الفرق بين المراجعتين لصفحة: «الوحدة الإسلامية والتقريب بين المذاهب في العراق»

الوحدة والتقريب
(الوحدة والتقريب)
 
(الوحدة والتقريب)
سطر ١: سطر ١:
إنّ محاور هذا البحث الرئيسية هي : تعريف الوحدة الإسلامية ـ أركان وأُسس وعناصر الوحدة ـ مقوّمات الوحدة ومقوّمات صيانتها ـ تحدّيات وموانع الوحدة ـ الحلول العلمية والسياسية لوحدة الأُمّة الإسلامية ـ مبرّرات أمل تحقّق الوحدة .
تتناول هذه المقالة مسألة الوحدة الإسلامية والتقريب بين المذاهب في العراق ، ولخطورتها وأهميتها في واقع الأمة الإسلامية كلا سنفصل البحث فيها أكثر فأكثر .


<nowiki>*</nowiki> أمّا تعريفها : فقد عرّفها مرشد الجمهورية الإسلامية الإيرانية سماحة السيّد علي الخامنئي بأنّها : مفهوم أساس في الإسلام ، ومبدأ يشكّل واحدة من القواعد التي تقوم عليها فلسفة الإسلام الاجتماعية ونظرته العامّة إلى الكون والحياة .
إنّ محاور هذا البحث الرئيسية  هي : تعريف الوحدة الإسلامية ـ أركان وأُسس وعناصر الوحدة ـ مقوّمات الوحدة ومقوّمات صيانتها ـ تحدّيات وموانع الوحدة ـ الحلول العلمية والسياسية لوحدة الأُمّة الإسلامية ـ مبرّرات أمل تحقّق الوحدة .


وعرّفها الشيخ محمّد علي التسخيري الأمين العامّ للمجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية بأنّها : التعاون بين أتباع المذاهب الإسلامية على أساس المبادئ الإسلامية المشتركة الثابتة والأكيدة ، واتّخاذ موقف موحّد من أجل تحقيق الأهداف والمصالح العليا للأُمّة الإسلامية والموقف الموحّد تجاه أعدائها ، مع احترام التزامات كلّ مسلم تجاه مذهبه عقيدة وعملاً .
=تعريف الوحدة=
 
أمّا تعريفها : فقد عرّفها مرشد الجمهورية الإسلامية الإيرانية السيّد علي الخامنئي بأنّها : مفهوم أساس في الإسلام ، ومبدأ يشكّل واحدة من القواعد التي تقوم عليها فلسفة الإسلام الاجتماعية ونظرته العامّة إلى الكون والحياة .
 
وعرّفها الشيخ محمّد علي التسخيري الأمين العامّ السابق للمجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية بأنّها : التعاون بين أتباع المذاهب الإسلامية على أساس المبادئ الإسلامية المشتركة الثابتة والأكيدة ، واتّخاذ موقف موحّد من أجل تحقيق الأهداف والمصالح العليا للأُمّة الإسلامية والموقف الموحّد تجاه أعدائها ، مع احترام التزامات كلّ مسلم تجاه مذهبه عقيدة وعملاً .


وعرّفها الأمين العامّ السابق للمجمع الشيخ محمّد واعظ زادة الخراساني بأنّها : وحدة كلمة الأُمّة تجاه قضاياها الأساسية وأهدافها المشتركة ، ووقوفها صفّاً واحداً أمام الاعداء ، وهي الغاية القصوى والغرض الأقصى .
وعرّفها الأمين العامّ السابق للمجمع الشيخ محمّد واعظ زادة الخراساني بأنّها : وحدة كلمة الأُمّة تجاه قضاياها الأساسية وأهدافها المشتركة ، ووقوفها صفّاً واحداً أمام الاعداء ، وهي الغاية القصوى والغرض الأقصى .
وعرّفتها الدكتورة مريم بنت حسن آل خليفة جامعة رئيسة البحرين بأنّها : لمّ شمل المسلمين ، والتفافهم حول كلمة التوحيد ، ووحدة الكلمة التي تستتبع وحدة الصفّ ، وهي انصهار لكافّة الأعراف في قالب إسلامي يقوم على الشهادتين ، وهي مستوعبة لكافّة الطوائف والمذاهب وجامعة لها على كلمة واحدة بهدف حماية دينهم وأُسلوب حياتهم من أن يلطخهما القدر والأقدار .


وعرّفها الشيخ عبد الأمير قبلان نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى في لبنان بأنّها : ما بدأت من الاعتراف بالآخر وجوداً وفكراً ، وما سعت لفعل تواصلي حواري ، ينمّي المشترك ، ويحدّد نقاط التغاير ، ويسعى نحو ترسيخ مستوى الفهم والاعتراف وفق أُصوله الموضوعية والعلمية ، وأهمّ وسائل المفهوم الحضاري للوحدة احترام التنوّع وقيم التسامح وحقوق الإنسان في المحيط الاجتماعي السائد .
وعرّفها الشيخ عبد الأمير قبلان نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى في لبنان بأنّها : ما بدأت من الاعتراف بالآخر وجوداً وفكراً ، وما سعت لفعل تواصلي حواري ، ينمّي المشترك ، ويحدّد نقاط التغاير ، ويسعى نحو ترسيخ مستوى الفهم والاعتراف وفق أُصوله الموضوعية والعلمية ، وأهمّ وسائل المفهوم الحضاري للوحدة احترام التنوّع وقيم التسامح وحقوق الإنسان في المحيط الاجتماعي السائد .
سطر ١٥: سطر ١٧:
وقريب من هذا التعريف تعريف الدكتور عبد العزيز الخيّاط وزير الأوقاف في المملكة الأردنية الهاشمية سابقاً .
وقريب من هذا التعريف تعريف الدكتور عبد العزيز الخيّاط وزير الأوقاف في المملكة الأردنية الهاشمية سابقاً .


وأخيراً عرّفها الشيخ تاج الدين الهلالي مفتي مسلمي أُستراليا بأنّها : تحقيق أمر الله تعالى بتوحيد الكلمة القائمة على كلمة التوحيد ، بأن يكون المسلمون جميعاً تحت راية خلافة أو حكومة ، تكون لهم قيادة إسلامية أو سيادة واحدة ، فلا تفصل بينهم حواجز ولا حدود مصطنعة .
وأخيراً عرّفها الشيخ تاج الدين الهلالي مفتي مسلمي أُستراليا سابقا بأنّها : تحقيق أمر الله تعالى بتوحيد الكلمة القائمة على كلمة التوحيد ، بأن يكون المسلمون جميعاً تحت راية خلافة أو حكومة ، تكون لهم قيادة إسلامية أو سيادة واحدة ، فلا تفصل بينهم حواجز ولا حدود مصطنعة.


هذا ، وللأُستاذ حيدر كامل حبّ الله اللبناني كلام لطيف في المقام أسماه بأزمة المفهوم ، ليس هنا محلّ ذكره .
هذا ، وللأُستاذ حيدر كامل حبّ الله اللبناني كلام لطيف في المقام أسماه بأزمة المفهوم ، ليس هنا محلّ ذكره .
سطر ٢١: سطر ٢٣:
كما أنّه توجد في بعض التعاريف السابقة بعض الإشكالات ، حيث إنّ بعضها يشير إلى أسباب المناداة بالوحدة الإسلامية والأهداف المرجوّة منها والوسائل المتاحة دونما أن يشير إلى تحديد مفهومها الاصطلاحي تحديداً دقيقاً ، وبقية الكلام في محلّه .
كما أنّه توجد في بعض التعاريف السابقة بعض الإشكالات ، حيث إنّ بعضها يشير إلى أسباب المناداة بالوحدة الإسلامية والأهداف المرجوّة منها والوسائل المتاحة دونما أن يشير إلى تحديد مفهومها الاصطلاحي تحديداً دقيقاً ، وبقية الكلام في محلّه .


<nowiki>*</nowiki> وأمّا الأركان والأُسس والعناصر التي تقوم عليها الوحدة الإسلامية : فمنها :
=أركان وعناصر الوحدة=
 
وأمّا الأركان والأُسس والعناصر التي تقوم عليها الوحدة الإسلامية : فمنها :


1 ـ التمسّك بالأُصول الإسلامية الثابتة ذات القواسم المشتركة .
1 ـ التمسّك بالأُصول الإسلامية الثابتة ذات القواسم المشتركة .
سطر ٤٥: سطر ٤٩:
وتفصيل العناصر كالتالي :
وتفصيل العناصر كالتالي :


'''الأوّل : وحدة العقيدة''' .
الأوّل : وحدة العقيدة.


لا بدّ للأُمّة الواحدة أن تكون لها أُصول اعتقادية واحدة ، وهذه الأُصول لدى الأُمّة الإسلامية بإجماع كلّ علماء المذاهب : التوحيد ، والنبوّة ، والمعاد . وإنكار واحد من هذه الأُصول أو عدم الإيمان به يخرج الفرد من دائرة الإسلام بإجماع العلماء وبنصّ القرآن والسنّة ، وإذا كانت ثمّة أُصول أُخرى فهي أُصول المذهب ، لا أُصول الدين ، كالإمامة لدى الشيعة والعدل لدى الشيعة والمعتزلة . والاعتقاد بهذه الأُصول الثلاثة كاف لإيجاد وحدة عقائدية بين أبناء الأُمّة الإسلامية .
لا بدّ للأُمّة الواحدة أن تكون لها أُصول اعتقادية واحدة ، وهذه الأُصول لدى الأُمّة الإسلامية بإجماع كلّ علماء المذاهب : التوحيد ، والنبوّة ، والمعاد . وإنكار واحد من هذه الأُصول أو عدم الإيمان به يخرج الفرد من دائرة الإسلام بإجماع العلماء وبنصّ القرآن والسنّة ، وإذا كانت ثمّة أُصول أُخرى فهي أُصول المذهب ، لا أُصول الدين ، كالإمامة لدى الشيعة والعدل لدى الشيعة والمعتزلة . والاعتقاد بهذه الأُصول الثلاثة كاف لإيجاد وحدة عقائدية بين أبناء الأُمّة الإسلامية .
سطر ٥١: سطر ٥٥:
وتوجد هنا ثلاث ملاحظات :
وتوجد هنا ثلاث ملاحظات :


'''الملاحظة الأُولى :''' من المؤكّد أنّ المعرفة الإجمالية بأُصول الدين هذه والإيمان بها على حدّ المفهوم المشترك العامّ هو المقدار المطلوب ، وليست المفاهيم التفصيلية لهذه الأُصول . والعلماء قد تعمّقوا فيها وفرّعوها وأدخلوها في دراسات كلامية وفلسفية ، ولذلك حدثت مذاهب في الأُصول . لكن هذه التفاصيل المذهبية لا ارتباط لها في إيمان المسلم بأُصول دينه ، فهذه التفاصيل لا تتجاوز عادة جدران قاعات الدرس وبطون الكتب ، ولا تخرج عامّة الأُمّة المسلمة التي تنتمي اسمياً إلى هذا المذهب أو ذاك .
الملاحظة الأُولى : من المؤكّد أنّ المعرفة الإجمالية بأُصول الدين هذه والإيمان بها على حدّ المفهوم المشترك العامّ هو المقدار المطلوب ، وليست المفاهيم التفصيلية لهذه الأُصول . والعلماء قد تعمّقوا فيها وفرّعوها وأدخلوها في دراسات كلامية وفلسفية ، ولذلك حدثت مذاهب في الأُصول . لكن هذه التفاصيل المذهبية لا ارتباط لها في إيمان المسلم بأُصول دينه ، فهذه التفاصيل لا تتجاوز عادة جدران قاعات الدرس وبطون الكتب ، ولا تخرج عامّة الأُمّة المسلمة التي تنتمي اسمياً إلى هذا المذهب أو ذاك .


فعليه الملاك في دخول الفرد دائرة الإسلام وشرط تحقّق الوحدة الإسلامية الإيمان بهذه الأُصول على المستوى البسيط المفهوم لدى عامّة الناس ، لا بالفروع المعقّدة الكلامية والفلسفية التي نشأت في قرون متأخّرة بين الفلاسفة وعلماء الكلام . وبدون ذلك لا تتحقّق وحدة العقيدة ; لأنّ الجدل الكلامي خلال القرون المتوالية أدّى إلى مزيد من الاختلاف العلمي ، ولم يحقّق أيّ اتّفاق ، فالتفاصيل الكلامية ليست إذن ملاك اتّفاق المسلمين ، والاختلاف فيها لا يضرّ بوحدة العقيدة بين المسلمين .
فعليه الملاك في دخول الفرد دائرة الإسلام وشرط تحقّق الوحدة الإسلامية الإيمان بهذه الأُصول على المستوى البسيط المفهوم لدى عامّة الناس ، لا بالفروع المعقّدة الكلامية والفلسفية التي نشأت في قرون متأخّرة بين الفلاسفة وعلماء الكلام . وبدون ذلك لا تتحقّق وحدة العقيدة ; لأنّ الجدل الكلامي خلال القرون المتوالية أدّى إلى مزيد من الاختلاف العلمي ، ولم يحقّق أيّ اتّفاق ، فالتفاصيل الكلامية ليست إذن ملاك اتّفاق المسلمين ، والاختلاف فيها لا يضرّ بوحدة العقيدة بين المسلمين .


'''الملاحظة الثانية :''' لا شكّ أنّ أيّ مذهب إسلامي ملتزم بالإيمان بهذه الأُصول ، وإنكار أيّ واحد منها يخرج المذهب من دائرة الإسلام ، ولا نعتقد أنّ بين المذاهب الإسلامية اليوم مذهباً ينكر صراحة أحد هذه الأُصول . نعم ، في بعض المذاهب النادرة غير المعروفة عقائد يلزمها إنكار واحد من هذه الأُصول ، لكنّ أتباع هذه المذاهب غير ملتزمين بهذه الملازمة ، ولا يعتقدون أنّ عقائد مذهبهم الخاصّة تستلزم إنكار أحد هذه الأُصول . فملاك الكفر والخروج من الإسلام هو الإنكار الصريح ، لا الإنكار بالملازمة ، والخلط بين العقيدة الصريحة والعقيدة الملازمة للعقيدة الصريحة من آفات المذاهب ومن عوامل تراشق التهم بينها .
الملاحظة الثانية : لا شكّ أنّ أيّ مذهب إسلامي ملتزم بالإيمان بهذه الأُصول ، وإنكار أيّ واحد منها يخرج المذهب من دائرة الإسلام ، ولا نعتقد أنّ بين المذاهب الإسلامية اليوم مذهباً ينكر صراحة أحد هذه الأُصول . نعم ، في بعض المذاهب النادرة غير المعروفة عقائد يلزمها إنكار واحد من هذه الأُصول ، لكنّ أتباع هذه المذاهب غير ملتزمين بهذه الملازمة ، ولا يعتقدون أنّ عقائد مذهبهم الخاصّة تستلزم إنكار أحد هذه الأُصول . فملاك الكفر والخروج من الإسلام هو الإنكار الصريح ، لا الإنكار بالملازمة ، والخلط بين العقيدة الصريحة والعقيدة الملازمة للعقيدة الصريحة من آفات المذاهب ومن عوامل تراشق التهم بينها .


'''الملاحظة الثالثة :''' المذاهب المستحدثة التي تنكر خاتمية محمّد (صلى الله عليه وآله) ، وتدّعي وحياً جديداً وكتاباً جديداً ـ وإن ادّعت الإيمان بالإسلام وبأنّها من الفرق الإسلامية ـ  هي خارجة عن الإسلام قطعاً ; لأنّها لا تلتزم بنهج الإسلام ، بل لها نهج آخر ونبي آخر وكتاب آخر ، وكلّ ذلك يجعلها في جهة متعارضة مع الأُصول الإسلامية .
الملاحظة الثالثة : المذاهب المستحدثة التي تنكر خاتمية محمّد (صلى الله عليه وآله) ، وتدّعي وحياً جديداً وكتاباً جديداً ـ وإن ادّعت الإيمان بالإسلام وبأنّها من الفرق الإسلامية ـ  هي خارجة عن الإسلام قطعاً ; لأنّها لا تلتزم بنهج الإسلام ، بل لها نهج آخر ونبي آخر وكتاب آخر ، وكلّ ذلك يجعلها في جهة متعارضة مع الأُصول الإسلامية .


'''الثاني : وحدة العمل والاتّباع (وحدة الشريعة)''' .
الثاني : وحدة العمل والاتّباع (وحدة الشريعة) .


يلزم اتّباع المنهج الإسلامي في الفروع بمقدار ما اتّفقت عليه جميع المذاهب الإسلامية وفرضه الكتاب وأوجبته السنّة بوضوح ودون أيّ إبهام .
يلزم اتّباع المنهج الإسلامي في الفروع بمقدار ما اتّفقت عليه جميع المذاهب الإسلامية وفرضه الكتاب وأوجبته السنّة بوضوح ودون أيّ إبهام .
سطر ٦٥: سطر ٦٩:
ولا يوجد مذهب من المذاهب الإسلامية المعروفة ينكر الصلاة والصوم والزكاة والحجّ والجهاد . ونقل صاحب « دعائم الإسلام » بطرق مختلفة ما يقرّر أنّ هذه الأعمال من أُسس الإسلام . ولو أنكر فرد وجوب واحد من هذه الأعمال صراحة ( لا بالملازمة ) فإنّه يخرج من ربقة الإسلام . والحدّ اللازم لدخول الفرد في دائرة المسلمين ولتحقّق وحدة الأُمّة المسلمة هو الالتزام بالحدّ المتّفق عليه من هذه الفروع ، كأن يؤدّي الصلوات الخمس بعدد ركعاتها المنصوصة ، ويحجّ بأداء المتّفق عليه من المناسك ، أمّا شروط وآداب هذه الأعمال المختلفة عليها بين المذاهب فلا دخل لها في الحدّ اللازم المذكور ; لأنّها ناشئة من اختلاف اجتهاد المجتهدين ، والاختلاف فيها لا يضرّ بإسلام الفرد ولا بوحدة المسلمين .
ولا يوجد مذهب من المذاهب الإسلامية المعروفة ينكر الصلاة والصوم والزكاة والحجّ والجهاد . ونقل صاحب « دعائم الإسلام » بطرق مختلفة ما يقرّر أنّ هذه الأعمال من أُسس الإسلام . ولو أنكر فرد وجوب واحد من هذه الأعمال صراحة ( لا بالملازمة ) فإنّه يخرج من ربقة الإسلام . والحدّ اللازم لدخول الفرد في دائرة المسلمين ولتحقّق وحدة الأُمّة المسلمة هو الالتزام بالحدّ المتّفق عليه من هذه الفروع ، كأن يؤدّي الصلوات الخمس بعدد ركعاتها المنصوصة ، ويحجّ بأداء المتّفق عليه من المناسك ، أمّا شروط وآداب هذه الأعمال المختلفة عليها بين المذاهب فلا دخل لها في الحدّ اللازم المذكور ; لأنّها ناشئة من اختلاف اجتهاد المجتهدين ، والاختلاف فيها لا يضرّ بإسلام الفرد ولا بوحدة المسلمين .


'''الثالث : وحدة القيادة''' .
الثالث : وحدة القيادة .


للقيادة في الإسلام مصداقان : أحدهما صامت وخالد ، والآخر حيّ ومتغيّر .
للقيادة في الإسلام مصداقان : أحدهما صامت وخالد ، والآخر حيّ ومتغيّر .
سطر ٨٣: سطر ٨٧:
والقيادة في المفهوم الإسلامي تجمع بين السياسة والدين ، ومن أركان الدين ، ولها الدور الهامّ في استمرار الدعوة الإسلامية واستتباب حاكمية الدين وفي وحدة الأُمّة الإسلامية ، خاصّة لو عرفنا أنّ « الأُمّة » و« الإمامة » من جذر لغوي واحد .
والقيادة في المفهوم الإسلامي تجمع بين السياسة والدين ، ومن أركان الدين ، ولها الدور الهامّ في استمرار الدعوة الإسلامية واستتباب حاكمية الدين وفي وحدة الأُمّة الإسلامية ، خاصّة لو عرفنا أنّ « الأُمّة » و« الإمامة » من جذر لغوي واحد .


'''الرابع : وحدة الهدف''' .
الرابع : وحدة الهدف .


إنّ وحدة الهدف مثل وحدة العقيدة ووحدة العمل ووحدة القيادة تشكّل أصلاً إسلامياً هامّاً ، غير أنّها وردت في النصوص الإسلامية بلغة التوجيهات الأخلاقية ولغة الحثّ على اكتساب المكارم والفضائل ، لكنّها لغة فيها تأكيد على أهمّية الهدف وعلى عدم افتراق الهدف عن المسؤولية المشتركة ، يقول سبحانه : ( '''كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّة أُخْرِجَتْ لِلْنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ''' ) ( سورة آل عمران : 110 ) ، فامتياز هذه الأُمّة وأهمّ خصائصها مسؤولية الدعوة والإيمان بالله ، ولأهمّية هذه المسؤولية قدّمها على الإيمان بالله سبحانه .
إنّ وحدة الهدف مثل وحدة العقيدة ووحدة العمل ووحدة القيادة تشكّل أصلاً إسلامياً هامّاً ، غير أنّها وردت في النصوص الإسلامية بلغة التوجيهات الأخلاقية ولغة الحثّ على اكتساب المكارم والفضائل ، لكنّها لغة فيها تأكيد على أهمّية الهدف وعلى عدم افتراق الهدف عن المسؤولية المشتركة ، يقول سبحانه : ( '''كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّة أُخْرِجَتْ لِلْنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ''' ) ( سورة آل عمران : 110 ) ، فامتياز هذه الأُمّة وأهمّ خصائصها مسؤولية الدعوة والإيمان بالله ، ولأهمّية هذه المسؤولية قدّمها على الإيمان بالله سبحانه .
سطر ١٠٧: سطر ١١١:
9 ـ إحلال روح الأُخوّة الإسلامية بين المسلمين ، حتّى أنّ الفرد المسلم يتمنّى لغيره ما يتمنّاه لنفسه ، وأنّ المؤمنين بمثابة نفس واحدة : ('''إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ''')( سورة الحجرات : 10 ) .
9 ـ إحلال روح الأُخوّة الإسلامية بين المسلمين ، حتّى أنّ الفرد المسلم يتمنّى لغيره ما يتمنّاه لنفسه ، وأنّ المؤمنين بمثابة نفس واحدة : ('''إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ''')( سورة الحجرات : 10 ) .


'''الخامس : الوحدة في الخصال ومكارم الأخلاق''' .
الخامس : الوحدة في الخصال ومكارم الأخلاق .


من الطبيعي أنّ المجموعة البشرية المشتركة في عقائدها وأعمالها وأهدافها وقيادتها تشترك أيضاً في الخصال والملكات النفسية . وكثير من النصوص تبيّن هذه الوحدة الأخلاقية والاشتراك الروحي بين المسلمين حين تتحدّث عن صفات المؤمنين مثل الصدق والأمانة والوفاء بالعهد وعفّة البطن والفرج وأمثالها . ولا يمكن أن نتوقّع بلوغ المسلمين جميعاً مستوى واحداً في هذه الخصال ، كما أنّهم لا يرتفعون إلى مستوى واحد من العقيدة ، ولكن يوجد طابع مشترك يسود كلّ المسلمين في هذا الإطار .
من الطبيعي أنّ المجموعة البشرية المشتركة في عقائدها وأعمالها وأهدافها وقيادتها تشترك أيضاً في الخصال والملكات النفسية . وكثير من النصوص تبيّن هذه الوحدة الأخلاقية والاشتراك الروحي بين المسلمين حين تتحدّث عن صفات المؤمنين مثل الصدق والأمانة والوفاء بالعهد وعفّة البطن والفرج وأمثالها . ولا يمكن أن نتوقّع بلوغ المسلمين جميعاً مستوى واحداً في هذه الخصال ، كما أنّهم لا يرتفعون إلى مستوى واحد من العقيدة ، ولكن يوجد طابع مشترك يسود كلّ المسلمين في هذا الإطار .


'''السادس : الوحدة الثقافية''' .
السادس : الوحدة الثقافية .


الاشتراك في العناصر السابقة المذكورة يستتبعه اشتراك في ثقافة توحّد بين أبناء العالم الإسلامي ، فلو نظرنا إلى البلدان الإسلامية لرأينا ـ وذلك رغم اختلاف تقاليدها ولغاتها وعاداتها ورغم الهجوم الثقافي على ربوعها ـ سيادة ثقافة مشتركة بين أبنائها . وهذه الثقافة المشتركة تشكّل أكبر رصيد للتفاهم والتلاحم والتعاضد والإحساس بالأُخوّة والانتماء الواحد . من هنا يسعى أعداء الأُمّة إلى إزالة  هذا المشترك الهامّ بين المسلمين عن طريق المسخ والغزو . وفي الروايات الإسلامية حثّ على عدم تقليد الكفّار في الزيّ ومظاهر المعيشة : « من تشبّه بقوم فهو منهم » ; من أجل بقاء طابع الثقافة الإسلامية سائداً بين المسلمين .
الاشتراك في العناصر السابقة المذكورة يستتبعه اشتراك في ثقافة توحّد بين أبناء العالم الإسلامي ، فلو نظرنا إلى البلدان الإسلامية لرأينا ـ وذلك رغم اختلاف تقاليدها ولغاتها وعاداتها ورغم الهجوم الثقافي على ربوعها ـ سيادة ثقافة مشتركة بين أبنائها . وهذه الثقافة المشتركة تشكّل أكبر رصيد للتفاهم والتلاحم والتعاضد والإحساس بالأُخوّة والانتماء الواحد . من هنا يسعى أعداء الأُمّة إلى إزالة  هذا المشترك الهامّ بين المسلمين عن طريق المسخ والغزو . وفي الروايات الإسلامية حثّ على عدم تقليد الكفّار في الزيّ ومظاهر المعيشة : « من تشبّه بقوم فهو منهم » ; من أجل بقاء طابع الثقافة الإسلامية سائداً بين المسلمين .


<nowiki>*</nowiki> أمّا مقوّمات الوحدة : فهي الركائز الأساسية والقواعد الراسخة والأُصول الثابتة التي ترتكز عليها الوحدة الإسلامية . ولهذه المقوّمات أبعاد مختلفة يمكن توضيحها فيما يلي :
=مقومات الوحدة=
 
أمّا مقوّمات الوحدة : فهي الركائز الأساسية والقواعد الراسخة والأُصول الثابتة التي ترتكز عليها الوحدة الإسلامية . ولهذه المقوّمات أبعاد مختلفة يمكن توضيحها فيما يلي :


'''أوّلاً : البعد الديني .'''
أوّلاً : البعد الديني .


يمثّل البعد الديني أهمّ عناصر وحدة الأُمّة الإسلامية ، فالدين هو الركيزة الأساسية التي تبتني عليها بقية العناصر ، فوحدة الأُمّة الإسلامية تمثّل بناء متكاملاً له أساس ثابت راسخ الأركان يحمل البناء كلّه ، ألا وهو الدين ، أو هي كالشجرة لها جذور ضاربة في الأرض وبدونها لا يكون للشجرة كيان ولا حتّى وجود ، ومن هذه الجذور تمتدّ الساق والفروع والأغصان .
يمثّل البعد الديني أهمّ عناصر وحدة الأُمّة الإسلامية ، فالدين هو الركيزة الأساسية التي تبتني عليها بقية العناصر ، فوحدة الأُمّة الإسلامية تمثّل بناء متكاملاً له أساس ثابت راسخ الأركان يحمل البناء كلّه ، ألا وهو الدين ، أو هي كالشجرة لها جذور ضاربة في الأرض وبدونها لا يكون للشجرة كيان ولا حتّى وجود ، ومن هذه الجذور تمتدّ الساق والفروع والأغصان .
سطر ١٢٧: سطر ١٣٣:
والاعتصام بحبل الله ليس مجرّد شعار يرفعه المسلمون ، وإنّما له متطلّبات لا يتحقّق بدونها ، ولا يقع عند الله موقع القبول إلاّ إذا تحقّقت وقام المعتصمون بتبعاتها على الوجه الذي رسمه الله في كتابه طريقاً لكمال الإنسانية ورقيها ، فهو يقضي بتنحية الشهوات والأهواء التي تثيرها العصبيات القبلية والعرقية والمذهبية ، ويقضي بالنظر السريع في تنقية العقائد والعبادات وسائر التعاليم الإلهية ممّا يشوبها ويكدّر صفوها من صور الشرك والابتداع الذي هيّأ لخصوم الإسلام أن يقولوا بتعدّدية الإسلام ويزعموا أنّ الإسلام ليس ديناً واحداً وإنّما هو أديان متعدّدة تختلف باختلاف الأقاليم والمذاهب : ( '''كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِن يَقُولُونَ إِلاَّ كَذِباً''' )( سورة الكهف : 5 ) .
والاعتصام بحبل الله ليس مجرّد شعار يرفعه المسلمون ، وإنّما له متطلّبات لا يتحقّق بدونها ، ولا يقع عند الله موقع القبول إلاّ إذا تحقّقت وقام المعتصمون بتبعاتها على الوجه الذي رسمه الله في كتابه طريقاً لكمال الإنسانية ورقيها ، فهو يقضي بتنحية الشهوات والأهواء التي تثيرها العصبيات القبلية والعرقية والمذهبية ، ويقضي بالنظر السريع في تنقية العقائد والعبادات وسائر التعاليم الإلهية ممّا يشوبها ويكدّر صفوها من صور الشرك والابتداع الذي هيّأ لخصوم الإسلام أن يقولوا بتعدّدية الإسلام ويزعموا أنّ الإسلام ليس ديناً واحداً وإنّما هو أديان متعدّدة تختلف باختلاف الأقاليم والمذاهب : ( '''كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِن يَقُولُونَ إِلاَّ كَذِباً''' )( سورة الكهف : 5 ) .


'''ثانياً : البعد الإنساني .'''
ثانياً : البعد الإنساني .


ويتّضح البعد الإنساني لوحدة الأُمّة الإسلامية جلياً في القرآن الكريم والسنّة النبوية المطهّرة ، فالله سبحانه وتعالى يلفت نظرنا إلى وحدة الأصل الإنساني . فالناس جميعاً قد خلقهم الله من نفس واحدة : ( '''يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِن نَفْس وَاحِدَة''' )( سورة النساء : 1 ) ، ورسول الله (صلى الله عليه وآله) يؤكّد هذا المعنى أيضاً في قوله : « يا أيّها الناس ، ألا إنّ ربّكم واحد وأباكم واحد ، ألا لا فضل لعربي على أعجمي ، ولا لأعجمي على عربي ، ولا لأحمر على أسود ، ولا لأسود على أحمر ، إلاّ بالتقوى » .
ويتّضح البعد الإنساني لوحدة الأُمّة الإسلامية جلياً في القرآن الكريم والسنّة النبوية المطهّرة ، فالله سبحانه وتعالى يلفت نظرنا إلى وحدة الأصل الإنساني . فالناس جميعاً قد خلقهم الله من نفس واحدة : ( '''يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِن نَفْس وَاحِدَة''' )( سورة النساء : 1 ) ، ورسول الله (صلى الله عليه وآله) يؤكّد هذا المعنى أيضاً في قوله : « يا أيّها الناس ، ألا إنّ ربّكم واحد وأباكم واحد ، ألا لا فضل لعربي على أعجمي ، ولا لأعجمي على عربي ، ولا لأحمر على أسود ، ولا لأسود على أحمر ، إلاّ بالتقوى » .
سطر ١٣٩: سطر ١٤٥:
وهذه الصلة الوثيقة بالله إذا استقامت فإنّها كفيلة بتصحيح مسار الأُمّة الإسلامية في هذا الوجود ، وبذلك تتحقّق خيريتها ، إنّها أُمّة تسع الإنسان أينما كان وأنّى كان ، وتشمل برعايتها وأمنها كلّ من يعيش على أرضها .
وهذه الصلة الوثيقة بالله إذا استقامت فإنّها كفيلة بتصحيح مسار الأُمّة الإسلامية في هذا الوجود ، وبذلك تتحقّق خيريتها ، إنّها أُمّة تسع الإنسان أينما كان وأنّى كان ، وتشمل برعايتها وأمنها كلّ من يعيش على أرضها .


'''ثالثاً : البعد الاجتماعي .'''
ثالثاً : البعد الاجتماعي .


وإذا كانت الأُمّة الإسلامية ترتبط فيما بينها بروابط العقيدة والإنسانية فإنّ محصّلة هذين البعدين هي الأُخوّة التي هي أقوى من أُخوّة النسب . ومن هنا كان قول القرآن الكريم : (  '''إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ'''  ) ( سورة الحجرات : 10 ) . وعندما أراد النبي (صلى الله عليه وآله) أن يؤسّس قواعد المجتمع الإسلامي في المدينة بعد الهجرة آخى بين أصحابه من المهاجرين والأنصار ، فتآلفت قلوبهم بفضل الله ، وقد امتنّ الله على المؤمنين بهذا التآلف ، فقال : ( '''فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً''' )  ( سورة آل عمران : 103 ) . وهذه الأُخوّة لها حقّها ، فهي تتضمّن بعداً عاطفياً يتمثّل في المشاركة الوجدانية ، فكلّ فرد من أفراد الأُمّة الإسلامية يشعر بآلام وآمال أُمّته ; لأنّه جزء منها يحسّ بإحساسها ويسعد لسعادتها ويتألّم لألمها . ومن هنا كان قول النبي (صلى الله عليه وآله) : « مثل المؤمنين في توادّهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمّى » .
وإذا كانت الأُمّة الإسلامية ترتبط فيما بينها بروابط العقيدة والإنسانية فإنّ محصّلة هذين البعدين هي الأُخوّة التي هي أقوى من أُخوّة النسب . ومن هنا كان قول القرآن الكريم : (  '''إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ'''  ) ( سورة الحجرات : 10 ) . وعندما أراد النبي (صلى الله عليه وآله) أن يؤسّس قواعد المجتمع الإسلامي في المدينة بعد الهجرة آخى بين أصحابه من المهاجرين والأنصار ، فتآلفت قلوبهم بفضل الله ، وقد امتنّ الله على المؤمنين بهذا التآلف ، فقال : ( '''فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً''' )  ( سورة آل عمران : 103 ) . وهذه الأُخوّة لها حقّها ، فهي تتضمّن بعداً عاطفياً يتمثّل في المشاركة الوجدانية ، فكلّ فرد من أفراد الأُمّة الإسلامية يشعر بآلام وآمال أُمّته ; لأنّه جزء منها يحسّ بإحساسها ويسعد لسعادتها ويتألّم لألمها . ومن هنا كان قول النبي (صلى الله عليه وآله) : « مثل المؤمنين في توادّهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمّى » .
سطر ١٤٧: سطر ١٥٣:
وقد آن الأوان ليخرج المسلمون من دائرة المشاركة الوجدانية السلبية إلى المشاركة الإيجابية المؤثّرة ، وذلك بوضع الخطط المفصّلة لإقامة بنيان التكافل بين أبناء الأُمّة الإسلامية . وقد آن الأوان للأُمم الإسلامية أن تنصهر في بوتقة الوحدة الحقيقية للأُمّة الإسلامية بتحقيق مبدأ التكافل والخروج من سجن الفرديات المنعزلة والقوميات المنفصلة إلى محيط الجماعة الكبرى التي أرادها الله أن تكون خير أُمّة أُخرجت للناس ، تأمر بالمعروف ، وتنهى عن المنكر ، وتؤمن بالله ، وتقيم التعاون فيما بينها على البرّ والتقوى ، لا على الإثم والعدوان .
وقد آن الأوان ليخرج المسلمون من دائرة المشاركة الوجدانية السلبية إلى المشاركة الإيجابية المؤثّرة ، وذلك بوضع الخطط المفصّلة لإقامة بنيان التكافل بين أبناء الأُمّة الإسلامية . وقد آن الأوان للأُمم الإسلامية أن تنصهر في بوتقة الوحدة الحقيقية للأُمّة الإسلامية بتحقيق مبدأ التكافل والخروج من سجن الفرديات المنعزلة والقوميات المنفصلة إلى محيط الجماعة الكبرى التي أرادها الله أن تكون خير أُمّة أُخرجت للناس ، تأمر بالمعروف ، وتنهى عن المنكر ، وتؤمن بالله ، وتقيم التعاون فيما بينها على البرّ والتقوى ، لا على الإثم والعدوان .


'''رابعاً : البعد الجغرافي .'''
رابعاً : البعد الجغرافي .


لقد جعل الله للأُمّة الإسلامية من وضعها الجغرافي الذي تتميّز به في هذا العالم وحدة طبيعية جامعة في رقعة مترامية الأطراف في كلّ من قارتي آسيا وأفريقيا ، فضلاً عن أنّها تمتدّ إلى بعض أجزاء من أوروبّا . ومن المعروف أنّ الإسلام قد انتشر في جنوب شرق آسيا وغرب أفريقيا بقوّته الذاتية دون أن يدخل إلى هذه البلاد جيش مسلم لفتحها .
لقد جعل الله للأُمّة الإسلامية من وضعها الجغرافي الذي تتميّز به في هذا العالم وحدة طبيعية جامعة في رقعة مترامية الأطراف في كلّ من قارتي آسيا وأفريقيا ، فضلاً عن أنّها تمتدّ إلى بعض أجزاء من أوروبّا . ومن المعروف أنّ الإسلام قد انتشر في جنوب شرق آسيا وغرب أفريقيا بقوّته الذاتية دون أن يدخل إلى هذه البلاد جيش مسلم لفتحها .
سطر ١٥٧: سطر ١٦٣:
وهذه الوحدة الجغرافية من شأنها أن تمحو بين أقطار العالم الإسلامي تلك الحواجز الإقليمية المصطنعة في قضايا الاقتصاد والإنتاج .
وهذه الوحدة الجغرافية من شأنها أن تمحو بين أقطار العالم الإسلامي تلك الحواجز الإقليمية المصطنعة في قضايا الاقتصاد والإنتاج .


'''خامساً : البعد الحضاري .'''
خامساً : البعد الحضاري .


الإسلام ليس دين طقوس تعبّدية جامدة ، إنّه دين للحياة بكلّ أبعادها . والأُمّة الإسلامية أُمّة أراد الله لها أن تكون صاحبة رسالة دينية وحضارية في هذا العالم ، ومن هنا كان وصفها بأنّها خير أُمّة أُخرجت للناس .
الإسلام ليس دين طقوس تعبّدية جامدة ، إنّه دين للحياة بكلّ أبعادها . والأُمّة الإسلامية أُمّة أراد الله لها أن تكون صاحبة رسالة دينية وحضارية في هذا العالم ، ومن هنا كان وصفها بأنّها خير أُمّة أُخرجت للناس .
سطر ١٧٣: سطر ١٧٩:
والرسالة الدينية الحضارية المنوطة بالأُمّة الإسلامية لا يمكن تأديتها والقيام بحقّها إلاّ إذا توحّدت جهود الأُمّة دينياً وفكرياً وحضارياً . وواجبها يفرض عليها في هذا الصدد أن تقدّم للعالم هذه الرسالة الدينية الحضارية في صورة أُنموذج متحقّق في عالم الواقع ، فليس بالأقوال تؤدّى الرسالات الكبرى ، ولكن بترجمة الأقوال إلى برامج عمل . ومن هنا جاء اللوم والمقت في القرآن الكريم للمؤمنين الذين يقولون ما لا يفعلون : (  '''يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لاَ تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتاً عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لاَ تَفْعَلُونَ''' )( سورة الصفّ : 2 ـ3 ) .
والرسالة الدينية الحضارية المنوطة بالأُمّة الإسلامية لا يمكن تأديتها والقيام بحقّها إلاّ إذا توحّدت جهود الأُمّة دينياً وفكرياً وحضارياً . وواجبها يفرض عليها في هذا الصدد أن تقدّم للعالم هذه الرسالة الدينية الحضارية في صورة أُنموذج متحقّق في عالم الواقع ، فليس بالأقوال تؤدّى الرسالات الكبرى ، ولكن بترجمة الأقوال إلى برامج عمل . ومن هنا جاء اللوم والمقت في القرآن الكريم للمؤمنين الذين يقولون ما لا يفعلون : (  '''يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لاَ تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتاً عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لاَ تَفْعَلُونَ''' )( سورة الصفّ : 2 ـ3 ) .


'''سادساً : البعد المصيري .'''
سادساً : البعد المصيري .


وإذا كانت الأُمّة الإسلامية ترتبط فيما بينها برباط ديني واحد وتجمعها وحدة جغرافية طبيعية ولها رسالة نورانية حضارية في هذا الوجود ; فإنّ ذلك يعني أنّ لها غايات واحدة وأهدافاً مشتركة ، ويعني في النهاية أنّ لها مصيراً واحداً .
وإذا كانت الأُمّة الإسلامية ترتبط فيما بينها برباط ديني واحد وتجمعها وحدة جغرافية طبيعية ولها رسالة نورانية حضارية في هذا الوجود ; فإنّ ذلك يعني أنّ لها غايات واحدة وأهدافاً مشتركة ، ويعني في النهاية أنّ لها مصيراً واحداً .
سطر ١٨٧: سطر ١٩٣:
هذا ، ويمكن تقرير مقومّات الوحدة الإسلامية بهذه الصورة أيضاً :
هذا ، ويمكن تقرير مقومّات الوحدة الإسلامية بهذه الصورة أيضاً :


'''1 ـ وجود الأرض .'''
1 ـ وجود الأرض .


فالأرض مستقرّ الإسلام ، وهي الدار التي يأوي إليها المؤمنون ، وعليها تقوم دولة الإسلام ، ومنها تنطلق دعوته : ( '''وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوْا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ''' )( سورة الحشر : 9 ) .  
فالأرض مستقرّ الإسلام ، وهي الدار التي يأوي إليها المؤمنون ، وعليها تقوم دولة الإسلام ، ومنها تنطلق دعوته : ( '''وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوْا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ''' )( سورة الحشر : 9 ) .  
سطر ١٩٥: سطر ٢٠١:
وأن تكون آمنة منيعة محمية الحدود والثغور ، كما أمر بذلك ربّ العباد ، فقال : ( '''يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا''' )( سورة آل عمران : 200 ) ، ويقول النبي (صلى الله عليه وآله) : « رباط يوم خير من صيام شهر أو قيامه » . إنّ الأرض الموصوفة بهذه الصفات هي درع الإيمان ، وبيضة الإسلام ، ومهجر المستضعفين من المؤمنين ، وملجأ الخائفين ، ومأوى الفارّين بدينهم من الفتن .
وأن تكون آمنة منيعة محمية الحدود والثغور ، كما أمر بذلك ربّ العباد ، فقال : ( '''يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا''' )( سورة آل عمران : 200 ) ، ويقول النبي (صلى الله عليه وآله) : « رباط يوم خير من صيام شهر أو قيامه » . إنّ الأرض الموصوفة بهذه الصفات هي درع الإيمان ، وبيضة الإسلام ، ومهجر المستضعفين من المؤمنين ، وملجأ الخائفين ، ومأوى الفارّين بدينهم من الفتن .


'''2 ـ تقرير الأُخوّة بين أفراد الأُمّة الإسلامية .'''
2 ـ تقرير الأُخوّة بين أفراد الأُمّة الإسلامية .


فقد جعل الإسلام الأُخوّة آصرة تربط بين المسلمين ، ونسباً يدخل فيه كلّ مسلم ، ورابطة متينة تجمع بين صغيرهم وكبيرهم وقويهم وضعيفهم ومحسنهم ومسيئهم .
فقد جعل الإسلام الأُخوّة آصرة تربط بين المسلمين ، ونسباً يدخل فيه كلّ مسلم ، ورابطة متينة تجمع بين صغيرهم وكبيرهم وقويهم وضعيفهم ومحسنهم ومسيئهم .
سطر ٢٠٣: سطر ٢٠٩:
وقد جعل الإسلام آثار الأُخوّة الإسلامية أُموراً ثلاثة :
وقد جعل الإسلام آثار الأُخوّة الإسلامية أُموراً ثلاثة :


'''أوّلها :''' وجوب الحبّ المتبادل بين المسلمين ، كما يقرّره قول الله عزّ وجلّ : ( '''إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدّاً''' ) ( سورة مريم : 96 ). ويقول النبي (صلى الله عليه وآله) : « والذي نفسي بيده لا تدخلوا الجنّة حتّى تؤمنوا ، ولا تؤمنوا حتّى تحابّوا . أو لا أدلّكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم ؟ افشوا السلام بينكم » . ولكي ينتشر الحبّ بين أفراد الأُمّة الإسلامية ويتداولونه بينهم أمر النبي (صلى الله عليه وآله)كلّ مسلم ، فقال : « إذا أحبّ الرجل أخاه ، فليخبره أنّه يحبّه » .
أوّلها : وجوب الحبّ المتبادل بين المسلمين ، كما يقرّره قول الله عزّ وجلّ : ( '''إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدّاً''' ) ( سورة مريم : 96 ). ويقول النبي (صلى الله عليه وآله) : « والذي نفسي بيده لا تدخلوا الجنّة حتّى تؤمنوا ، ولا تؤمنوا حتّى تحابّوا . أو لا أدلّكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم ؟ افشوا السلام بينكم » . ولكي ينتشر الحبّ بين أفراد الأُمّة الإسلامية ويتداولونه بينهم أمر النبي (صلى الله عليه وآله)كلّ مسلم ، فقال : « إذا أحبّ الرجل أخاه ، فليخبره أنّه يحبّه » .


'''ثانيها :''' وضع نظام الحقوق بين أبناء الإسلام ، فقد شرّع الإسلام نظام الحقوق بين المسلمين وجعل العمل به أمراً لازماً للأُخوّة في الدين ، وجعله مظهراً لقوّة اليقين وصدق الإيمان ، وهي حقوق شملت كلّ جوانب الحياة وأحوال المسلمين كافّة ، ما ظهر منها وما بطن ، وما خفي منها وما انتشر .
ثانيها : وضع نظام الحقوق بين أبناء الإسلام ، فقد شرّع الإسلام نظام الحقوق بين المسلمين وجعل العمل به أمراً لازماً للأُخوّة في الدين ، وجعله مظهراً لقوّة اليقين وصدق الإيمان ، وهي حقوق شملت كلّ جوانب الحياة وأحوال المسلمين كافّة ، ما ظهر منها وما بطن ، وما خفي منها وما انتشر .


'''ثالثها :''' وضع نظام التكافل والتآزر بين الأُخوة في الله ، وهو من لوازم الأُخوّة وشعبها ، كما يفيده قول النبي (صلى الله عليه وآله) : « المؤمن أخو المؤمن ، يكفّ عنه ضيعته ، ويحوطه من ورائه » . والتكافل في نظام الإسلام يجب أن يقوم بين المسلمين في مختلف صور المعاش وشتّى مرافق الحياة ، ومن ثمّ كان التكافل في الإسلام شاملاً لكلّ مظاهر الحياة وأنواع السلوك .
ثالثها : وضع نظام التكافل والتآزر بين الأُخوة في الله ، وهو من لوازم الأُخوّة وشعبها ، كما يفيده قول النبي (صلى الله عليه وآله) : « المؤمن أخو المؤمن ، يكفّ عنه ضيعته ، ويحوطه من ورائه » . والتكافل في نظام الإسلام يجب أن يقوم بين المسلمين في مختلف صور المعاش وشتّى مرافق الحياة ، ومن ثمّ كان التكافل في الإسلام شاملاً لكلّ مظاهر الحياة وأنواع السلوك .


'''3 ـ تشريع القيادة الواحدة للأُمّة المسلمة .'''
3 ـ تشريع القيادة الواحدة للأُمّة المسلمة .


بمعنى جعلها كتلة واحدة غير قابلة للتقطيع أو التشرذم ، والتأكيد على السمع والطاعة لولاة الأمر ما أطاعوا الله وأقاموا شريعته .
بمعنى جعلها كتلة واحدة غير قابلة للتقطيع أو التشرذم ، والتأكيد على السمع والطاعة لولاة الأمر ما أطاعوا الله وأقاموا شريعته .
سطر ٢١٥: سطر ٢٢١:
وحفاظاً على وحدة الأُمّة من التصدّع والشقاق وحماية لجماعتها من شرّ الفتنة والزلازل ، جعل الإسلام العلاقة بين الراعي والرعية مبنية على المودّة والرحمة والرعاية الصالحة والاحترام المتبادل بين الطرفين .
وحفاظاً على وحدة الأُمّة من التصدّع والشقاق وحماية لجماعتها من شرّ الفتنة والزلازل ، جعل الإسلام العلاقة بين الراعي والرعية مبنية على المودّة والرحمة والرعاية الصالحة والاحترام المتبادل بين الطرفين .


'''4ـ اعتصام أهل الإسلام بالكتاب والسنّة .'''
4ـ اعتصام أهل الإسلام بالكتاب والسنّة .


بمعنى اجتماعهم عليهما واتّفاقهم على العمل بهما مصداقاً لقول الله عزّ وجلّ : ( '''وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُوا''' ) ( سورة آل عمران : 103 ) ، وقوله سبحانه : ( '''وَأَنَّ هذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ''' )( سورة الأنعام : 153 ) .
بمعنى اجتماعهم عليهما واتّفاقهم على العمل بهما مصداقاً لقول الله عزّ وجلّ : ( '''وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُوا''' ) ( سورة آل عمران : 103 ) ، وقوله سبحانه : ( '''وَأَنَّ هذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ''' )( سورة الأنعام : 153 ) .
سطر ٢٢١: سطر ٢٢٧:
والاستمساك بالكتاب والسنّة والتزام أحكامها سلوكاً وخلقاً وعقيدة ممّا يستلزمه الإيمان الصادق واليقين الراسخ ، وممّا يجمع المؤمنين على مرجع واحد ، يرجعون إلى توجيهه في أُمور دينهم ودنياهم ، ويحكّمونه فيما شجر بينهم ، فلا يجدون في صدورهم حرجاً من قضائه ، ويسلّمون لحكمه تسليماً تامّاً ; لكونهم يعلمون أنّه القول الفصل والمرجع الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، وبذلك تتألّف قلوبهم على الحقّ ويجتمعون على اتّباع سبيله .
والاستمساك بالكتاب والسنّة والتزام أحكامها سلوكاً وخلقاً وعقيدة ممّا يستلزمه الإيمان الصادق واليقين الراسخ ، وممّا يجمع المؤمنين على مرجع واحد ، يرجعون إلى توجيهه في أُمور دينهم ودنياهم ، ويحكّمونه فيما شجر بينهم ، فلا يجدون في صدورهم حرجاً من قضائه ، ويسلّمون لحكمه تسليماً تامّاً ; لكونهم يعلمون أنّه القول الفصل والمرجع الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، وبذلك تتألّف قلوبهم على الحقّ ويجتمعون على اتّباع سبيله .


'''5 ـ تشريع القبلة الواحدة .'''
5 ـ تشريع القبلة الواحدة .


أي : تشريع القبلة الواحدة للمسلمين في مشارق الأرض ومغاربها ; إذ يجب على كلّ مسلم حيثما كان من الأرض أن يستقبل المسجد الحرام ، كما أمره بذلك ربّ العباد ، فقال : ( '''فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ''' )( سورة البقرة : 144 ) .
أي : تشريع القبلة الواحدة للمسلمين في مشارق الأرض ومغاربها ; إذ يجب على كلّ مسلم حيثما كان من الأرض أن يستقبل المسجد الحرام ، كما أمره بذلك ربّ العباد ، فقال : ( '''فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ''' )( سورة البقرة : 144 ) .
سطر ٢٢٧: سطر ٢٣٣:
إنّ شعور المسلم بكونه يستقبل القبلة التي يستقبلها إخوته المؤمنون في مشارق الأرض ومغاربها يجعله ينجذب تلقائياً إلى أهل ملّته ، ويعدّ نفسه فرداً من أفراد الأُمّة الإسلامية وعضواً من أعضاء جسدها ، وإن كان لا يعرف منها أحداً ولا يعرفه منهم أحد على سبيل المثال .
إنّ شعور المسلم بكونه يستقبل القبلة التي يستقبلها إخوته المؤمنون في مشارق الأرض ومغاربها يجعله ينجذب تلقائياً إلى أهل ملّته ، ويعدّ نفسه فرداً من أفراد الأُمّة الإسلامية وعضواً من أعضاء جسدها ، وإن كان لا يعرف منها أحداً ولا يعرفه منهم أحد على سبيل المثال .


'''6 ـ تقرير المساواة بين أفراد الأُمّة .'''
6 ـ تقرير المساواة بين أفراد الأُمّة .


وذلك باعتبارهم جميعاً بمنزلة واحدة من الحقّ والعدل والاحترام ، فلا يعلو بعضهم على بعض بمال أو جاه أو منصب أو نسب ، ولا يفخر أحد منهم على أحد بقبيلة أو شعب أو عشيرة ، فاختلاف الناس في أوطانهم وأعمالهم ومناصبهم لا يعدّ في الإسلام مدعاة للتفاخر والتفاضل والتعالي ، ولا يعتبر معياراً صادقاً للتمييز بين الناس وتقديم بعضهم على بعض ، كما بيّن ذلك سبحانه وتعالى بقوله : ( '''يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِن ذَكَر وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ''' )( سورة الحجرات : 13 ) .
وذلك باعتبارهم جميعاً بمنزلة واحدة من الحقّ والعدل والاحترام ، فلا يعلو بعضهم على بعض بمال أو جاه أو منصب أو نسب ، ولا يفخر أحد منهم على أحد بقبيلة أو شعب أو عشيرة ، فاختلاف الناس في أوطانهم وأعمالهم ومناصبهم لا يعدّ في الإسلام مدعاة للتفاخر والتفاضل والتعالي ، ولا يعتبر معياراً صادقاً للتمييز بين الناس وتقديم بعضهم على بعض ، كما بيّن ذلك سبحانه وتعالى بقوله : ( '''يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِن ذَكَر وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ''' )( سورة الحجرات : 13 ) .


'''7 ـ الإحساس بالمسؤولية المشتركة والمتبادلة ، والاتّصاف بالسماحة الإسلامية .'''
7 ـ الإحساس بالمسؤولية المشتركة والمتبادلة ، والاتّصاف بالسماحة الإسلامية .


أمّا مقوّمات صيانة الوحدة : فهي القواعد والأُسس والركائز الأساسية المقرّرة لصيانة وحماية الوحدة الإسلامية من التصدّع والانهيار . ومن تلك القواعد :
أمّا مقوّمات صيانة الوحدة : فهي القواعد والأُسس والركائز الأساسية المقرّرة لصيانة وحماية الوحدة الإسلامية من التصدّع والانهيار . ومن تلك القواعد :
سطر ٢٤٥: سطر ٢٥١:
هذه هي القواعد التي وضعها الإسلام لحماية وحدة الأُمّة وصيانتها من التصدّع والتشقّق ، وهي خليقة بتحقيق هذه الحماية لو طبّقت تطبيقاً سليماً ، وأُخذت بجدّ وإخلاص .
هذه هي القواعد التي وضعها الإسلام لحماية وحدة الأُمّة وصيانتها من التصدّع والتشقّق ، وهي خليقة بتحقيق هذه الحماية لو طبّقت تطبيقاً سليماً ، وأُخذت بجدّ وإخلاص .


<nowiki>*</nowiki> أمّا تحدّيات وموانع الوحدة : فهي المشاكل التي تواجه الأُمّة الإسلامية في مسيرتها الوحدوية . . والتي منها :
=موانع الوحدة=
 
أمّا تحدّيات وموانع الوحدة : فهي المشاكل التي تواجه الأُمّة الإسلامية في مسيرتها الوحدوية . . والتي منها :


'''أوّلاً : النعرة الطائفية .'''
أوّلاً : النعرة الطائفية .


ينبغي أن يُميّز بين الانتماء المذهبي والنعرة الطائفية ، فالانتماء المذهبي تعبير مشروع عن ارتباط المسلم بمذهب فقهي معيّن يعتقد هو ببراءة ذمّته حين يعمل بموجبه ، فيما تكون النعرة الطائفية حالة من العصبية تنطلق من تعصّب مقيت يولّد كراهية لأبناء الطوائف الأُخرى ، وفي الوقت الذدي يعزّز الانتماء المذهبي روح الأُخوّة الإسلامية بين كافّة أبناء المذاهب الإسلامية تكون النعرة الطائفية على عكس ذلك ; إذ تطرح نمطية الاحتراب وثقافة التشاتم بين أبناء الأُمّة الإسلامية ، حتّى أنّها قد تصل ـ أي : النعرة الطائفية ـ إلى أسوأ مدياتها في استباحة دماء المسلمين من أبناء الطوائف الأُخرى ! وقد تفرز هذه رموزاً طائفية وخطاباً طائفياً وفقهاً طائفياً يعطي للنعرة الطائفية مبرّراً شرعياً ويعبّئ أبناء الطائفة بالاتّجاه المضاد .
ينبغي أن يُميّز بين الانتماء المذهبي والنعرة الطائفية ، فالانتماء المذهبي تعبير مشروع عن ارتباط المسلم بمذهب فقهي معيّن يعتقد هو ببراءة ذمّته حين يعمل بموجبه ، فيما تكون النعرة الطائفية حالة من العصبية تنطلق من تعصّب مقيت يولّد كراهية لأبناء الطوائف الأُخرى ، وفي الوقت الذدي يعزّز الانتماء المذهبي روح الأُخوّة الإسلامية بين كافّة أبناء المذاهب الإسلامية تكون النعرة الطائفية على عكس ذلك ; إذ تطرح نمطية الاحتراب وثقافة التشاتم بين أبناء الأُمّة الإسلامية ، حتّى أنّها قد تصل ـ أي : النعرة الطائفية ـ إلى أسوأ مدياتها في استباحة دماء المسلمين من أبناء الطوائف الأُخرى ! وقد تفرز هذه رموزاً طائفية وخطاباً طائفياً وفقهاً طائفياً يعطي للنعرة الطائفية مبرّراً شرعياً ويعبّئ أبناء الطائفة بالاتّجاه المضاد .


'''ثانياً : التسييس الطائفي .'''
ثانياً : التسييس الطائفي .


المقصود به النظرة إلى الأفكار والمفاهيم إلى كلّ مذهب من المذاهب من منظور سياسي وليس من منظور معرفي محدّد . وتسييس الحالة الطائفية يحول دون التعرّف الإيجابي بين أبناء المذاهب ، وهو ما لا ينسجم مع المفاهيم القرآنية التي أرادت لكلّ المختلفين من أبناء الشعوب والقبائل التعارف فيما بينهم ، ومن موقع التعارف يجري بينهم الحوار والتعامل .
المقصود به النظرة إلى الأفكار والمفاهيم إلى كلّ مذهب من المذاهب من منظور سياسي وليس من منظور معرفي محدّد . وتسييس الحالة الطائفية يحول دون التعرّف الإيجابي بين أبناء المذاهب ، وهو ما لا ينسجم مع المفاهيم القرآنية التي أرادت لكلّ المختلفين من أبناء الشعوب والقبائل التعارف فيما بينهم ، ومن موقع التعارف يجري بينهم الحوار والتعامل .


'''ثالثاً : العقدة الماضوية .'''
ثالثاً : العقدة الماضوية .


إنّ قراءة التاريخ قراءة متأنّية تعبر بجيلنا الحاضر إلى الأجيال الماضية لاستلهام التجارب والاستفادة من العبر أمر مطلوب إلى حدّ كبير ، غير أنّ تحويل التاريخ إلى عقدة ماضوية تؤثّر على الحاضر تأثيراً سليباً يجعله حاجزاً يحول دون التعامل بين أبناء الأُمّة الإسلامية فهو أمر مختلف .  من هنا كان علينا أن نقرأ التاريخ قراءة مستقبلية ، بمعنى : أنّنا نستفيد من نجاحاتنا في التاريخ ونجاحات الآخرين ; لدفع عجلة التعاون في مجال الوحدة نحو الأمام ، كما أنّنا نستفيد من أخطائنا التاريخية ، لتلافي تكرارها وعدم تحوّلها إلى عقبات في الطريق .
إنّ قراءة التاريخ قراءة متأنّية تعبر بجيلنا الحاضر إلى الأجيال الماضية لاستلهام التجارب والاستفادة من العبر أمر مطلوب إلى حدّ كبير ، غير أنّ تحويل التاريخ إلى عقدة ماضوية تؤثّر على الحاضر تأثيراً سليباً يجعله حاجزاً يحول دون التعامل بين أبناء الأُمّة الإسلامية فهو أمر مختلف .  من هنا كان علينا أن نقرأ التاريخ قراءة مستقبلية ، بمعنى : أنّنا نستفيد من نجاحاتنا في التاريخ ونجاحات الآخرين ; لدفع عجلة التعاون في مجال الوحدة نحو الأمام ، كما أنّنا نستفيد من أخطائنا التاريخية ، لتلافي تكرارها وعدم تحوّلها إلى عقبات في الطريق .


'''رابعاً : الانكفاء الذاتي .'''
رابعاً : الانكفاء الذاتي .


ما تتميّز به بعض الفرق الإسلامية في التاريخ من انكفاء ذاتي أضفى عليها نمطية باطنية في الأداء ، وجعلها تعيش حصاراً داخلياً ربّما يولّد في لا شعورها وشعورها كراهية عارمة تجاه الآخرين . كما أنّها أصبحت ـ والحالة هذه ـ تعاني من عقدة الاضطهاد بسبب عزلتها عنهم . والانكفاء الذاتي هذا تتسبّب فيه عدّة عوامل ، منها ما ينطلق من الظرف الاجتماعي الضاغط على مجموعة ما أو طائفة معيّنة ، ومنها ما ينطلق من ذات المجموعة أو أبناء الطائفة ، ومن أجل التخلّص من هذه الظاهرة السلبية لا بدّ أن تتوفّر أجواء الصحّة الاجتماعية الكافية التي تحترم كلّ معتقدات ومتبنّيات أبناء الطوائف الأُخرى ، كما لا بدّ لذات الطائفة أن تتمتّع بالثقة الكافية والتخلّص من الشعور بعقدة الاضطهاد وتطوير خطابها للتعامل مع الوسط الاجتماعي الذي تتحرّك فيه .
ما تتميّز به بعض الفرق الإسلامية في التاريخ من انكفاء ذاتي أضفى عليها نمطية باطنية في الأداء ، وجعلها تعيش حصاراً داخلياً ربّما يولّد في لا شعورها وشعورها كراهية عارمة تجاه الآخرين . كما أنّها أصبحت ـ والحالة هذه ـ تعاني من عقدة الاضطهاد بسبب عزلتها عنهم . والانكفاء الذاتي هذا تتسبّب فيه عدّة عوامل ، منها ما ينطلق من الظرف الاجتماعي الضاغط على مجموعة ما أو طائفة معيّنة ، ومنها ما ينطلق من ذات المجموعة أو أبناء الطائفة ، ومن أجل التخلّص من هذه الظاهرة السلبية لا بدّ أن تتوفّر أجواء الصحّة الاجتماعية الكافية التي تحترم كلّ معتقدات ومتبنّيات أبناء الطوائف الأُخرى ، كما لا بدّ لذات الطائفة أن تتمتّع بالثقة الكافية والتخلّص من الشعور بعقدة الاضطهاد وتطوير خطابها للتعامل مع الوسط الاجتماعي الذي تتحرّك فيه .


'''خامساً : عقدة الإقصاء والتسيّد الطائفي .'''
خامساً : عقدة الإقصاء والتسيّد الطائفي .


حاول بعض السلاطين أن يقصي أبناء المذاهب الأُخرى ممّن لا ينتمون إلى مذهبه ، وقد أدّت هذه النعرة إلى وقوع ضحايا كثيرة ، وألحقت الظلم بأبناء المذاهب الأُخرى . إنّ مثل هذه السياسات والممارسات وإن حقّقت نتائج شخصية لواضيعها ، ولكنّها لا شكّ مضرّة في مصلحة الأُمّة ، وإنّها لا محالة زائلة في حسابات الأُمّة وعلى مدى عمرها الذي يتجاوز عمر واضعيها .
حاول بعض السلاطين أن يقصي أبناء المذاهب الأُخرى ممّن لا ينتمون إلى مذهبه ، وقد أدّت هذه النعرة إلى وقوع ضحايا كثيرة ، وألحقت الظلم بأبناء المذاهب الأُخرى . إنّ مثل هذه السياسات والممارسات وإن حقّقت نتائج شخصية لواضيعها ، ولكنّها لا شكّ مضرّة في مصلحة الأُمّة ، وإنّها لا محالة زائلة في حسابات الأُمّة وعلى مدى عمرها الذي يتجاوز عمر واضعيها .


'''سادساً : وجود المذاهب الكلامية والفقهية .'''
سادساً : وجود المذاهب الكلامية والفقهية .


إنّ المسلمين ينقسمون في المذاهب الكلامية إلى طوائف ، كالأشاعرة والمعتزلة والماتريدية والشيعة . والشيعة تنقسم بدورها إلى زيدية وإسماعيلية واثني عشرية ، فكيف يمكن توحيد الكلمة مع سيادة هذه المناهج الكلامية عليهم ؟ !
إنّ المسلمين ينقسمون في المذاهب الكلامية إلى طوائف ، كالأشاعرة والمعتزلة والماتريدية والشيعة . والشيعة تنقسم بدورها إلى زيدية وإسماعيلية واثني عشرية ، فكيف يمكن توحيد الكلمة مع سيادة هذه المناهج الكلامية عليهم ؟ !
سطر ٢٨١: سطر ٢٨٩:
ولا شكّ أنّ الشيعة ترى جواز الجمع بين الصلاتين مع القول بأنّ التفريق هو الأفضل ، والسنّة تخصّ جواز الجمع بالسفر ومواقف خاصّة ، ولكلّ دليله ، وقس على ذلك سائر الاختلافات الفقهية ، حتّى الاختلاف في متعة النكاح ، فذهب جمهور السنّة إلى النسخ والشيعة إلى بقاء الجواز ، فالاختلاف فيها كالاختلاف في سائر المسائل الناشئة من الاختلاف في النسخ وعدمه .
ولا شكّ أنّ الشيعة ترى جواز الجمع بين الصلاتين مع القول بأنّ التفريق هو الأفضل ، والسنّة تخصّ جواز الجمع بالسفر ومواقف خاصّة ، ولكلّ دليله ، وقس على ذلك سائر الاختلافات الفقهية ، حتّى الاختلاف في متعة النكاح ، فذهب جمهور السنّة إلى النسخ والشيعة إلى بقاء الجواز ، فالاختلاف فيها كالاختلاف في سائر المسائل الناشئة من الاختلاف في النسخ وعدمه .


'''سابعاً : وجود الاختلافات القومية .'''
سابعاً : وجود الاختلافات القومية .


يتشكّل المسلمون من قوميات متعدّدة من عرب وعجم وترك وبربر إلى غير ذلك من الشعوب والقبائل ، ولكن هذا الاختلاف اختلاف تكويني لا يصلح لأن يكون مانعاً عن وحدة الكلمة ، وقد عالج سبحانه هذا النوع من الاخلاف قائلاً : (  '''يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِن ذَكَر وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ''' )( سورة الحجرات : 13 ) .
يتشكّل المسلمون من قوميات متعدّدة من عرب وعجم وترك وبربر إلى غير ذلك من الشعوب والقبائل ، ولكن هذا الاختلاف اختلاف تكويني لا يصلح لأن يكون مانعاً عن وحدة الكلمة ، وقد عالج سبحانه هذا النوع من الاخلاف قائلاً : (  '''يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِن ذَكَر وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ''' )( سورة الحجرات : 13 ) .
سطر ٢٨٩: سطر ٢٩٧:
فالمسلم الشرقي إذا تعارف مع المسلم الغربي مع ما بينهما من الهوّة السحيقة يتآخيان ; لما بينهما من وحدة المبدأ والمعاد والقيادة والهدف ; وأمّا الأُخوان من أُمّ وأب واحد إذا كان أحدهما إلهياً والآخر مادّياً فإنّهما يتناكران .
فالمسلم الشرقي إذا تعارف مع المسلم الغربي مع ما بينهما من الهوّة السحيقة يتآخيان ; لما بينهما من وحدة المبدأ والمعاد والقيادة والهدف ; وأمّا الأُخوان من أُمّ وأب واحد إذا كان أحدهما إلهياً والآخر مادّياً فإنّهما يتناكران .


'''ثامناً : الجهل بمعتقدات الطوائف .'''
ثامناً : الجهل بمعتقدات الطوائف .


الحقيقة أنّ جهل كلّ طائفة بمعتقدات الطائفة الأُخرى يعدّ من أهمّ الموانع التي تشكّل حاجزاً منيعاً عن الوحدة ، وهذا ليس بالأمر المستسهل ، وإليك هذا المثال : إنّ الشيعة اقتداءً بالنبي وأئمّة أهل البيت لا يسجدون في الصلاة إلاّ على الأرض أو ما ينبت منها ، بشرط أن لا يكون مأكولاً ولا ملبوساً ، فبما أنّ السجود على الأرض في المنازل وحتّى المساجد المفروشة غير ميسّرة ، لذا يتّخذون أقراصاً من التربة يسجدون عليها ، فعند ذلك نرى أنّ بعض إخواننا من السنّة يرمون الشيعة بالسجود للحجر والتراب كسجود عبّاد الوثن له ! مع أنّهم لا يفرّقون بين المسجود عليه والمسجود له ، فالتراب هو المسجود عليه ، وأمّا السجود له فهو الله سبحانه .
الحقيقة أنّ جهل كلّ طائفة بمعتقدات الطائفة الأُخرى يعدّ من أهمّ الموانع التي تشكّل حاجزاً منيعاً عن الوحدة ، وهذا ليس بالأمر المستسهل ، وإليك هذا المثال : إنّ الشيعة اقتداءً بالنبي وأئمّة أهل البيت لا يسجدون في الصلاة إلاّ على الأرض أو ما ينبت منها ، بشرط أن لا يكون مأكولاً ولا ملبوساً ، فبما أنّ السجود على الأرض في المنازل وحتّى المساجد المفروشة غير ميسّرة ، لذا يتّخذون أقراصاً من التربة يسجدون عليها ، فعند ذلك نرى أنّ بعض إخواننا من السنّة يرمون الشيعة بالسجود للحجر والتراب كسجود عبّاد الوثن له ! مع أنّهم لا يفرّقون بين المسجود عليه والمسجود له ، فالتراب هو المسجود عليه ، وأمّا السجود له فهو الله سبحانه .
سطر ٢٩٥: سطر ٣٠٣:
وعلى ذلك فلو وقف فقهاء المذاهب على ما لدى الطوائف الأُخرى من الفقه والأُصول والاستدلال والاجتهاد لما عاب أحدهم الآخر ، وإنّما الخلاف في كيفية الاستدلال وحقيقة البرهان لا في الأخذ بالبرهان .
وعلى ذلك فلو وقف فقهاء المذاهب على ما لدى الطوائف الأُخرى من الفقه والأُصول والاستدلال والاجتهاد لما عاب أحدهم الآخر ، وإنّما الخلاف في كيفية الاستدلال وحقيقة البرهان لا في الأخذ بالبرهان .


'''تاسعاً : الجهل بمصطلحات الطرف الآخر .'''
تاسعاً : الجهل بمصطلحات الطرف الآخر .


إنّ لكلّ طائفة مصطلحات خاصّة في العقيدة والشريعة ، يجب أن تؤخذ مفاهيمها من كتب تلك الطائفة ، وليس من الصحيح تفسيره اعتباطاً . ومثال ذلك اصطلاح التقية ، فالتقية من المفاهيم الإسلامية ، وهي سلاح الضعيف أمام القوي ، فإذا خاف المسلم على ماله وعرضه ودمه من أيّ إنسان سواء أكان كافراً أو مسلماً وأراد شخص قوي سلب حرّياته ، فلا محيص له إلاّ كتمان عقيدته ، وقد أمر به سبحانه وقال : ( '''إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ''' )( سورة النحل : 106 ) ، وقد نزلت في حقّ عمّار بن ياسر ، حيث أظهر الكفر وأخفى الإيمان ، وجاء إلى النبي (صلى الله عليه وآله)باكياً ، فقال (صلى الله عليه وآله) : « لا شيء عليك » ، فنزلت الآية ، ولكن اصطلاح التقية يفسّر عند بعض المخالفين بالنفاق ، مع أنّ بين التقية والنفاق بوناً شاسعاً ، فالتقية إظهار الكفر وإبطان الإيمان ، والنفاق على العكس ، وهو إظهار الإسلام وإبطان الكفر .
إنّ لكلّ طائفة مصطلحات خاصّة في العقيدة والشريعة ، يجب أن تؤخذ مفاهيمها من كتب تلك الطائفة ، وليس من الصحيح تفسيره اعتباطاً . ومثال ذلك اصطلاح التقية ، فالتقية من المفاهيم الإسلامية ، وهي سلاح الضعيف أمام القوي ، فإذا خاف المسلم على ماله وعرضه ودمه من أيّ إنسان سواء أكان كافراً أو مسلماً وأراد شخص قوي سلب حرّياته ، فلا محيص له إلاّ كتمان عقيدته ، وقد أمر به سبحانه وقال : ( '''إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ''' )( سورة النحل : 106 ) ، وقد نزلت في حقّ عمّار بن ياسر ، حيث أظهر الكفر وأخفى الإيمان ، وجاء إلى النبي (صلى الله عليه وآله)باكياً ، فقال (صلى الله عليه وآله) : « لا شيء عليك » ، فنزلت الآية ، ولكن اصطلاح التقية يفسّر عند بعض المخالفين بالنفاق ، مع أنّ بين التقية والنفاق بوناً شاسعاً ، فالتقية إظهار الكفر وإبطان الإيمان ، والنفاق على العكس ، وهو إظهار الإسلام وإبطان الكفر .


<nowiki>*</nowiki> أمّا الحلول العلمية لوحدة الأُمّة الإسلامية : فمنها :
=الحلول العلمية للوحدة=
 
أمّا الحلول العلمية لوحدة الأُمّة الإسلامية : فمنها :


1 ـ الأخذ بالقواسم المشتركة بين المذاهب الإسلامية فقط ، والإعراض بالكامل عن القضايا الخلافية .
1 ـ الأخذ بالقواسم المشتركة بين المذاهب الإسلامية فقط ، والإعراض بالكامل عن القضايا الخلافية .
سطر ٣٢٤: سطر ٣٣٤:


هذا ، ولا يخفى أنّ بعض المشاريع فيها محلّ للتأمّل بلا شكّ .
هذا ، ولا يخفى أنّ بعض المشاريع فيها محلّ للتأمّل بلا شكّ .
=الحلول السياسية للوحدة=


وأمّا الحلول السياسية لوحدة الأُمّة الإسلامية فـ :
وأمّا الحلول السياسية لوحدة الأُمّة الإسلامية فـ :


'''( منها ):''' مشروع إقامة معاهدات واتّفاقات التعاون ، وهو حلّ سياسي لغرض تحقيق الوحدة الإسلامية . لكن إذا كان المقصود من هذا المشروع إقامة حكم فدرالي واحد مثل اتّحاد الجمهوريات السوفيتية السابق أو الولايات المتّحدة الأمريكية ، فهو يكون شبيهاً للغاية بمشروع الحكومة الإسلامية الموحّدة ; لأنّه يستلزم إقامة حكومة مركزية موحّدة تخضع لها جمهوريات حكم ذاتي محلّية ، ويبدو أنّه لا يختلف في هذه الحالة عن مشروع الحكومة الإسلامية الموحّدة سوى بالاسم وبعض الصلاحيات المحلّية .
( منها ): مشروع إقامة معاهدات واتّفاقات التعاون ، وهو حلّ سياسي لغرض تحقيق الوحدة الإسلامية . لكن إذا كان المقصود من هذا المشروع إقامة حكم فدرالي واحد مثل اتّحاد الجمهوريات السوفيتية السابق أو الولايات المتّحدة الأمريكية ، فهو يكون شبيهاً للغاية بمشروع الحكومة الإسلامية الموحّدة ; لأنّه يستلزم إقامة حكومة مركزية موحّدة تخضع لها جمهوريات حكم ذاتي محلّية ، ويبدو أنّه لا يختلف في هذه الحالة عن مشروع الحكومة الإسلامية الموحّدة سوى بالاسم وبعض الصلاحيات المحلّية .


أمّا إذا كان المقصود أن يقيم كلّ بلد إسلامي جمهورية مستقلّة مع حفظ خصوصيته القومية ولُغته وعَلَمه الوطني وعملته النقدية الوطنية ، ولكن تكون بين هذه الجمهوريات الإسلامية المستقلّة علاقات تضامن وتعاون فيما بينها في مجال السياسة الخارجية والاقتصادية والصناعية والعسكرية ، فهو في هذه الحالة مشروع آخر تنبغي دراسته وتدوين ضوابط هذا التعاون ، وهو مشروع عملي يمكن تحقيقه بلا شكّ ، فهو ليس خيالياً وأُمنية محضة مثلما هو حال المشروع سالف الذكر .
أمّا إذا كان المقصود أن يقيم كلّ بلد إسلامي جمهورية مستقلّة مع حفظ خصوصيته القومية ولُغته وعَلَمه الوطني وعملته النقدية الوطنية ، ولكن تكون بين هذه الجمهوريات الإسلامية المستقلّة علاقات تضامن وتعاون فيما بينها في مجال السياسة الخارجية والاقتصادية والصناعية والعسكرية ، فهو في هذه الحالة مشروع آخر تنبغي دراسته وتدوين ضوابط هذا التعاون ، وهو مشروع عملي يمكن تحقيقه بلا شكّ ، فهو ليس خيالياً وأُمنية محضة مثلما هو حال المشروع سالف الذكر .
سطر ٣٤٣: سطر ٣٥٥:
إذا أرادت حركات الصحوة الإسلامية في البلدان الإسلامية الحصول على ثمار مفيدة للإسلام والمسلمين ، فعليها أن تقيم فيما بينها حالةً من التعاون والتنسيق والالتفاف حول الأُصول المشتركة التي تتّفق عليها جميعاً ، وفي غير هذه الحالة ستقع في تناحر داخلي فيما بينها ، حتّى إذا انتصرت ; وذلك بسبب التناقضات الموجودة داخلها ، هذا فيما لو غضضنا النظر عن مؤامرات الاستكبار والصهاينة الذين يسعون لاستغلال هذه الاختلافات المذهبية والاجتهادية بأشبع صورة ممكنة .
إذا أرادت حركات الصحوة الإسلامية في البلدان الإسلامية الحصول على ثمار مفيدة للإسلام والمسلمين ، فعليها أن تقيم فيما بينها حالةً من التعاون والتنسيق والالتفاف حول الأُصول المشتركة التي تتّفق عليها جميعاً ، وفي غير هذه الحالة ستقع في تناحر داخلي فيما بينها ، حتّى إذا انتصرت ; وذلك بسبب التناقضات الموجودة داخلها ، هذا فيما لو غضضنا النظر عن مؤامرات الاستكبار والصهاينة الذين يسعون لاستغلال هذه الاختلافات المذهبية والاجتهادية بأشبع صورة ممكنة .


و'''( منها )''' : مشروع إقامة معاهدات واتّفاقات التعاون ، وهو حلّ سياسي آخر لتحقيق الوحدة الإسلامية ، ومعلوم أنّ هذا المشروع يجري تنفيذه عملياً بين بعض البلدان الإسلامية مثل : إيران وتركيا والباكستان وبلدان أُخرى انضمّت إليها فيما بعد ضمن إطار منظّمة « أُكو » .
و( منها ) : مشروع إقامة معاهدات واتّفاقات التعاون ، وهو حلّ سياسي آخر لتحقيق الوحدة الإسلامية ، ومعلوم أنّ هذا المشروع يجري تنفيذه عملياً بين بعض البلدان الإسلامية مثل : إيران وتركيا والباكستان وبلدان أُخرى انضمّت إليها فيما بعد ضمن إطار منظّمة « أُكو » .


ومن سبل تطبيقه المعاهدات المختلفة في المجالات الدفاعية والاقتصادية والثقافية المشتركة بين مجموعة من البلدان ، وهذه سنّة معروفة منذ أقدم العصور .
ومن سبل تطبيقه المعاهدات المختلفة في المجالات الدفاعية والاقتصادية والثقافية المشتركة بين مجموعة من البلدان ، وهذه سنّة معروفة منذ أقدم العصور .
سطر ٣٥١: سطر ٣٦٣:
وهنا ينبغي الالتفات إلى عدّة أُمور :
وهنا ينبغي الالتفات إلى عدّة أُمور :


'''أوّلاً :'''  مثل هذه المعاهدات يمكن أن تكون شاملة لجميع المجالات الدفاعية والاقتصادية والثقافية والسياسية ، كما يمكن أن تنحصر في بعض هذه المجالات .
أوّلاً : مثل هذه المعاهدات يمكن أن تكون شاملة لجميع المجالات الدفاعية والاقتصادية والثقافية والسياسية ، كما يمكن أن تنحصر في بعض هذه المجالات .


'''ثانياً :''' يمكن عقد هذه المعاهدات الشاملة أو المحدودة بين جميع البلدان الإسلامية أو بين عدد منها ، وتوجد مشاكل وعقبات تختصّ بكلّ نوع ، أهمّها مشكلة تبعية الكثير من هذه البلدان للدول الكبرى كأمريكا وإنجلترا ! وهذه التبعية تمنع عقد مثل هذه المعاهدات بين المسلمين ، حتّى إذا دخلت هذه البلدان التابعة في مثل هذه المعاهدات فإنّ تحرّكها يتوجّه إلى التشكيك العملي في أصل جدوى تلك المعاهدات أو الكشف عن أسرار البلدان الإسلامية واطّلاع القوى الكبرى عليها ، الأمر الذي يجعل هذه القوى تمسك بخيوط توجيه العمل بهذه المعاهدات ، فيكون ضررها على المسلمين أكثر من نفعها ، وبالتالي تحوّلها إلى صورة لا محتوى لها أو تدمّرها بالكامل .
ثانياً : يمكن عقد هذه المعاهدات الشاملة أو المحدودة بين جميع البلدان الإسلامية أو بين عدد منها ، وتوجد مشاكل وعقبات تختصّ بكلّ نوع ، أهمّها مشكلة تبعية الكثير من هذه البلدان للدول الكبرى كأمريكا وإنجلترا ! وهذه التبعية تمنع عقد مثل هذه المعاهدات بين المسلمين ، حتّى إذا دخلت هذه البلدان التابعة في مثل هذه المعاهدات فإنّ تحرّكها يتوجّه إلى التشكيك العملي في أصل جدوى تلك المعاهدات أو الكشف عن أسرار البلدان الإسلامية واطّلاع القوى الكبرى عليها ، الأمر الذي يجعل هذه القوى تمسك بخيوط توجيه العمل بهذه المعاهدات ، فيكون ضررها على المسلمين أكثر من نفعها ، وبالتالي تحوّلها إلى صورة لا محتوى لها أو تدمّرها بالكامل .


'''ثالثاً :''' يجب ـ وكما هو واضح ـ أن يبادر المسلمون بأنفسهم بعيداً عن تدخّل الدول غير الإسلامية إلى عقد معاهدات فيما بينهم ; ليتخلّصوا من شرورهم . ولكن وجود أصابع الاستكبار في البلدان الإسلامية يسبّب الآثار السيّئة المشار إليها سابقاً ، فيكفي دخول حكومة واحدة أو أكثر من الحكومات العميلة في هذه المعاهدات لتحويلها إلى وسيلة لخدمة المصالح الاستكبارية . فأيّ سبيل نسلكه وأيّ حلّ نفكّر فيه لتحقيق الوحدة السياسية بين المسلمين ينبغي أن يكون شرطه الأوّل عدم التبعية للقوى الكبرى ، وهذا الشرط مفقود ، كما هو مشهود لمن يلاحظ أوضاع حكومات البلدان الإسلامية .
ثالثاً : يجب ـ وكما هو واضح ـ أن يبادر المسلمون بأنفسهم بعيداً عن تدخّل الدول غير الإسلامية إلى عقد معاهدات فيما بينهم ; ليتخلّصوا من شرورهم . ولكن وجود أصابع الاستكبار في البلدان الإسلامية يسبّب الآثار السيّئة المشار إليها سابقاً ، فيكفي دخول حكومة واحدة أو أكثر من الحكومات العميلة في هذه المعاهدات لتحويلها إلى وسيلة لخدمة المصالح الاستكبارية . فأيّ سبيل نسلكه وأيّ حلّ نفكّر فيه لتحقيق الوحدة السياسية بين المسلمين ينبغي أن يكون شرطه الأوّل عدم التبعية للقوى الكبرى ، وهذا الشرط مفقود ، كما هو مشهود لمن يلاحظ أوضاع حكومات البلدان الإسلامية .


'''رابعاً :''' أنّ ما يُقال من أنّ على المسلمين أن يعقدوا بصورة مستقلّة المعاهدات المطلوبة بعيداً عن تدخّل الأجانب ، لا يمنع البلدان الإسلامية من الدخول في المعاهدات الدولية مثل منظّمة الأُمم المتّحدة ومجلس الأمن والمعاهدات الثقافية والصحّية وأمثالها ، ولكن شريطة أن لا تصدّها هذه المعاهدات عن التعاون فيما بينها في سبيل تحقيق المصالح الإسلامية العامّة .
رابعاً : أنّ ما يُقال من أنّ على المسلمين أن يعقدوا بصورة مستقلّة المعاهدات المطلوبة بعيداً عن تدخّل الأجانب ، لا يمنع البلدان الإسلامية من الدخول في المعاهدات الدولية مثل منظّمة الأُمم المتّحدة ومجلس الأمن والمعاهدات الثقافية والصحّية وأمثالها ، ولكن شريطة أن لا تصدّها هذه المعاهدات عن التعاون فيما بينها في سبيل تحقيق المصالح الإسلامية العامّة .


و'''( منها ) : ''' مشروع الحكومة الإسلامية الموحّدة ، وهو حلّ سياسي آخر لتحقيق الوحدة الإسلامية بين أبناء الأُمّة ، غير أنّ محلّه عالم الخيال ! ويمكن ذكره كأُمنية لا يمكن تجسيدها في الواقع العملي أبداً ، بل يكفي مجرّد عرضه على الأُمّة الإسلامية كمشروع مقترح ، وهو يدعو جميع الشعوب والبلدان الإسلامية إلى الاندماج في دولة إسلامية كبرى يجب أن تقيم مؤسّسات واسعة موحّدة ، وتدمج جميع الأجهزة السياسية والقضائية والمالية والعسكرية للبلدان الإسلامية ، وتوحيد اللغة الرسمية في لغة واحدة أو اثنتين ، وتشكيل علم واحد وعملة مشتركة .
و( منها ) :  مشروع الحكومة الإسلامية الموحّدة ، وهو حلّ سياسي آخر لتحقيق الوحدة الإسلامية بين أبناء الأُمّة ، غير أنّ محلّه عالم الخيال ! ويمكن ذكره كأُمنية لا يمكن تجسيدها في الواقع العملي أبداً ، بل يكفي مجرّد عرضه على الأُمّة الإسلامية كمشروع مقترح ، وهو يدعو جميع الشعوب والبلدان الإسلامية إلى الاندماج في دولة إسلامية كبرى يجب أن تقيم مؤسّسات واسعة موحّدة ، وتدمج جميع الأجهزة السياسية والقضائية والمالية والعسكرية للبلدان الإسلامية ، وتوحيد اللغة الرسمية في لغة واحدة أو اثنتين ، وتشكيل علم واحد وعملة مشتركة .


ويدعو لهذا المشروع عادة الذين ينظرون إلى ملحمة انتصار الإسلام في أيّامه الأُولى ، ويؤكّدون أنّها لا تختصّ بزمن خاصّ ، بل تمثّل قدوة دينية مقدّسة ومثالاً للحكومة الإسلامية ، دون أن ينتبهوا إلى المشاكل العملية التي تواجهها هذه الدعوة على الصعيد العملي .
ويدعو لهذا المشروع عادة الذين ينظرون إلى ملحمة انتصار الإسلام في أيّامه الأُولى ، ويؤكّدون أنّها لا تختصّ بزمن خاصّ ، بل تمثّل قدوة دينية مقدّسة ومثالاً للحكومة الإسلامية ، دون أن ينتبهوا إلى المشاكل العملية التي تواجهها هذه الدعوة على الصعيد العملي .


صحيح أنّ العالم الإسلامي حظي بحكومة موحّدة ومركزية قويّة في عهد الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) وما بعده ، وأنّ حركات الخروج عليه لم تنجح في إقامة حكومات انفصالية ، وأنّ الحال استمرّ على هذا المنوال في بدايات العصر العبّاسي رغم وقوع العديد من ثورات العلويّين والخوارج وحركات التمرّد المحلّية ، ولكن هذا الوضع تغيّر بعد ذلك ، ففي النصف الثاني من القرن الهجري الثاني أُقيمت حكومتان مستقلّتان في المغرب الإسلامي من قبل فريقين متخاصمين : الأُولى أسّسها في مراكش العلويّون الأدارسة على يد إدريس بن عبدالله بن الحسن المثنّى بن الحسن بن علي المتوفّى سنة 177 هـ ، والثانية في ليبيا وتونس ، وقد أسّسها عبدالرحمان بن رستم المتوفّى سنة 171 هـ ، وهو على مذهب الخوارج ، وقد استمرّ الحكم بيد آله مدّة طويلة في مقابل حكومة الأدارسة العلوية .
صحيح أنّ العالم الإسلامي حظي بحكومة موحّدة ومركزية قويّة في عهد الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) وما بعده ، وأنّ حركات الخروج عليه لم تنجح في إقامة حكومات انفصالية ، وأنّ الحال استمرّ على هذا المنوال في بدايات العصر العبّاسي رغم وقوع العديد من ثورات العلويّين والخوارج وحركات التمرّد المحلّية ، ولكن هذا الوضع تغيّر بعد ذلك ، ففي النصف الثاني من القرن الهجري الثاني أُقيمت حكومتان مستقلّتان في المغرب الإسلامي من قبل فريقين متخاصمين : الأُولى أسّسها في مراكش العلويّون الأدارسة على يد إدريس بن عبدالله بن الحسن المثنّى بن الحسن ابن علي المتوفّى سنة 177 هـ ، والثانية في ليبيا وتونس ، وقد أسّسها عبدالرحمان بن رستم المتوفّى سنة 171 هـ ، وهو على مذهب الخوارج ، وقد استمرّ الحكم بيد آله مدّة طويلة في مقابل حكومة الأدارسة العلوية .


كما أُقيمت حكومات انفصالية في شرق العالم الإسلامي تحدّثت عنها كتب التاريخ ، مثل دولة الصفّاريّين وغيرها .
كما أُقيمت حكومات انفصالية في شرق العالم الإسلامي تحدّثت عنها كتب التاريخ ، مثل دولة الصفّاريّين وغيرها .
سطر ٣٨٥: سطر ٣٩٧:
ولكن هذا المشروع مثالي محض ، وليس عملياً ; لأسباب عديدة ، أهمّها :
ولكن هذا المشروع مثالي محض ، وليس عملياً ; لأسباب عديدة ، أهمّها :


'''أوّلاً :''' أنّ أيّاً من حكومات التجزئة الحاكمة في البلدان الإسلامية حالياً وذات الاتّجاهات المتباينة غير مستعدّة للتخلّي عن سلطتها ، وهذا واقع معروف لا يحتاج إلى توضيح .
أوّلاً : أنّ أيّاً من حكومات التجزئة الحاكمة في البلدان الإسلامية حالياً وذات الاتّجاهات المتباينة غير مستعدّة للتخلّي عن سلطتها ، وهذا واقع معروف لا يحتاج إلى توضيح .


'''ثانياً :''' حتّى لو قبلت الحكومات بذلك ، فإنّ بعث المشاعر القومية خلال القرن الأخير بين الشعوب الإسلامية تقليداً للغرب ونتيجة للجهود الاستكبارية المكثّفة والمستمرّة إلى اليوم ، أوجد حالة مضادّة لهذا المشروع ، ونحن نعلم بأنّ الاستكبار الغربي نجد في إثارة المشاعر القومية بين الشعوب الإسلامية ذات الانتماءات القومية المتعدّدة أفضل وسيلة لتمزيقها واستغلالها لتحقيق مطامعه والسيطرة عليها ، وهو أمر لا يمكنه تحقيقه إذا اتّحدت هذه الشعوب على أساس الإيمان بالإسلام والمشتركات الدينية .
ثانياً : حتّى لو قبلت الحكومات بذلك ، فإنّ بعث المشاعر القومية خلال القرن الأخير بين الشعوب الإسلامية تقليداً للغرب ونتيجة للجهود الاستكبارية المكثّفة والمستمرّة إلى اليوم ، أوجد حالة مضادّة لهذا المشروع ، ونحن نعلم بأنّ الاستكبار الغربي نجد في إثارة المشاعر القومية بين الشعوب الإسلامية ذات الانتماءات القومية المتعدّدة أفضل وسيلة لتمزيقها واستغلالها لتحقيق مطامعه والسيطرة عليها ، وهو أمر لا يمكنه تحقيقه إذا اتّحدت هذه الشعوب على أساس الإيمان بالإسلام والمشتركات الدينية .


'''ثالثاً :''' حتّى لو نسّقت الشعوب الإسلامية تحرّكها واستعدّت لإقامة دولة إسلامية موحّدة وخضعت حكوماتها غير الإسلامية لمطاليبها ـ وهذه أُمنية فرضية بعيدة الحصول ـ فهل يمكن تصوّر أنّ الاستكبار الغربي سيسمح بذلك ، وهو الذي فرض سلطته سنين طويلة بل قروناً متمادية على العديد من بقاع العالم الإسلامي مستغلاًّ تفرّقها ؟ !
ثالثاً : حتّى لو نسّقت الشعوب الإسلامية تحرّكها واستعدّت لإقامة دولة إسلامية موحّدة وخضعت حكوماتها غير الإسلامية لمطاليبها ـ وهذه أُمنية فرضية بعيدة الحصول ـ فهل يمكن تصوّر أنّ الاستكبار الغربي سيسمح بذلك ، وهو الذي فرض سلطته سنين طويلة بل قروناً متمادية على العديد من بقاع العالم الإسلامي مستغلاًّ تفرّقها ؟ !


و'''( منها ) :''' مشروع المجلس القيادي الموحّد ، وهو حلّ سياسي آخر لتحقيق الوحدة الإسلامية ، وقد ورد الحديث به أوّل مرّة في دستور الجمهورية الإسلامية في إيران ، وتناول مصداقين له :
و( منها ) : مشروع المجلس القيادي الموحّد ، وهو حلّ سياسي آخر لتحقيق الوحدة الإسلامية ، وقد ورد الحديث به أوّل مرّة في دستور الجمهورية الإسلامية في إيران ، وتناول مصداقين له :


الأوّل : هو الذي ينتخبه مجلس خبراء القيادة الإسلامية عندما لا يبرز أحد الفقهاء بخصوصية قيادية مميّزة ، فينتخب الخبراء عدداً من الذين يتحلّون بشروط القيادة ; لكي يتولّوا قيادة الأُمّة بصورة جماعية وعلى أساس مبدأ الشورى ، ولكن الدستور لم يحدّد ضوابط طريقة عمل هذا المجلس ، وقد تمّ حذفه عند إعادة النظر في الدستور وإجراء الإصلاحات الدستورية ، وذلك في ضوء التجارب غير الناجحة لعمل المجالس المماثلة مثل المجلس القضائي وغيره ، ولعلّ الحذف جاء لأسباب أُخرى ، ولكن عنوان مجلس القيادة بقي في الفصل الثامن من الدستور ، والمقصود منه هو النوع الثاني .
الأوّل : هو الذي ينتخبه مجلس خبراء القيادة الإسلامية عندما لا يبرز أحد الفقهاء بخصوصية قيادية مميّزة ، فينتخب الخبراء عدداً من الذين يتحلّون بشروط القيادة ; لكي يتولّوا قيادة الأُمّة بصورة جماعية وعلى أساس مبدأ الشورى ، ولكن الدستور لم يحدّد ضوابط طريقة عمل هذا المجلس ، وقد تمّ حذفه عند إعادة النظر في الدستور وإجراء الإصلاحات الدستورية ، وذلك في ضوء التجارب غير الناجحة لعمل المجالس المماثلة مثل المجلس القضائي وغيره ، ولعلّ الحذف جاء لأسباب أُخرى ، ولكن عنوان مجلس القيادة بقي في الفصل الثامن من الدستور ، والمقصود منه هو النوع الثاني .
سطر ٤٠٧: سطر ٤١٩:
وثمّة صورة أُخرى يمكن فرضها كمصداق للمجلس القيادي ، وهي : أن تنتخب البلدان الإسلامية أعضاء مجلس قيادي استشاري يستعين قائد الثورة الإسلامية الإيرانية بآراء أعضائه فيما يرتبط بالقضايا الإسلامية العامّة ، أي : أنّ دور المجلس هو استشاري ، أمّا حقّ اتّخاذ القرار فهو بيد قائد الثورة .
وثمّة صورة أُخرى يمكن فرضها كمصداق للمجلس القيادي ، وهي : أن تنتخب البلدان الإسلامية أعضاء مجلس قيادي استشاري يستعين قائد الثورة الإسلامية الإيرانية بآراء أعضائه فيما يرتبط بالقضايا الإسلامية العامّة ، أي : أنّ دور المجلس هو استشاري ، أمّا حقّ اتّخاذ القرار فهو بيد قائد الثورة .


و'''( منها ):''' مشروع وحدة القائد ، وهو حلّ سياسي آخر لتحقيق الوحدة الإسلامية . ولهذا المشروع أنصار أقوياء في الجمهورية الإسلامية ، ويُستفاد من طيّات كلام الإمام الخميني والإمام الخامنئي وعدد من قادة الثورة تأكيدهم على هذا النمط من الوحدة الإسلامية .
و( منها ): مشروع وحدة القائد ، وهو حلّ سياسي آخر لتحقيق الوحدة الإسلامية . ولهذا المشروع أنصار أقوياء في الجمهورية الإسلامية ، ويُستفاد من طيّات كلام الإمام الخميني والإمام الخامنئي وعدد من قادة الثورة تأكيدهم على هذا النمط من الوحدة الإسلامية .


الداعون لوحدة القيادة ـ وذلك من بين دعاة الوحدة الإسلامية الذين لديهم اتّصالات بطريقة أو بأُخرى بالمجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية ـ ليسوا قلّة ، وبعضهم من أعضاء المجلس الأعلى للمجمع ، ويؤكّد العديد من المفكّرين الإسلاميّين ـ وذلك من أمثال الدكتور كليم صدّيقي (رحمه الله)رئيس مؤسّسة البحوث الإسلامية في لندن والأُستاذ إبراهيم زكزكي زعيم حزب الوحدة الإسلامية في نيجيريا والأُستاذ محمّد هادي آونك الزعيم الثوري الماليزي وغيرهم ـ وحدة القيادة الإسلامية ، ويصرّون عليها في مقالاتهم أو الكلمات التي يلقونها في مؤتمرات الوحدة الإسلامية التي يقيمها المجمع العالمي للتقريب كلّ عام في أُسبوع الوحدة .
الداعون لوحدة القيادة ـ وذلك من بين دعاة الوحدة الإسلامية الذين لديهم اتّصالات بطريقة أو بأُخرى بالمجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية ـ ليسوا قلّة ، وبعضهم من أعضاء المجلس الأعلى للمجمع ، ويؤكّد العديد من المفكّرين الإسلاميّين ـ وذلك من أمثال الدكتور كليم صدّيقي (رحمه الله)رئيس مؤسّسة البحوث الإسلامية في لندن والأُستاذ إبراهيم زكزكي زعيم حزب الوحدة الإسلامية في نيجيريا والأُستاذ محمّد هادي آونك الزعيم الثوري الماليزي وغيرهم ـ وحدة القيادة الإسلامية ، ويصرّون عليها في مقالاتهم أو الكلمات التي يلقونها في مؤتمرات الوحدة الإسلامية التي يقيمها المجمع العالمي للتقريب كلّ عام في أُسبوع الوحدة .
سطر ٤٢١: سطر ٤٣٣:
2 ـ إنّ شرط نجاح كلّ نهضة سياسية هو وجود القيادة الموحّدة صاحبة الكلمة الفصل ، وهذا هو سرّ انتصار الثورة الإسلامية الإيرانية في حين أنّ تعدّد القيادات هو السبب الرئيسي لإخفاق الحركات الإسلامية في بلدان المسلمين الأُخرى .
2 ـ إنّ شرط نجاح كلّ نهضة سياسية هو وجود القيادة الموحّدة صاحبة الكلمة الفصل ، وهذا هو سرّ انتصار الثورة الإسلامية الإيرانية في حين أنّ تعدّد القيادات هو السبب الرئيسي لإخفاق الحركات الإسلامية في بلدان المسلمين الأُخرى .


أمّا القول الثاني فيمكن ترجيحه على النحو التالي : بعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران بقيادة الإمام الخميني (قدس سره) حدّدت في دستور الجمهورية الإسلامية شروط وضوابط خاصّة بانتخاب القائد ، تنسجم تقريباً مع الشروط والضوابط التي تعتقد أغلب الفرق الإسلامية بلزوم توفّرها في الإمام أو الخليفة أو ولي الأمر ، كما توخّيت الدقّة الكاملة في تحديد ضوابط طريقة انتخابه ومسؤولياته وصلاحياته . وممّا لا شكّ فيه أنّه لا يوجد في العالم الإسلامي لا في الماضي ولا في العصر الحاضر مثل هذه الأُصول القانونية المدوّنة بشأن ولي أمر المسلمين ، خاصّة بعد إعادة النظر فيها وإصلاحها استناداً إلى معطيات تجربتها في الواقع العملي .
أمّا القول الثاني فيمكن ترجيحه على النحو التالي : بعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران بقيادة الإمام الخميني حدّدت في دستور الجمهورية الإسلامية شروط وضوابط خاصّة بانتخاب القائد ، تنسجم تقريباً مع الشروط والضوابط التي تعتقد أغلب الفرق الإسلامية بلزوم توفّرها في الإمام أو الخليفة أو ولي الأمر ، كما توخّيت الدقّة الكاملة في تحديد ضوابط طريقة انتخابه ومسؤولياته وصلاحياته . وممّا لا شكّ فيه أنّه لا يوجد في العالم الإسلامي لا في الماضي ولا في العصر الحاضر مثل هذه الأُصول القانونية المدوّنة بشأن ولي أمر المسلمين ، خاصّة بعد إعادة النظر فيها وإصلاحها استناداً إلى معطيات تجربتها في الواقع العملي .


وبعبارة أُخرى : فإنّ نظام القيادة الإسلامية تمّ تطبيقه في إيران عمليّاً ، ولا نظير له في البدان الأُخرى ، كما أنّ من المستبعد إيجاد مثل هذا النظام خاصّة مع ملاحظة الأوضاع السائدة فيها .
وبعبارة أُخرى : فإنّ نظام القيادة الإسلامية تمّ تطبيقه في إيران عمليّاً ، ولا نظير له في البدان الأُخرى ، كما أنّ من المستبعد إيجاد مثل هذا النظام خاصّة مع ملاحظة الأوضاع السائدة فيها .
سطر ٤٣١: سطر ٤٤٣:
وواضح أنّ هذا الأمر لا يمسّ استقلال أيٍّ منها ، فهي تحتفظ بحرّيتها واستقلالها في جميع شؤونها السياسية والاقتصادية والدينية والوطنية ، دون أن يتدخّل أحد فيها ، ولكن بحكم انتمائها الإسلامي عليها أن تقف في صفّ واحد : ( '''صَفّاً كَأَنَّهُم بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ''' )( سورة الصفّ : 4 ) ، في ظلّ القيادة الإسلامية ، وتدعمها عند اللزوم دفاعاً عن الإسلام والمسلمين .
وواضح أنّ هذا الأمر لا يمسّ استقلال أيٍّ منها ، فهي تحتفظ بحرّيتها واستقلالها في جميع شؤونها السياسية والاقتصادية والدينية والوطنية ، دون أن يتدخّل أحد فيها ، ولكن بحكم انتمائها الإسلامي عليها أن تقف في صفّ واحد : ( '''صَفّاً كَأَنَّهُم بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ''' )( سورة الصفّ : 4 ) ، في ظلّ القيادة الإسلامية ، وتدعمها عند اللزوم دفاعاً عن الإسلام والمسلمين .


<nowiki>*</nowiki> أمّا مبرّرات أمل تحقّق الوحدة : فهي الأسباب والحقائق الداعية إلى وجود الأمل بتحقّق وحدة الأُمّة . . وأهمّ ما يبرّر هذا الأمل ما يلي :
=مبررات أمل تحقق الوحدة=


'''أوّلاً :''' وجود المتابعة والمواصلة من قبيل الشخصيات التي حملت مشعل الوحدة وعدم الانسحاب من الميدان رغم الجراحات التي تعرّض لها هؤلاء ويتعرّض لها عادة كلّ من يتصدّى لهذا الأمر المهمّ ، من الجهات الصديقة ومن الجهات المضادّة والمعادية للإسلام .
أمّا مبرّرات أمل تحقّق الوحدة : فهي الأسباب والحقائق الداعية إلى وجود الأمل بتحقّق وحدة الأُمّة . . وأهمّ ما يبرّر هذا الأمل ما يلي :


'''ثانياً :''' وجود مراكز مؤسّسات متمخّضة لخدمة الأهداف الوحدوية بين أبناء الأُمّة الإسلامية ، ممّا يجعل قضايا الوحدة أكثر جدّية وذات أبعاد فعلية ومستقبلية ، ويدفع بعجلة الوحدة إلى أمام ، ويخرجها من دائرة الحلم إلى ميدان الواقع .
أوّلاً : وجود المتابعة والمواصلة من قبيل الشخصيات التي حملت مشعل الوحدة وعدم الانسحاب من الميدان رغم الجراحات التي تعرّض لها هؤلاء ويتعرّض لها عادة كلّ من يتصدّى لهذا الأمر المهمّ ، من الجهات الصديقة ومن الجهات المضادّة والمعادية للإسلام .


'''ثالثاً :''' الظروف السياسية المحلّية والإقليمية والدولية التي تزداد جراحة يوماً بعد آخر ، والتي عجّلت في وعي الأُمّة وساهمت في تنضيج الذهنية الإسلامية وطموحات الرسالة ، وهذه الظروف وإن كانت في ظاهرها تشكّل عنصر ضغط لتذويب إرادة الأُمّة وتفتيت قدرتها ، إلاّ أنّ لكلّ فعل ردّ فعل يساويه في المقدار ويعاكسه في الاتّجاه ويقع وإيّاه على خطّ فعل واحد ، كما هو مقتضى القانون الثاني من قوانين « إسحاق نيوتن » . هذا على صعيد الموادّ الجامدة غير الواعية وغير العاقلة ، وأمّا على صعيد الأُمم والشعوب ـ وكما يستفاد ذلك من دراسة التاريخ بل والواقع المعاش ـ فإنّ ردّ الفعل قد يكون أضعافاً مضاعفة ، وقد يفوق حدّ التصوّر أحياناً  وجود الطاقة الإيمانية التي لا يمكن أن تخضع للحسابات المختبرية الصامتة . وعلى أيّة حال فإنّ الأُمّة الإسلامية باتت اليوم أكثر من أيّ وقت مضى تحسّ بضرورة الوحدة ونبذ الخلافات جانباً ، ولا بدّ من التصدّي لأعداء الأُمّة الذين يريدون ابتلاعها ومصادرة شخصيتها وإلغاء هويتها .
ثانياً : وجود مراكز مؤسّسات متمخّضة لخدمة الأهداف الوحدوية بين أبناء الأُمّة الإسلامية ، ممّا يجعل قضايا الوحدة أكثر جدّية وذات أبعاد فعلية ومستقبلية ، ويدفع بعجلة الوحدة إلى أمام ، ويخرجها من دائرة الحلم إلى ميدان الواقع .


'''رابعاً :''' انفتاح نافذة الحوار الإيجابي الذي يحلّ كثيراً من الإشكاليات ويرفض العديد من حالات الغموض وسوء الظنّ .
ثالثاً : الظروف السياسية المحلّية والإقليمية والدولية التي تزداد جراحة يوماً بعد آخر ، والتي عجّلت في وعي الأُمّة وساهمت في تنضيج الذهنية الإسلامية وطموحات الرسالة ، وهذه الظروف وإن كانت في ظاهرها تشكّل عنصر ضغط لتذويب إرادة الأُمّة وتفتيت قدرتها ، إلاّ أنّ لكلّ فعل ردّ فعل يساويه في المقدار ويعاكسه في الاتّجاه ويقع وإيّاه على خطّ فعل واحد ، كما هو مقتضى القانون الثاني من قوانين « إسحاق نيوتن » . هذا على صعيد الموادّ الجامدة غير الواعية وغير العاقلة ، وأمّا على صعيد الأُمم والشعوب ـ وكما يستفاد ذلك من دراسة التاريخ بل والواقع المعاش ـ فإنّ ردّ الفعل قد يكون أضعافاً مضاعفة ، وقد يفوق حدّ التصوّر أحياناً  وجود الطاقة الإيمانية التي لا يمكن أن تخضع للحسابات المختبرية الصامتة . وعلى أيّة حال فإنّ الأُمّة الإسلامية باتت اليوم أكثر من أيّ وقت مضى تحسّ بضرورة الوحدة ونبذ الخلافات جانباً ، ولا بدّ من التصدّي لأعداء الأُمّة الذين يريدون ابتلاعها ومصادرة شخصيتها وإلغاء هويتها .


'''خامساً :''' التنظير للمشروع الوحدوي في أبعاد مختلفة ، كالبعد التفسيري ، والبعد الفقهي ، والبعد الأُصولي ، والبعد العقائدي والكلامي ، والبعد التاريخي ، والبعد السياسي ، وتأسيس مناهج نظرية وعملية ، وتقعيد الفكر الوحدوي من خلال أُطروحات عميقة ودقيقة مبنية على أساس الواقع الموجود ، لا على أساس واقع متخيّل ومتصوّر ، وعلى أساس فهم الآخر ودرك محيطه .
رابعاً : انفتاح نافذة الحوار الإيجابي الذي يحلّ كثيراً من الإشكاليات ويرفض العديد من حالات الغموض وسوء الظنّ .
 
خامساً : التنظير للمشروع الوحدوي في أبعاد مختلفة ، كالبعد التفسيري ، والبعد الفقهي ، والبعد الأُصولي ، والبعد العقائدي والكلامي ، والبعد التاريخي ، والبعد السياسي ، وتأسيس مناهج نظرية وعملية ، وتقعيد الفكر الوحدوي من خلال أُطروحات عميقة ودقيقة مبنية على أساس الواقع الموجود ، لا على أساس واقع متخيّل ومتصوّر ، وعلى أساس فهم الآخر ودرك محيطه .


وقد يعدّ هذا أهمّ ركيزة تحمل البشائر ، وتجعلنا نحسب للأهداف الوحدوية حساباً ، وتقلب تصوّراتنا إلى تصديقات .
وقد يعدّ هذا أهمّ ركيزة تحمل البشائر ، وتجعلنا نحسب للأهداف الوحدوية حساباً ، وتقلب تصوّراتنا إلى تصديقات .


هذا كلّه ما يتعلّق بالبحث الثالث .
 


'''وأمّا ما يتعلّق بالبحث الرابع ـ وهو التقريب بين المذاهب الإسلامية ـ فأقول :'''  
'''وأمّا ما يتعلّق بالبحث الرابع ـ وهو التقريب بين المذاهب الإسلامية ـ فأقول :'''  
٢٬٧٩٦

تعديل