اتحاد طريق المسألتين

من ویکي‌وحدت

قاعدة إتحاد طریق المسألتین إصطلاحٌ في علم اصول الفقه لسرایة الحکم من الأصل إلی الفرع، و هذا غیر قیاس منصوص العلة و غیر القیاس الظني، بل إنّه مجرد التعليق الذي يستفيد الفقيه منه كون الوصف المذكور مشعراً بالعلّيّة.

تعریف اتّحاد طريق المسألتين

اتحاد الطريق: هو تعليق الحكم على وصفٍ هو سبب التحريم، فيتعدّى إلى كلّ محلّ يوجد فيه ذلك الوصف. [١] ومفاد هذا التعريف أنّ اتّحاد طريق المسألتين غير قياس منصوص العلّة؛ لأ نّه لم يأخذ قيد النص على العلّة، بل إنّه مجرد التعليق الذي يستفيد الفقيه منه كون الوصف المذكور مشعرا بالعلّيّة، كما بيّن ذلك البهبهاني. [٢] وذكر المحقّق القمي أنّ المراد من اتحاد طريق المسألتين: هو كون دليلهما واحد من جهة اشتمال دليل أحدهما على نص بالعلّيّة، أو تنبيه عليها بحيث يشمل الآخر. [٣] وذكر النراقي أنّ المراد بالطريق هو الدليل، يعني أنّ دليل المسألتين واحد من جهة أنّ دليل الأصل ـ لاشتماله على العلّة نصا أو تنبيها ـ يشمل حكم الفرع أيضاً. [٤] وظاهر هذين التعريفين ـ تعريفي القمي والنراقي ـ أنّ اتحاد طريق المسألتين هو من قياس منصوص العلّة حيث أخذا في تعريفه النص على العلّة أو الإيماء إليها وهو بحكم النص. بل أنّ القمي ناقش في بعض تطبيقاته على أساس أنّ النص على العلّة أو الإيماء إليها غير كافٍ في الإلحاق ما لم يقطع معه بعدم الفارق بين المنصوص وغير المنصوص، وهي نفس المناقشة التي أوردها على قياس منصوص العلّة. [٥] ويعدّ اتحاد طريق المسألتين من الأدلة التي يصار من خلالها إلى إلحاق غير المنصوص بالمنصوص عليه، كإلحاق ذات البعل المزني بها بالمطلّقة رجعيّا، التي ورد النص بتحريمها مؤبّداً على الزاني، لاتحاد الوصف والمناط فيهما. [٦] وهو اصطلاح درجت عليه كتب الشيعة الإمامية في الفقه، ولم يتطرّق له أهل السنّة إلاّ الآمدي استطراداً. [٧] وقد يصطلح عليه بـ «اتحاد المناط»[٨]، إلاّ أنّ «اتحاد المناط» كما يستدلّ به في الفقه في بعض المسائل كذلك يستدلّ به في الأصول. [٩]

ماهية اتحاد طريق المسألتين

رغم استدلال الفقهاء به كثيرا وفي مواطن عدّة فيما لم يُنص على حكمه من الفقه وإلحاقه بالمنصوص عليه، إلاّ أ نّهم لم يبيّنوا المراد منه تحديدا، لكن من خلال مراجعة كلماتهم يمكن تحليل المسألة بما يلي: أولاً: أ نّه غير القياس المنهي عنه، ولذا حرصوا على التأكيد على ذلك، فكانوا كثيرا مايكررون نفي القياس عنه عند الاستدلال به في بعض المسائل، وإلحاق غير المنصوص بالمنصوص عليه. [١٠] وذكر الوحيد البهبهاني: «أنّ الظاهر من الفقهاء أ نّه ليس بقياس أصلاً، وأنّ المنشأ الفهم العرفي، وهو كذلك بعد وجود النص وملاحظته».[١١] والذي يبدو ـ كما هو ظاهر الآمدي[١٢]ـ أنّ الفرق بين القياس واتحاد طريق المسألتين هو: أنّ القياس يعتمد على افتراض وجود أصل وفرع ويراد تسرية الحكم الثابت للأصل إلى الفرع، وأمّا في اتحاد طريق المسألتين فيفترض أنّ نسبة الدليل المثبت للحكم إلى المسألتين نسبة واحدة ولايوجد أصل وفرع، غاية الأمر أنّ أحدهما منصوص عليه والآخر لم ينص عليه، وبطريقٍ ما يراد تسرية الحكم من المنصوص إلى غير المنصوص. ثانيا: إذا لم يكن من القياس الظني فأي نوع من الادلّة هو؟

الأقوال في اتحاد طریق المسألتین

من خلال ملاحظة كلماتهم يمكن استحصال أقوال في ذلك: الأول: أنّه قياس منصوص العلّة. وهو ما ذهب إليه ابن فهد الحلّي[١٣]، ومحمد العاملي[١٤]، والطباطبائي[١٥]، ويظهر من فخرالمحقّقين حيث اشترط فيه كون العلّة منصوصة أو معلومة ضرورة في جواز الإلحاق[١٦]، ونسب إلى جماعة[١٧]، وهو الظاهر من تعريف النراقي والقمي المتقدّمين. الثاني: أ نّه خاص بالقياس الحجّة. ذهب النراقيان إلى أن اتّحاد طريق المسألتين قد يكون عنوانا عاما يشمل كلاًّ من القياس المنصوص العلّة و قياس الأولوية و تنقيح المناط، وأ نّهم درجوا بتسميتها اتحاد طريق المسألتين خروجا من تسميتها بالقياس المنهي عنه في مذهب الشيعة الإمامية[١٨] الثالث: أ نّه أعمّ ممّا ذكر. ويظهر هذا القول من خلال مراجعة مواطن استعماله والأمثلة التي ساقوها في الفقه، فإنهم كثيرا مايستدلّون به ـ كما ستعرف ـ في مواضع لم ينص فيها على العلّة، بل الإلحاق بواسطة اتحاد الطريق الذي تمَّ على أساس استظهار المجتهد؛ لاشتراك المسألتين في علّة ومناط الحكم فيهما. والذي يبدو من خلال ما يذكر من أمثلة أنّ اتحاد طريق المسألتين يشمل مختلف أنواع إلحاق المسكوت بالمنطوق وغير المنصوص بالمنصوص عليه، ولذلك اختلف الفقهاء كثيرا في مصاديقه ومورد تطبيقه، فمنه ما يكون الاتحاد فيه واضحا إلى درجة كبيرة، فيكون الإلحاق جائزا، ومن مناسبات الحكم والموضوع أو تنقيح المناط أو إلغاء الفارق والخصوصية، فيكون من القياس الجلي كما اصطلح عليه الأردبيلي. [١٩] وإن لم يكن الاتحاد فيه واضحا فهو يندرج في القياس الظني المنهي عنه؛ ولذلك ردّوه في كثير من المسائل. [٢٠]

حكم المسألة

أكثر الشيعة الإمامية ذهبت إلى حجّية اتّحاد طريق المسألتين في الجملة[٢١]؛ لاستدلالهم به كثيرا في الفقه ـ كما سيتبيّن ـ وكأنّه مفروغ عنه، والمناقشة في المصاديق التي يطبق فيها اتحاد طريق المسألتين لاينفي أصل الحجّية عنه، كما نوّه إلى ذلك المحقّق القمي. [٢٢] نعم يظهر من الأصفهاني عدم قبوله، وذكر أنّ اتحاد طريق المسألتين إذا كان عاما قابلاً للتخصيص أو مطلقا قابلاً للتقييد لايلزم من الالتزام به في إحدى المسألتين الالتزام به في المسألة الأخرى؛ لاحتمال أن يكون معارضا بما يوجب سقوطه عن الحجّية. [٢٣]

تطبيقات

استدلّ به الفقهاء في مواطن كثيرة من الفقه: منها: إلحاق التكلّم لتسوية صف الجماعة، وكلّ ما هو لمصلحة الصلاة أثناء الإقامة، ممّا لم ينص على جوازه وعدم كراهته بالتكلّم؛ لأجل تقديم الإمام المنصوص على جوازه وعدم كراهته. وذكر أنّ دليل ذلك هو اتحاد طريق المسألتين. [٢٤] ومنها: إلحاق التولية والمرابحة بالبيع في القيود والأحكام. [٢٥] ومنها: ما إذا ادّعى المدعي شيئا على ميت حيث حكم الفقهاء باستحلاف المدّعي على بقاء الحق في ذمّة الميّت، وقالوا بإمكان تسرية الحكم المذكور فيما لو ادّعى المدعي شيئا في ذمّة الطفل أو المجنون أو الغائب، وذكروا أنّ دليله هو اتحاد طريق المسألتين. [٢٦] ومنها: وجوب نبش القبر فيمن لم يكفّن أو يصلى عليه إلحاقا له بمن لم يغسّل الذي هو المنصوص عليه. [٢٧] ومنها: إجراء أحكام الزكاة بالنسبة إلى جواز النقل وعدمه على الخمس، إلحاقا له بها لاتحاد الطريق بينهما. [٢٨] ومنها: جواز شراء الوصي لنفسه من مال الميّت إلحاقا له بالأب والجد. [٢٩] ومنها: وجوب تكرار الصلاة في الثياب التي يشتبه بنجاسة أحدها؛ إلحاقا له باشتباه القبلة في وجوب تكرار الصلاة. [٣٠] وغير ذلك من الأحكام التي لم ينص عليها والتي استدلّ لها باتحاد طريق المسألتين. [٣١] وقد وقع البحث والرد في التطبيقات المذكورة وغيرها بين الفقهاء على أساس إثبات الاتحاد المفترض أو نفيه بين المنصوص عليه وغير المنصوص.

المصادر

  1. التنقيح الرائع 1 : 7.
  2. مصابيح الظلام 1 : 38.
  3. القوانين المحكمة : 299.
  4. مناهج الأحكام والأصول : 249.
  5. القوانين المحكمة : 299.
  6. انظر: التنقيح الرائع 1 : 7، الفوائد الحائرية: 149، مفاتيح الأصول: 677.
  7. الإحكام 3 ـ 4 : 281.
  8. غنائم الأيام 1 : 153 ـ 154، منية الطالب في شرح المكاسب 1 : 70.
  9. انظر : هداية المسترشدين 3 : 503، تعليقة على معالم الأصول القزويني 3 : 49، نهاية الأفكار 3 : 310.
  10. انظر : إيضاح الفوائد 3 : 78 و4 : 223، 334، التنقيح الرائع 2 : 395، مسالك الأفهام 10 : 252 و13 : 462، مجمع الفائدة والبرهان 12 : 165، رياض المسائل 9 : 500 ـ 501، مستند الشيعة 17 : 254، جواهر الكلام 24 : 240.
  11. الفوائد الحائرية : 149.
  12. الإحكام 3 ـ 4 : 281.
  13. المهذّب البارع 1 : 68.
  14. مدارك الأحكام 8 : 477.
  15. مفاتيح الأصول : 677.
  16. إيضاح الفوائد 3 : 71.
  17. مناهج الأحكام والأصول : 249.
  18. تجريد الأصول : 99، مناهج الأحكام والأصول : 249، 251.
  19. مجمع الفائدة والبرهان 12 : 165.
  20. انظر : القوانين المحكمة : 299.
  21. انظر : نضد القواعد الفقهية : 13، التنقيح الرائع 1 : 7، مفاتيح الأصول : 677، مناهج الأحكام والأصول : 249، 251
  22. القوانين المحكمة : 299.
  23. الفصول الغروية : 257.
  24. غنائم الأيام 2 : 419.
  25. جواهر الكلام 23 : 329، فقه الصادق 18 : 318.
  26. إيضاح الفوائد 4 : 334، مسالك الأفهام 13 : 462، مجمع الفائدة والبرهان 12 : 165، رياض المسائل 13 : 114، مستند الشيعة 17 : 523 ـ 524.
  27. جواهر الكلام 4 : 358.
  28. جواهر الكلام 16 : 114.
  29. التنقيح الرائع 2 : 395، رياض المسائل 9 : 500 ـ 501.
  30. المهذّب البارع 1 : 243.
  31. انظر : إيضاح الفوائد 3 : 71، 78، 116، 302، و4 : 223، 432، 472، مسالك الأفهام 10 : 252، مستند الشيعة 7 : 94، جواهر الكلام 24 : 226 و28 : 426.