جذور فكرة التقريب
المفاوضة على سبيل المنازعة والمغالبة، وأصله إمّا من جدل الحبل، أي: إحكام فتله، وإمّا من الجدالة التي تأتي بمعنى الأرض الصلبة، فكأنّ المجال يصرع صاحبه ويسقطه على الأرض.
ويأتي الجدال أيضاً بمعنى : المبالغة في الخصومة، أو هو : الحجّة التي تستعمل لفتل الخصم عمّا يصرّ عليه وينازع فيه من غير أن يريد به ظهور الحقّ بالمؤاخذة عليه من طريق ما يتسلّمه هو والناس أو يتسلّمه هو وحده في قوله أو حجّته.
والجدل ليس في حدّ ذاته أمراً سلبياً، بل بما يرافقه أحياناً من أوضاع من قبيل الجهل والتعصّب وغيرهما بحيث تمنحه طابعاً سلبياً. أمّا الجدال المنطقي فهو جدال إيجابي يراد منه الوصول إلى الحقيقة التي هي ضالّة الجميع.
وكلمة الجدل في الواقع قد تنطوي على مفاهيم الأخذ والردّ الذي يتحوّل بموجبه الحوار إلى مجرّد جدل عقيم سلبي تكمن الغاية منه في ممارسة ذات الجدل فحسب دون وجود أهداف حقيقية، لكن يبقى الجدل متّصلاً بأصل وجودنا كأُناس نحاول أن نترقّب حركة الأحداث ونفسّرها وفق مجريات تصوّراتنا عن أُمور الحياة والوجود بما يتّصل مع حركتنا اليومية.
وقد يقال : إنّ للجدال والحوار - والذي لهما الدور الكبير في مسألة التقريب - معنىً واحداً، وهو عبارة عن المناقشة بين طرفين أو أطراف لإظهار حجّة إثبات الحقّ أو دفع الشبهة أو لتصحيح كلامٍ أو ردّ قول فاسد.
كما يوجد فرض آخر في بيان النسبة بين الحوار والجدل، وملخّصه : أنّ لهما معنيين مختلفين، إمّا باعتبار أنّ للحوار أُصولاً لو لم تراع حاله فسوف ينقلب الحوار إلى مفهوم آخر مختلف عنه هو الجدل، وإمّا باعتبار أنّ الحوار هو مراجعة الكلام ودوران الحديث بين طرفين لا على وجه الخصومة، والجدل هو التخاصم بالكلام والنقاش المحتدّ المفعم بالعناد والتمسّك بالرأي والتعصّب.
وأخيراً هناك فرض يقول : إنّ النسبة بين الحوار والجدال هي العموم والخصوص، وذلك باعتبار أنّ للحوار قسمين : حوار بنّاء، وحوار غير بنّاء، وغير البنّاء هو الجدل.