آراء علماء المدرستين فى تدوين القرآن وجمعه

من ویکي‌وحدت

آراء علماء المدرستين فى تدوين القرآن وجمعه: لا شكّ ولا ريب من أنّ القرآن الكريم هو الكلام المعجز، المنزل وحياً على النبي (ص)، المكتوب فى المصاحف، المنقول منه بالتواتر، المتعبد بتلاوته، الاّ انه فقد وقع الخلاف بين المسلمين فى بعض المسائل المتعلقة بتدوين القرآن وجمعه، فهل النبي الاكرم ص قام بتدوين القرآن وجمعه في ضمن صحف واحد بحيث تم ترتيب السور والآيات بأمر النبي الاكرم (ص) نفسه، وما قام به الصحابة في عصر الخليفة الاول أو الثالث ليس إلاّ توحيد المصحف بعد أن تعدّدت مصاحف الصحابة وتمايزت بعضها عن بعض بعد وفاة النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم)، أو انه صلى الله وعليه وآله إرتحل إلى الملئ الاعلى تاركاً القرآن بين ظهره على الرقاع والجلود ووو... غيرها ولم يهتم بجمعه وحفظه؟ ففي مقام تحديد الموقف ظهرت اتجاهات وآراء متعددة وفي هذا البحث نتعرض الى بيان تلك الآراء وأدلّتها مع بيان بعض ما يرد على تلك الآراء من الملاحظات، ونتيجة هذا البحث سوف يؤكد لنا سلامة النص القرآني من اي نوع من التحريف ومدى مطابقة النص القرآني المثبت فى المصحف الشريف للوحي الذي نزل على الرسول الاعظم(ص) وسلامة الطريق الذي وصل من خلاله النص الشريف.

مفهوم جمع القرآن وتدوينه لغةً وإصطلاحاً

الف: جمع القرآن لغةً

قبل أن نحدد المراد من مصطلح ( جمع القرآن ) يحسن بنا أن نعرف معنى الجمع لغة: :فيقول الفيروز آبادي : " الجمع : تأليف المتفرق، ويقول الراغب الأصفهاني : " الجمع : ضم الشئ ، بتقريب بعضه إلي بعض، وعلى ذلك فالجمع في لغة العرب يعني الضم ، والاستقصاء والإحاطة، وعليه المقصود من الجمع القرآن هو ضم آيات وسور القرآنية بعضها مع بعض جنبا بجنبٍ.

ب: المراد بجمع القرآن اصطلاحاً

فإن أردنا أن نطبق هذا المعنى اللغوى على القرآن الكريم فإننا نقول أن المراد من الجمع هو جمعه بأياته وسوره وضم بعضها الى بعض بالترتيب المعروف ولكن على لسان القوم جائت هذه الكلمة على الاقل على ثلاث معانٍ:

الاول: جمع القرآن بمعنى الكتابة فقط

وقد دلّت النصوص والشواهد تاريخية وغيرهاعلى كتابة القرآن الكريم بمجموعة في عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم)، وأنّه (صلى الله عليه وآله وسلّم) كان يكلّف بعض الصحابة بكتابة القرآن حتى عُرفوا بكتّاب الوحي، كما أشارت مجموعة من النصوص الى ذلك، مثل ما رواه الحاكم عن زيد بن ثابت، قال: كنّا عند رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) نؤلف القرآن من الرقاع "قال الحاكم": هذا حديث صحيح على شرط الشيخين "وفيه الدليل الواضح انّ القرآن انّما جُمع على عهد رسول الله"[١]. ولا اعتقد أنّ احداً من المسلمين يختلف الجمع بهذا المعنى بل الكل يعترف فى وقوع ذلك فى عهد النبي (ص) .

الثانى: الجمع بمعنى جمعه ضمن صحف واحد

بحيث تم ترتيب السور والآيات بأمر النبي الاكرم (ص) نفسه، وقد اختلف الباحثون في ذلك فيرى بعضهم أنّه قد تمّ في عصر الرسول (صلى الله عليه وآله وسلّم)مستدلين بمجموعة من أدلة، منها ان مصحف واحد القرآن كان له حفظة وكتّابٌ ممّا يكشف عن جمعه ضمن المصحف، وسياتي بيان ذلك، الفريق الآخر أن هذا الجمع قد تحقق بعد وفاته (صلى الله عليه وآله وسلّم) مستشهدين بمجموعة من النصوص المروية من الفريقين. منها: النصوص الدالة على أنّ أول من جمع القرآن الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام)، مثل ما رواه علي بن إبراهيم بسنده عن أبي بكر الحضرمي عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: إنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) قال لعلي: يا علي، القرآن خلف فراشي في المصحف والحرير والقراطيس فخذوه واجمعوه ولا تضيّعوه كما ضيّعت اليهود التوراة، فانطلق علي (ع) فجمعه في ثوب أصفر، ثمّ ختم عليه في بيته، وقال: لا ارتدي حتى أجمعه، وإن كان الرجل ليأتيه فيخرج إليه بغير رداء حتى جمعه.[٢]. وقد نسب الى أبى بكر أو الى ابن الخطاب والى العثمان.

الثالث: جمع القرآن بمعنى توحيد المصاحف

ولا اعتقد أنّ هناك اثر عملي مهم يترتب على وجود الاختلاف فى هذا المعنى من الجمع لواثبتنا انّ الجمع بالمعنى الثانى قد تمّ فى عصر الرسول (صلى الله عليه وآله وسلّم).ولكن يبدو من مجموعة من النصوص انّ توحيد المصاحف قد تحقّق في عهد عثمان بن عفان بعد أن تعدّدت مصاحف الصحابة وتمايزت بعد وفاة النبي (صلى الله عليه وآله وسلّم)، فقد روى البخاري بسنده عن ابن شهاب انّ انس بن مالك حدّثه "انّ حذيفة بن اليمان قدم على عثمان وكان يغازي أهل الشام في فتح أرمينية وآذربايجان مع أهل العراق، فافزع حذيفة اختلافهم في القراءة، فقال حذيفة لعثمان: يا أمير المؤمنين، أدرك هذه الأمة قبل أن يختلفوا في الكتاب اختلاف اليهود والنصارى، فأرسل عثمان الى حفصة أن أرسلى إلينا بالصحف ننسخها في المصاحف ثمّ نردّها إليك. فأرسلت بها حفصة الى عثمان، فأمر زيد بن ثابت وعبد الله بن الزبير وسعيد بن العاص وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام فنسخوها في المصاحف، وقال عثمان للرهط القرشيين الثلاثة: إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في شيء من القرآن فاكتبوه بلسان قريش فانّما نزل بلسانهم، ففعلوا. حتى إذا نسخوا الصحف في المصاحف ردّ عثمان الصحف الى حفصة، فأرسل الى كل أفق بمصحف ممّا نسخوا وأمر بما سواه من القرآن في كل صحيفة أو مصحف أن يحرق [٣].

آراء علماء مدرسة الخلفاء حول تدوين القرآن

عند البحث نقف عند آراء متعددة لدى علماء هذه المدرسة حول تدوين القرآن وجمعه، منها:

الرأي الاول: القرآن تمّ تدوينه بعد وفاة النبي الأكرم ص

هذا هو القول الذي ذهب اليه جمهور علماء مدرسة الخلفاء، حيث قالوا بأنّ النبى(ص) ترك الأمة الإسلامة بلا مصحف مجموع ولا كتاب يحوي القرآن وحيث أنّ عدداً كبيراً من حفاظ القرآن قد قتل فى حرب اليمامة خيف ضياع كثير مما حفظه اولئك فأمر بجمعه فجمع، ومن هولآء : ابن عطية يقول: كان القرآن فى مدة رسول الله(ص) متفرعاً فى صدور الرّجال وقد كتب الناس منه فى صحف وفى جريد وفى لحاف وفى طرَر ...... فلما استحر القتل بالقراء يوم المامة .......فندبا إلى ذلك زيد بن ثابت فجمعه غير مرتب بعد تعبٍ شديد... [٤] . وكذلك يقول القرطبي: كان القرآن فى مدة النبي(ص)متفرقاً فى صدور الرجال وقد كتب الناس منه .......ثو يذكر ما ذكره ابن عطية حذوا ًبحذوٍ القرطبي، محمد بن احمد، جامع الاحكام للقرآن،ج1، ص49. ومنهم آلوسي، حيث يقول: اعلم ان القرآن جمع أولاً بحضرة النبي(ص)فقد أخرج الحاكم بسند على بشرط الشيخين عن ذيد ...كنا عند النبي(ص) نؤلف فى الرقاع وثانياً بحضرة أبي بكر ثم يذكر رواية بخاري.... [٥]. وكذلك النشابوري وغيرهم ذهبوا الى هذه النظرية راجع [٦].

الرأي الثاني: القرآن تمّ تدوينه بلحاظ الآيات دون السور

أنّ القرآن قد جمع فى عهد النبي(ص) بلحاظ الآيات دون السور وهذا راي ذهب إليه اليه بعض علماء مدرسة الخلفاء منهم: محمد فريد الوجدي حيث يقول: الكتاب الكريم الذي اوحاه الله خاتم أنبيائه محمد... ثم جمع فكان هو ذلك الكتاب الآلهي الذي جعله الله آيةً خالده وكان رسول الله جعل له كتاباً يكتبونه منهم الخلفاء الآربعة .... يضع أية كذا فى موضوع كذا على الترتيب الذى عليه آي السور وأما السور فقد قال أكثر المسلمين انه إجتهاد من الصحابة ولا ضير عليك لو قرأته باي ترتيب شئت [٧].

الرأي الثالث: القرآن جمع على ما هو موجود فى المصاحف الآن

القائلين بهذا الرأي ذهبوا الى أن القرآن قد جمع فى عهد النبي(ص) وكان ترتيبه على ما هو موجود فى المصاحف الآن . وهذا راي ذهب إليه جمع من محققين من علماء هذه المدرسة، منهم: الحاكم النيسابوري حيث قال تعليقا على رواية: عن زيد بن ثابت رضي الله تعالى عنه قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم نؤلف القرآن من الرقاع، وفيه الدليل الواضح على أن القرآن إنما تمذ جمعه وتدوينه بشكل الحالي في عهد رسول الله صلى الله عليه (وآله) وكذلك يذهب إلى هذا القول، عبد القادر، حيث قال اعلم نور الله بصيرت انه ثبت فى الصحيح عن انس جمع القرآن على عهد رسول(ص) أربعة كلهم فى الأنصار ....وكان جمعه على عهد الرسول على الرقاع ...لا على صحف وكان ترتيبه على ما هو موجود فى المصاحف الآن ثم كان جمعه على زمن أبي بكر عبارة عن نسخه من هذه الأشياء إلى صحف وفى زمن عثمان نسخه الى صحف وكراريس ....ومن قال انه لم يجمع على عهد الرسول فقد أخطاء [٨].

وكذلك من العلماء اللذين الى هذا القول هو البغدادي حيث يقول: بعد مناقشة طويلة وقد تقدم حديث ذيد .....وفيه (أنه استحر القتل بقراء القرآن ) فثبت بمجموع هذه الأحاديث أن القرأن كان على هذا التأليف والجمع فى زمن رسول الله(ص) وانما ترك جمعه فى صحف واحد ...كان رسول الله(ص)انه يلقن أصحابه ويعلمهم ما نزل عليه من القرآن على الترتيب الذي هو الآن فى مصاحفنا بتوقيف جبرئيل ... فثبت أنّ سعي الصحابة فى جمعه فى موضع واحد لا فى ترتيبه فإنّ القرأن مكتوب يبقى اللوح المحفوظ على النحو الذي هو فى مصاحفنا الآن [٩].

ومن القائلين بهذا الراي ابن حزم الأندلسي حيث قال فى الإحكام : " فلم يمت رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم إلا والقرآن مجموع كما هو مرتب لا مزيد فيه ولا نقص ولا تبديل ، والقراءات كانت على عهد رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم باقية كلها كما كانت لم يسقط منها شيء ولا يحل حظر شيء منها قل أو كثر [١٠]." وقال : "إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ [١١]. وهذه الآية تبين ضرورة أن جمع القرآن كما هو من ترتيب حروفه وكلماته وآياته وسوره حتى جمع كما هو فإنه من فعل الله عز وجل وتوليه جمعه أوحى به إلى نبيه عليه السلام وبينه عليه السلام للناس فلا يسع أحدا تقديم مؤخر من ذلك ولا تأخير مقدم أصلا ". ويبين كذب هذه الأخبار ما رويناه بالأسانيد الصحيحة أنه صلى الله عليه (وآله) وسلم كان لا يعرف فصل سورة حتى تنـزل {بِاِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَانِ الرَّحِيمِ} ، وأنه صلى الله عليه (وآله) وسلم كانت تنـزل عليه الآية فيرتبها في مكانـها ولذلك تجد آية الكلالة وهي آخر آية نزلت وهي في سورة النساء في أول المصحف وابتداء سورة {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (العلق، 1.) . في آخر المصحف وهما أول ما نزل ، فصح بـهذا أن رتبة الآي ورتبة السور مأخوذة عن الله عز وجل إلى جبريل ثم إلى النبي صلى الله عليه (وآله) وسلم لا كما يظنه أهل الجهل أنه ألف بعد موت النبي صلى الله عليه (وآله) وسلم ، ولو كان ذلك ما كان القرآن منقولا نقل الكافة ولا خلاف بين المسلمين واليهود والنصارى والمجوس أنه منقول عن محمد صلى الله عليه (وآله) وسلم نقل التواتر [١٢]. وقال الآمدي : إن المصاحف المشهورة في زمن الصحابة كانت مقروءة عليه–صلى الله عليه وآله وسلم- ومعروضة. وفى مكان آخر يقول:" إن النص المنـزل لم يقتصر على كونه قرآناً أو مجموعة من الآيات تتلى أو تقرأ ، وتحفظ في الصدور ، وإنما كان أيضا كتابا مدونا بأعداد ، فهاتان الصورتان تتضافران وتصحح كل منهما الأخرى ، ولهذا كان الرسول كلما جاءه الوحي وتلاه على الحاضرين أملاه من فوره على كتبة الوحي [١٣].

ومن هولاء العلماء ابن عاشورحيث قال: وقد جمع من الصحابة القرآن كله فى حياة رسول الله. [١٤]. ونذكر هنا كلام أحد علماء الإباضية في الدفاع عن جمع القرآن فقال في منهج الطالبيـن : " فإني لأعجب ممن يقبل من المسلمين قول من زعم أن رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم ترك القرآن الذي هو حجّته على أمته والذي تقوم به دعوته والفرائض التي جاء بـها من عند الله و لم يجمعه ، ولم يضمّـه ، ولم يخطـه ، ولم يحصـه ، ولم يُحكم الأمر في قراءته و ما يجوز من الاختلاف فيها ، وما لا يجوز في إعرابه و مقداره ، وتأليف سوره ، وهذا لا يتوهم على رجل من عامة المسلمين فكيف برسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم ". فلو لم يكن القرآن مجموعا مكتوبا في عهد رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم فأي شيء كان يكتب هؤلاء ؟ وكيف يجوز على القوم الذين ذكرنا أحوالهم أن يتركوا جمع القرآن والوقوف على تأليفه ومقدمة ومؤخرة، وهو إنما أنزل عليهم وفيهم على ما تقدم من شرح "وقد روى أصحاب الحديث : أن القرآن كان مفرقا حتى جمعه أبو بكر الصديق رضي الله عنه وروى آخرون أن الذي جمعه : عثمان بن عفان وأنـهم أخذوا آية من هاهنا وآية من هاهنا وأن الرجل كان يخبر بالآية ويسأل عنها الشهود ثم تكتب وأن زيد بن ثابت لمـا أمره عثمان بن عفان أن يكتب في المصحف - فقد آيتين حتى وجدها عند رجلين من الأنصار وأن زيدا و غيره من الصحابة تولوا تأليف السور والآيات - وهذه الأخبار مطعون عليها ، ويقال أن الزنادقة دلّسوا وأضافوا الزيادات في أحاديث الأئمة، بل إن الدلالة قد قامت من طريق العقل لأن السور كانت معروفة متولفة في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأن القرآن كان قد فرغ من جمعه [١٥]. وهناك كثير من المحقيقن المتأخرين المعتدلين غير المتطرفين أهل السنة رجّحوا هذا الرأي، وهناك آراء آخرى نتجنب بذكرها فراجع [١٦].

الرأي الرابع: أوّل من جمع القرآن بعد وفاة النبي هو علي عليه السلام

قال ابن سعد في الطبقات : "عن أيوب وابن عون عن محمد قال : نبئت أن عليا أبطأ عن بيعة أبي بكر ، فلقيه أبو بكر ، فقال : أكرهت إمارتي ؟ فقال : لا ، ولكنني آليت بيمين أن لا أرتدي بردائي إلا إلى الصلاة حتى أجمع القرآن . قال : فزعموا أنه كتبه على تنـزيله . قال محمد : فلو أصيب ذلك الكتاب كان فيه علم . قال ابن عون : فسألت عكرمة عن ذلك الكتاب فلم يعرفه "[١٧].

آراء علماء مدرسة أهل البيت ع حول جمع القرآن

عند البحث حول جمع القرآن وتدوينه لدى علماء مدرسة أهل البيت عليهم السلام نجد ثلاث آراء ، منها:

الرأي الاول: اول من جمع القرآن هو النبي الاكرم صلى الله عليه وآله

القائلين بهذا الرأي هم جلّ علماء مدرسة أهل البيت الاطهار عليهم السلام فهم ذهبوا الى القول بأنّ اول من جمع القرآن وقام بتنظيم آياته وأثبتها فى مواضعها المرادة للّله عزوجل هو الرسول الأعظم فهو الذي بدرايته وحفظه وأتم السور ورتبها وأشرف عليها مملياً ومستكتباً وأمر الناس بكتابته والقيام بحفظه والإشتغال بنسخه وما أرجأء آية نزلت ولا كلمة إلى زمن أتٍ لتكتب ولا لمقام آخر لتدون وما اعتمد على أمته فى هذا الدور الخطير الذي يحتاج الى تسديد مباشر من الوحي، ومنهم: السيد الشريف المرتضى حيث قال: إن القرآن الكريم على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) مجموعا مؤلفا على ما هو عليه الآن، فإن القرآن كان يحفظ ويدرس جميعه في ذلك الزمان، حتى عيب على جماعة من الصحابة في حفظهم له، وأنه كان يعرض على النبي (صلى الله عليه وآله)، وإن جماعة من الصحابة مثل عبد الله بن مسعود وأبي بن كعب وغيرهما ختموا القرآن على النبي (صلى الله عليه وآله) عدة ختمات، وكل ذلك يدل بأدنى تأمل على أنه كان مجموعا مرتبا غير منثور ولا مبثوث [١٨]. وقد نقله عن [١٩].

كذلك الإمام السيد شرف الدين العاملي يقول في هذا المجال: وكان القرآن مجموعا أيام النبي (صلى الله عليه وآله) على ما هو عليه الآن من الترتيب والتنسيق، في آياته وسوره وسائر كلماته وحروفه بلا زيادة ولا نقصان، ولا تقديم ولا تأخير، ولا تبديل ولا تغيير، إن القرآن كان عند الشيعة مجموعا على عهد النبي والوحي، مؤتلفا على ما هو عليه الآن، [٢٠]. ومن القائلين لهذا الري السيد الخوي(ره) حيث يقول: إن مصدر الشبهة (تحريف القرآن الكريم )هو زعمهم بأن جمع القرآن كان بأمر من أبي بكر بعد أن قتل سبعون رجلا من القراء في بئر معونة ، وأربعمائة نفر في حرب اليمامة فخيف ضياع القرآن وذهابه من الناس ، فتصدى عمر وزيد بن ثابت لجمع القرآن من العسب والرقاع ، واللخاف ، ومن صدور الناس بشرط أن يشهد شاهدان على أنه من القرآن ، وقد صرح بجميع ذلك في عدة من الروايات ، والعادة تقضي بفوات شئ منه على المتصدي لذلك ، إذا كان غير معصوم والجواب : إن هذه الشبهة مبتنية على صحة الروايات الواردة في كيفية جمع القرآن، ولكن هذه الروايات مخالفة لحكم العقل ، فإن عظمة القرآن في نفسه ، واهتمام النبي - ص - بحفظه وقراءته ، واهتمام المسلمين بما يهتم به النبي - ص - وما يستوجبه ذلك من الثواب ، كل ذلك ينافي جمع القرآن على النحو المذكور في تلك الروايات، فإن في القرآن جهات عديدة كل واحدة منها تكفي لان يكون القرآن موضعا لعناية المسلمين ، وسببا لاشتهاره حتى بين الاطفال والنساء منهم ، فضلا عن الرجال .

الدليل العقلي يؤيد هذا الرأي من جهات

العقل يؤيد بجمع القرآن في عهد النبي ص بجهات، منها:

بلاغة القرآن وفصاحته

فقد كانت العرب تهتم بحفظ الكلام البليغ ، ولذلك فهم يحفظون أشعار الجاهلية وخطبها، فكيف بالقرآن الذي تحدى ببلاغته كل بليغ ، وأخرس بفصاحته كل خطيب لسن، وقد كانت العرب بأجمعهم متوجهين إليه ، سواء في ذلك مؤمنهم وكافرهم ، فالمؤمن يحفظه لايمانه ، والكافر يتحفظ به لانه يتمنى معارضته ، وإبطال حجته.

إظهار النبي ورغبته بحفظ القرآن الكريم

إظهار النبي - ص - رغبته بحفظ القرآن ، والاحتفاظ به : وكانت السيطرة والسلطة له خاصة ، والعادة تقضي بأن الزعيم إذا أظهر رغبته بحفظ كتاب أو بقراءته فإن ذلك الكتاب يكون رائجا بين جميع الرعية، الذين يطلبون رضاه لدين أو دنيا.و كذلك يذكر أدلة متعددة نحذفا خوفاً من ألطالة. [٢١]. ومن العلماء النهاوندي (ره) قال فى انّ جمع القرآن كان فى عصر النبيّ وبامره الحق الذي لا ينبغى ان يعرض عنه هو انّ جمع القرآن كان فى عصر النبيّ(ص) وبامره لشهادة الآثار وحكم العقل ومساعدة الإعتبار.

الرأئ الثاني: جمع القرآن مصحفاً واحداً إنما كان بعد قبض النبي ص

هذا الرأي الذي يشبه برأي المشهورعند أهل السنة، وذهب اليها العلامة الطباطبائى حيث يقول: ( بعد نقل الروايات الدالة على جمع القرآن فى زمن الرسول (ص) مثلما نفقله صاحب المستدرك بإسناده عن زيد قال كنا عند رسول(ص) نؤلف القرآن من الرقاع ) ولعل المراد ضم بعض اللآيات النازلة نجوما إلى بعض السور او الحاق بعض السور إلى بعضها مما يتماثل صنفاً ....وإلا فتأليف القرآن وجمعه مصحفاً واحداً إنما كان بعد ما قبض النبي(ص) بلا اشكال وعلى مثل هذا ينبغي أن يحمل....... [٢٢]. وهذا القول ذهب اليه مرحوم البلاغى أيضاً [٢٣]. [٢٤]. القائلون بهذا الرأي يدعون بانّ اول من جمع القرأن بعد وفاة البني الكرم(ص) هو علي ابن ابى الطالب (ع) وبعده الأئمة :القائل منهم: المحقق البحراني:حيث يذكر بعض الآحاديث معبراً عن رايه ،منها عن ابى جعفر (ع) قال : ما من احد من الناس ادعى انه جمع القرآن كله كماانزله الله الا بالكذب وما جمعه وحفظه كما انزله الله الإ علي(ع) بن ابى طالب والائمة من بعده [٢٥].

خلاصة البحث عن الآراء

من خلال البحث وقفنا عند ستة آراء حول جمع القرآن وتدوينه منها : 1: ما ذهب اليه مشهور اهل السنة وهو أنّ القرآن تم تدوينه اوّل مرة فى زمن أبي بكر ثم فى عهد عمر وثالثاً فى زمن عثمان بن عفان . 2: ما ذهب اليه محقيقين اهل السنة وهو أنّ اول من جمع القرآن وقام بتنظيم آياته وأثبتها فى مواضعهاهو الرسول الأعظم فهو الذي بدرايته وحفظه أتم السور ورتبها وأشرف عليها وأما سعي بعض الصحابة بعد ذلك هو إستنساخ او كتابة نسخ من القرآن المدون المحفوظ .للناس وللمدائن التى فتحوها او غزوها. 3:أن الرسول الأعظم فهو الذي رتّب آيات دون السور فترتيب السور حصل فى زمن الصحابة وبإجتهادهم. 4: هو نفس ما ذهب اليه محقيقين السنة ذهب اليه جل علماء الشيعة. 5: وهو لا ينكر كتابة القرآن فى زمن النبي(ص) ألاّ انّ جمعه بهذا الترتيب الموجود بين أيدينا حصل فى زمن الصحابة متأخراً. 6: أنّ اول من جمع القرآن فى عهد النبي(ص) او بعد وفاته(ص) هوعلي بن ابى طالب (ع) .

الرأي المختار وفق الآدلة مع مناقشة الآراء الاخرى

أنّ الرأيَ المشهورة (ربّ مشهور لا اصل له )عند الجمهور أهل السنة الذي هوعبارة من أن رسول الله لم يجمع القرآن في كتاب واحد، بل تركه متفرقا مبعثرا في صدور الرجال، والأكتاف، والألواح المتفرقة بين المسلمين، وأدرك عمر وابو بكر إن تركا القرآن الكريم دون جمع كما تركه رسول الله فإن الدين سيضيع تماما وسيندثر القرآن الكريم وهو معجزة النبي، وقانون الدولة الإسلامية، لذلك نهدا لهذه المهمة التاريخية، وقاما بجمع القرآن! وسموه المصحف وهذه النظرية تشبه نظرية الجمهور أهل السنة حول الخلافة والإمامة، من أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قد انتقل إلى جوار ربه، ولم يبين من هو الخليفة من بعده، ولا بيّن كيفية محددة لاختيار خليفته، ولا كيف ينتقل منصب الخليفة، ونتيجة عدم البيان هذا، ضاع الناس سياسيا، وأوشكت أن تحدث فتنة لولا أن قيض الله لهذه الأمة أبا بكر وعمر وسنا سنة ولاية العهد، فاستقرت الأمور سياسيا، فأصحبت ولاية العهد هى الطريقة المتبعة لتنصيب الخليفة وإضفاء طابع المؤسسية على النظام السياسي الإسلامي، هذه النظرية هي في حقيقتها كشجرة اجتثت من فوق الأرض ما لها من قرار، وهي لا تثبت لا بحكم العقل، ولا بحكم الشرع، وأن هذه النظرية لا تستقيم بأي مقياس موضوعي، إلا أنها وبسبب نسيجها الواهي فتحت على القرآن الكريم أبواب الشائعات، والشائعات لا تؤثر على الحقيقة، إلا أنها قد تبلبل أفكار العامة، وتفتح شبهة ظنون أعداء الإسلام، وتغذي ظنونهم المريضة عن الإسلام. وهذا الرأي مردود فى نظرنا بادلة المتعددة القاطعة منها:

مناقشة الراي المشهور القائل بجمع القرآن بعد وفاة النبي ص

الدليل الاول: طبيعة الأشياء تقتضى خلاف ذلك

طبيعة الأشياء تدل بشكل واضح على أنّ القرأن قد تم تدوينه فى زمن النبي(ص) ونقصد بطبيعة الأشياء هى مجموعة من الظروف والخصائص الموضوعية المسلمة واليقينية التى عاشها النبي(ص)والمسلمون، والقرآن مّما يجعلنا نقتنع بضرورة قيام النبي(ص) بجمع القرآن فى عهده. وهذه الظروف والخصائص هى عبارة عن:

الأهمة الذاتية التى يتمتع بها القرآن

فالقرآن هو الدستور الأساسي للامة الإسلامية وهو يشكل حجر الاساس الذي يقوم عليه كيان الامة العقيدي والتشريعي والثقافى فى المجتمع كما انه يعتبر أتقن المصادر التاريخية لديها وأورع النصوص الادبية بل المسلمون لا يملكون شيئاً فى مختلف المجالات سوى القرأن الكريم.

شعورهم بلأهمية لحفظ القرآن

لقد عكف المسلمون منذ البد على حفظ القرآن واستظهاره انطلاقاً من نطرتهم الى القرآن وشعورهم بالاهمية التى يحتلها فى حياتهم الإجتماعية ونتيجة ذلك هو ادت الى تكون جماعة كبيرة عرفت بحفظها القرآن ولكن مهما كانالحفظ فهو ليست وسيلة كافية تجعل القرآن بمأمن من التحريف والتزوير نتيجة الخطأء والإشتباه ونحن نرى فعلاً وقوع الإختلاف بين بعض المسلمين نتيجة الخظاء والإشتباه.

أنّ النبي(ًص)كان يدرك الإخطارالتى يهدد هذه الامة

النبى(ص)كان يعيش مع الامة فى آمالها وآلامها ومنطلقاتها وحاجاتها وكذلك كان يدرك بالظرف المحيطة بتكونها والإخطار التى تهددها وكان يعرف بتاريخ الرسالات الإلهية ونهايتها على يد المزورين والحرّفين وتجار الدين والقرأن يصرح بذلك .

توّفر إمكانات ووسائل للتدوين والتأليف

فهذه العناصر اى(اهمية القرآن الكريم والخطر فى تعرضه للتحريف بدون التدوين وإدراك النبي (ص)لهذا الاخطر ووجود امكانات التدوين )تفيدنا اليقين بان القرأن الكريم قد تم تدوينه وترتيبه فى عهد النبي (ص)نفسه [٢٦] والمراد منها هو وجود أشخاص قادرين على الكتابة يتوفر فيهم الاخلاص فى العمل الى جانب توفر ادوات الكتابة وليس هناك من يشك تاريخياً فى تمكن المسلمين من كل ذلك ولدينا نمازج كثيرة تدل على ذلك توجد لدينا روايات تاريخية تحكي لنا اهتمام اقوام أخرى لذلك كما.

الدليل الثاني: وجود التدوين فى عصر الجاهلية

أنّ العرب فى الجاهلية كانوا يهتمون اهتماماً كبيراً فى تقيّد المأثور الديني فهى حديث سويدبن الصامت انه قال لرسول الله(ص) لعل الذي معك مثل الذي معي فقال وما الذي معك؟ قال مجلة لقمان ،فقال رسول الله إعرضها عليّ، فعرض عليه ،فقال له أن هذا الكلام حسن والذي معي أفضل من هذا قرأ أنزله الله تعالى هو هدي ونور [٢٧]. وإذا كان اهتمام العرب فى الجاهلية بمثل هذا المستوى عن الجمع والتدين للمواريث الثقافي فكيف ؟يكون اهتمامها بالقرآن والنبي يدعوهم الى حفظه ومدارسته واليام به مساءً وغداءً .

الدليل الثالث: النصوص الرواية تدفع هذا الراي

وردت روايات كثيرة تدفع الرأي المشهور: منها عن ابى عبدالله قال :انّ رسول الله (ص) قال لعلي(ع) يا علي القرآن خلف فراشي فى الصحف والحرير والقراطيس فخذوه واجمعوه ولا تضيّعوه كما ضيّعت اليهود التوراة فنطلق علي(ع) فجمعه في ثوب اصفر وختم عليه فى بيته . فهذه الرواية وامثالها تدل بالوضوح بانّ القرآن قد جمع بيد امير المؤمنين (ع) فى عهد النبي (ص) لا بعد وفاته(ص)

الدليل الرابع: قرائن العقلية تدفع الراي المشهور

لا شك انّ جمع القرآن بشكل المدون كان من أهم الواجبات لأنّ فيه حفظ اصلها من الضياع وحفظ ترتيبها ونظمها من الحتلال مع انه كان من اعظم معجزات النبي (ص) واتمّ الدلاإل على صدق النبوة واساس الشريعة واخذ الأحكام الألهية مع ملازمة امير المومنين (ع) وباقى خيار الصحابة لخدمته ليلاً ونهاراً فالمتأمل المنصف يقطع بوقوع الجمع متطرجاً بتدرج النزول بامر النبي(ص) وخط امير المومنين(ص) على اقل التقدير [٢٨].

الدليل الخامس: وجود كتّاب للوحي يضعف الراي المشهور

بلغ عدد الذين يكتبون للنبي -صلى الله عليه وسلم- ثلاثة وأربعين كاتباً، وكان بعضهم منقطعاً لكتابة القرآن خاصة، ومن أشهرهم : عثمان بن عفان، وعلي بن أبي طالب، وأبي بن كعب ، وزيد بن ثابت ، وعبد الله بن سعد بن أبي سرح، وحنظلة بن الربيع -رضي الله عنهم جميعاً -. وكان أول من كتب للنبي -صلى الله عليه وسلم- من قريش هو عبد الله بن سعد بن أبي سرح –رضي الله عنه- وأول من كتب له من الأنصار أبي بن كعب -رضي الله عنه

الدليل السادس: آيات كثيرة تدل على معرفة العرب للكتابة وشيوعها بينهم

فقد وردت مادة كتب وما اشتق منها في القرآن الكريم أكثر من ثلاثمائة مرة (300)، ووردت مادة قرأ وما اشتق منها نحواً من ثمانين مرة (80)، ووردت مادة خط وأسماء أدوات الكتابة: القلم، والصحف، والقرطاس، والرق. مما يعني أن كل هذه الأمور مما يعرفه العرب المخاطبون بالقرآن الكريم، وليست مجرد معرفة ساذجة كما يزعم بعض الباحثين، بل معرفة شائعة بينهم. وهناك كثير من المحقيقن ذكروا اىلة كثيرة لا نذكرها خوفاً من الإطالة فليراجع [٢٩]. اذاً الروايات الواردة تصرح بأن القرآن قد جمع فى عهد أبي بكر تارةً وفي عهد عمر ثم فى عهد عثمان تارةً اخرى فهي موضوعة.

الدليل السادس: دور أمير المؤمنين علي ع في تدوين القرآن وتوحيد المصحف

نعم ما يفهم من الروايات هو أنّ أمير المؤمنين عليه السلام جاء عند عثمان ثالث القوم بعد أن جاء أول مرة حين أعطاهم الكتاب كاملا (ليكون قرآناً رسمياً للدولة ويتبعه المسلمون ويعتمدوه فيوحدوا عليه مصاحفهم ، فهو إملاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم) وثانيا زمن عمر حينما طرح الفكرة عليه.فذكر له فجمع عثمان للمصحف و كان ذلك برأي أمير المؤمنين عليه السلام. [٣٠].

وقد ياتي فى الأذهان فاذاً من جمع القرآن ووحّد المسلمون على مصحف واحد؟ جواب: لو دققنا النظر فى بعض النصوص التاريخية و الحديثية فنجد أنّ اوّل من دعا لتوحيد القرآن الكريم هو علي ابن ابى طالب (ع)، فعندما جاء أمير المؤمنين عليه السلام للقوم بمصحفه الشريف أراد منهم أن يجعلوه القرآن الرسمي للدولة ويتبعه المسلمون ويعتمدوه فيوحدوا عليه مصاحفهم ، فهو إملاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وفيه من التنـزيل ما لا يوجد في غيره إلا القليل ، ولكن حينما رفضوا مصحفه ونبذوه وراء ظهورهم لم يكتف أمير المؤمنين عليه السلام بـهذا الحد بل حاول نزع فتيل الفرقة والاختلاف بالدعوة لتوحيد المسلمين تحت أي مصحف آخر يؤدي الغرض وإن لم يشتمل على التنـزيل والتفسير بشرط الحفاظ على النص القرآني ، وكان يشتد قلقه عليه السلام على القرآن وهو يزاد فيه وينقص يوما بعد يوم باجتهادات من فلان ورأي من فلان آخر ، فقد جاء إلى ابن الخطاب زمن تأمره على الناس وأشار الأمير عليه السلام على ابن الخطاب بجمع نسخة واحدة من القرآن تكون رسمية للدولة وعلى إثر ذلك تتوحد وتلتف حولها جماهير المسلمين وتعتمدها الدولة وترعاها لما لها من تسلط على الناس ، من باب إن الله يزع في السلطان ما لا يزع في القرآن ، فاستجاب ابن الخطاب للفكرة ، لكنه سريعا ما قتل ، وركدت تلك الحركة وقتلت في مهدها ، ومن الطبيعي أن تزداد اختلافات القراء وأن تبرير ذلك بنظرية الأحرف السبعة لم يحل المشكلة ولم يمنع نموها ؟ ! ثم واصل مسعاه مع الخليفة عثمان محذرا من تفاقم مشكلة اختلاف الناس في نصوص القرآن ، وأن حلها فقط بتدوين القرآن على حرف واحد ؟ ، فجاء أمير المؤمنين عليه السلام لابن عفان ثالث القوم بعد أن جاء أول مرة حين أعطاهم الكتاب كاملا وثانيا زمن عمر حينما طرح الفكرة عليه وهاهي الثالثة لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا .وهذا ما أخرجه ابن شيبة في تاريخ المدينة : " بسنده عن سوار بن شبيب قال : دخلت على ابن الزبير في نفر فسألته عن عثمان ، لم شقق المصاحف ، ولم حمى الحمى ؟ فقال قوموا فإنكم حرورية ، قلنا : لا والله ما نحن بحرورية قال : قام إلى أمير المؤمنين عمر رجل فيه كذب وولع ، فقال : يا أمير المؤمنين إن الناس قد اختلفوا في القراءة ، فكان عمر رضي الله عنه قد هم أن يجمع المصاحف فيجعلها على قراءة واحدة ، فطعن طعنته التي مات فيها ، فلما كان في خلافة عثمان قام ذلك الرجل فذكر له ، فجمع عثمان المصاحف [٣١]. ولا نجد من الشخصيات الموجودة في ذلك العصر من يتوقع أن ينبزه ابن الزبير وينعته بالكذب والولع غير علي بن أبي طالب عليه السلام الذي بغضه نفاق وحبه إيمان: فقد اشتهر ابن الزبير بعداوته وحقده على بني هاشم وبالأخص على سيّدهم بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأمير المؤمنين عليه السلام وهذا واضح لمن راجع التاريخ وكمثال ننقل ما ذكره المسعودي في مروج الذهب نقل عنه كتاب التحرير بتحقيق[٣٢].: ( وكان ابن الزبير عمد إلى من بمكة من بني هاشم فحصرهم في الشعب و جمع لهم حطباً عظيماً لو وقعت فيه شرارة من نار لم يسلم من الموت أحد ، وفي القوم محمد بن الحنفية وقال في ص62 : ( وذكر عمر بن شبة النميري عن مساور بن السائب أن ابن الزبير خطب أربعين يوما لا يصلى على النبي صلى الله عليه (وآله) وسلم وقال : لا يمنعني من أن أصلي عليه ألا تشمخ رجال بآنافها ) ، وقال فيها أيضا : ( فقال ابن الزبير : إني لأكتم بغضكم أهل هذا البيت منذ أربعين سنة … وحدّث النوفلي في كتابه في الأخبار عن الوليد بن هاشم المخزومي قال : خطب ابن الزبير فنال من عليّ ، فبلغ ذلك ابنه محمد بن الحنفية فجاء حتى وضع له كرسي قدامه ، فعلاه وقال : يا معشر قريش ، شاهت الوجوه ، أينتقص عليّ وأنتم حضور ؟! ) اه . ويكفي أنه جرّ أبيه لمقاتلة إمام زمانه في معركة الجمل وكان يستثيره ويحرضه بل يجبنه حتى يقدم على القتال والقصة مفصلة فراجع) وقد نص السيد ابن طاووس رضوان الله تعالى عليه على أن جمع عثمان للمصحف إنما كان برأي أمير المؤمنين عليه السلام ، قال في سعد السعود: ثم عاد عثمان جمع المصحف برأي مولانا علي بن أبي طالب ، وأخذ عثمان مصحف أبي وعبد الله بن مسعود وسالم مولى أبي حذيفة فغسلها غسلا " [٣٣]. كذلك راجع [٣٤].

خاتمةالبحث

نقول فى الختام بأن القرآن الكريم هو الكلام المعجز المنزل وحياً على النبي (ص) المكتوب فى المصاحف المنقول منه بالتواتر المتعبد بتلاوته،الاّ انه فقد وقع الخلاف بين المسلمين فى بعض المسائل المتعلقة بالقرآن الكريم منها فى تحديد زمن تدوين القرآن وجمعه بشكل مصحف، والحين انّ الله تعالى يقول (إنا علينا جمعه وقرآنه.فإذا قرآناه فاتبع قرآنه .ثم إنا علينا بيانه).... وكذلك قوله(إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون)) .وقد كلف محمد بن عبد الله النبى الرسول بحملها وتدوينها وتبليغها .وقد ادى الآمانة كاملة.وما حدث بعد ذلك هو إستنساخ او كتابة نسخ من القرآن المدون المحفوظ .للناس وللمدائن التى فتحوها او غزوها سواء فى عهد ابوبكر او عمر او عثمان او ما تلاهم من عهود بعد ذلك. فالحق أنه ما كان ينتهي صلى الله عليه وآله وسلم من تلقي الوحي إلا ويأمر الكتبة ليدونوا ما سيمليه عليهم ، ثم يأمرهم ليعيدوا عليه صلى الله عليه وآله وسلم فما زاغ أقامه وما نقص أكمله ، وهكذا كلما نزل قرآن من السماء ازداد حجم المصاحف عند الصحابة التي كانت تضاف لها الآيات المكتوبة في الرقاع وترتب في المصاحف بحسب ما يأمرهم صلى الله عليه وآله وسلم به ، واستمر العمل على هذا المنوال إلى أواخر أيام حياته صلى الله عليه وآله وسلم ، وحينما انقطع وحي السماء كان المصحف قد كمل تلقائيا للعمل الدؤوب والمتواصل في جمع آياته النازلة ورتيبها بعد نقلها من الرقاع إلى المصحف ، وقد كان بعضهم يفتخر بختمه القرآن وجمعه في مصحفه بإملاء من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. وهنا ملاحظة مهمة جدا يجب التنبيه عليها وهى أنه عندما نقول إن جمع القرآن كان فى زمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لا نقصد به أن تدوين القرآن بتمامه وكماله فرغ منه فى بداية حياة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقبل أن يتم نزول كل القرآن من السماء ‍! وإنما نقصد أن القرآن رتبت آياته النازلة ونسقت سوره النازلة الواحدة تلو الأخرى كلا على حدة ، فعرف أول السورة من آخرها على وجه منسق منظم وإن لم يتم نزول القرآن بعد ، فيسمى هذا التنسيق والترتيب جمع للقرآن ومصحف مجموع.

الهامش

ْْْْْ

  1. الحاكم، النيشابوري، مستدرك الصحيحين، ج2، ص6113.
  2. القمي، علي ابن ابراهيم، تفسير القمي، ج8، ص745.
  3. معرفت، محمد هادي، تلخيص التمهيد، ج1، ص 195
  4. العيني، بدر الدين، عمدة القاري ،ج3، ص19
  5. آلوسي، السيد محمود، روح المعانى،ج1، ص49 .
  6. النيشابوري، حسن بن محمد، غرائب القرآن،ج1، ص26 .
  7. السيوطي، جلال الدين، اتقان في علوم القرآن، ج1، ص215.
  8. ملا حويش، عبد القادر، بيان المعاني، ج1، ص 28.
  9. الخازن، محمد علي، لباب التاؤيل،ج1 ، ص6 .
  10. الاندلوسي، ابن حزم، الإحكام في أصول الأحكام ،ج4، ص492 ط دار الكتب.
  11. سورة القيامة، 19
  12. الاندلوسي، ابن حزم، الإحكام، ج6، ص267-268
  13. الصغير، محمد حسين، تأريخ القرآن ص73 ط دار المؤرخ العربي
  14. ابن عاشور، التحرير والتنوير،ج1، ص92.
  15. الرستاقي، الشيخ خميس، منهج الطالبين وبلاغ الراغبين ج1ص219-226.
  16. ابن سعد، الطبقات الكبرى لابن سعد ج2 ص332 .
  17. ابن سعد، الطبقات الكبرى لابن سعد ج2 ص332.
  18. جمع من المؤلفيين، آراء علماء المسلمين صفحة 161 - 162،
  19. بحر الفوائد في شرح الفرائد صفحة 99 طبع طهران
  20. الحنبلي، ابن رجب، كتاب راي السلف عن الخلف، ص 259
  21. الخوئي، ابو القاسم، تفسير البيان ص 240.
  22. الطباطبائي، محمد حسين،الميزان في تفسير القرآن، ج12، ص 381.
  23. البلاغي، محمد جواد، آلاء الرحمن،ج1، ص17 .
  24. الرأي الثالث: اول من جمع القرأن بعد وفاة البني علي ابن ابى الطالب ع
  25. البحراني، هاشم، البرهان فى تفسير القرآن ج1 ص 15.
  26. الحكيم، السيد باقر، علوم القرآن ، ص 105.
  27. ابن هشام، السيرة النبوية، ج2، ص48 .
  28. البلاغي، محمد جواد، نفحات الرحمن ج1،، ص8.
  29. الخوئي، ابو القاسم، البيان فى تفسير القرآن ، ج1، ص 120.
  30. الكوراني، علي، تدوين القرآن، ص315
  31. ابن شيبه، عمر، تاريخ المدينة، ج3، ص990
  32. محي الدين، محمد عبد الحميد، التحرير، ص59
  33. ابن شهر آشوب، سعد السعود، ص29.
  34. الكوراني، علي، تدوين القرآن، ص315

المصادر

  • القرآن الكريم.
  • نهج البلاغة.
  • تفسير القمي،علي ابن ابراهيم ،موسسة العلمي للمطبوعات بيروت.
  • معرفت، هادي تلخيص التمهيد
  • الكاشاني، فيض، الفيض الكاشانى،موسسة العلمي للمطبوعات بيروت
  • جامع الاحكام للقرآن، القرطبي،دار احياءالتراث العربي بيروت.
  • ابن عاشور، محمد طاهربن، التحرير والتنوير،دار الكتاب العربي ط 2 بيروت .
  • آلوسي، السيد محمود، تفسير روح المعانى .دار احياءالتراث العربي بيروت
  • غرائب القرآن ورغائب الفرقان،القمي النيشابوري،،مصدفى البابى الخلبى مصر.
  • السيد عبد القادر ملا حويش، بيان المعاني ،دار احياءالتراث العربي بيروت.
  • الميزان ،العلامة الطباطبائي،موسسة اسماعليان ط3 قم .
  • الاندلوسي، ابن حزم، الإحكام في أصول الأحكام ط دار الكتب العلمية
  • علوم القرآن عند المفسيرن،،مركزالثقافة،م ط1 1374 ش. طبع طهران
  • الرستاقي، حسين، منهج الطالبين وبلاغ الراغبين
  • الصغير، محمد حسين، تأريخ القرآن ، للدكتور الصغير ط دار المؤرخ العربي.
  • السيد هاشم البحراني، البرهان فى تفسير القرآن ،مطبع موسسة اسماعليان ط3.
  • الحكيم، السيد باقر ،علوم القرآن ، ط الرابع مجمع الفكر الإسلامي ،1419ه ق.
  • الطبرسي، محمد بن الحسن، مجمع البيان فى تفسير القرآن الطبرسي دار المعرفة للطباعة .