محمد عبد القادر المبارك
أبو هاشم محمّد عبد القادر محمّد المبارك الحسني: مفكّر، داعية، عالم، وزير.
الاسم | محمّد عبد القادر المبارك |
---|---|
الاسم الکامل | محمّد عبد القادر المبارك |
تاريخ الولادة | 1912م/1331ق |
محل الولادة | دمشق (سوریه) |
تاريخ الوفاة | 1981م/1402ق |
المهنة | عالم، وزیر، متفکر، کاتب |
الأساتید | الشيخ محمّد بدر الدين الحسيني، الشيخ سليم الجندي ، اللغوي الشيخ عبد القادر المبارک |
الآثار | فنّ القصص في كتاب «البخلاء» للجاحظ، من منهل الأدب الخالد، عبقرية اللغة العربية، فقه اللغة وخصائص العربية، الأُمّة العربية في معركة تحقيق الذات، المجتمع الإسلامي المعاصر، الأُمّة والعوامل المكوّنة لها، جذور الأزمة في المجتمع الإسلامي، نحو صياغة إسلامية لعلم الاجتماع، نحو إنسانية سعيدة، العقيدة في القرآن الكريم، نظام الإسلام... العقيدة والعبادة، نظام الإسلام... الحكم والدولة، نظام الإسلام... الاقتصاد، نظام الإسلام العقائدي في العصر الحديث، ذاتية الإسلام أمام المذاهب والعقائد، نظرة الإسلام العامّة إلى الوجود وأثرها في الحضارة، الفكر الإسلامي الحديث في مواجهة الأفكار الغربية، القرآن عربي الخطاب، نحو وعي إسلامي جديد، المشكلة الثقافية في العالم الإسلامي، مذكّرات في الثقافة الإسلامية، الإسلام والفكر العلمي، بين الثقافتين:الغربية والإسلامية، دراسة أدبية لنصوص من القرآن،وله عشرات البحوث والمقالات المنشورة عن موسوعة الفقه الإسلامي، وعن تاريخ الرياضيات عند المسلمين، والتجارب العلمية عند المسلمين، ومذكّرات في التشريع الإسلامي مع مقارنته بالتشريع الغربي.... إلخ |
المذهب | سنی |
الولادة
ولد في دمشق سنة 1331 ه/ 1912 م.
أسرته
ونشأ في أُسرة معروفة بالعلم والتقوى والصلاح، فجدّه محمّد المبارك كان من علماء اللغة العربية، له نثر وشعر وله آثار مروية تدلّ على فضله وملكته، ووالده الشيخ عبد القادر المبارك علّامة دمشق في اللغة والأدب، كان من أعضاء اللجنة التي أُلّفت في عهد الملك فيصل الأوّل لتعريب المصطلحات العسكرية، كما اختير عضواً في المجمع العربي بدمشق حين تأسيسه، وكان كذلك عالماً بالسيرة ووقائعها وبتراجم الرجال ومشاركاً في العلوم الإسلامية ومتقناً للّغة التركية وعارفاً بالإنجليزية، وله رسائل أدبية مطبوعة وشرح لعشر من مقامات الحريري. وأصل أُسرته من الجزائر، هاجرمنها والد جدّه أثناء الاحتلال الفرنسي حوالي سنة 1845 م.
الدراسة
درس محمّد المبارك المرحلة الابتدائية، ثمّ الثانوية في مدارس دمشق، وكان متفوّقاً في دراسته، خاصّة في اللغة العربية والرياضيات، وكان له ميل واضح إلى العلوم العربية
والعلوم الإسلامية، ثمّ تابع الدراسة الجامعية في دمشق في كلّية الحقوق وفي الآداب، وأنهى الدراستين معاً في سنة 1935 م.
كان محمّد المبارك ينتظم في الصباح في الدراسة النظامية، وفي المساء يدرس على شيخ علماء الشام في عصره الشيخ محمّد بدر الدين الحسيني، وقد استفاد المبارك من علمه وقرأ عليه النحو والصرف والتفسير والمصطلح والفرائض وأُصول الفقه والكلام والبلاغة والحساب والجبر والهندسة. كما كان يدرس على الشيخ سليم الجندي وعلى والده العلّامة اللغوي الشيخ عبد القادر علوم اللغة العربية.
وكان المبارك في هذه الفترة متأثّراً بالأمير شكيب أرسلان وبمؤلّفاته، وما كان ينشره في الدعوة إلى الوحدة الإسلامية والتحرّر من الاستعمار. وقد أُتيح له الالتقاء بالأمير في باريس عندما كان طالباً في جامعتها.
وبعد أن تخرّج محمّد المبارك من الجامعة السورية أوفدته الدولة مع من أوفدتهم إلى جامعة السوربون في باريس ليدرس في كلّية الآداب وفي معهد الدراسات الإسلامية التابع لها ثلاث سنوات. درس في السنة الأُولى الأدب العربي والثقافة الإسلامية، وعرف المستشرقين عن كثب، وكثيراً ما كان يصحّح لهم معلوماتهم. وخصّص السنة الثانية من دراسته لدراسة الأدب الفرنسي وعصوره وفنونه وأعلامه، وكان من أبرز أساتذته الأُستاذان المستشرقان المشهوران: مارسيه وماسينيون.
أمّا السنة الثالثة فخصّصها لدراسة علم الاجتماع، وكان أساتذته من كبار علماء الاجتماع الفرنسيّين. وقد استفاد المبارك من فرعي الأدب الفرنسي وعلم الاجتماع استفادة كبيرة جدّاً مكّنته من الولوج في صميم الثقافة الغربية والتفكير الغربي ومذاهبه الفكرية والأدبية من منابعها الأصيلة وعن طريق الاختصاص من أهلها.
ولم يكن يقتصر المبارك على محاضرات الجامعة، بل كان يحضر المنتديات والمحاضرات العامّة ويتردّد على مختلف المعاهد العلمية والنوادي على تعدّد اتّجاهاتها وألوانها.
وقد تعرّف في باريس إلى جمعية العلماء المسلمين الجزائريّين، وكان يتردّد على
نواديهم، ويتعاون معهم في مجال الدعوة الإسلامية التي كانت أشمل من محاربة الاستعمار والتحرّر والاستقلال.
نشاطاته
عاد محمّد المبارك من باريس مجازاً في الأدب العربي وفي علم الاجتماع، وتمّ تعيينه عام 1938 م أُستاذاً للأدب العربي في المدرسة الثانوية بمدينة حلب، وخلال وجوده في هذه المرحلة من حياته في حلب تزوّج زوجته الحلبية من عائلة آل البيانوني المعروفة بالعلم والصلاح، وهي أُمّ أولاده. وظلّ في حلب سنتين، ثمّ انتقل إلى دمشق وتابع فيها مهمّته حيث درّس في ثانويتها الكبرى الأدب العربي والأخلاق والمنطق والنصوص الفلسفية، ودرّس كذلك في دار المعلّمين العليا، وكان له نشاط ملحوظ في المحاضرات العامّة في مختلف نوادي العاصمة في شتّى الموضوعات في اللغة والأدب والقضايا الاجتماعية والإسلامية.
وفي عام 1945 م تمّ جلاء القوّات الأجنبية عن سورية، وكانت بداية الحكم الوطني المستقلّ، وجرت في وزارة المعارف تنظيمات جديدة، كان من جملتها إحداث لجنة فنّية عليا في الوزارة تتألّف من مختلف الاختصاصات لوضع الخطط والمناهج والأنظمة، كما تمّ إحداث هيئة تفتيشية للتعليم الثانوي في عموم سورية، فعيّن الأُستاذ محمّد المبارك عضواً في اللجنة الفنّية للتربية ومفتشاً اختصاصياً لسورية لمادّتي اللغة العربية والدين. وعن هذا الطريق عرف جميع المحافظات السورية التي كان يزورها،
وكثيراً ما كان يكلّف بتفتيش مواد اللغة الفرنسية والفلسفة؛ لعدم وجود مفتشين لهذه المواد يومئذٍ. وفي تلك الفترة كلّف بوضع مناهج اللغة العربية والدين للمدارس الثانوية منفرداً وعمل في ذلك عملًا جادّاً استغرق نحو شهرين أنجز خلالهما وضع مناهج المادّتين لجميع سنوات التعليم الثانوي الستّ.
وفي سنة 1946 م أُقصي المبارك عن التفتيش واقتصر عمله على عضوية اللجنة الفنّية، وذلك بسبب ما قام به من نشاط إسلامي في المحافظات التي كان يزورها للتفتيش، وذلك بإلقاء المحاضرات العامّة في أهمّ الموضوعات المتعلّقة بالإسلام والتعريف بدعوته
أو بالقضايا الإسلامية المعاصرة.
وفي عام 1947 م قدّم استقالته من وزارة التربية ليتمكّن من ترشيح نفسه للانتخابات النيابية عن مدينة دمشق تلبية لرغبة رابطة العلماء والجمعيات الإسلامية، وقد انتخب ثلاث مرّات عن مدينة دمشق خلال الفترة من 1947 م- 1958 م. كما عيّن المبارك خلال الفترة 1949 م- 1952 م وزيراً للأشغال العامّة، ثمّ وزيراً للمواصلات، ثمّ وزيراً للزراعة.
واستمرّ نشاطه الإسلامي السياسي حتّى عام 1958 م الذي تمّت فيه الوحدة بين مصر وسورية، وحينئذٍ انصرف إلى العمل الجامعي العلمي، وفضّل التدريس والكتابة وإلقاء المحاضرات ليرفع مستوى الوعي الإسلامي العامّ عند الجماهير الإسلامية.
لم يمنع نشاط محمّد المبارك السياسي منذ أواخر عام 1947 م عن استمراره في التدريس، فقد كلّف في أوائل عام 1948 م بتدريس مادّة فقه اللغة ثمّ الدراسات القرآنية في قسم اللغة العربية في كلّية الآداب بجامعة دمشق، واستمرّ في تدريس هذه المواد نحواً من عشر سنوات،
وانقطع فترة ثمّ عاد لتدريس فقه اللغة حتّى عام 1966 م. كما عيّن أُستاذاً في كلّية الشريعة في جامعة دمشق منذ تأسيسها سنة 1954 م، وشارك مشاركة أساسية في وضع خطّتها ومناهجها. وحين أُنشئت الأقسام في الكلّية كان رئيس قسم العقائد والأديان.
كما تولّى عمادة كلّية الشريعة في جامعة دمشق (1958 م- 1963 م)، وذلك بعد عميدها الأوّل الدكتور مصطفى السباعي. وكان مجلس جامعة دمشق قد اختاره عام 1960 م ممثّلًا له في المجلس الأعلى للتخطيط الجامعي للجمهورية العربية المتّحدة في القاهرة لذلك العام.
وتمّ انتدابه من جامعة دمشق إلى جامعة أُمّ درمان الإسلامية في السودان تلبية لطلب مديرها، فعمل فيها من 1966 م- 1969 م أُستاذاً ومشاركاً في التخطيط ورئيساً لقسم الدراسات الإسلامية، وفي خلال هذه المدّة عام 1968 م قدّم استقالته من جامعة دمشق.
كما أنّه درّس في كلّية الحقوق بجامعة الخرطوم مادّة السياسة الشرعية. وفي عام 1969 م اقترح عليه وزير المعارف في المملكة العربية السعودية العمل فيها، فقبل واختار الإقامة
في مكّة المكرّمة، وعُيّن أُستاذاً ورئيساً لقسم الشريعة والدراسات الإسلامية في كلّية الشريعة بمكّة المكرّمة، وكان عارفاً بوضعها؛ لأنّه كان قد اشترك في وضع خطّتها وبعض مناهجها في عام 1964 م، وبقى في هذا العمل أربع سنوات، ثمّ عُيّن أُستاذاً باحثاً ومستشاراً في جامعة الملك عبد العزيز بجدّة، وفي أثناء تلك الفترة عمل أُستاذاً زائراً في الجامعة الأردنية خلال الفصل الدراسي الثاني لعام 1977 م وفي فصول دراسية أُخرى، وبقي يمارس التدريس في الجامعات حتّى وفاته.
كان المبارك عضواً في مجمع اللغة العربية (المجمع العلمي) بدمشق، وعضواً في المجلس الأعلى الاستشاري في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنوّرة.
ومحمّد المبارك عالم متمكّن وداعية مفكّر، عمل في حقل الدعوة الإسلامية منذ ريعان شبابه، ووهب نفسه لها، وجعلها هدف حياته، وقد اختار مهنة التدريس ليشارك في إعداد الأجيال، وكان خلال فترة تدريسه إذا توسّم في فتى خيراً اتّصل به ورعاه وغذّاه بالنصائح، وكانت له حلقات يعالج فيها موضوعات إسلامية عملية ومشكلات اجتماعية مع طلّاب ومدرّسين وعمّال، كما كان له نشاط متواصل في إلقاء محاضرات عامّة في مختلف المستويات. ولم يقتصر نشاطه على المدن، بل كثيراً ما كان يخرج مع فريق من الشبّان إلى القرى للدعوة والتوعية.
وكان للأُستاذ المبارك مشاركة في نشاط وتأسيس عدد من الجمعيات الإسلامية، فعندما تأسّست جمعية الشبّان المسلمين في دمشق كان هو رئيسها، ولمّا أسّس الدكتور مصطفى السباعي مدرسة الدعوة في دمشق سنة 1947 م/ 1948 م كان المبارك يحاضر فيها هو والسباعي وثلّة من الأساتذة المرموقين. وهو من مؤسّسي جماعة الإخوان المسلمين في سورية، وكان يمثّلهم في البرلمان السوري، وكان الساعد الأيمن للسباعي ومستشاره السياسي والتنظيمي والاجتماعي. وكان دائماً عضواً في إدارة مركز دمشق أو رئيساً للإدارة، وكان يتناوب مع السباعي في إلقاء المحاضرات في المركز العامّ للإخوان في حي الشهداء بدمشق أو في باب الجابية،
وكان يصحب السباعي في رحلاته وزياراته
لمركز الجماعة. وبعد أن غادر سورية بقى المبارك على صلات طيّبة مع الإخوان حتّى آخر لحظة من حياته... كان مع الإخوان السوريّين حيث يوجد إخوان سوريّون، وكان مع الإخوان في سائر الأقطار التي يزورها أو يقيم فيها، يقدّم لهم إرشاداته ونصائحه، ويعطيهم تجاربه العلمية التي اكتسبها طوال عمره السياسي والتنظيمي. وكان له دور في ترشيد الحركة الإسلامية، وتقديم النصح والمساعدة المادّية والمعنوية من خلال عمله في ميدان الدعوة الإسلامية على الصعيدين الشعبي والثقافي.
وكانت له اتّصالات بعدد من الشخصيات الإسلامية والعربية، ومشاركات مستمرّة في المؤتمرات العالمية في ميدان الثقافة والدراسات الإسلامية والعربية والدولية، وساهم بفاعلية في توضيح مفهوم الإسلام ودوره الحضاري في عالم اليوم، كما كان له دور بارز ضمن الوفود الإسلامية التي شاركت في المؤتمرات الدولية لا سيّما في الحوار الإسلامي- المسيحي.
تأليفاته=
من أهمّ مؤلّفاته: فنّ القصص في كتاب «البخلاء» للجاحظ، من منهل الأدب الخالد، عبقرية اللغة العربية، فقه اللغة وخصائص العربية، الأُمّة العربية في معركة تحقيق الذات، المجتمع الإسلامي المعاصر، الأُمّة والعوامل المكوّنة لها، جذور الأزمة في المجتمع الإسلامي، نحو صياغة إسلامية لعلم الاجتماع، نحو إنسانية سعيدة، العقيدة في القرآن الكريم، نظام الإسلام... العقيدة والعبادة، نظام الإسلام... الحكم والدولة، نظام الإسلام... الاقتصاد، نظام الإسلام العقائدي في العصر الحديث، ذاتية الإسلام أمام المذاهب والعقائد، نظرة الإسلام العامّة إلى الوجود وأثرها في الحضارة، الفكر الإسلامي الحديث في مواجهة الأفكار الغربية، القرآن عربي الخطاب، نحو وعي إسلامي جديد، المشكلة الثقافية في العالم الإسلامي، مذكّرات في الثقافة الإسلامية، الإسلام والفكر العلمي، بين الثقافتين:
الغربية والإسلامية، دراسة أدبية لنصوص من القرآن.
وله عشرات البحوث والمقالات المنشورة عن موسوعة الفقه الإسلامي، وعن تاريخ الرياضيات عند المسلمين، والتجارب العلمية عند المسلمين، ومذكّرات في التشريع الإسلامي مع مقارنته بالتشريع الغربي.... إلخ، فضلًا عن الكثير من المحاضرات في: مكّة
المكرّمة، والجزائر، ولاهور، ودمشق، والرياض، والخرطوم، وأمريكا، وقطر، وباريس، والرباط، وجدّة، وإسطنبول، و (أبو ظبي)، وعمّان، وغيرها، بالإضافة لزيارته المتعدّدة للمدن السورية، وإلقاء المحاضرات والدروس، وعقد المؤتمرات والندوات لشرح الفكرة الإسلامية وبيان منهج الإسلام الحقّ.
من أقواله
«لا بدّ لنا- ونحن في ميدان العلوم المادّية والحياة العلمية في الحضارات الغربية الأجنبية المعاصرة- أن نستفيد من تجربة اللغات الأجنبية ما يعيننا في تجربتنا، على أن نعرف لكلّ لغة خصائصها وطرائقها في الاشتقاق والتوليد، مع الحذر من التقليد الحرفي، والنقل الآلي، والخلط بين خصائص اللغة أو فنون آدابها، والانسياق في تيّار نظريات المستشرقين وأصحاب المذاهب الاجتماعية.
ولو نظرنا إلى اللغات الأُخرى التي كانت حين ظهور الإسلام كالفارسية واليونانية، لوجدنا أنّها تبدّلت على مرّ العصور، حتّى غدت اليوم لغة أُخرى، ولو نظرنا كذلك إلى اللغات المنتشرة في عصرنا- والتي هي لغة الثقافة والعلم كالفرنسية والإنجليزية والألمانية والروسية- لوجدنا أنّها لا تكاد تفهم من أصحاب اللغة أنفسهم؛ لشدّة ما أصابها من التبديل الأساسي في ألفاظها وفي معاني ألفاظها، وليس ذلك في العربية التي تميّزت من سائر اللغات بخاصّية عظيمة النتائج جليلة الفوائد، ذلك أنّ ألفاظها كلّها ترجع إلى أُصول ثابتة، ومهما يكن تطوّر الكلمة العربية في معناها فإنّها ترجع إلى أصل ثابت في معناه الإصلي العامّ.
إنّ الإسلام ثابت في مفاهيمه العامّة واتّجاهاته والمعالم الكبرى التي رسمها للحياة الإنسانية، قابل لتنوّع الأساليب في التطبيق ومراعاة مختلف الأحوال والمراحل والشروط الاجتماعية... وكذلك اللغة العربية، فهي ثابتة الأُصول والجذور، قادرة على متابعة تطوّر الإنسان في التعبير عن مختلف حالاته، وبذلك يلتقي الإسلام على أنّه رسالة، والعربية على أنّها وسيلة للتعبير، وتلك هي الحكمة في نزول القرآن بالعربية، وفي النصّ على ذلك في محكم الكتاب: «إِنَّا أَنْزَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ» (سورة يوسف: 2) مع أنّ خطاب
القرآن عامّ للناس جميعاً، ولم يرد فيه تخصيص كونه للعرب، واللغة العربية هي التي حملت رسالة الإسلام، فغنيت بألفاظ كثيرة جديدة للتعبير عن المفاهيم والأفكار والنظم وقواعد السلوك التي جاء بها الإسلام.
ولقد آثرت- ولا سيّما بعد اشتغالي بالتدريس الجامعي- أن أُحافظ على خطوط فكرية ثلاثة، كنت دوماً أتنقّل بينها وأُتابع الدراسة والبحث في آفاقها، وهي: اللغة، والفكر الإسلامي، وخصائص الأُمّة العربية... وذلك حفاظاً على لغة القرآن التي هي أداة تفكيرنا، وفنّ تعبيرنا، ووسيلة أدائنا لرسالاتنا، والتي بها توارثنا مكارم أُمّتنا، وبها نزل كتاب اللَّه علينا، وفيها يكمن الكثير من قوّتنا والثمين من تراثنا. فالأُمّة العربية بمكانها الثقافي والجغرافي وموقعها القيادي في العالم الإسلامي تستطيع أن تقوم بدور المنقذ، وأن تكون رائدة للحضارة الإنسانية المقبلة وطليعتها.
فلا بدّ من التحرّر من آثار التشويه والانحراف الذي أصاب الإسلام في فهم المسلمين له، والتحرّر من نقائص الحضارة الأوروبّية الحديثة الفلسفية الفكرية والعملية السلوكية، مع استبقاء مكاسبها الصالحة النظرية والعملية، وإحلال الإسلام باعتباره نظاماً عقائدياً كاملًا محلّ ذلك.
ولقد كانت الأحداث التي عاصرتها تشهد الصراع بين أنصار الدين وأنصار الإلحاد والعلمانية والصراع عن الاستعمار، وكانت الثورة السورية على فرنسا من الأحداث التي عشت في أجوائها، كما كان لكثير من الأحداث في شتّى البلدان الإسلامية أصداء قوية، كإلغاء أتاتورك للخلافة،
وإمعانه في محاربة أيّ صلة للأتراك بالإسلام واللغة العربية، وكالظهير البربري، أعني: المرسوم الفرنسي القاضي بفصل البربر عن العرب في المغرب لقد كنّا نعيش بعواطفنا وعقولنا في جانب المناصرين للدين، والثائرين على الاستعمار، والداعين إلى وحدة المسلمين، فضلًا عن وحدة العرب».
يقول الأُستاذ مصطفى الزرقا: «كان الأُستاذ محمّد المبارك أوّل من فكر بضرورة إعادة النظر في علم الاجتماع الذي يدرّس بوضعه الحالي الذي يؤدّي إلى الإلحاد، حيث يرى
ضرورة كتابة علم اجتماع إسلامي متّفق مع مسلّمات الإسلام وثوابته في القرآن والسنّة النبوية... وقد كلّف في آخر حياته في الجامعة الأردنية بتدريس علم الاجتماع الإسلامي على صعيد الجامعة للطلّاب من جميع الكلّيات».
ويقول الدكتور يوسف عبد اللَّه القرضاوي: «كان الأُستاذ محمّد المبارك أحد الذين يفكّرون بالإسلام، ويفكّرون للإسلام، وهكذا عاش لهذا الدين، وعاش بهذا الدين، فهو أحد العقول القلائل في هذا العالم الإسلامي التي تفكّر بالإسلام وتفكّر للإسلام... إنّ من خصائص تفكير الأُستاذ المبارك النظرة الشمولية للإسلام، فالإسلام وحدة لا تتجزّأ، الإسلام كلّ شامل... كذلك يتميّز الأُستاذ المبارك بالاعتدال والتوازن، إنّه لا يقف على طرف ضدّ طرف آخر، إنّه يحاول أن يقف الموقف الذي وصف اللَّه به أُمّة الإسلام:
«وَ كَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً» (سورة البقرة: 143).
ويقول الأُستاذ أنور الجندي: «من خلال التأمّل في شخصية الأُستاذ محمّد المبارك تبدو لنا ملامح شخصية باحث عربي إسلامي نابه، يلفت النظر بأصالته ومرونته وعمقه في تناول القضايا المصيرية للعالم العربي والأُمّة الإسلامية، وهو واحد من روّاد المدرسة التأصيلية التي تجمع بين التجديد والبناء على أساس من القيم الأساسية للفكر الإسلامي والثقافة العربية».
ويقول الأُستاذ عبد اللَّه الطنطاوي: «كان الأُستاذ محمّد المبارك يحبّ الناس ويمشي في حاجاتهم، ولمّا كان وزيراً كان الوزير القدوة في كلّ وزارة دخلها، يخدم إخوانه ويدعو إلى جماعته بسلوكه الإسلامي المتّزن وبلسانه العفّ الذي اعتاد على أن يقول الخير أو يصمت، وفي الجامعة كان مثال الأب الحاني على أبنائه الطلّاب والطالبات، وكان الذين يعملون بإمرته يحبّونه ويجلّونه؛ ولما يرون فيه من استقامة. كان يعيش حياة وسطاً، حتّى إنّه عندما كان وزيراً لم يكن يملك سوى معاشه الشهري الذي ينفقه على أُسرته،
ولم يكن له بيت يملكه إلّافي عام 1963 م بفضل قطعة أرض اشتراها منذ زمن طويل، ثمّ ارتفع ثمنها فتفاوض مع بعض الناس على أن يعمّروها ويعطوه شقّة فيها! وكان من أبرز مفكّري
الإخوان المسلمين، ليس على مستوى سورية وحدها، بل على مستوى العالم الإسلامي، وكتبه جديرة بإعادة طباعتها والترويج لها ودراستها، ففيها ما ليس في سواها من كتب الدعاة... فيها وعي عميق، وثقافة نادرة، في أُسلوب عربي قرآني متميّز».
ويقول الأُستاذ حسني أدهم جرّار: «العالم المفكّر، والسياسي المتمرّس، والداعية المربّي، الأُستاذ محمّد المبارك، كان فقيهاً باحثاً، وأديباً متميّزاً، ورائداً من روّاد الفكر العربي الإسلامي المعاصر. كان عالماً متفتّح الذهن... آتاه اللَّه علماً واسعاً، وذكاءً حادّاً، ورأياً سديداً،
وبصيرةً نافذةً، وقدرةً على الحوار. وكان من الناس الذين جمعوا بين الثقافتين: الثقافة العربية الإسلامية، والثقافة الغربية، وجمع بين الدراسة الدينية وبين الدراسة المدنية، وكان لهذا الجمع أثر واضح في وعيه وتفكيره ونشاطه».
الوفاة
كان من عادة الشيخ محمّد المبارك أن يتوجّه من مكّة المكرّمة إلى المدينة المنوّرة بين فترة وأُخرى للصلاة في المسجد النبوي. وفي إحدى المرّات، وهو متوجّه من مكّة المكرّمة إلى المدينة المنوّرة، بعد محاضرة ألقاها في جامعة الملك عبد العزيز في جدّة يوم الإثنين 4/ 2/ 1402 ه، وبعد مكوثه لمدّة يومين بالمدينة المنوّرة مع أُسرته، وفيما كان الشيخ المجذوب يستعدّ لاستضافته على طعام الغداء في منزله يوم الخميس 7/ 2/ 1402 ه، إذا بالهاتف ينقل له خبر وفاة الأُستاذ المبارك وهو في طريقه إلى مستشفى المدينة المنوّرة إثر نوبة قلبية بعد وقت قصير من عبارة قالها وهو يمرّ من أمام مقبرة البقيع: «هنيئاً لمن يُدفن في البقيع» قبل وصوله للمستشفى، وقد صلّي عليه في مسجد (قباء) عقب صلاة الجمعة، ودفن في مقبرة البقيع بالمدينة، حيث كان يتمنّى ذلك.
وقد رثاه الشاعر الإسلامي ضياء الدين الصابوني بقصيدة قال فيها:
أبكي الشمائل والفضائل والنهى
أبكي الأُخوّة والوداد الأكملا
فلقد عرفتك مخلصاً متواضعاً
ولقد عرفتك في المكارم أوّلا
ما مات من ترك المفاخر بعده
أبداً ولا نال العلا من أهملا
راض الصعاب بهمّة جبّارة
وحلا له مُرّ الحياة وما حلا
ولا راعنا فيك الزمان فأنتم
أمل الشباب إذا القضاء تنزّلا
فاهنأ أخي بجيرة محمودة
جُعلت لكم جنّات عدن منزلًا.
المراجع
(انظر ترجمته في: تاريخ علماء دمشق 3: 421- 427، موسوعة السياسة 6: 100، تتمّة الأعلام 2: 188- 189، رسائل الأعلام إلى العلّامة أبي الحسن الندوي: 151- 155، نثر الجواهر والدرر 2: 2084- 2087، موسوعة الأعلام 4: 124- 125).