عز الدين القسام

الشيخ عز الدين القسام رجل الدين إبن بلدة جبلة السورية، كان واحداً من رموز الانتفاضات العربية ضد تداعيات سايكس - بيكو، وخاصة تلك التي مهدت للاحتلال الصهيوني لفلسطين، وأصبح رمزاً للمقاومة ورفض الاحتلال، كان تعبيراً عن رد فعل يمثل جيلاً انكسر حلمه بقيام مملكة عربية تحت حكم الشريف حسين، درس في الأزهر المصري وتأثر كثيراً بالإمام الشيخ محمد عبده، وواكب الحركة القومية الناشطة في مصر ضد بريطانيا، وبعد موجة الهجرة اليهودية إلى فلسطين، وتسارع وتيرة الأحداث فيها عام 1935، دعا القسام بعد انتقاله إلى جنين، جميع العرب إلى التوحد لمحاربة التمدد الإسرائيلي، فكوّن خلايا سرية على درجة معتبرة من التنظيم، ترافق مع جمع التبرعات من الأهالي لشراء الأسلحة، تنقل الشيخ القسام بعد قيادته الثورة ضد بريطانيا والتمدد الصهيوني بين قرى فلسطينية عدة، كان آخرها قرية الشيخ زايد التي ارتحل إليها فاراً من القوات البريطانية من قرية البارد في 15/11/1935، وفي 19/11/1935 طوقت القوات البريطانية الشيخ القسام ومجموعته وطالبته بالاستسلام. رفض القسام ذلك واشتبك مع تلك القوات. معركة غير متكافئة لمدة ست ساعات نشبت بين الشيخ القسام ومجموعته وبين البريطانيين، أدت في نهايتها إلى استشهاده.[١]

عز الدين القسام
عزالدین قسام 2.jpg
الإسمعز الدين القسام
الإسم الکاملمحمد عز الدين القسام
التفاصيل الذاتية
الولادة1882 م، ١٢٩٨ ق، ١٢٦٠ ش
مكان الولادةسوريا
الوفاة1935 م، ١٣٥٣ ق، ١٣١٣ ش
مكان الوفاةفلسطين
الديناسلام، سنی
النشاطاتأحد كبار المقاومين للاحتلال البريطاني لفلسطين

نشأته

ولد محمد عز الدين بن عبد القادر بن مصطفى بن يوسف بن محمد القسام عام 1882 في قرية جبلة التابعة لمحافظة اللاذقية السورية، ووالده يعد مع جده من المقدمين في الطريقة القادرية المنسوبة إلى القطب الصوفي عبد القادر الجيلاني، وقد بقي الناس يفدون من العراق -مسقط رأس مصطفى القسام- لزيارة مقاميهما في جبلة ردحا من الزمن، حتى ناضل ابنهما عز الدين نفسه في التحذير من الحرمة في ذلك.[٢].

تعليمه

تلقى محمد عز الدين -وهو سابع إخوته- تعليمه الأول في كتاب الشيخ محمود وزاوية الإمام الغزالي بقريته جَبَلة، التي كانت في تاريخ بلاد الشام قلعة تدافع عن الثغور، وعاشت منذ تأسيسها بين أخذ ورد حصنا للمرابطين ومقصدا للمغيرين، وبعد تعلم القراءة والكتابة والحساب وحفظ القرآن الكريم، تتلمذ على يد الشيخين سليم طيارة وأحمد الأورادي، ولما آنس منه أبوه رغبة في العلم أرسله إلى الأزهر عام 1896 وهو ابن الـ14 عاما، وأمضى هناك 8 سنوات بين حلقات مشايخ الجامع العتيق. درس بالنظام الحر في تحصيل العلوم، قبل أن تقسم الدراسة في الأزهر إلى مراحل عام 1911، كما عايش ما كانت تموج به الساحة السياسية والثقافية في القطر المصري حينذاك من أحداث ومشاريع تحديثية كبيرة، إذ بقيت أصداء الثورة العربية في الآذان والأذهان كلما شوهد الإنجليز يجوبون شوارع القاهرة، وتأثر كثيراً بالإمام الشيخ محمد عبده، الذي قدم رؤيته التاريخية لعملية التوليف بين قيم الحداثة الأوروبية وبين الحضارة الإسلامية، وواكب الحركة القومية الناشطة في مصر ضد بريطانيا وبقي ذكر مبادرات ومقالات شيخه جمال الدين الأفغاني يحرك النفوس لمشروع الجامعة الإسلامية.[٣].

التوجهات الفكرية

آمن القسام أن الثورة المسلحة هي الوسيلة الوحيدة لإنهاء الانتداب البريطاني والحيلولة دون قيام دولة صهيونية في فلسطين، وذلك في وقت كان أسلوب الثورة المسلحة أمراً غير مألوف للحركة الوطنية الفلسطينية ؛ حيث كان نشاطها يتركز في الغالب على المظاهرات والمؤتمرات. كما كان يعتبر الاحتلال البريطاني هو العدو الأول لفلسطين، ودعا في الوقت نفسه إلى محاربة النفوذ الصهيوني الذي كان يتزايد بصورة كبيرة، وظل يدعو الأهالي إلى الاتحاد ونبذ الفرقة والشقاق حتى تقوى شوكتهم.[٤].

تجربته الجهادية خارج فلسطين

بدأ الشيخ عز الدين القسّام بتأسيس، وتحريك ثقافة التطوع، وجهز أول فيلق من المتطوعين الساعين إلى الجهاد في ليبيا حين كانت ترزح تحت أبشع الفظاعات التي مارسها الإيطاليون بعنف غير مسبوق ضد كتائب المقاومة، حيث جهز كتيبة من 250 متطوعاً في الساحل السوري، وقد كانت تلك الكتيبة أول نواة للكتائب شبه العسكرية التي سيواصل القسام لاحقاً تشكيلها في مراحل ومحطات متعددة. ونسق مع السلطات العثمانية لنقل المتطوعين إلى إسكندرونة ثم بالباخرة إلى ليبيا، ولكن هذه الباخرة لم تصل نتيجة تفاهمات بين العثمانيين والإيطاليين، فقفل مع المتطوعين عائداً إلى مدينته (أمين حبلا، الشهيد عز الدين القسام الذي أرعب المحتلين حياً وميتاً، 10/10/2023م). ومع نشوب الحرب العالمية الأولى عام 1914، تطوّع للخدمة في الجيش التركي، وأُرسل إلى معسكر جنوب دمشق، حيث كان يعمل في شعبة التجنيد في جبلة بعد عودته من مصر، كما أنه استجاب لدعوة السلطان العثماني للجهاد، وراح يستحث المقاتلين على محاربة أعداء المسلمين، حتى عاد إلى مدينته مُتفرغاً للعلم والوعظ. وبعد دخول الفرنسيين إلى الساحل السوري عام 1918، بدأ القسّام بتنظيم المعسكرات، وتطويع الشباب لقتالهم، مُعتمدا ًفي ذلك على التعبئة المعنوية، وبثّ روح الجهاد لمقاومة المستعمر، موقِناً أن القوة الإيمانية أمضى سلاح أمام المستعمر. كما اتصل بالشيخ صالح العلي الذي كان يُحارب الفرنسيين في جبال طرطوس الساحلية، لتنسيق الجهود وتشتيت هجمات المستعمر. وحين عَلِمَ الفرنسيون بأمر القسّام وجماعته، بدؤوا بملاحقتهم، فانطلقوا إلى الجبال يحتَمون بها مُلتجئين إلى منطقة الحفّة في جبل صهيون، فكانوا يغِيرون منها على معسكرات الفرنسيين حتى آلمتهم ضربات الثوار، فأرسلوا وفداً يفاوض القسام بتعيينه قاضياً شرعياً، لكنه رفض ذلك مجيباً الوفد: "لن أقعد عن القتال حتى ألقى الله شهيداً" (ساتيك، عز الدين القسام.. قائد ثورة استشهد قبل اشتعالها، 19/11/2019). فما كان من الفرنسيين إلا أن أصدروا حكماً بإعدامه، ولكن المقاومة بدأت تضعف نتيجة قلة السلاح والعتاد، كما أن الفرنسيين شدّدوا حملاتهم على مناطق القسّام والثوار. (آمال سامي، في ذكرى وفاته ماذا تعرف عن الشيخ السوري عز الدين القسام طالب الأزهر، 20 نوفمبر 2019م). وبعد ذلك تحول القسّام إلى نمط آخر عندما باع منزله، وانتقل من بلدته إلى قرية الحفّة الجبلية، ليكون عوناً وسنداً لعمر البيطار في ثورة جبل صهيون (1919- 1920)، وبعد إخفاق ثورة البيطار، غادر سورية لاجئاً إلى فلسطين التي كانت تحت الاحتلال الإنجليزي (أمين حبلا، الشهيد عز الدين القسام الذي أرعب المحتلين حياً وميتاً، 10/10/2023م).[٥].

ثورة جبل صهيون

باع القسام بيته وترك قريته الساحلية وانتقل إلى قرية الحفة الجبلية ذات الموقع الحصين ليساعد عمر البيطار في ثورة جبل صهيون (1919 - 1920). وقد حكم عليه الاحتلال الفرنسي بالإعدام غيابياً. بعد إخفاق الثورة فرَّ الشيخ القسام عام 1921 إلى فلسطين مع بعض رفاقه، واتخذ مسجد الاستقلال في الحي القديم بحيفا مقراً له حيث استوطن فقراء الفلاحين الحي بعد أن نزحوا من قراهم، ونشط القسام بينهم يحاول تعليمهم ويحارب الأمية المنتشرة بينهم، فكان يعطي دروساً ليلية لهم، ويكثر من زيارتهم، وقد كان ذلك موضع تقدير الناس وتأييدهم.[٦].

رئيس جمعية الشبان المسلمين

والتحق بالمدرسة الإسلامية في حيفا، ثم بجمعية الشبان المسلمين هناك، وأصبح رئيساً لها عام 1926. كان القسام في تلك الفترة يدعو إلى التحضير والاستعداد للقيام بالجهاد ضد الاستعمار البريطاني، ونشط في الدعوة العامة وسط جموع الفلاحين في المساجد الواقعة شمالي فلسطين.[٧].

تشكيل العصبة القسّاميّة "الجهادية

تشكلت العصبة القسامية الجهادية كما ذكرنا، بوساطة الشيخ عز الدين القسام عام 1921، أيّ بعد وصوله إلى مدينة حيفا على الفور. وبدأ الشيخ القسام بتطوير هذه الفكرة بعد عودته من زيارة الأزهر الشريف، وبات هدف الشيخ القسّام هو تعزيز روح الجهاد في نفوس الشعب، وبناء القاعدة التي ستساعده على رفع مستوى تنظيمه، واختيار الأعضاء المناسبين للقيادة والعمل الجهادي (وداد زراعي، عز الدين القسام قائد ثورة فلسطين، مدونات الجزيرة، 8/10/2023م). آمن الشيخ القسام بضرورة بناء التنظيم القوي، فعمل على إنشاء خلايا سرية متخصصة، ولم يكن عدد الخلية يزيد على خمسة أشخاص، ومع توسع الخلايا تعددت مهامها من الدعوة إلى التحريض على الجهاد والتعليم والإصلاح والوعي السياسي والتكوين العسكري والاستخبارات، وكان يسيّر أعماله وتنظيمه بتؤدة وهدوء، ولم يكن مستعجلاً لإطلاق الثورة، رغم مطالبة عدد من رفاقه وأتباعه ببدء النضال الثوري المسلح عام 1929 بعد حادثة مسجد البراق. وفي عام 1932، انضم عز الدين القسام إلى فرع حزب الاستقلال في حيفا، وبدأ بجمع التبرعات من السكان لشراء الأسلحة والمعدات (أمين حبلا، الشهيد عز الدين القسام الذي أرعب المحتلين حياً وميتاً، 10/10/2023م). تميزت العصبة القسّامية بتنظيم دقيق، حيث كانت هناك وحدات متخصصة للدعوة إلى الجهاد، والاتصالات السياسية، والتدريب العسكري، والتجسس على الأعداء. وكان ثبات العصبة على الأسلوب المقتبس من السيرة النبوية يمنع أخذ العون المالي من زعيم أو حزب أو دولة لهم مآرب، في وقت كان هناك أطراف كثيرة تكره الإنجليز، ولذلك حصر القسّام موارد العصبة من تبرعات الأعضاء، ومن التبرعات التي يجود بها أهل الخير. ومن إقامة بعض المشروعات الزراعية، وكان للعصبة أراضٍ في أشرفية بيسان، يشرف عليها الشيخ محمد الحنفي، ويروي الشيخ الحنفي أن القسّام أخذ منه خمسمئة جنيه فلسطيني لشراء السلاح، نصفها من مورد المزروعة، ونصفها الثاني من صندوق الجمعية (محمد شراب، ص 376). وفي عام 1931، بدأت كتائب العصبة القسامية في تنفيذ عمليات فدائية ضد المحتلين، ومنها الهجمات على المستوطنات الصهيونية، والتجمعات العسكرية التي أقاموها في أطراف حيفا، كما شمل نشاطهم إعداد كمائن للدوريات الإنجليزية. وكان الهدف الرئيسي هو التضييق على المحتل الإنجليزي، ومنع الهجرة اليهودية، ومطاردة العملاء الفلسطينيين الذين يتجسسون لصالح الإنجليز. ومع ذلك، توقفت نشاطات المجموعة بعد فترة قصيرة، بسبب تسريب بعض أسرار التنظيم إلى الإنجليز، واستمرت هذه الحالة حتى أواخر عام 1935م (وداد زراعي، عز الدين القسام قائد ثورة فلسطين، مدونات الجزيرة، 8/10/2023م). [٨].

الانتقال إلى الريف

تسارعت وتيرة الأحداث في فلسطين في عام 1935، وشددت السلطات البريطانية الرقابة على تحركات الشيخ القسام في حيفا، فقرر الانتقال إلى الريف حيث يعرفه أهله منذ أن كان مأذوناً شرعياً وخطيباً يجوب القرى ويحرض ضد الانتداب البريطاني، فأقام في منطقة جنين ليبدأ عملياته المسلحة من هناك. وكانت أول قرية ينزل فيها هي كفردان، ومن هناك أرسل الدعاة إلى القرى المجاورة ليشرحوا للأهالي أهداف الثورة، ويطلبوا منهم التطوع فيها، فاستجابت أعداد كبيرة منهم.[٩].

أعلان ثورته المسلحة

أعلن القسام الجهاد علنياً في تشرين الثاني/نوفمبر 1935 مضطراً، لأنه لم يكن قد أنهى استعداده العسكري بصورة كاملة، فاضطر إلى ذلك بسبب زيادة الهجرة اليهودية إلى فلسطين في هذا الوقت، واتساع رقعة الأراضي التي استولوا عليها، إذ دخل فلسطين عام 1935 ما يقارب 62 ألف يهودي، كان الأمر الأوّل الذي وجّهه معلناً به بدء القيام: «ليتوجه كلٌّ إلى أهله، يستودعهم الله، ويعاهدهم على اللقاء في الجنة، إن شاء الله». وفي 12/11/1935، اتّجه ليلاً مع أحد عشر من إخوانه من حيفا إلى أحراج قرية يعبد التابعة لمحافظة جنين.[١٠].

كلام الإمام الخامنئي عن شخصيته الجهادية

يقول سماحة الإمام الخامنئي في كلمته التي ألقاها خلال انعقاد المؤتمر الأوّل لدعم الانتفاضة في فلسطين عام 2001: «في بدايات الاحتلال لفلسطين، استنصر علماء مجاهدون كالشيخ عزّ الدين القسّام والحاج أمين الحسيني المسلمين من أجل إنقاذ فلسطين، كما أصدر مرجعٌ دينيٌّ كبير هو المرحوم الشيخ محمّد حسين آل كاشف الغطاء حكم الجهاد ضدّ الصهاينة، لكن جرى - للأسف - إضعاف الشكل الإسلامي للمواجهات تدريجياً وإبراز الشكل القومي لها».[١١].

إستشهاده

وفي 19 نوفمبر/تشرين الثاني 1935 عرفت قوات الاحتلال البريطاني مكان عز الدين القسام، فهاجمته بعشرات الجنود بينما كان مع 10 من أنصاره، فرفض الاستسلام لهم وواجههم، وبعد قتال من الصباح حتى العصر استشهد الشيخ برصاصة في جبينه ومعه 3 من عصبته وأصيب اثنان منهم وأسر أربعة. وفي 21 نوفمبر/تشرين الثاني 1935 خرج الآلاف في جنازة كبيرة لتشييع عز الدين القسام ورفاقه الثلاثة، وأطلقت الدعوات من العامة والخاصة إلى متابعة سيرهم والنسج على منوالهم، وبقيت هذه الدعوات تتوالى حتى اندلعت الثورة الفلسطينية الكبرى في أبريل/نيسان 1936، واستمرت 4 سنوات، ومثلت انتفاضة كبيرة ضد مخطط وعد بلفور، الذي تحول إلى انتداب بريطاني هدفه إقامة وطن قومي لليهود على أرض فلسطين.[١٢].

الهوامش

المصادر