ما لا نص فيه

من ویکي‌وحدت

ما لا نص فيه: والمراد من النص هنا: هو خصوص الكتاب و السنة. وما لا نصّ فيه يعني: ما لم يرد فيه دليل نقلي من الكتاب و السنة.

نبذة تاريخية

«ما لا نصّ فيه» عنوان بحث طرحه الفقهاء بعد ما حصول مستجدّات ومستحدثات بعد وفاة الرسول استدعت بيان حكمها الشرعي مع أنّ النصوص لم تتناولها؛ باعتبار عدم حصولها عهد الرسول. فكانت هذه المسألة بداية لإبداع الكثير من الآليات الاُصولية وخاصة في القرن الثاني من الهجرة، حيث تبلورت المذاهب الفقهية.
وقد كان هذا الفراغ في النصوص مبنيا على ما تعتقد به مذاهب أهل السنة الفقهية، حيث يرون بانقطاع عهد النص بوفاة الرسول. أمّا بناء على المذاهب الشيعية فإنّهم يعتقدون باستمرار عهد النصّ إلى ما بعد الرسول كذلك، مع اختلاف في امتداد هذه البرهة، من حيث إنّ بعضهم توقفوا عند بعض الأئمة، والبعض الآخر، وهم الإمامية الاثنا عشرية، يعتقدون باستمراره إلى القرن الثالث، حيث غاب الإمام الثاني عشر من أئمة أهل البيت[١].
بالطبع النقاش الذي دار تحت هذا العنوان لم يكن مخالفا لما يعتقده المسلمون من شمولية الشريعة لجميع الأزمان، فإنّهم جميعا يرون وجود اُصول عامّة ترشد إلى معالجة ما لا نصّ فيه في جميع العهود. فقد ورد عن الإمام الصادق عليه‏السلام: «علينا إلقاء الاُصول إليكم وعليكم بالفروع»[٢] لكن من الطبيعي ألاّ ترد أحكام كلّ المستحدثات التي ستحصل في المستقبل في كلمات وروايات المعصومين. يبدو أنّه لا يوجد من يشكّ في أصل وجود مستحدثات غير منصوص عليها، بل يحكي مثل ابن قيم الجوزية رأي طائفة تدّعي أنّ النصوص لا تفي حتّى بعشر معشارها [٣]. لكن اختلف الفقهاء في موارد، وهي مثل الموارد التالية:
أوّلاً: استنطاق حكم المستحدثات من النصوص. وقد وقع اختلافات غير قليلة في هذا المضمار، فيذكر مثلاً استنباط أربعة وعشرين حكما شرعيا من سورة المسد[٤]. وعلى غرار هذا اختلفوا في استفادة حكم الكثير من غير المنصوص عليه من النصوص المأثورة. وقضية الاختلاف في الاستنطاق كانت أحد أسباب الاختلاف بين المذاهب الفقهية. وقد برز هذا الاختلاف في الفقه برغم أنّه قد تجاوزه إلى علم الكلام وغيره.
ثانياً: في إبداع آليات يمكنها أن تستكشف الحكم الشرعي أو الوظيفية العملية للمكلّفين فيما يخصّ المستجدات. وفي هذا المجال ابتدعت مثل: القياس والاستحسان. وقد تركّز البحث في هذا المجال بعلم أصول الفقه.

تعريف ما لا نصّ فيه لغةً

نصصتُ الحديث أنصّه نصّا، إذا أظهرته... وكلّ شيء أظهرته فقد نصصته[٥]. والنصّ: التعيين على شيء[٦] ما.
النصّ: رفعك الشيء. نصّ الحديث ينصّه نصّا: رفعه. وكلّ ما اُظهر فقد نُصّ[٧].

تعريف ما لا نص فيه اصطلاحاً

لم يرد تعريف خاصّ ومحدد لمصطلح ما لا نصّ فيه في المصادر الاُصولية، لكن وردت مفردة النص في عبارات الاُصوليين بستّة معان، والمراد من النصّ هنا: هو خصوص الكتاب و السنة. وما لا نصّ فيه يعني: ما لم يرد فيه دليل نقلي من الكتاب والسنّة، فإنّ النصّ ـ كما هو الدارج ـ عبارة عن الدليل النقلي من آية أو رواية.
وهنا نماذج ممّا ورد في هذا المجال من عبارات وردت فيها هذا الاصطلاح من قبل علماء المدرستين، أمّا في كتبهم الفقهية فكثيرة[٨]، أمّا في الاُصولية فغير قليلة أيضا نورد بعضها باعتبار ما لها من دور مهمّ في تحديد معنى (ما لا نصّ فيه):
يقول الجصاص بعد نقل رواية معاذ التي جوّز فيها الرسول الاجتهاد، حسب ما يرى ذلك أهل السنة: «فأجاز له الاجتهاد فيما لا نصّ فيه»[٩].
يستخدم أحيانا النصّ في قبال البرهان الذي هو الدليل العقلي، كما ورد في كلمات ابن حزم: «وهذه حجّة إنّما تصحّ فيما لا نصّ فيه أو فيما لم يقم عليه برهان، وأمّا كلّ ما قام فيه برهان عقلي أو شرعي فلا نبالي من وافقنا فيه ولا من خالفنا»[١٠].
وقد يستخدم في قبال الإجماع الذي هو أحد الأدلّة التي أبدعت لمعالجة ما لم يرد نصّ فيه، كما ورد ذلك في حكاية ابن حزم عن بعض: «قال مالك و أبو حنيفة: هذا حرام، وهذا واجب، وهذا مباح، فيما لا نصّ فيه ولا إجماع...»[١١].
وهناك الكثير من الكلمات الواردة في المصادر الاُصولية لأهل السنّة تثبت كون المراد من النص هو الدليل اللفظي من الكتاب و السنة[١٢].
كما ورد عن الوحيد البهبهاني قوله: «و الأخباريون على أربعة مذاهب فيما لا نصّ فيه. الأوّل: التوقف، وهو المشهور بينهم...»[١٣].
وهذه كلّها تكشف عن أنّ المراد من ممّا لا نصّ فيه هو انعدام دليل من القرآن والسنّة، ولذلك نرى البعض يعقب الاصطلاح بقوله: «من كتاب اللّه‏» مثلاً ، كما في الموارد التالية:
«... وفيه: أنّ الحجّة القاطعة عند الاختلاف فيما لا نصّ فيه من كتاب اللّه‏ سنّة رسول اللّه‏...»[١٤].
«إن الحجّة عند التنازع سنّة رسول اللّه(ص) فيما لا نصّ فيه من كتاب اللّه»[١٥].
وعليه ينبغى القول بأنّ اصطلاح «ما لا نصّ فيه» يعني ما لم يرد فيه دليل نقلي شرعي من الكتاب والسنّة.

الألفاظ ذات الصلة

منطقه الفراغ أو منطقه العفو

هناك اصطلاح حديث الاستعمال ذات صلة بالاصطلاح القديم «ما لا نصّ فيه» وهو: منطقة الفراغ «الاصطلاح الذى ابتدعه الشهيد الصدر»[١٦]. ولهذا الاصطلاح معنيان استخدما في كلمات المعاصرين:
المعنى الأوّل: ويراد منه الإشارة إلى المساحة من الاُمور والقضايا التي تركت الشريعة حقّ التشريع فيها إلى ولي الأمر والسلطة التشريعية العامّة لاتّخاذ قرار متناسب مع المصلحة العامّة، التي تختلف من زمن إلى آخر. وهذا هو الذي ركّز عليه الشهيد الصدر.
لكنّ البعض قد خلط بين مفهوم ما لا نصّ فيه وبين مفهوم منطقة الفراغ، يعكسها بعض تلامذة الشهيد الصدر بالنحو التالي:
وقد وقع الخلط والاشتباه لدي بعض الباحثين بين فكرة منطقة الفراغ وبين ما لا نصّ فيه من الكتاب و السنة، حيث قال: «ونحن لا نقدر أبدا على التسليم بوجود فراغ في التشريع؛ لأنّ الاُمور المستحدثة التي لا نصّ فيها قد بلغنا أمر المشرع بالاجتهاد في معرفة أحكامها على ضوء مقاصد الشريعة العامّة، وقد تكوّن لدينا تراث فقهي ضخم بجهود العلماء المجتهدين الذين لم يتركوا أداة لهذا الاجتهاد الشرعي إلاّ واستعملوها، كـ القياس، و الاستنباط، ومراعاة المصلحة، ودفع الضرر ...».
وفي الحقيقة لا يراد هذا من «منطقة الفراغ» عند الشهيد الصدر هذا المعنى، بل مراده من الاصطلاح هو دائرة من الموضوعات التي فوض فيها الشارع تغيير التشريع والتقنين الأوّلي فيها إلى ولي الأمر كي يضع الحكم المناسب فيها بما ينسجم مع متطلبات الظروف والملابسات المختلفة في كلّ زمان ومكان[١٧].
المعنى الثاني: وهو المعنى الذي استخدمه بعض معاصري أهل السنة في السنوات الأخيرة[١٨] وأردفه باصطلاح آخر يراد منه نفس المعنى، وهو «منطقة العفو» وأراد منه ذات المراد من اصطلاح «ما لا نصّ فيه»، استلهمه من أحاديث نبوية وردت في مجال ما لا نصّ فيه، من قبيل الحديثين التاليين:
«ما أحل اللّه‏ في كتابه فهو حلال، وما حرم في كتابه فهو حرام، وما تركه فهو عفو، فاقبلوا من اللّه عافيته، فإنّ اللّه‏ لم يكن نسي شيئا» ثُمّ تلا قوله: «وَما كانَ رَبـُّكَ نَسِـيّاً»[١٩]. «إنّ للّه حد وحدود، فلا تعتدوها، وفرض فرائض، فلا تضيعوها، وحرم أشياء، فلا تنتهكوها، وترك أشياء رحمة منه من غير نسيان، فلا تبحثوا عنها»[٢٠].
وهذا الحديث ورد عن الإمام علي عليه‏السلام عن طريق الشيعة كذلك مع اختلاف طفيف[٢١].
والفرق بين ما أراده الشهيد الصدر من هذا الاصطلاح مع ما أراده القرضاوي في أنّ الأخير وسّع تعريف منطقة الفراغ لديه لتكون شاملة حتّى للأحكام غير الحكومية، وطرح لها علاجات تتناسب مع ما يذهب اليه أهل السنّة من القول بـ القياس و الاستحسان و المصالح المرسلة.

حكم ما لا نص فيه

علاجات ما لا نصّ فيه

باعتبار أهمّية موضوع ما لا نصَّ فيه سعت كلّ طائفة لعرض العلاجات المتناسبة مع مبادئها لهذا الموضوع، بل من الاختلافات الأساسية والميزات الفارقة بين المذاهب الفقهية هو طريقة التعامل مع المواضيع المستحدثة والتي لم يرد فيها نصّ.
طرحت العلاجات على نحوين:

النحو الأوّل من العلاجات

ما يدخل ضمن أصول الفقه، وهو على صنفين:
الصنف الأوّل: يدخل ضمن أصول المذهب، والذي يتناول أصول الفقه دراسته، وهي: العقل، و الإجماع، و القياس، و الاستحسان، و المصالح المرسلة، و الاُصول العملية، و أقوال الصحابة، و العرف، و المقاصد الشرعية، و سد الذرائع.
الصنف الثاني: وهو رغم كونه ضمن اُصول الفقه إلاّ أنّه لا يدخل ضمن أصول المذهب، وذلك لقلّة توظيفاته ومحدودية مؤداه، وهو من قبيل: قاعدة الأخذ بالأخفّ، كالأخذ بحجّ الإفراد؛ باعتباره أخف من حجّ القِران والتمتّع[٢٢]، و الأخذ بأقل ما قيل، كالقول بأنّ دية الذمّي ثلث دية المسلم بعد الاختلاف في كونها نفس دية المسلم أو نصفها أو ثلثها [٢٣]، وما شابه ذلك من قواعد ذات مؤدّى محدود، لذلك لم تنل الدراسة الكافية في أصول الفقه، وإدراجه في القواعد الفقهية أنسب من إدراجه في اُصول الفقه. وهذا هو سبب عدم اهتمام الكثير من الاُصوليين بها.

النحو الثاني من العلاجات

ما يدخل ضمن القواعد الفقهية، وهي قواعد كثيرة عدها بعض أهل السنّة بما يقرب من ألفي قاعدة[٢٤]، وقد عدّت القواعد الفقهية المستنبطة من الفقه الشيعي بمئات[٢٥].

المصادر

  1. . اُنظر: المعالم الجديدة للاُصول الصدر: 72 ـ 73.
  2. . بحار الأنوار 2: 245، جامع أحاديث الشيعة (البروجردي) 1: 173، الفصول المهمّة في معرفة الأئمة 1: 553.
  3. . اعلام الموقعين عن ربّ العالمين 1: 333 ـ 337.
  4. . اُصول الفقه المقارن فيما لا نصّ فيه السبحاني: 12.
  5. . ترتيب جمهرة اللغة 3: 435، مادّة: «نصص».
  6. . تاج العروس 9: 369، مادّة: «نصص».
  7. . لسان العرب 4: 3930، مادّة: «نصص»، وانظر: كتاب العين 7: 86، مادّة: «نصص».
  8. . تذكرة الفقهاء الحلّي 7: 423، الدروس (الشهيد الأوّل) 1: 354، روض الجنان (الشهيد الثاني) 1: 389، القواعد الفقهية (مكارم) 1: 24، المبسوط (الطوسي) 1: 346، المبسوط (السرخسي) 16: 62، 68، فقه السنّة (سيد سابق) 3: 69، بدائع الصنائع 10: 104.
  9. . الفصول في الاُصول 4: 44.
  10. . الإحكام ابن حزم 1 ـ 4: 425.
  11. . الإحكام ابن حزم 5 ـ 8: 256.
  12. . اُصول السرخسي 2: 106 و107، المستصفى 2: 176 و205.
  13. . الفوائد الحائرية البهباني: 240.
  14. . الاستذكار ابن عبد البر 3: 292.
  15. . التمهيد ابن عبد البر 23: 151.
  16. . اقتصادنا: 686 ـ 692.
  17. . دورية رسالة التقريب، العدد 11، ص128، المقال للسيّد علي أكبر الحائري، ينقل ما ورد من خلط عن كتاب الاقتصاد الإسلامي بين فقه الشيعة وفقه أهل السنّة: 65.
  18. . عوامل السعة والمرونة في الشريعة الإسلامية: 15 ـ 16.
  19. . السنن الكبرى 10: 12.
  20. . المصدر السابق.
  21. . الأمالي المفيد: 159، الأمالي (الطوسي): 511.
  22. . اُنظر : المحصول الرازي 2 : 576 ـ 577 ، جواهر الكلام 20 : 113 ـ 114.
  23. . اُنظر : المستصفى 1 : 235 ـ 236 ، ذكرى الشيعة الشهيد الأوّل 4 : 108.
  24. . اُنظر: موسوعة القواعد الفقهية البورنو فقد سرد صاحب هذا الكتاب أكثر من ألفي قاعدة مع شرحها.
  25. . اُنظر: القواعد الفقهية البجنوردي، القواعد الفقهية (مكارم الشيرازي) مئة قاعدة فقهية (كاظم المصطفوي).