قاعدة الاشتغال

مراجعة ٠٧:٢٥، ١٠ أبريل ٢٠٢١ بواسطة Mohsenmadani (نقاش | مساهمات)
(فرق) → مراجعة أقدم | المراجعة الحالية (فرق) | مراجعة أحدث ← (فرق)

قاعدة الاشتغال: اصطلاحٌ أصوليٌ يتمسک بها المجتهد في إثبات الحکم الشرعي حينما کانت الأدلة اللفظية کالقرآن والسنة مفقودة. ولهذه القاعدة موارد متعددة نبحث عنها في هذا المقال.

تعريف الاشتغال لغةً

الشغل: ضد الفراغ، وهو العارض الذي يذهل الإنسان ويلهيه[١]، وقد يجيء مجازا بمعنى: الحلول، فيقال: دار مشغولة، أي حلّ فيها سكانها[٢]، وهو المناسب للمعنى الاصطلاحي للاشتغال.

تعريف الاشتغال اصطلاحاً

وهو حكم العقل بلزوم الخروج عن عهدة التكليف المنجّز إذا كان ممكنا.[٣] وكثيرا ما يضاف له لفظة أصالة فيقال: أصالة الاشتغال، وهي إحدى الأصول العملية الأربعة المعروفة في أصول فقه الشيعة. [٤]
وقد يعبر عنه بـ «الاحتياط العقلي»[٥]، أو «الاحتياط الواجب».[٦]
وهذا هو المعنى المشهور لأصالة الاشتغال كما هو مستفاد من مورد بحثها عندهم[٧]، وللسيّد الصدر اصطلاح آخر لأصالة الاشتغال، وهو حكم العقل باشتغال ذمّة المكلّف بالتكاليف المشكوكة، وهو ما يرمز إليه بـ مسلك حقّ الطاعة.[٨]
وقد يعبّر عنها بقول: «ما ثبت بيقين لايرتفع إلاّ بيقين»[٩] في جانبه التنجيزي.
وقد كثر في كتب الشيعة الإمامية استعمال قول «الاشتغال اليقيني يستدعي البراءة اليقينية» أو بما معناه. [١٠] وهو الذي تشير إليه كلمات أهل السنّة بقولهم «الاحتياط إنّما شرّع فيما ثبت وجوبه».[١١]

الألفاظ ذات الصلة

احتياط

وهو بمعنيين:
الاحتياط الشرعي: وهو حكم الشارع بلزوم الإتيان بجميع محتملات التكاليف أو اجتنابها عند الشكّ بها والعجز عن تحصيل واقعها مع إمكان الإتيان بها جميعا أو اجتنابها. [١٢]
الاحتياط العقلي: وهو حكم العقل بلزوم الخروج عن عهدة التكليف المنجّز إذا كان ممكنا. [١٣] يختلف مجرى كلٍّ من الاحتياط و الاشتغال عن الآخر، فالاحتياط قد يجري عند الشكّ في التكليف ومن شؤونه، بينما الاشتغال يجري عند الشكّ في المكلّف به بعد العلم بأصل التكليف[١٤]، ولذا ذكر أنّ مورد قاعدة الاشتغال مرحلة الامتثال المتأخّر عن تشريع الحكم وعلله. [١٥]
ويختلف كلّ منهما في الحاكم، فالحاكم في الاشتغال هو العقل، بينما الحاكم في الاحتياط قد يكون العقل، كما في الاحتياط العقلي أو مسلك حقّ الطاعة في قبال مسلك «قبح العقاب بلا بيان» و«البراءة العقلية»، وقد يكون الشرع كما في «الاحتياط الشرعي» قبال «البراءة الشرعية».
ويختلف كلٌّ منهما فيما يُضاف إليه، فالاشتغال يضاف إلى ذمّة المكلّف، بينما الاحتياط يضاف إلى العمل.

حكم الاشتغال

يبدو أنّه لا خلاف في وجوب الاحتياط في مورد التكليف المنجَّز واشتغال الذمّة، فإنّه مادام يُقطع بالاشتغال لابدّ من القطع أيضا بالامتثال وبالفراغ. [١٦]
وقد استدلّ على وجوب الاحتياط بصورة عامّة في مورد الاشتغال بعدّة أدلّة:
الأوّل: إطباق العقلاء على أنّ الشغل اليقيني يستدعي البراءة والفراغ اليقيني. [١٧]
الثاني: حكم العقل بلزوم تحصيل البراءة من التكليف الذي اشتغلت الذمّة به يقينا. [١٨]
الثالث: الإجماع دلّ على لزوم الخروج عن عهدة التكليف المنجّز، وذلك لايحصل إلاّ بوجوب الاحتياط بين الأطراف. [١٩]
الرابع: قوله عليه‏السلام «ولا تنقض اليقين إلاّ بيقين مثله»[٢٠]، فإنّ الذمّة إذا تحقّق اليقين باشتغالها لابدّ من اليقين بفراغها وذلك لايحصل إلاّ بالاحتياط. [٢١] ويذكر النراقي أنّه: «إذا قُطع باشتغال الذمّة بشيء ويكون لذلك الشيء فردان بأحدهما تحصل البراءة قطعا، وبالآخر يشكّ في حصول براءة الذمّة، فإنّه حينئذٍ لا أعلم خلافا في وجوب الإتيان بما يحصل به يقينا براءة الذمّة لقولهم: «لايرفع اليقين إلاّ بيقين مثله».[٢٢]
الخامس: يلاحظ في الاخبار الواردة في الامتثال والخروج عن عهدة التكليف أنّ الامتثال لايتحقّق بمجرّد الشكّ أو الظنّ بالفراغ، بل لابدّ من تحقّق اليقين به. [٢٣]
السادس: دلالة النقل والعقل و الإجماع على وجوب إطاعة الشارع في أحكامه، والإطاعة من الموضوعات التي يرجع فيها إلى العرف واللغة، والعرف واللغة يدلاّن على أنّ الإطاعة لا تتحقّق إلاّ بالقطع بتحقّق ما أمر الشارع به ولايكفي الظنّ أو الشكّ به. [٢٤]
السابع: قاعدة وجوب دفع الضرر المحتمل، فإنّ في مخالفة التكليف المردد احتمال العقاب، وهو ضرر منفي بحكم العقل. [٢٥] وقد نوقش فيه بأنّه لايمكن أن تكون القاعدة المذكورة أساسا لحكم العقل بالاشتغال ووجوب الاحتياط؛ لأنّه ما لم يثبت تنجّز التكليف في مرحلة سابقة بأي نحو من أنحاء التنجّز لايمكن للقاعدة المذكورة أن تجري؛ لأنّها فرع ثبوت تنجز التكليف سابقا فلاتنفع في إثبات الاشتغال، بل لابدّ من إثباته بدليل آخر. [٢٦]

مورد جريان الاشتغال

لايختصّ مورد جريان الاشتغال بالعلم التفصيلي بالتكليف والشكّ بالامتثال، بل يعمّ العلم الإجمالي بالتكليف وتردد المكلّف به بين عدّة محتملات، ويشمل أيضا الشبهة البدوية قبل الفحص. [٢٧]
وللشكّ في المكلّف به أنحاء وموارد عديدة ذكرها النائينيّ وكانت مجرى لأصالة الاشتغال. [٢٨]
واُستثني منه مورد دوران الأمر بين المحذورين لوجود مانع عقلي[٢٩]، ومورد قاعدة الفراغ والتجاوز لوجود مانع شرعي. [٣٠] وهذه الموارد هي كما يلي:
الأوّل: العلم الإجمالي بالتكليف، كما لو اشتبه إناءان أحدهما نجس والآخر طاهر، فيوجد علم إجمالي بوجود النجاسة مرددة بين الإناءين والحكم هو وجوب الاجتناب عنهما والاحتياط بالترك. ويبدو أنّه لا خلاف بينهم في جريان أصالة الاشتغال ووجوب الاحتياط هنا[٣١]، ومع ذلك ينسب إلى المحقّق الخوانساري عدم اقتضاء العلم الإجمالي للتنجيز ولازم ذلك عدم حرمة المخالفة القطعية فضلاً عن وجوب الموافقة القطعية والاحتياط. [٣٢] وللعلم الإجمالي تفصيلات ومباحث متعددة، تطرح في محلّها.
الثاني: العلم بالتكليف والشكّ في الامتثال، كما لو علم المكلّف بأصل التكليف ـ كأن تكون الصلاة مثلاً ـ لكن شكّ في تحقّق الامتثال، فهنا تجري أصالة الاشتغال؛ لأنّ الاشتغال اليقيني يستدعي الفراغ اليقيني، والعقل حاكم بوجوب الاحتياط، بل هو أظهر موارد وجوب الاحتياط. [٣٣]
الثالث: الشبهة البدوية قبل الفحص. يذكر أنّه لايجوز الرجوع إلى الأصول المؤمِّنة في الأحكام المشتبهة قبل الفحص في مدارك الشارع، وأنّ أصالة الاشتغال جارية فيها، والأساس لجريان أصالة الاشتغال هنا أحد أمرين: إما العلم الإجمالي بوجود تكاليف إلزامية للشارع في أحكامه المشتبهة، وهذا العلم الإجمالي منجّز، فتكون أصالة الاشتغال جارية ما لم يقم المكلّف بالفحص عنها. [٣٤] وإمّا بقاعدة «وجوب دفع الضرر المحتمل» باعتبار أنّ إجراء أصالة البراءة في تكاليف الشارع المشكوكة قبل الفحص في مدارك الشارع فيه احتمال الضرر بسبب أن فوات أحكام الشارع يوجب ثبوت العقاب، وهو ضرر منفي بحكم العقل. [٣٥]

المصادر

  1. تاج العروس 14: 378 مادة «شغل».
  2. المصدر السابق: 378.
  3. الأصول العامة للفقه المقارن: 505.
  4. أنظر: مصباح الأصول 2: 248، منتهى الدراية 6: 544.
  5. مصباح الأصول 2: 40، الأصول العامة للفقه المقارن: 505.
  6. قواعد الأحكام ابن عبدالسلام 2: 13، الحدائق الناضرة 1: 72.
  7. أنظر: درر الفوائد الحائري 1ـ2: 456، مصباح الأصول 2: 40، الأصول العامة للفقه المقارن: 505، منتهى الدراية 6: 544.
  8. دروس في علم الأصول 2: 336.
  9. الاشباه والنظائر ابن نجيم: 59.
  10. أنظر: فرائد الأصول 2: 87 و325، فوائد الأصول 4: 132، مقالات الأصول 2 : 31 ، أصول الفقه المظفر 1 ـ 2 : 118، مصباح الأصول 2 : 208.
  11. أنظر: شرح مختصر المنتهى 2: 214، حاشية التفتازاني 2: 214، تيسير التحرير 3: 126، فواتح الرحموت 2: 182.
  12. الأصول العامة للفقه المقارن: 479.
  13. المصدر السابق: 505.
  14. أنظر: فوائد الأصول 4: 6.
  15. منتهى الدراية 8: 223.
  16. أنظر: جامعة الأصول: 97، 99، 116، مناهج الأحكام والأصول: 242.
  17. الأصول العامة للفقه المقارن: 505.
  18. أوثق الوسائل: 499، غاية المسؤول في علم الأصول: 433، منتهى الدراية 8: 222 ـ 223.
  19. أنظر: الفوائد الحائرية: 468.
  20. الوارد في مصادر الحديث قوله عليه‏السلام «... ولاتنقض اليقين أبدا بالشكّ، وإنّما تنقضه بيقين آخر» وسائل الشيعة 2: 356 كتاب الطهارة، أبواب الحيض، باب 44 لا حكم لظنّ الحيض ولا الشكّ فيه ولو في أثناء الصلاة ح 2.
  21. أنظر: الفوائد الحائرية: 468.
  22. جامعة الأصول: 99.
  23. المصدر السابق.
  24. المصدر نفسه.
  25. أوثق الوسائل: 364، غاية المسؤول في علم الأصول: 433، بحر الفوائد 2: 158.
  26. أنظر: منتقى الأصول 5: 193.
  27. أنظر: الأصول العامة للفقه المقارن: 505.
  28. فوائد الأصول 4: 7.
  29. المصدر السابق: 8.
  30. أنظر: العناوين 1: 152، فوائد الأصول 4: 8.
  31. الفوائد الحائرية: 391، فوائد الأصول 4: 8، أصول الاستنباط: 184، مصباح الأصول 2: 249، بحوث في علم الأصول الهاشمي 5: 170، الأصول العامة للفقه المقارن: 507.
  32. أنظر: فوائد الأصول 4: 9.
  33. أنظر: الأصول العامة للفقه المقارن: 520.
  34. أنظر: مصباح الأصول 2: 489، الأصول العامة للفقه المقارن: 506.
  35. أنظر: أوثق الوسائل: 193، فوائد الأصول 3: 367 ـ 368، مصباح الأصول 2: 215 ـ 216، الأصول العامة للفقه المقارن: 506.