انتقل إلى المحتوى

الفرق بين المراجعتين لصفحة: «حجية الاستصحاب»

أُضيف ٣٢٬٩٥٨ بايت ،  ١٨ مارس ٢٠٢١
لا يوجد ملخص تحرير
لا ملخص تعديل
لا ملخص تعديل
سطر ١٩٤: سطر ١٩٤:
<br>'''ثانيا:''' الأدلَّة الواردة على الاستصحاب وبخاصة الأخبار مطلقة أو عامة، ولم تقيّد بالعدميات أو الوجوديّات، فقد ورد فيها: «لاتنقض اليقين بالشكّ» وهذا واضح في الإطلاق. <ref> الاستصحاب كوثراني : 143.</ref>
<br>'''ثانيا:''' الأدلَّة الواردة على الاستصحاب وبخاصة الأخبار مطلقة أو عامة، ولم تقيّد بالعدميات أو الوجوديّات، فقد ورد فيها: «لاتنقض اليقين بالشكّ» وهذا واضح في الإطلاق. <ref> الاستصحاب كوثراني : 143.</ref>
<br>'''ثالثا:''' لا تفاوت في المستصحب أو الأثر المترتب عليه بين ما إذا كان أمرا وجوديا أو عدميا، فالتكاليف عموما بيد الشارع، فإذا كان نفي التكليف بيد الشارع، فلابدَّ من كون إثباته كذلك، ونسبتهما إلى المشرِّع واحدة. <ref> مباني الاستنباط 4 : 183، الاستصحاب الكوثراني : 143.</ref> .
<br>'''ثالثا:''' لا تفاوت في المستصحب أو الأثر المترتب عليه بين ما إذا كان أمرا وجوديا أو عدميا، فالتكاليف عموما بيد الشارع، فإذا كان نفي التكليف بيد الشارع، فلابدَّ من كون إثباته كذلك، ونسبتهما إلى المشرِّع واحدة. <ref> مباني الاستنباط 4 : 183، الاستصحاب الكوثراني : 143.</ref> .
==القول الرابع: التفصيل بين الأحكام الشرعية والأمور الخارجية==
أو التفصيل بين [[الشبهة الحكمية]] و [[الشبهة الموضوعية]]؛ وهذا القول يذهب إلى حجّية الاستصحاب في [[الأحكام الشرعية]] وعدم حجيّته في الأمور الخارجية، ونسب إلى جماعة<ref> انظر : شرح الوافية : 339، فرائد الأصول 3 : 35، 111.</ref>. واستظهره كذلك المحقّق القمي من السبزواري من: أنّ الأخبار لايظهر شمولها للأمور الخارجية ـ  مثل رطوبة الثوب ونحوها  ـ إذ يبعد أن يكون مرادهم بيان الحكم في مثل هذه الأمور الذي ليس حكما شرعيا، وإن كان يمكن أن يصير منشأً لحكم شرعي. <ref> القوانين المحكمة : 285، وانظر : ذخيرة المعاد : 115 ـ 116.</ref>
<br>رُدَّ هذا بإطلاق الأدلَّة وشمولها للأحكام والأمور الخارجية، فإنَّ عدم جواز نقض اليقين بالشكّ كما يرجع إلى الطهارة عن الحدث والخبث، يرجع كذلك  إلى عدم النجاسة وعدم وصول النجس وعدم حصول ما يوجب الحدث كالنوم. هذا مضافا إلى أنَّ  بعض الروايات وردت في أمور خارجية مثل الثوب. <ref> انظر : القوانين المحكمة : 286، فرائد الأصول 3 : 111 ـ 115، الاستصحاب كوثراني : 146.</ref>
==القول الخامس: التفصيل بين الحكم الشرعي الكلّي وغيره==
بناءً على هذا الرأي لايعتبر [[الاستصحاب]] في الحكم الكلّي ويعتبر في غيره، فيجري في موارد الشكّ بالشبهات الموضوعية ولايجري في الأحكام الكلّية، سواء أكانت وضعية أم تكليفية، واستثنوا منها  استصحاب عدم النسخ، بدعوى قيام الإجماع أو  لضرورة في اعتبار العمل بالاستصحاب في أحكام  اللّه‏.
وهو اختيار<ref> آراؤنا في أصول الفقه 3: 26 ـ 27، الاستصحاب كوثراني: 147.</ref> بعض الأخباريين كـ: [[المحدّث الأسترآبادي]]. <ref> الفوائد المدنية : 284 ـ 289 وانظر : الوافية : 212 ـ 213.</ref>
<br>استدلَّ على هذا الرأي بدليلين:
<br>'''الأوَّل:''' عدم شمول أدلَّة الاستصحاب للحكم الكلّي.
<br>'''الثاني:''' لا حاجة للعمل بالاستصحاب؛ باعتبار أنَّ ما من واقعة إلاَّ ولها حكم.
يردُّ الدليل الأوَّل بما تقدَّم: من كون أدلَّة الاستصحاب عامة ولا دليل على تخصيصها أو صرفها عن الحكم الكلّي. <ref> الاستصحاب كوثراني : 147 ـ 148.</ref>
ويردُّ الدليل الثاني: بأنَّ الفرض في العمل بالاستصحاب هو عدم العثور على دليل كاشف عن الحكم في الواقعة المراد إجراء الاستصحاب فيها. <ref> المصدر السابق : 148.</ref>
<br>أشكل على إجراء الاستصحاب في الحكم الكلّي باعتبار أنَّ الشكَّ في بقاء الحكم يرجع إلى الشكّ في بقاء موضوعه، من حيث احتمال حصول بعض التغييرات حدوثا أو بقاءً، ولو كنّا على يقين من عدم تغيّر الموضوع فلا شكَّ في بقاء الموضوع وما تخلَّف الحكم عن الموضوع.
<br>رُدَّ هذا الإشكال بما يلي:
'''أولاً:''' عدم الفرق بين استصحاب الحكم الكلّي وبين استصحاب الموضوعات الخارجية.
'''ثانيا:''' أنَّ النظرة العرفية للموضوع كافية، ولم تفرض النظرة الدقيقة، والعرف يرى اتحاد الموضوع في الزمنين، ولايفرّق بين الموارد المزبورة. <ref> فرائد الأصول 3 : 119 ـ 120، كفاية الاصول : 385 ـ 386.</ref>
====رأي السيّد الخوئي====
[[السيّد الخوئي]] ممَّن ذهب إلى هذا القول، لكنَّه ألحق الأحكام الترخيصية بالموضوعات الخارجية، ولم يرَ مانعا من جريان الاستصحاب في الشبهات الحكمية الوضعية كالطهارة من الخبث والحدث، ولأجل بيان رأيه: قسَّم الشكّ في بقاء الحكم باعتبار منشئه إلى الأقسام الثلاثة التالية:
<br>1 ـ الشكّ الناشئ عن الشكّ في أصل الجعل من حيث السعة والضيق، كالشكّ في الحكم من حيث شموله لجميع الأزمنة أو تقييده ببعضها. واستصحاب بقاء الحكم في هذه الحالة معارض باستصحاب العدم الأزلي، فكما يصحُّ استصحاب بقاء الوجوب، باعتبار أنَّ الجعل أمر حادث، يصحّ استصحاب بقاء عدم الجعل كذلك.
<br>2 ـ الشكّ الناشئ عن الشكّ في المجعول بعد العلم بأنَّ أصل الجعل شامل وغير محدّد بزمان، وهذا الشكّ يرجع في حقيقته إلى الشكّ في كيفية جعل الحكم من حيث إطلاق المجعول أو اختصاصه بزمان أو موضوع ما، وهو من قبيل الشكّ في أنَّ نجاسة الماء المتغيّر مختصة بحال تغيّره، أو أنَّها تعمُّ حال زوال تغيّره بنفسه أيضا، مع القطع بأنَّ نجاسة الماء المتغيّر غير مختصة بزمان.
<br>وفي هذه الصورة، إذا كان الفرد المشكوك مغايرا للفرد المتيقَّن بنظر العرف فلا يجري الاستصحاب؛ لعدم تمامية أركانه.
<br>3 ـ الشكّ الناشئ عن اشتباه الأمور الخارجية، من قبيل الشكّ في بقاء وجوب الإمساك في شهر رمضان بسبب الشكّ في بقاء النهار، فاستصحاب بقاء وجوب الإمساك معارض باستصحاب العدم الأزلي، ولا بأس باستصحاب بقاء النهار، والحكم ببقاء وجوب الإمساك؛ لأنَّ موضوعه محرز بالتعبُّد، وهو استصحاب موضوعي لا إشكال فيه.
<br>أمَّا الأحكام الترخيصية مثل الإباحة، فلا مانع من استصحابها؛ لعدم جريان استصحاب العدم الأزلي فيها لكي يكون معارضا، فإنَّها متوافقة مع استصحاب العدم في رفع التكليف، وهي لا تحتاج إلى بيان؛ باعتبار أنَّ مطلق الأشياء قبل الشريعة كانت مرفوعة، عكس المحرّمات، فهي تحتاج إلى بيان. <ref> انظر: مصباح الأصول 3: 36 ـ 47، مباني الاستنباط 4: 67 ـ 76.</ref>
<br>أورد عليه ما يلي:
'''أولاً: أنَّ هذا ليس تفصيلاً في الاستصحاب، وذلك لعدم صدق مفهوم الاستصحاب على الصور المزبورة، لفقدها بعض أركانه، أي اليقين السابق أو الشكّ اللاحق.
'''ثانيا:''' لا وجه للتفريق بين الأحكام المزبورة، بعد فرض أنَّ جميعها بيد الشارع وضعا ورفعا. <ref> انظر : بحوث في علم الأصول الهاشمي 6 : 127 ـ 151، مباني الاستنباط 4 : 89 ـ 90، الاستصحاب (كوثراني) : 150.</ref>
==القول السادس: التفصيل بين الحكم الجزئي وغيره==
من غير المعلوم أن يكون لهذا الرأي قائل، لكن ربَّما يستظهر من كلام المحقّق الخوانساري على ما حكاه السيّد في (شرح الوافية) <ref> شرح الوافية : 339، وانظر : فرائد الأصول 3 : 49 ـ 50.</ref>. وعلى فرض وجود قائل به، فإنَّ أدلَّته لا تخلو أن تكون نفس أدلَّة التفصيل بين الحكم الشرعي الكلّي وبين غيره، أو أدلَّة التفصيل بين الأمور الخارجية وغيرها، فراجع. <ref> انظر : فرائد الأصول 3 : 121.</ref>
==القول السابع: التفصيل بين الحكم التكليفي والوضعي==
وهو القول بجريان الاستصحاب في [[الأحكام الوضعية]] دون التكليفية. ذهب إلى هذا الرأي الفاضل التوني وقدَّم إليه مقدَّمات.
<br>قسَّم الفاضل التوني الحكم إلى ستة أقسام هي: الأحكام الاقتضائية، المطلوب فيها الفعل (الواجب والمندوب)، والمطلوب فيها الترك والكفّ (الحرام والمكروه)، والتخييرية (الإباحة) و(الوضعية).
<br>ثمَّ استدلَّ على رأيه بأنَّ الأمر والطلب إذا كان مؤقتا، فإنَّ ثبوت الندب أو الوجوب في كلِّ جزء من أجزاء الوقت ثابتا بنفس الطلب والأمر، وإثباته في الزمان الثاني بحاجة إلى نصٍّ لا باستصحاب نفس الطلب والأمر الأوَّل، وإذا لم يكن مؤقتا فبحاجة إلى نصٍّ كذلك إذا دلَّ الأمر على التكرار، وإلاَّ فذمّته تكون مشغولة حتَّى يأتي به في أيّ زمان كان، ونسبة أجزاء الزمان إليه نسبة واحدة في كونه أداءً في جميعها. وهذا أيضا لا مورد للاستصحاب فيه، ولم يكن من قبيل تطبيق الاستصحاب.
<br>ولايمكن القول بأنَّ إثبات الحكم في القسم خارج وقته من موارد تطبيق الاستصحاب، فإنَّ هذا لايجوز إجماعا، ولم يقل به أحد.
<br>وكذا الكلام في النهي الحرام والمكروه، فهو أولى بعدم توهُّم إجراء الاستصحاب فيه؛ لأنَّ مطلقه لايفيد التكرار، وكذلك حال التخييري، والاستصحاب لايتصوَّر فيها.
<br>أمَّا [[الأحكام الوضعية]] وهي السببية والشرطية والمانعية، فينبغي النظر في كيفيتها ما إذا كانت مطلقة دون تقييد بزمان ـ  كالإيجاب والقبول  ـ أو مقيّدة بوقت معيَّن ـ  كالدلوك سببا للصلاة وكذا الكسوف  ـ إذ في الأخير يكون السبب وقتا للحكم.
ثمَّ يقول: فظهر ممَّا مرَّ أنَّ الاستصحاب المختلف فيه لايكون إلاَّ في [[الأحكام الوضعية]]. <ref> الوافية : 200 ـ 202.</ref>
<br>بالطبع لاينفي وقوع الاستصحاب في [[الأحكام التكليفيه]]، لكنه يرجعه إلى الاستصحاب في الأحكام الوضعية، حيث يقول: «ووقوعه في [[الأحكام الخمسة]] إنّما هو بتبعيّتها، كما يقال في ماء الكرّ المتغيّر بالنجاسة إذا زال تغيُّره من قبل نفسه: بأنّه يجب الاجتناب عنه في الصلاة؛ لوجوبه قبل زوال تغيُّره، فإنّ مرجعه إلى أنّ النجاسة كانت ثابتة قبل زوال تغيُّره، فتكون كذلك بعده، ويقال في المتيمِّم إذا وجد الماء في أثناء الصلاة: إنّ صلاته كانت صحيحة قبل الوجدان، فكذا بعده، أي كان مكلّفا ومأمورا بالصلاة بتيمّمه قبله، فكذا بعده، فإنّ مرجعه إلى أنّه كان متطهّرا قبل وجدان الماء، فكذا بعده، والطهارة من الشروط».<ref> المصدر السابق : 202 ـ 203.</ref>
<br>رُدَّ بالأمور التالية:
<br>'''أولاً:''' المحقّق العراقي يرجع تفصيله إلى تخيُّل أنَّ [[الأحكام الوضعية]] أمور عقلية انتزاعية، لاتكون بنفسها أثرا مجعولاً ولا موضوعا لأثر كذلك حتَّى يجري فيها الاستصحاب، أي أنّها ليست من الأمور المجعولة بيد الشارع مباشرةً، فيمكن استصحاب بقائها، وهذا التخيُّل فاسد، فإنَّها قد تكون مجعولة وقد تكون موضوعا لأثر مجعول. <ref> نهاية الأفكار 4 ق1 : 87 .</ref>
<br>'''ثانياً:''' قصر حجّية الاستصحاب على الأحكام الوضعية دعوى دون برهان، ولم يأتِ الفاضل التوني ببرهان عليه، مع أنَّ أدلَّة الاستصحاب عامة وليس هناك ما يدلُّ على تقييدها أو صرفها عن الأحكام التكليفية. <ref> المصدر السابق.</ref>
<br>'''ثالثاً:''' التحقيق يثبت أنَّ الأحكام الوضعية غير محدودة بالثلاثة (الأسباب والشرائط والموانع) التي ذكرها، بل هي أكثر بكثير، مثل الصحة والفساد والرخصة والعزيمة. <ref> فوائد الأصول 4 : 384 ـ 387.</ref>
وهناك إشكالات أخرى أطال فيها [[الشيخ الأنصاري]]. <ref> انظر : فرائد الأصول 3 : 121 ـ 148.</ref>
==القول الثامن: التفصيل بين ما ثبت بالإجماع وبين غيره==
وهو القول بحجّية الاستصحاب في الموارد الثابتة بغير الإجماع، وعدم حجّيته في الموارد الثابتة بالإجماع، وشأن الاستصحاب هنا يرجع إلى الحكم الشرعي، بأن يتفَّق على حكم في حالة ثمَّ تتغيَّر صفة المجمع عليه، فيختلفون فيه، فيستدلّ مَن لم يغيّر الحكم باستصحاب الحال. <ref> البحر المحيط 6 : 21، إرشاد الفحول 2 : 257.</ref>
ذهب الأكثرون [أي من الشافعية] منهم: القاضي، والشيخ أبو إسحاق الشيرازي، وابن الصبَّاغ، والغزالي إلى أنَّه ليس حجّة. <ref> البحر المحيط 6 : 22، إرشاد الفحول 2 : 258 وانظر : التبصرة : 526، المستصفى 1 : 239.</ref> وقال الأستاذ أبو منصور: وهو قول جمهور أهل الحق من الطوائف، وقال الماوردي والروياني في كتاب القضاء: إنَّه قول الشافعي وجمهور العلماء. <ref> نقله قولهما الزركشي في البحر المحيط 6 : 22، والشوكاني في إرشاد الفحول 2 : 258.</ref>
<br>وحجّة هؤلاء: أنَّ الإجماع إنَّما كان على الصفة التي كانت قبل محلّ النزاع، كالإجماع على صحة الصلاة قبل رؤية الماء في الصلاة، فأمَّا بعد الرؤية فلا إجماع، فليس هناك ما يستصحب... وقال آخرون: الحكم ثبت بالإجماع وقد زال الإجماع، فالمفروض زوال الحكم كذلك، وإثباته يكون بلا دليل. <ref> أعلام الموقّعين 1 : 341 ـ 342.</ref>
<br>رُدَّ هذا: بأنَّ المتبدِّل هنا هو حال المحلّ المجمع على حُكمه أولاً كتبدُّل زمانه ومكانه وشخصه، وتبدُّل هذه الأمور وتغيّرها لايمنع استصحاب ما ثبت له قبل التبدُّل، فكذلك تبدُّل وصفه وحاله لايمنع الاستصحاب حتَّى يقوم دليل على أنَّ الشارع جعل ذلك الوصف الحادث ناقلاً للحُكم مثبتا لضدّه، كجعل تخليل الخمرة ناقلاً للحُكم بتحريمها. <ref> أعلام الموقّعين 1 : 343، وانظر : أصول الفقه الإسلامي الزحيلي 2 : 866 .</ref>
<br>الغزالي مثَّل لهذا الرأي بالمتيمِّم إذا رأى الماء في أثناء الصلاة، فإنّه يمضي فيها؛ لأنَّ [[الإجماع]] منعقد على صحة صلاته ودوامها... فنحن نستصحب دوام الصلاة إلى أن يدلَّ دليل على كون رؤية الماء قاطعا للصلاة.
<br>واعتبر هذا فاسدا مستدلاًّ على رأيه بقوله: لأنَّ هذا [[المستصحب]] لايخلو إمَّا أن يقرّ بأنَّه لم يقم دليلاً في المسألة لكن قال: أنا نافٍ ولا دليل على النافي، وإمَّا أن يظنَّ أنَّه أقام دليلاً، فإن أقرَّ بأنَّه لم يدلّ فسنبيِّن وجوب الدليل على النافي، وإن ظنَّ أنَّه أقام دليلاً فقد أخطأ، فإنَّا نقول: إنَّما يستدام الحُكم الذي دلَّ الدليل على دوامه، فالدليل على دوام الصلاة ههنا لفظ الشارع أو إجماع، فإن كان لفظا فلا بدَّ من بيان ذلك اللفظ، فلعلّه يدلّ على دوامها عند العدم لا عند الوجود، فإن دلَّ بعمومه على دوامها عند العدم والوجود جميعا كان ذلك تمسكا بالعموم عند القائلين به، فيجب إظهار دليل التخصيص. وإن كان بإجماع فالإجماع منعقد على دوام الصلاة عند العدم، أمَّا حال الوجود فهو مختلف فيه، ولا إجماع مع الخلاف، ولو كان [[الإجماع]] شاملاً حال الوجود لكان المخالف خارقا للإجماع. <ref> المستصفى 1 : 239 ـ 241، وانظر : كتاب التلخيص في أصول الفقه 3 : 132 ـ 134، روضة الناظر : 80 ـ 81 .</ref>
<br>رُدَّ هذا بالأمور التالية:
<br>'''أولاً:''' ما ذكر من وجه في عدم جريان الاستصحاب في محلّ الإجماع جارٍ في بعض الصور في غير الإجماع، فإنَّه إذا ورد النصّ على وجه يكون ساكتا بالنسبة إلى ما بعد الحالة الأولى ـ  كما إذا ورد أنَّ الماء ينجس بالتغيّر  ـ مع فرض عدم إشعار فيه بحكم ما بعد زوال التغيُّر، فإنَّ وجود هذا الدليل ـ  بوصف كونه دليلاً  ـ مقطوع العدم في الحالة الثانية، كما في الإجماع. <ref> فرائد الأصول 3 : 155 ـ 156.</ref>
<br>'''ثانيا:''' أدلَّة حجّية الاستصحاب مطلقة ولم تفرّق بين ما ثبت بالإجماع وغيره. <ref> المصدر السابق : 157.</ref>
<br>'''ثالثا:''' بعض الأمثلة التي ذكرها مثل الغزالي في المورد ليست من موارد الاستصحاب، وتفتقد بعض أركانه من قبيل الشك. <ref> الاستصحاب كوثراني : 165 ـ 166.</ref>
==القول التاسع: التفصيل بين الشكّ في المقتضي والرافع==
ذهب إلى هذا الرأي [[المحقّق الحلّي]] <ref> معارج الأصول  : 206 ـ 207 .</ref>، والخوانساري<ref> مشارق الشموس : 76.</ref>، وقوَّاه الشيخ الأنصاري. <ref> فرائد الأصول 3 : 51، 159 ـ 160.</ref>
<br>استدلَّ المحقّق على رأيه بما يلي:
<br>ينبغي النظر في الدليل المقتضي للحكم، فإن كان يقتضي الحكم على الإطلاق وجب الحكم باستمرار الحكم، مثل عقد النكاح الذي يقتضي الاستمرار مطلقا، فإذا شككنا فيما يوجب الطلاق من الألفاظ كقوله: (أنتِ خلية أو بريّة) استصحبنا عقد النكاح لشكّنا في رافعية الألفاظ المزبورة، مع أنَّ وقوع العقد اقتضى حِلّ الوط‏ء غير مقيّد بزمان، فلزم دوام الحِلّ، فيجب استمراره حتَّى يثبت الرافع. <ref> معارج الأصول : 209 ـ 210.</ref>
<br>رُدَّ هذا الدليل: بأنَّ الحكم بوجود شيء لايتمُّ إلاَّ إذا علمنا بعلّته التامة والتي يعدُّ عدم الرافع من أجزائها، وعدم العلم بعدم الرافع يؤدّي إلى عدم العلم بالعلّة التامّة إلاَّ إذا عبَّدنا الشارع بالحكم بالعدم عند عدم العلم، وهذا عين الكلام في أصل الاستصحاب لا في التفصيل المزبور. <ref> فرائد الأصول 3 : 160.</ref>
<br>فصَّل الشيخ الأنصاري هذا القول وأخرجه عن الإجمال، وفسَّر الشكّ من جهة المقتضي بالشكّ من حيث استعداد المستصحب وقابليته في ذاته للبقاء، كالشكّ في بقاء الليل والنهار وخيار الغبن بعد الزمان الأوَّل.
<br>ويتحقَّق الشكّ في الرافع مع القطع باستعداد المستصحب للبقاء، وهو من قبيل الشكّ في حدوث البول. وقد يكون في رافعية الموجود، إمَّا لعدم تعيّن المستصحب وتردّده بين ما يكون الموجود رافعا، وبين ما لايكون كأداء صلاة الظهر المشكوك كونه رافعا لشغل الذمة بالصلاة المكلَّف بها قبل العصر يوم الجمعة من جهة تردُّده بين الظهر والجمعة، وإمَّا للجهل بصفة الموجود من كونه رافعا كالمذي، أو مصداقا لرافع معلوم المفهوم كالرطوبة المردَّدة بين البول والودي أو مجهول المفهوم. <ref> المصدر السابق : 46 ـ 47.</ref>
وبذلك لا حاجة للإطالة في ذكر الاحتمالات الواردة في تفسير كلام الشيخ الأنصاري من المقتضي، وذكر الاحتمالات الواردة هنا، والتي قد تكون أجنبية عن المراد<ref> أنوار الأصول 3 : 317.</ref>، كما فعل بعض. <ref> انظر : فوائد الأصول 4 : 314 ـ 316، دراسات في علم الأصول الخوئي 4 : 47 ـ 49.</ref>
استدلَّ الشيخ الأنصاري على رأيه بدليل آخر اعتمد على مفردة «النقض» الواردة في بعض الروايات، فقد استظهر منها: أنَّ النقض يعني رفع الهيئة الاتصالية أو رفع الأمر المستمر وقطع الشيء المستمر، فلابدَّ أن يكون ما ينقض أو المتعلّق له قابلية الاستمرار، وبما أنَّ اليقين نفسه وأوصافه تنتقض من قبل المكلَّف دون اختيار فلا يقع حيّزا للتحريم، فلا بدَّ أن يكون المراد ـ  بدلالة الاقتضاء  ـ الأحكام الثابتة للمتيقّن بواسطة اليقين.
ثمَّ يتأمَّل الشيخ في جريان هذا المعنى في المستصحب العدمي. <ref> فرائد الأصول 3 : 160.</ref>
<br>وقد رُدَّ هذا الدليل بما يلي:
<br>'''الأوّل:''' بالنقض، باعتبار أنَّ عدم جريان الاستصحاب في موارد الشكّ في المقتضي يستلزم القول بعدم جريانه في موارد الشكّ في النسخ، من حيث عدم علمنا عندئذٍ بالجعل ما إذا كان موسّعا شاملاً لجميع الأزمنة أو غير شامل ولا موسّع، كما يستلزم عدم جريانه في الموضوعات الخارجية، من حيث عدم علمنا بقابليتها للبقاء إلى الأبد فإنَّها غير منضبطة من هذه الحيثية، كما يستلزم عدم جريانه في موارد الشكّ في حصول الغاية حتَّى من جهة الشبهة الموضوعية؛ لأنَّ الشكَّ فيها يرجع إلى الشكّ في المقتضي، فإنَّ الشكَّ في وقت أداء صلاة الصبح عند الشكّ في طلوع الشمس يعود إلى الشكّ في قابلية الوقت للامتداد أكثر من ساعة أو ما شابه. مع أنَّ الذين يذهبون إلى هذا القول لايقرّون بهذه اللوازم. <ref> مباني الاستنباط 4 : 61 ـ 63.</ref>
<br>'''الثاني:''' بالحلّ، باعتبار أنَّ الدقة الفلسفية إذا كانت هي الملاك في صدق نقض اليقين بالشكّ فينبغي تعطيل الاستصحاب بالكلّية، بدليل أنَّ اليقين غير موجود حال الشكّ في موارد الاستصحاب إلاَّ بالإضافة إلى ما قبل زمان الشكّ. وإن كان النظر العرفي هو الملاك في صدق النقض، فلا داعي لاختصاصه بموارد الشكّ في الرافع، مع أنَّ تطبيقات الاستصحاب في الروايات تفيد كون النظر العرفي هو الملاك. <ref> المصدر السابق : 63 ـ 64.</ref>
<br>'''الثالث:''' تفسير الشيخ الأنصاري النقض برفع الهيئة الاتصالية يخالف معناه لغةً، وهو إفساد المبرم، ويقابله الإبرام، وتفسير الشيخ يقابله الانفصال. <ref> أصول الفقه المظفر 3ـ4 : 320، بحوث في علم الأصول (الهاشمي) 6 : 158، مباحث الأصول (الصدر) 5 ق2 : 232.</ref>
<br>'''الرابع:''' هذا الرأي يستدعي التصرّف في اليقين الوارد في الروايات والقول بإرادة المتيقّن منه، كما يقرُّ الشيخ نفسه بذلك واعتباره اليقين ونقضه غير اختياري، مع أنَّه من غير الصحيح استعمال اليقين وإرادة المتيقّن منه على نحو الإسناد اللفظي إلاَّ من باب المجاز أو حذف المضاف، والأخيران بعيدان كلّ البعد؛ باعتبار انعدام العلاقة المصحِّحة للاستخدام المجازي بين المفردتين، وتقدير المضاف بحاجة إلى قرينة، وهي منعدمة هنا. <ref> أصول الفقه المظفر 3ـ4 : 320 ـ 321.</ref>
<br>وقد يُردُّ هذا بما ورد عن الآخوند الخراساني من أنَّ اليقين وإن استعمل في معناه الحقيقي لكن إسناد النقض إليه بلحاظ المتيقّن لا اليقين نفسه، وذلك من باب أنَّ عنوان اليقين من العناوين الآلية المرآتية ذات الإضافة، فإنَّ مصاديقه مرآة لمصاديق المتيقّن. <ref> كفاية الأصول : 391 ـ 392.</ref>
<br>إلاَّ أنَّ هذا مرفوض، بأنَّ معنى فناء العنوان بالمعنون كون الشيء له لحاظان: لحاظ بالحمل الأوَّلي، والآخر بالشائع، وهو بأحد اللحاظين غيره في اللحاظ الآخر، وهذا يكون في المفاهيم والوجودات الذهنية التي هي بالحمل الشائع غيرها بالحمل الأوَّلي، فمفهوم الحيوان بالحمل الأوَّلي حيوان؛ لأنَّه عنوانه وصورته، ولكنَّه بالحمل الشائع صورة في الذهن، وهذا يجعل التعامل معه بنحو الفناء بمعنى أنَّ الأحكام والمحمولات تحمل عليه بما هو بالحمل الأوَّلي لا بالحمل الشائع، فيقال: إنَّ هذا العنوان أو المفهوم لوحظ فانيا في معنونه ومصداقه، أي ليس الحكم عليه بما هو هو وبالحمل الشائع. <ref> بحوث في علم الأصول الهاشمي 6 : 160.</ref>
<br>'''الخامس:''' هناك أدلّة ذكرت للاستصحاب هى غير الروايات، مثل [[السيرة العقلائية]]، بل هي الأساس في [[أدلَّة الاستصحاب]] <ref> أنوار الأصول 3 : 320 ـ 321.</ref> وهناك روايات لم تتضمَّن مفردة النقض التي ابتنى عليها استدلال الشيخ الأنصاري، مثل: رواية إسحاق بن عمّار التي ورد فيها: «وإذا شككت فابنِ على اليقين»، وخبر محمد بن مسلم الذي تضمَّن: «مَن كان على يقين فشكّ، فليمضِ على يقينه، فإنَّ اليقين لايدفع بالشكّ».<ref> بحوث في علم الأصول الهاشمي 6 : 163 ـ 164.</ref>
==القول العاشر: التفصيل بين الشكّ في وجود الغاية وعدمه، أو في الرافع ورافعية الموجود==
حكى هذا القول المحقّق القمي<ref> القوانين المحكمة : 279.</ref> والشيخ الأنصاري<ref> فرائد الأصول 3 : 165 ـ 166، وانظر: ذخيرة المعاد: 115 ـ 116.</ref> عن المحقّق السبزواري، وبناءً على هذا القول مع اختصاص الاستصحاب بالشكّ في الرافع يخصَّص الشكّ بوجود الغاية. <ref> فرائد الأصول 3 : 50.</ref>
<br>المحقّق السبزواري يقسّم الشكّ إلى أربعة أقسام  هي:
<br>1 ـ الشكّ في وجود الرافع.
<br>2 ـ الشكّ في رافعية الشيء من جهة إجمال معنى ذلك الشيء.
<br>3 ـ الشكّ في كون الشيء مصداقا للرافع المبيَّن مفهوما.
<br>4 ـ الشكّ في كون الشيء رافعا مستقلاً.
<br>ثمَّ يعتبر جريان الاستصحاب خاصا بالقسم الأوَّل؛ باعتبار ما ورد في صحيحة زرارة: «ليس ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشكّ أبدا، ولكن تنقضه بيقين آخر»، وهو يدلُّ على استمرار أحكام اليقين ما لم يثبت الرافع.
<br>واليقين ينتقض بالشكّ في القسم الرابع، لكنَّه لاينتقض به في الأقسام الأخرى، بل ينتقض بيقين آخر؛ فإنَّ النقض عند الشكّ في وجود الرافع يعدُّ نقضا باليقين بوجود ما شكَّ في كونه رافعا، أو باليقين بوجود ما يشكّ في استمرار الحكم معه، لا بالشكّ، فإنَّ الشكّ في تلك الصور حاصل من قبل ولم يكن بسببه نقض، وإنَّما حصل النقض حين اليقين بوجود ما يشكّ في كونه رافعا للحكم بسببه؛ لأنَّ الشيء إنَّما يستند إلى العلة التامَّة أو الجزء الأخير منها، فلا يكون في تلك الصور نقض اليقين بالشكّ. <ref> ذخيرة المعاد : 115 ـ 116.</ref>
<br>ضعَّف الشيخ الأنصاري هذا الرأي وردَّه: بأنَّ النقض في الصور المذكورة من قبيل نقض اليقين بالشكّ لا باليقين، ولو سُلِّم كونه نقضا باليقين فليس يقينا مخالفا، مع أنَّ ذيل الصحيحة: «ولكن تنقضه بيقين آخر» حصر الناقض لليقين السابق في اليقين بخلافه، كما حرَّم هذا الذيل النقض بغيره، سواء أكان شكّا أو يقينا بوجود ما شكَّ في كونه رافعا. <ref> فرائد الأصول 3 : 166 ـ 168.</ref>


=المصادر=
=المصادر=
confirmed
١٬٦٣٠

تعديل