تخلص النظام منها، وإعدام قادتها.

المرحلة الرابعة: «السلفية الجهادية»

بدأت إرهاصات تلك المرحلة قبيل الغزو الأمريكي للعراق، وتَعاظم دورها وتأثيراتها في مرحلة ما بعد احتلال بلاد الرافدين؛ حيث نشط العديد من الجماعات السلفية المقاتلة لمواجهة الاحتلال الأمريكي في البداية، ثم الانخراط في الاقتتال الطائفي الذي شهدته البلاد عام 2006.

وفي عام 2001، وداخل إقليم كردستان أُسست أولى الجماعات السلفية باسم «أنصار الإسلام»، بزعامة «فاتح كريكار» (نجم الدين فرج أحمد)، وتُعدُّ الجماعة الوليدة منشقة في الأساس عن حزب «الحركة الإسلامية الكردستاني» المحسوب على تيار الإخوان المسلمين، وعرفت هذه الجماعة في الأوساط السلفية بـ«طالبان الكردية».

وفي مرحلة ما بعد الاحتلال تحولت السلفية العراقية من الإطار الدعوي والحركي إلى الإطار الجهادي والقتالي، تحت دعوى محاربة ومقاومة المحتل، فظهر العديد من الجماعات، مثل «جند الإسلام» و«حزب التوحيد»، و«مجاهدي الجماعة السلفية المجاهدة في العراق»، والهيئة العليا للإرشاد والتوعية الدينية، وكتائب السلفية الجهادية.

وما لبث تنظيم القاعدة أن دخل على خط التيار السلفي العراقي، فظهر في البداية تحت مسمى «جماعة التوحيد والجهاد» التي أسسها أبو مصعب الزرقاوي، عام 2003، التي تحولت في مرحلة لاحقة إلى تنظيم «القاعدة في بلاد الرافدين».

وانحصرت أفكار معظم الجماعات السلفية المقاتلة التي برزت بعد الغزو الأمريكي للعراق، في معاداة الولايات المتحدة والقوى الغربية، وتكفير المبادئ العلمانية والاشتراكية والشيعية، وهو ما دعاها إلى الانخراط في الحرب الطائفية العراقية عام 2006.

تحديات تُواجه التيار السلفي

بعد استعراض تطورات نشأة التيار السلفي في إيجاز سريع، يظهر لنا العديد من التحديات التي تواجه التيار السلفي العراقي، التي قد تهدد مستقبله السياسي، ومنها على سبيل المثال:

1.الهيمنة الشيعية:

تُسيطر فصائل الشيعة حاليًّا على الساحة السياسية العراقية، فالانتخابات الأخيرة أظهرت تصدر القوائم الشيعية لنتائج الانتخابات العراقية الماضية؛ لذا تُعدُّ الهيمنة الشيعية على المشهد السياسي التحدي الأبرز للقوى السلفية العراقية؛ فإلى الآن لم يشهد بروز حزب سياسي سلفي يستطيع المنافسة في الانتخابات رغم مجهودات البعض لإنشاء حزب سلفي، فكثيرًا ما طالب الداعية السلفي سامي الجنابي، بإنشاء حزب سلفي في العراق تجتمع فيه طاقات هذا التيار.

ولم يمنع عدم وجود حزب سياسي سلفي، المنتمين إلى هذا التيار من تقلد أرفع المناصب السياسية في العراق بعد الاحتلال، فبعد 2005 تولى محمود المشهداني رئاسة مجلس النواب العراقي، كما أن سعدون القاضي كان له أيضًا دور في تأسيس مجالس الصحوة العراقية لمواجهة القاعدة.

2.الميراث السلبي:

التيار السلفي العراقي يحمل ميراثًا سلبيًّا كبيرًا؛ نظرًا لارتباط القاعدة ومن بعده تنظيم داعش بالتيار السلفي والجماعات السلفية المقاتلة، ومن ثم هناك صعوبة في التفريق بين المدارس السلفية العراقية، فالسلفية الجهادية أضرت كثيرًا بصورة وسمعة التيار السلفي العراقي.

3.الانقسام العرقي: يُعدُّ الانقسام العرقي من عوامل ضعضعة التيار السلفي؛ حيث يجري التفريق بين التيار السلفي العراقي والتيار السلفي الكردستاني؛ ففي كردستان يصنف حزب النهضة الإسلامي على أنه حزب سلفي.

4.التنافس (الإسلاموي - الإسلاموي):

تشهد الساحة العراقية صراعًا إسلامويًّا بين التيار السلفي وجماعة الإخوان؛ الأمر الذي قد يؤدي إلى إضعاف الأول؛ فمثلًا الحزب الإسلامي العراقي المحسوب على الإخوان ليس على توافق مع مفتي العراق، المحسوب على التيار السلفي العراقي «مهدي الصميدعي»؛ حيث يدعي الحزب الإسلامي أن «الصميدعي» مدعي منصب مفتي العراق. ويُعدُّ «الصميدعي» من أبرز القيادات السلفية والسُّنية التي تحاول أن تلعب دورًا سياسيًّا بارزًا في الساحة العراقية.

5.الانشقاقات والتشرذمات:

يعاني التيار السلفي العراقي حالة من التشرذم والانشقاق؛ فمنذ سقوط نظام البعث في عام 2003 ظهر العديد من الجماعات السلفية، سواء المقاتلة أو الدعوية، إلا أنها لم تتحد وتنتظم في كِيان واحد أو كِيانين على الأكثر، مثلما هو الحال في الجانب الكردي، الذي ينقسم إلى حزبين كبيرين؛ فالتيار السلفي الكردي له تنظيماته والتيار السلفي العراقي له تنظيمات أخرى.

ورغم أن «أنصار الإسلام» (كردي 2001) هو أول تنظيم سلفي عراقي مقاتل، فإن هذا لم يشفع أن يكون التنظيم الجامع لبقية التنظيمات السلفية، ففور الاحتلال نشأ تنظيم «أنصار السُّنَّة» الذي انشق عنه «تنظيم أنصار السُّنَّة - الهيئة الشرعية»، كما وفدت تنظيمات سلفية إلى العراق، مثل جماعة التوحيد والجهاد بزعامة «أبو مصعب الزرقاوي».

المصدر

مقتبس من موقعي:www.alwastnews.com\www.almarjie-paris.com

ولاحظ:الحركات الاسلامية في الوطن العربي ج1 ص1180-1190.

الحركات الاسلامية في الوطن العربي\اعداد:مجموعة من الباحثين\اشراف:د.عبد الغني مراد\نشر:مركز دراسات الوحدة العربية-بيروت\الطبعة الاولى-2013م.