الاستصحاب عند الفريقين

من ویکي‌وحدت

الاستصحاب عند الفريقين: الاستصحاب قاعدة أصوليّة عند الشيعة وأهل السنة تأتي فيما إذا كان لدينا يقين بحالة في زمنٍ سابق وشك بذات الحالة في زمن لاحق، ومقتضى القاعدة هنا الحكم ببقاء الحالة السابقة. و ذلك من قبيل يقيننا بطهارة الإناء سابقا وشكّنا بالطهارة لاحقاً، فنستصحب الحالة المتيقّنة سابقا ونحكم بطهارة الإناء.

الاستصحاب لدى الفريقين

لم ينل الاستصحاب لدى أهل السنّة بحثا وافيا بالنحو الذي ناله لدى الشيعة، ورغم إفراد بحث مستقل له في مصادرهم الأصولية، إلاَّ أنَّه أدرج في مصادر القواعد الفقهية ضمن بحوث قاعدة (اليقين لا يُزال بالشك) أو (اليقين لايزول بالشك)، وقد ضمَّ هناك بحوثا تطبيقية تفتقر إلى التنظير والتحليل، لا كما نراه في بحوث الشيعة، رغم الأهميَّة التي أولوها للاستصحاب كأحد موارد قاعدة اليقين المزبورة. إنَّهم يفسِّرون الاستصحاب بثبوت الحالة السابقة دون السعي لتعريف أو تضييق هذه الحالات، فعلى سبيل المثال يعتمدون قواعد كثيرة لإثبات الحالة السابقة، من قبيل: أصالة الإباحة أو الحِلّ، وأنَّ كلَّ شيء حلال حتَّى يُعلم بحرمته، كما هو حال الأطعمة، وكذلك أصالة التحريم الواردة في اللحوم، أي كلّ لحم حرام حتَّى يُعلم تذكيته، وإذا شكّوا بأمر يحتمل تغييره للحكم المتقدِّم أجروا الاستصحاب لإثبات الحكم المتقدِّم ونفوا احتمال تغييره. أمَّا متأخري الشيعة فقد فصَّلوا في هذا المجال كثيرا وقسّموا ـ على سبيل المثال ـ الاحتمال الطارئ أو الشبهة إلى شبهة حكمية ـ كما هو مورد المثال ـ وإلى شبهة موضوعية. وفي باب الشروط والأركان، فقد فرض الشيعة شروطا وأركانا كثيرة للاستصحاب، ضيّقوا من مفهومه من جهة ومن دائرة انطباقه من جهة أخرى، ليميّزوا بينه وبين قواعد أخرى تدخل في باب اليقين، لكن لم نرَ هكذا تفاصيل عن أهل السنّة، وحتَّى المتأخّرين منهم لم يبدو رأيا ـ سلبا أو إيجابا ـ بهذه المستحدثات من البحوث، وظلَّت عندهم بحوث الاستصحاب بدائية. رغم أنّ بعضهم لايعدّونه دليلاً في ذاته ومصدرا مستقلاً للاستنباط بل إعمالاً لدليل[١]، إلاَّ أنَّه يحظى بأهمية فائقة، تبرز هذه الأهمية من خلال اعتبارهم إيَّاه داخلاً في جُلِّ أبواب الفقه، بحيث عدَّ بعضهم المسائل المستخرجة على أساس الاستصحاب و قاعدة اليقين عموما بثلاثة أرباع الفقه أو أكثر، وسعة استخدام هذه القاعدة يؤيد ذلك. [٢] وفي مجال الاستدلال على الاستصحاب بالسنّة يستشهد بروايات ربّما لايمكن الاستشهاد بها على الاستصحاب من منظار شيعي، وهي وإن استبطنت مفهوما من مفاهيم القواعد المدرجة تحت اليقين، إلاَّ أنَّ الشيعة باعتبارهم ضيّقوا معنى الاستصحاب وفرضوا شروطا وأركانا له جعلوا منه قاعدة لايمكن الاستدلال عليه بكلّ ما ورد من روايات في مجال اليقين، إلاَّ أنَّ هذا ممكنا من منظار اُصوليي أهل السنّة. [٣] لايمكن القول هنا بأنَّ الفريقين يختلفان في هذه المجالات، بل الأصح القول بأنَّ اُصوليي أهل السنّة سكتوا أو تركوا دراسة ما استحدثه الشيعة من بحوث لاحقة في الاستصحاب، وهذا أعمّ من القبول أو الرفض، ولأجل هذا السكوت والإغماض تعدُّ معظم البحوث الواردة في الاستصحاب شيعيّة.

المصادر

  1. انظر : البرهان في أصول الفقه 2 : 171، المستصفى 1 : 238، أصول الفقه أبو زهرة: 283، أصول الفقه الإسلامي (الشرنباصي): 97 ـ 98.
  2. انظر : الأشباه والنظائر السبكي 1 : 13 ـ 40، الأشباه والنظائر (السيوطي): 7 ـ 12، 50 ـ 76، الأشباه والنظائر (ابن نجيم): 60 ـ 83 ، شرح القواعد الفقهية : 81 ، القواعد الفقهية (الندوي) : 318.
  3. انظر : الروايات الواردة عن أهل السنّة والتي استدلَّ بها على الاستصحاب. منها : ما روي عن النبي صلى‏الله‏عليه‏و‏آله أ نّه قال : «إذا وجد أحدكم في بطنه شيئا فأُشكل عليه، أخَرَج منه شيء أم لا، فلا يخرجنّ من المسجد حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا» صحيح مسلم 1 : 276 كتاب الحيض، باب 26 الدليل على أنّ من تيقَّن الطهارة ثمّ شكّ في الحدث،
    فله أن يصلّي بطهارته تلك ح99، السنن الكبرى (البيهقي) 1 : 117 كتاب الطهارة، باب الوضوء من الريح يخرج من أحد السبيلين، من حديث أبي هريرة. ومنها : ما رواه سعيد بن المسيّب وعبّاد بن تميم عن عمّه [عبداللّه‏ بن زيد الأنصاري] أ نّه قال : شُكي إلى النبي صلى‏الله‏عليه‏و‏آله الرجل يجد الشيء في الصلاة حتى يُخيّل إليه، فقال : «لاينفتل حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا». سنن أبي داود 1 : 45 كتاب الطهارة، باب إذا شكّ في الحدث ح176.