الفرق بين المراجعتين لصفحة: «المناسبة»

من ویکي‌وحدت
(أنشأ الصفحة ب''''المناسبة:''' وهي التي يکشف بها علة الحکم، لأنّه الملائم لأفعال العقلاء في العادات، فإنّه ي...')
 
لا ملخص تعديل
 
سطر ٢٧: سطر ٢٧:
بناء على تعريف المناسبة بالمصلحة، فإنّها تقسّم إلى نفس الأقسام التي قسّمت إليها المصلحة. مثل تقسيم المناسب إلى ما اعتبر وما اُلغي وما لم يعلم إلغاء الشارع له أو اعتباره. وهو نفس التقسيم الوارد للمصالح.
بناء على تعريف المناسبة بالمصلحة، فإنّها تقسّم إلى نفس الأقسام التي قسّمت إليها المصلحة. مثل تقسيم المناسب إلى ما اعتبر وما اُلغي وما لم يعلم إلغاء الشارع له أو اعتباره. وهو نفس التقسيم الوارد للمصالح.
<br>وهناك تقسيمات اُخرى انفرد بها المناسب، مثل: تقسيمه إلى الحقيقي والإقناعي، أمّا الحقيقي: فهو المصلحة التي يمكن أن تكون علّة أو باعثا للحكم، أمّا الإقناعي: فهو المناسب الذي يظنّ أنّه مناسب وليس كذلك في الحقيقة فيما إذا بحث فيه. ومثّل له بتعليل [[الشافعية]] تحريم بيع الخمر والميتة والعذرة بنجاستها وقياس الكلب والسرجين عليه، ووجه المناسبة أنّ كونه نجسا يناسب إذلاله، ومقابلته بالمال في البيع يناسب إعزازه، والجمع بينهما متناقض. وهذا وإن كان يظنّ به في الظاهر أنّه مناسب لكنّه في الحقيقة ليس كذلك؛ لأنّ كونه نجسا معناه أنّه لا يجوز الصلاة معه ولا مناسبة البتة بين المنع من [[الاستصحاب|استصحابه]] في الصلاة وبين المنع من بيعه<ref>. المحصول الرازي 2: 322 ـ 323، البحر المحيط 45: 208 ـ 209، إرشاد الفحول 2: 167 ـ 168، أنيس المجتهدين 1: 467 ـ 468.</ref>.
<br>وهناك تقسيمات اُخرى انفرد بها المناسب، مثل: تقسيمه إلى الحقيقي والإقناعي، أمّا الحقيقي: فهو المصلحة التي يمكن أن تكون علّة أو باعثا للحكم، أمّا الإقناعي: فهو المناسب الذي يظنّ أنّه مناسب وليس كذلك في الحقيقة فيما إذا بحث فيه. ومثّل له بتعليل [[الشافعية]] تحريم بيع الخمر والميتة والعذرة بنجاستها وقياس الكلب والسرجين عليه، ووجه المناسبة أنّ كونه نجسا يناسب إذلاله، ومقابلته بالمال في البيع يناسب إعزازه، والجمع بينهما متناقض. وهذا وإن كان يظنّ به في الظاهر أنّه مناسب لكنّه في الحقيقة ليس كذلك؛ لأنّ كونه نجسا معناه أنّه لا يجوز الصلاة معه ولا مناسبة البتة بين المنع من [[الاستصحاب|استصحابه]] في الصلاة وبين المنع من بيعه<ref>. المحصول الرازي 2: 322 ـ 323، البحر المحيط 45: 208 ـ 209، إرشاد الفحول 2: 167 ـ 168، أنيس المجتهدين 1: 467 ـ 468.</ref>.
<br>وتقسيم آخر، وهو تقسيمه باعتبار ملاءمته ووقوع أحكام اُخر وفقه أو عدم ملاءمته. والملائم تارة يشهد له أصل، وفيه تأثير لنوع الوصف على نوع الحكم، كما أنّ جنس الوصف مؤثّر في جنس [[الحکم]]. وقد اتّفق على قبوله، ومثّل له بقياس المثقل على الجارح في وجوب القصاص، فوصف القتل معتبر في الحكم بالقصاص، وجنس الجناية معتبر في عموم جنس العقوبة دون خصوص القتل.
<br>وتقسيم آخر، وهو تقسيمه باعتبار ملاءمته ووقوع أحكام اُخر وفقه أو عدم ملاءمته. والملائم تارة يشهد له أصل، وفيه تأثير لنوع الوصف على نوع الحكم، كما أنّ جنس الوصف مؤثّر في جنس [[الحکم]]. وقد اتّفق على قبوله، ومثّل له بقياس المثقل على الجارح في وجوب القصاص، <br>
فوصف القتل معتبر في الحكم بالقصاص، وجنس الجناية معتبر في عموم جنس العقوبة دون خصوص القتل.
<br>وهناك مناسب ملائم لا يشهد له أصل معيّن بالاعتبار. وهذا هو الذي يُدعى بـ [[المصالح المرسلة]].
<br>وهناك مناسب ملائم لا يشهد له أصل معيّن بالاعتبار. وهذا هو الذي يُدعى بـ [[المصالح المرسلة]].
وهناك مناسب غير ملائم لم يشهد له أصل معيّن، وهو مردود بـ [[الإجماع]].
وهناك مناسب غير ملائم لم يشهد له أصل معيّن، وهو مردود بـ [[الإجماع]].

المراجعة الحالية بتاريخ ٠٦:٢٦، ٢٦ سبتمبر ٢٠٢١

المناسبة: وهي التي يکشف بها علة الحکم، لأنّه الملائم لأفعال العقلاء في العادات، فإنّه يقال: هذه اللؤلؤة تناسب هذه اللؤلؤة، أي الجمع بينهما في سلك واحد متلائم، وهذه الجبة تناسب هذه العمامة، أي الجمع بينهم متلائم. ويذهب الرازي إلى أنّ هذا التعريف ينسجم مع من يأبى التعليل في الأحكام. وقال الزركشي هي من الطرق المعقولة ويعبّر عنها بالإخالة وبـ المصلحة وبـ الاستدلال وبـ رعاية المقاصد ويسمّى استخراجها تخريج المناط؛ لأنّه إبداء مناط الحکم.

تعريف المناسبة لغةً

المناسبة هي المشاكلة[١]، أي المماثلة والمشابهة[٢]. واعتبر الزبيدي هذا المعنى للمناسبة مجازيا، إذ قال: «ومن المجاز: المناسبة: المشاكلة، يقال: بين الشيئين مناسبة وتناسب: أي مشاكلة وتشاكل»[٣].

تعريف المناسبة اصطلاحاً

المناسب أو المناسبة هي من الطرق التي يستكشف بها علية الوصف للحكم. ويبدو وجود اضطراب في تحديد معنى هذا الاصطلاح، ولذلك نرى البعض رادفها بـ الإخالة أو ألحقها بالمصلحة أو بغير ذلك. وفي هذا المضمار نجد الزركشي وغيره يورد تسميات متعدّدة لها، وهي: الإخالة والمصلحة و الاستدلال و رعاية المقاصد و تخريج المناط[٤]. ومن جانب آخر فإنّ بعض أقسام هذا الموضوع تبحث تحت عنوان مستقلّ، وهو المناسب المرسل، حيث يبحث تحت عنوان المصالح المرسلة أو الاستصلاح.
وما يبدو من تسميات مرادفة مذكورة للمناسبة هي ليست مرادفة ومعنى الجميع ليس واحدا بالكامل، لكن صحّ إطلاق كلّ منها على المناسبة باعتبار خاصّ، فسمّيت المناسبة إخالة[٥] باعتبار أنّه يُخال ويُظنّ أنّ الوصف المستفاد من المناسبة هو العلة. وسمّيت تخريج المناط باعتبار أنّ المجتهد يستخرج الوصف المناسب بلحاظ أنّ العلّة قد اُنيطت به. وسمّيت مصلحة باعتبار أنّ الوصف المناسب يستبطن مصلحة استدعت تشريع الحکم، لكن الذي لم يلحظ سبب الإطلاق تصوّر ذهاب البعض إلى الترادف التامّ بين هذه الاصطلاحات اعترض وقال بوجود اختلاف بين المناسبة و تخريج المناط مثلاً [٦].
كما أنّ بعضا استبدل اصطلاح المناسبة باصطلاح التأثير، ويبدو ذلك من باب إطلاق الخاصّ على العامّ، من حيث إنّ المناسبة بحدّ ذاتها ليست طريقا للعلّية، بل لا بدّ من توافر شرط التأثير فيها لتكون حجّة معتبرة[٧].
برغم أنّ عنوان هذا الموضوع هو المناسبة إلاّ أنّ التعاريف الواردة عن الاُصوليين تحت هذا العنوان عرّفت المناسب وليس المناسبة. ويبدو أنّ ذلك باعتبار عدم الاختلاف بين الاصطلاحين إلاّ في الصيغة وما تستبطن من معاني، والمعنى المراد منهما كمادّة واحد.
وقد عرّفت بتعاريف يمكن تقسيمها بالنحو التالي:
الأوّل: التعاريف التي تلحقها بـ المصالح و المقاصد الشرعية، فتعرّفها بما ينسجم معها، وهي مثل:
ـ إنّه الذي يفضى إلى ما يوافق الإنسان تحصيلاً وإبقاء، وقد يعبّر عن التحصيل بجلب المنفعة وعن الإبقاء بدفع المضرّة؛ لأنّ ما قصد إبقاؤه فإزالته مضرّة وإبقاؤه دفع المضرّة. وهذا التعريف يرادف تقريبا بين المناسبة والمصلحة.
ـ إنّه الملائم لأفعال العقلاء في العادات، فإنّه يقال: هذه اللؤلؤة تناسب هذه اللؤلؤة، أي الجمع بينهما في سلك واحد متلائم، وهذه الجبة تناسب هذه العمامة، أي الجمع بينهم متلائم. ويذهب الرازي إلى أنّ هذا التعريف ينسجم مع من يأبى التعليل في الأحكام[٨]. ـ ما يجلب للإنسان نفعا أو يدفع عنه ضررا. ومن الواضح أنّ هذا التعريف وارد للمصلحة كذلك. ـ ما تقع المصلحة عقبه، وزاد بعض على هذا التعريف: لرابط عقلي[٩].
وفي إطار إيضاح المناسبة كأحد طرق إثبات العلّية يقول الزركشي: «وهي من الطرق المعقولة ويعبّر عنها بالإخالة وبالمصلحة وبالاستدلال وبرعاية المقاصد ويسمّى استخراجها تخريج المناط؛ لأنّه إبداء مناط الحکم.
وهي عمدة كتاب القياس وغمرته ومحلّ غموضه ووضوحه وهو تعيين العلة بمجرّد إبداء المناسبة، أي المناسبة اللغوية التي هي الملائمة...»[١٠].
الثاني: التعاريف التي ترى المناسبة وصفا، فتعرّفها، كما يعرّف الوصف، كما ورد هذا عن مثل ابن الحاجب وغيره، وهي من قبيل:
ـ وصف منضبط، يلزم من ترتيب الحکم على وفقه حصول ما يصلح أن يكون مقصودا من شرع ذلك الحكم نفيا أو إثباتا [١١].
ـ هو وصف ظاهر منضبط يحصل عقلاً من ترتّب الحكم عليه ما يصلح أن يكون مقصودا للعقلاء من حصول مصلحة دينية أو دنيوية أو دفع مفسدة...[١٢].
ـ وصف ظاهر منضبط يحصل من ترتّب الحكم عليه ما يصلح أن يكون مقصودا للعقلاء من حصول مصلحة أو دفع مفسدة[١٣].
وقريب من هذه التعاريف وردت عن آخرين كذلك[١٤]. الذي لو عرض على العقول لتلقّته بالقبول[١٥].
على أنّ التعاريف المذكورة لا تخلو عن نقاشات دارت بين الاُصوليين[١٦].

أقسام المناسبة

بناء على تعريف المناسبة بالمصلحة، فإنّها تقسّم إلى نفس الأقسام التي قسّمت إليها المصلحة. مثل تقسيم المناسب إلى ما اعتبر وما اُلغي وما لم يعلم إلغاء الشارع له أو اعتباره. وهو نفس التقسيم الوارد للمصالح.
وهناك تقسيمات اُخرى انفرد بها المناسب، مثل: تقسيمه إلى الحقيقي والإقناعي، أمّا الحقيقي: فهو المصلحة التي يمكن أن تكون علّة أو باعثا للحكم، أمّا الإقناعي: فهو المناسب الذي يظنّ أنّه مناسب وليس كذلك في الحقيقة فيما إذا بحث فيه. ومثّل له بتعليل الشافعية تحريم بيع الخمر والميتة والعذرة بنجاستها وقياس الكلب والسرجين عليه، ووجه المناسبة أنّ كونه نجسا يناسب إذلاله، ومقابلته بالمال في البيع يناسب إعزازه، والجمع بينهما متناقض. وهذا وإن كان يظنّ به في الظاهر أنّه مناسب لكنّه في الحقيقة ليس كذلك؛ لأنّ كونه نجسا معناه أنّه لا يجوز الصلاة معه ولا مناسبة البتة بين المنع من استصحابه في الصلاة وبين المنع من بيعه[١٧].
وتقسيم آخر، وهو تقسيمه باعتبار ملاءمته ووقوع أحكام اُخر وفقه أو عدم ملاءمته. والملائم تارة يشهد له أصل، وفيه تأثير لنوع الوصف على نوع الحكم، كما أنّ جنس الوصف مؤثّر في جنس الحکم. وقد اتّفق على قبوله، ومثّل له بقياس المثقل على الجارح في وجوب القصاص،
فوصف القتل معتبر في الحكم بالقصاص، وجنس الجناية معتبر في عموم جنس العقوبة دون خصوص القتل.
وهناك مناسب ملائم لا يشهد له أصل معيّن بالاعتبار. وهذا هو الذي يُدعى بـ المصالح المرسلة. وهناك مناسب غير ملائم لم يشهد له أصل معيّن، وهو مردود بـ الإجماع.
وهناك مناسب غير ملائم لكن شهد له أصل معيّن، أي يؤثّر نوع الوصف في نوع الحكم، إلاّ أنّ جنس الوصف لم يؤثّر في جنس الحكم. ومثّل له بالإسكار، فإنّه يناسب تحريم كلّ مسكر صيانة للعقل، وشهد لهذا الوصف حرمة الخمر، لكن لم يشهد له تأثير في سائر الاُصول، وهو المسمّى بالمناسب الغريب[١٨].
على أنّ هناك مناقشات غير قليلة فيما تخصّ حجّيّة أو عدم حجّيّة بعض أقسام المناسب[١٩].

مسائل أصولية حول المناسبة

أدرجت عدّة مسائل تحت موضوع المناسبة، منها الموارد التالية:

الاُولى: حجّيّة المناسبة أو دلالتها على العلّية

شأن المناسبة شأن أكثر مسالك العلل التي اختلف في أمرين بحقّها:
الأوّل: إمكان أو عدم إمكان استفادة الوصف منها كأحد مسالك العلل.
الثاني: اعتبار الوصف علّة للحكم. فقد اختلف في عدّ الوصف المستفاد من المناسبة علّة أو غير علّة. وهذا ممّا طرح هنا كذلك.
وفي هذا المضمار يذهب البعض وخاصّة الشيعة منهم إلى أنّ المناسبة لا تفيد العلّية، والمناسبة المقبولة هي المناسبة المعتبرة بـ الإجماع أو بنصّ[٢٠].
وأساس استدلالهم على استنباط العلّية من المناسبة وحجّيّتها في هذا الباب هو إفادتها للظنّ بكون الوصف علّة للحكم. يقول الرازي في هذا المجال: «في إقامة الدلالة على أنّ المناسبة دالة على العلّية فنقول المناسبة تفيد ظنّ العلّية و الظن واجب العمل به»[٢١].
إضافة إلى هذا استدلّ على هذا الموضوع بأدلّة أكثرها هي ذاتها التي استدلّ بها على حجّيّة وتأثير المصالح في الأحكام الشرعية من آيات وروايات واعتبارات عقلية، مثل:
1 ـ إنّ الأحكام مشرّعة لوجود مصالح فيها تخصّ العباد، ومن غالب الظن أنّ الحكم الذي استخرج وصفه المناسب هو العلة.
2 ـ أجمع المسلمون على أنّ اللّه تعالى حكيم، وهذا يعني أنّه لا يصدر منه شيء إلاّ عن مصلحة.
والحكم الذي صدر منه لا بدّ أن يستبطن مصلحة ليصدر منه، وذلك هو شأن الحكيم. ومن المتّفق عليه أنّ تلك المصلحة و الحکمة عائدة إلى العبد دون اللّه؛ لعدم حاجته إليها.
3 ـ تخصيص الواقعة بحكم معيّن لا بدّ أن يكون لمرجّح، ويستحيل أن يكون دون مرجّح، وبما أنّه من المستحيل كذلك أن يعود المرجّح إلى اللّه فلا بدّ أن يعود إلى عبده، والعائد إلى العبد إمّا أن يكون فيه مصلحته أو مفسدته وإمّا لا مصلحة فيه ولا مفسدة، والأخير باطل بـ إجماع العقلاء فتعيّن الأوّل، وهو أنّ اللّه شرّع الأحكام لـ مصالح العباد جلبا للمنفعة ودفعا للمفسدة.
كما اعترض على دلالة المناسبة على العلّية تارة من حيث عدم دلالة الاعتبارات المذكورة على المراد، وتارة اُخرى من خلال القول بمنع تعليل أفعال اللّه وأحكامه أو عدم تبعية الأحكام للمصالح والمفاسد[٢٢].

الثانية: انخرام المناسبة (البطلان بالمعارضة)

قسمت حالة التعارض مع المناسبة إلى قسمين:
أحدهما: أن يأتي معارض يدلّ على انتفاء المصلحة، فذلك يقدح بها ويخرمها أو يبطلها.
ثانيهما: أن يدلّ المعارض على وجود مفسدة أو فوات مصلحة تساوي المصلحة المستبطنة في المناسب أو ترجّح عليه، كما لو قيل: في الوط‏ء كونه إذلالاً مع أنّ فيه استمتاعا ودفع ضرر الشبق، عندئذٍ اختلف في إبطال المناسبة في هذه الحالة. وفيه رأيان:
الرأي الأوّل: كون التعارض يبطل المناسبة، وقد نسب للأكثر[٢٣]، واستدلّ عليه بمثل ما يلي:
1 ـ إنّ دفع المفسدة مقدّم على جلب المصالح من الناحية العقلية.
2 ـ كون المناسبة أمرا عرفيا، والمصلحة إذا عورضت بما يساويها لم تعدّ مصلحة عند أهل العرف.
3 ـ لو لم تبطل المناسبة لكان تحكّما وجمعا بين الأحكام المتضادّة[٢٤].
الرأي الثاني: عدم بطلان المناسبة، واستدلّ عليه باُمور:
1 ـ إنّ انخرام المصلحة يعني كون العقل لا يراها مقتضية للحكم، وهذا لا يعني خلوّ الوصف عن استلزام المصلحة ولا انتفائها عنه[٢٥].
2 ـ ورد عن الشارع ما يدلّ على إعمال المناسبتين المتعارضتين، مثل: الصلاة في الأرض المغصوبة، فإنّه رتّب على الصلاة الثواب، كما رتّب العقاب على وقوعها في الأرض المغصوبة. وكذلك بالنسبة إلى البيع وقت النداء لصلاة الجمعة، فقد رتّب الملكية على البيع؛ لكونه عقدا، كما رتّب العقاب عليه؛ لكونه منهيا عنه.
3 ـ كون عدم البطلان هو ما جرى عليه العرف عادة، فإنّ السلطان إذا ظفر بجاسوس فيصحّ منه أن يعاقبه، لعمله الإجرامي، كما يصحّ منه أن يعفو عنه، استهانة بالعدوّ أو إبرازا للجانب الإنساني منه أو ما شابه.
4 ـ كلمات العقلاء في بعض الشؤون من وجود مصلحة في هذا الشأن أو الفعل لولا المفسدة الفلانية، ممّا يدلّ على صحّة اجتماع المصلحة والمفسدة في شيء واحد وإلاّ لما صحّ كلامهم.
على أنّ هذه الاستدلالات غير خالية من النقاشات وقد واجهت ردودا غير قليلة[٢٦].
ويرى البعض أنّ هذا الخلاف لا ثمرة فيه؛ لأنّ الجميع متّفق على كون الحکم لا يشرع عند وجود مفسدة راجحة أو مساوية للمصلحة. وهذا الخلاف لفظي[٢٧]. ويرى بعض آخر: أنّ أصحاب الرأيين قد اتّفقوا على عدم العمل بالمناسبة عند المعارضة بمفسدة راجحة أو مساوية، ولكن اختلفوا في سبب ذلك، فـ أصحاب الرأي الأوّل يقولون بأنّ المناسبة معارضة بمفسدة فتسقطها، و أصحاب الرأي الثاني قالوا: لم تسقط لكن عدم العمل بها بسبب وجود المانع، أي المفسدة[٢٨].

المصادر

  1. . الصحاح الجوهري 1: 224 مادّة: «نسب»، لسان العرب 4: 3898 مادّة: «نسب»، مجمع البحرين 2: 171 مادّة: «نسب».
  2. . المعجم الوسيط: مادّة: «نسب».
  3. . تاج العروس 4: 265 مادّة: «نسب».
  4. . البحر المحيط 5: 206، إرشاد الفحول 2: 157.
  5. . اُنظر: تحرير المنقول: 312.
  6. . مباحث العلّة في القياس: 390 ـ 391، التعليل بالشبه: 79.
  7. . التعليل بالشبه: 109.
  8. . المحصول الرازي 2: 319 ـ 320.
  9. . تحرير المنقول: 312.
  10. . البحر المحيط 5: 206.
  11. . الفائق في اُصول الفقه 2: 265.
  12. . البحر المحيط 5: 206.
  13. . إرشاد الفحول 2: 166.
  14. . مباحث العلّة في القياس: 399.
  15. . الفائق في اُصول الفقه 2: 264.
  16. . اُصول الفقه زهير 3 ـ 4: 304 ـ 308.
  17. . المحصول الرازي 2: 322 ـ 323، البحر المحيط 45: 208 ـ 209، إرشاد الفحول 2: 167 ـ 168، أنيس المجتهدين 1: 467 ـ 468.
  18. . المحصول الرازي 2: 325، إرشاد الفحول 2: 170 ـ 173، الاُصول العامّة للفقه المقارن: 297 ـ 299، أنيس المجتهدين 1: 470 ـ 476، المصلحة في التشريع الإسلامي (مصطفى زيد): 46 ـ 48، مباحث العلّة في القياس: 410 ـ 436، المهذب في علم اُصول الفقه المقارن 5: 2058 ـ 2061.
  19. . التعليل بالشبه: 105 ـ 122.
  20. . أنيس المجتهدين 1: 478.
  21. . المحصول الرازي 2: 327.
  22. . المحصول الرازي 2: 327 ـ 343، الفائق في اُصول الفقه: 270 ـ 274، مباحث العلّة في القياس: 400 ـ 409، التعليل بالشبه: 118 ـ 122، المهذب في علم اُصول الفقه المقارن 5: 2056 ـ 2058.
  23. . مباحث العلّة في القياس: 436.
  24. . الفائق في اُصول الفقه: 268، المهذب في اُصول الفقه المقارن 5: 2061 ـ 2062.
  25. . البحر المحيط 5: 220 ـ 221.
  26. . المحصول الرازي 2: 327، الفائق في اُصول الفقه: 268 ـ 269، مباحث العلّة في القياس: 439 ـ 442.
  27. . اُصول الفقه زهير 3 ـ 4: 316.
  28. . المهذب في اُصول الفقه المقارن 5: 2063 ـ 2064.