٢٬٧٩٦
تعديل
لا ملخص تعديل |
لا ملخص تعديل |
||
سطر ٢٣: | سطر ٢٣: | ||
ثانيها : تشريعاته التي تضمن قيم الإنسانية كلّها في محيط واحد ، لا تترع معه إلى عصبية دم ، أو اختلاف لون ، أو فرقة جنس . | ثانيها : تشريعاته التي تضمن قيم الإنسانية كلّها في محيط واحد ، لا تترع معه إلى عصبية دم ، أو اختلاف لون ، أو فرقة جنس . | ||
ثالثها : اتّساقه مع حقائق الكون وخصائص الوجود ، بحيث لا يتعارض مع ما يثبت من حقائق العلم، أو يختلف مع منطق الفكر . | ثالثها : اتّساقه مع حقائق الكون وخصائص الوجود ، بحيث لا يتعارض مع ما يثبت من حقائق العلم، أو يختلف مع منطق الفكر . | ||
وكذلك لا يكون الدين عالمياً إلاّ إذا صحب الإنسان في جميع أزمانه المتطوّرة وعصوره المتلاحقة ، أي : يكون خالداً ، لا يعتريه نسخ أو زوال ، ولا عقم ولا جمود ، موفياً بجميع مطالب الإنسان المتنوّعة المتجدّدة في كلّ الميادين التي يزاول فيها الإنسان بعقله الواسع نشاطه الكامل . ولا يوجد دين من الأديان السماوية فيه هذه المواصفات التي تجعله عالمياً إلاّ دين الإسلام( | وكذلك لا يكون الدين عالمياً إلاّ إذا صحب الإنسان في جميع أزمانه المتطوّرة وعصوره المتلاحقة ، أي : يكون خالداً ، لا يعتريه نسخ أو زوال ، ولا عقم ولا جمود ، موفياً بجميع مطالب الإنسان المتنوّعة المتجدّدة في كلّ الميادين التي يزاول فيها الإنسان بعقله الواسع نشاطه الكامل . ولا يوجد دين من الأديان السماوية فيه هذه المواصفات التي تجعله عالمياً إلاّ دين الإسلام(1) . | ||
(1)المعجم الوسيط فيما يخص الوحدة والتقريب ج1 ،ص350-353 . | |||
=صور تقرير العالمية= | =صور تقرير العالمية= | ||
سطر ٣٣: | سطر ٣٤: | ||
يقرّر القرآن الكريم عالمية الدعوة الإسلامية التي مفادها أنّ الإسلام عقيدة لا ينفرد بها شعب أو مجتمع بعينه ، ولا تختصّ ببلد أو بلاد معيّنة ، بل الإسلام دين ذو قوانين تسري على الأفراد على اختلافهم من العنصر والوطن واللسان ، ولا يفترض لنفوذه حاجزاً بين بني الإنسان ، ولا يعترف بأيّة فواصل وتحديدات جنسية أو إقليمية أو زمنية ، فهو عامّ في المكان والزمان . | يقرّر القرآن الكريم عالمية الدعوة الإسلامية التي مفادها أنّ الإسلام عقيدة لا ينفرد بها شعب أو مجتمع بعينه ، ولا تختصّ ببلد أو بلاد معيّنة ، بل الإسلام دين ذو قوانين تسري على الأفراد على اختلافهم من العنصر والوطن واللسان ، ولا يفترض لنفوذه حاجزاً بين بني الإنسان ، ولا يعترف بأيّة فواصل وتحديدات جنسية أو إقليمية أو زمنية ، فهو عامّ في المكان والزمان . | ||
فعالمية الدولة الإسلامية هي المظهر السياسي المعبّر عن ربوبية شاملة لكافّة أفراد الجنس البشري وناظرة للجميع بعين العدل ، وإغفال هذا المظهر يعني إغفال جانب من جوانب التوحيد ، ذلك أنّ التوحيد بما هو حقيقة مطلقة لا يمكننا أن نحبسه في نطاق محدود ، ولا بدّ وأن تأخذ هذه الحقيقة مداها في كلّ الآفاق المحيطة بها ، وتستوعب الساحة الإنسانية من أبعادها الزمانية والمكانية والموضوعية . . وامتدادها في أُفق الزمان إلى نهايته هو الذي يُعبّر عنه بخلود الرسالة الإسلامية ، وامتدادها في أُفق الحياة البشرية إلى نهايته هو الذي يعبّر عنه بشمول الرسالة الإسلامية لمختلف جوانب الحياة الإنسانية ، كما أنّ امتدادها في الأُفق الجغرافي للمجتمع البشري إلى نهايته هو الذي يعبّر عنه بعالمية الرسالة الإسلامية . فالعالمية هي التعبير الطبيعي عن ربوبية مطلقة رحيمة وعادلة تدير دفّة الساحة الإنسانية على أساس العدل والمساواة والحقّ . | فعالمية الدولة الإسلامية هي المظهر السياسي المعبّر عن ربوبية شاملة لكافّة أفراد الجنس البشري وناظرة للجميع بعين العدل ، وإغفال هذا المظهر يعني إغفال جانب من جوانب التوحيد ، ذلك أنّ التوحيد بما هو حقيقة مطلقة لا يمكننا أن نحبسه في نطاق محدود ، ولا بدّ وأن تأخذ هذه الحقيقة مداها في كلّ الآفاق المحيطة بها ، وتستوعب الساحة الإنسانية من أبعادها الزمانية والمكانية والموضوعية . . وامتدادها في أُفق الزمان إلى نهايته هو الذي يُعبّر عنه بخلود الرسالة الإسلامية ، وامتدادها في أُفق الحياة البشرية إلى نهايته هو الذي يعبّر عنه بشمول الرسالة الإسلامية لمختلف جوانب الحياة الإنسانية ، كما أنّ امتدادها في الأُفق الجغرافي للمجتمع البشري إلى نهايته هو الذي يعبّر عنه بعالمية الرسالة الإسلامية . فالعالمية هي التعبير الطبيعي عن ربوبية مطلقة رحيمة وعادلة تدير دفّة الساحة الإنسانية على أساس العدل والمساواة والحقّ . | ||
وقد جاء في تفسير القرطبي في قوله تعالى : ( لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً ) ( سورة الفرقان : 1 ) أنّ المراد بالعالمين هنا الإنس والجنّ ; لأنّ النبي (صلى الله عليه وآله) قد كان رسولاً إليهما ونذيراً لهما ، وأنّه خاتم الأنبياء ، ولم يكن غيره عامّ الرسالة ، إلاّ نوح فإنّه عمّ برسالته جميع الإنس بعد الطوفان ; لأنّه بدأ به الخلق( | وقد جاء في تفسير القرطبي في قوله تعالى : ( لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً ) ( سورة الفرقان : 1 ) أنّ المراد بالعالمين هنا الإنس والجنّ ; لأنّ النبي (صلى الله عليه وآله) قد كان رسولاً إليهما ونذيراً لهما ، وأنّه خاتم الأنبياء ، ولم يكن غيره عامّ الرسالة ، إلاّ نوح فإنّه عمّ برسالته جميع الإنس بعد الطوفان ; لأنّه بدأ به الخلق(2) . | ||
وقال الزجّاج : معنى العالمين كلّ ما خلق الله ، كما قال : ( وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْء ) ( سورة الأنعام : 164 ) ، وهو جمع عالم ، قال : ولا واحد لعالم من لفظه( | (2)مجمع البيان ج7 ،ص299 \الجامع لأحكام القران ج1 ،ص138 و ج13 ،ص2. | ||
وقال ابن عبّاس في قوله تعالى : ( اَلْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ ) ( سورة الفاتحة : 2 ) : ربّ الجنّ والإنس( | وقال الزجّاج : معنى العالمين كلّ ما خلق الله ، كما قال : ( وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْء ) ( سورة الأنعام : 164 ) ، وهو جمع عالم ، قال : ولا واحد لعالم من لفظه(3) . | ||
وقال قتادة : ربّ الخلق كلّهم( | (3)تهذيب اللغة ج2 ،ص252 \لسان العرب ج3 ،ص2745 . | ||
قال الأزهري : الدليل على صحّة قول ابن عبّاس قوله عزّ وجلّ : ( تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً ) ( سورة الفرقان : 1 )( | وقال ابن عبّاس في قوله تعالى : ( اَلْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ ) ( سورة الفاتحة : 2 ) : ربّ الجنّ والإنس(4) . | ||
(4)جامع البيان ج1 ،ص95 \كنز العمال ج2 ،ص299 . | |||
وقال قتادة : ربّ الخلق كلّهم(5) . | |||
(5)تهذيب اللغة ج2 ،ص252 . | |||
قال الأزهري : الدليل على صحّة قول ابن عبّاس قوله عزّ وجلّ : ( تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً ) ( سورة الفرقان : 1 )(6) . | |||
(6)تهذيب اللغة ج2 ،ص252 . | |||
الدعوة الإسلامية هي بهذا المعنى إنّما تعكس شريعة عالمية كاملة . ويدلّ على هذا أنّ النبي كان يرسل إلى قومه خاصّة ، كما حكت آيات القرآن في قوله : ( وَإِلَى عَاد أَخَاهُمْ هُوداً ) ( سورة الأعراف : 65 ) ،( وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً ) ( سورة الأعراف : 73 ) ، ( وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً ) ( سورة الأعراف : 85 ) ، أمّا رسول الإسلام فقد أرسل للناس كافّة وخاطبه القرآن بقوله : ( وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ )( سورة الأنبياء : 107 ) ، ( وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَافَّةً لِّلنَّاسِ ) ( سورة سبأ : 28 ) . | الدعوة الإسلامية هي بهذا المعنى إنّما تعكس شريعة عالمية كاملة . ويدلّ على هذا أنّ النبي كان يرسل إلى قومه خاصّة ، كما حكت آيات القرآن في قوله : ( وَإِلَى عَاد أَخَاهُمْ هُوداً ) ( سورة الأعراف : 65 ) ،( وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً ) ( سورة الأعراف : 73 ) ، ( وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً ) ( سورة الأعراف : 85 ) ، أمّا رسول الإسلام فقد أرسل للناس كافّة وخاطبه القرآن بقوله : ( وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ )( سورة الأنبياء : 107 ) ، ( وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَافَّةً لِّلنَّاسِ ) ( سورة سبأ : 28 ) . | ||
وقد تضافرت النصوص القرآنية الصريحة التي تؤكّد هذا المعنى ، فقال سبحانه : ( قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً ) ( سورة الأعراف : 158 ) ، وقال سبحانه : ( وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ) ( سورة آل عمران : 85 ) ، وقال تعالى عن القرآن الكريم الذي أوحاه إلى نبيّه (صلى الله عليه وآله) : ( إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ * وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِين ) ( سورة ص : 87 ـ 88 ) ، وقال عزّ من قائل : ( وَأُوحِيَ إِلَيَّ هذَا الْقُرْآنُ لاُِنذِرَكُم بِهِ وَمَن بَلَغَ ) (سورة الأنعام : 19 ) ، أي : كلّ من يصل إليه بلاغ القرآن ، وكلّ من سمعه في جميع أقطار الأرض ، في أيّ زمن من الأزمان وصل إليه هذا البلاغ ، وقال تعالى : ( هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ) ( سورة التوبة : 33)، وقال تعالى : ( وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ )( سورة الأنبياء : 107 ) . | وقد تضافرت النصوص القرآنية الصريحة التي تؤكّد هذا المعنى ، فقال سبحانه : ( قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً ) ( سورة الأعراف : 158 ) ، وقال سبحانه : ( وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ ) ( سورة آل عمران : 85 ) ، وقال تعالى عن القرآن الكريم الذي أوحاه إلى نبيّه (صلى الله عليه وآله) : ( إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ * وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِين ) ( سورة ص : 87 ـ 88 ) ، وقال عزّ من قائل : ( وَأُوحِيَ إِلَيَّ هذَا الْقُرْآنُ لاُِنذِرَكُم بِهِ وَمَن بَلَغَ ) (سورة الأنعام : 19 ) ، أي : كلّ من يصل إليه بلاغ القرآن ، وكلّ من سمعه في جميع أقطار الأرض ، في أيّ زمن من الأزمان وصل إليه هذا البلاغ ، وقال تعالى : ( هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ ) ( سورة التوبة : 33)، وقال تعالى : ( وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ )( سورة الأنبياء : 107 ) . | ||
أمّا الوجه الثاني لعالمية الدعوة الإسلامية فيتبيّن من دعوة غير العرب ، فقد جاء في القرآن الكريم دعوة أهل الكتاب من اليهود والنصارى والمشركين إلى الإسلام الذي جاء به محمّد (صلى الله عليه وآله) سواء كانوا من العرب أم من غير العرب ، وبيّن لهم بأنّ الإسلام هو الدين الحقّ الذي لا يقبل الله سواه ، بل تجاوزت رسالة نبيّنا محمّد (صلى الله عليه وآله) اليهود والنصارى والبشرية بأكملها ، فلم تقتصر على عالم الإنس فقط ، بل تعدّت ذلك إلى عالم الجنّ أيضاً ، قال تعالى : ( قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآناً عَجباً * يَهْدِي إِلَى الرشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَن نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَداً ) ( سورة الجنّ : 1 ـ 2 ) . | أمّا الوجه الثاني لعالمية الدعوة الإسلامية فيتبيّن من دعوة غير العرب ، فقد جاء في القرآن الكريم دعوة أهل الكتاب من اليهود والنصارى والمشركين إلى الإسلام الذي جاء به محمّد (صلى الله عليه وآله) سواء كانوا من العرب أم من غير العرب ، وبيّن لهم بأنّ الإسلام هو الدين الحقّ الذي لا يقبل الله سواه ، بل تجاوزت رسالة نبيّنا محمّد (صلى الله عليه وآله) اليهود والنصارى والبشرية بأكملها ، فلم تقتصر على عالم الإنس فقط ، بل تعدّت ذلك إلى عالم الجنّ أيضاً ، قال تعالى : ( قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآناً عَجباً * يَهْدِي إِلَى الرشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَن نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَداً ) ( سورة الجنّ : 1 ـ 2 ) . | ||
ويتمثّل الوجه الثالث لعالمية الدعوة الإسلامية في خطابات القرآن ونداءاته العامّة ، فالقرآن الكريم كثيراً ما يوجّه خطاباته إلى الناس غير مقيّدة بشيء ، وهذا دليل واضح على أنّ خطاباته وتوجيهاته تعمّ الناس كافّة ، والقرآن هو وحي الله لرسوله محمّد (صلى الله عليه وآله) وفيه أحكام الإسلام ، وهذا دليل على أنّ الإسلام لجميع البشرية بل للإنس والجنّ . وأمثله لذلك قوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلاَلاً طَيِّباً وَلاَ تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ ) ( سورة البقرة : 168 ) ، وقوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ) ( سورة البقرة : 21 ) ، وغيرها من الآيات كثير ، فهو سبحانه يخاطب الناس جميعاً بقوله : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ ) | ويتمثّل الوجه الثالث لعالمية الدعوة الإسلامية في خطابات القرآن ونداءاته العامّة ، فالقرآن الكريم كثيراً ما يوجّه خطاباته إلى الناس غير مقيّدة بشيء ، وهذا دليل واضح على أنّ خطاباته وتوجيهاته تعمّ الناس كافّة ، والقرآن هو وحي الله لرسوله محمّد (صلى الله عليه وآله) وفيه أحكام الإسلام ، وهذا دليل على أنّ الإسلام لجميع البشرية بل للإنس والجنّ . وأمثله لذلك قوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلاَلاً طَيِّباً وَلاَ تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ ) ( سورة البقرة : 168 ) ، وقوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ) ( سورة البقرة : 21 ) ، وغيرها من الآيات كثير ، فهو سبحانه يخاطب الناس جميعاً بقوله : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ ) ،ولم يقل : يا أيّها العرب . | ||
والوجه الرابع القوانين والتشريعات القرآنية عالمية في طبيعتها ; لأنّها من محتويات الإسلام ، والإسلام رسالة عالمية يعتمد في جميع أحكامه وتشريعاته ، وما يخصّ الإنسان في معاشه ومعاده على طبيعة الإنسان التي يتساوى فيها جميع البشر ، ولا يجد الباحث مهما أُوتي من مقدرة علمية كبيرة فيما جاء به نبي الإسلام (صلى الله عليه وآله) أيّ طابع إقليمي أو صبغة طائفية ، وتلك آية واضحة على أنّ دعوته دعوة عالمية لا تتحيّز إلى فئة معيّنة ، ولا تنجرف إلى طائفة خاصّة ، فالعبادات والمعاملات والأخلاق . . الخ كلّها ليس فيها صبغة الطائفية والإقليمية ، بل تكتسي بالصبغة العالمية ; لأنّها تناسب الإنسان وطبيعته ، فهي الصالحة له دون سواها . وكذلك النظام الاجتماعي والسياسي والاقتصادي والقضائي . . الخ ، لا تجد في ثنايا أيّ واحد منها أيّ تفكير طائفي أو نزعة إقليمية . | والوجه الرابع القوانين والتشريعات القرآنية عالمية في طبيعتها ; لأنّها من محتويات الإسلام ، والإسلام رسالة عالمية يعتمد في جميع أحكامه وتشريعاته ، وما يخصّ الإنسان في معاشه ومعاده على طبيعة الإنسان التي يتساوى فيها جميع البشر ، ولا يجد الباحث مهما أُوتي من مقدرة علمية كبيرة فيما جاء به نبي الإسلام (صلى الله عليه وآله) أيّ طابع إقليمي أو صبغة طائفية ، وتلك آية واضحة على أنّ دعوته دعوة عالمية لا تتحيّز إلى فئة معيّنة ، ولا تنجرف إلى طائفة خاصّة ، فالعبادات والمعاملات والأخلاق . . الخ كلّها ليس فيها صبغة الطائفية والإقليمية ، بل تكتسي بالصبغة العالمية ; لأنّها تناسب الإنسان وطبيعته ، فهي الصالحة له دون سواها . وكذلك النظام الاجتماعي والسياسي والاقتصادي والقضائي . . الخ ، لا تجد في ثنايا أيّ واحد منها أيّ تفكير طائفي أو نزعة إقليمية . | ||
والوجه الخامس الإسلام ينبذ أيّ مقوّمات للتفرقة بين الناس ; ذلك أنّ أقوى دليل على أنّ الإسلام رسالة عالمية مكافحته للنزاعات الإقليمية والطائفية ، فالإسلام لا يفرّق بين أبيض وأسود ولا بين جنس وآخر ، بل ينبذ العنصرية والطائفية ، ويرفض جعلها مقياساً للتفاضل في ميزان الإسلام ، والمقياس الوحيد للتفاضل في الإسلام هو التقوى ، فالإسلام هو أوّل مَن حارب العصبية ودعا إلى الأُخوّة تحت لواء التوحيد الخاصّ ومقتضاه الإسلام . | والوجه الخامس الإسلام ينبذ أيّ مقوّمات للتفرقة بين الناس ; ذلك أنّ أقوى دليل على أنّ الإسلام رسالة عالمية مكافحته للنزاعات الإقليمية والطائفية ، فالإسلام لا يفرّق بين أبيض وأسود ولا بين جنس وآخر ، بل ينبذ العنصرية والطائفية ، ويرفض جعلها مقياساً للتفاضل في ميزان الإسلام ، والمقياس الوحيد للتفاضل في الإسلام هو التقوى ، فالإسلام هو أوّل مَن حارب العصبية ودعا إلى الأُخوّة تحت لواء التوحيد الخاصّ ومقتضاه الإسلام . | ||
سطر ٤٧: | سطر ٥٣: | ||
=أدلّة عالمية الإسلام من السنّة النبوية= | =أدلّة عالمية الإسلام من السنّة النبوية= | ||
أمّا أدلّة عالمية الإسلام من السنّة النبوية المطهّرة فقد أمر الله سبحانه وتعالى نبيّه الكريم أوّل ما بعثه أن يصدع بالحقّ بين عشيرته أوّلاً ، ثمّ تتّسع دائرة التبليغ والإنذار إلى أن تصل إلى أسماع كلّ مَن يستطيع أن يسمعه رسول الله(صلى الله عليه وآله) ، سواء مباشرة أو أن يرسل من ينوب عنه في تبليغ ما جاء به (صلى الله عليه وآله) من ربّه سبحانه تعالى ، فقد أخبر النبي (صلى الله عليه وآله) قومه قائلاً : « والله الذي لا إله إلاّ هو ، إنّي رسول الله إليكم خاصّة وإلى الناس عامّة»() | أمّا أدلّة عالمية الإسلام من السنّة النبوية المطهّرة فقد أمر الله سبحانه وتعالى نبيّه الكريم أوّل ما بعثه أن يصدع بالحقّ بين عشيرته أوّلاً ، ثمّ تتّسع دائرة التبليغ والإنذار إلى أن تصل إلى أسماع كلّ مَن يستطيع أن يسمعه رسول الله(صلى الله عليه وآله) ، سواء مباشرة أو أن يرسل من ينوب عنه في تبليغ ما جاء به (صلى الله عليه وآله) من ربّه سبحانه تعالى ، فقد أخبر النبي (صلى الله عليه وآله) قومه قائلاً : « والله الذي لا إله إلاّ هو ، إنّي رسول الله إليكم خاصّة وإلى الناس عامّة»(7) . | ||
(7)كنز العمال ج13 ،ص175 . | |||
ولتحقيق ما كلّف به من تبليغ رسالته إلى جميع الناس أرسل السفراء إلى جميع الأقطار ، فبعث سفراءه وفي أيدي كلّ واحد منهم كتاب خاصّ إلى قيصر الروم وكسرى فارس وعظيم القبط وملك الحبشة وغيرهم ، وما كتاباته (صلى الله عليه وآله) هذه إلى ملوك العالم في عهده إلاّ دليلاً قاطعاً على عالمية رسالته ، وقد روى جابر (رضي الله عنه) ، عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنّه قال : « أُعطيت خمساً لم يعطهنّ أحد من الأنبياء قبلي : كان كلّ نبي يبعث إلى قومه خاصّة ، وبعثت إلى كلّ أبيض وأسود . . . » الحديث(8) . | |||
(8)سنن الدارمي ج2 ،224\أمالي الطوسي ص484 . | |||
وعالمية الإسلام تكسب التوجّهات الإسلامية بُعدها العالمي ، وفي سياق هذه العالمية أمر الإسلام بالتعايش والتعارف : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِن ذَكَر وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ) ( سورة الحجرات : 13 ) ، وأمر بالعدل : ( وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْم عَلَى أَ لاَّ تَعْدِلُوا إِعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى ) ( سورة المائدة : 8 ) . | وعالمية الإسلام تكسب التوجّهات الإسلامية بُعدها العالمي ، وفي سياق هذه العالمية أمر الإسلام بالتعايش والتعارف : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِن ذَكَر وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ) ( سورة الحجرات : 13 ) ، وأمر بالعدل : ( وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْم عَلَى أَ لاَّ تَعْدِلُوا إِعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى ) ( سورة المائدة : 8 ) . | ||
وبعد فإنّ عالمية الإسلام تفرض على أُمّته ـ وذلك كي تحقّق القيام بفريضة الدعوة إليه ـ تحقيق مستويات ثلاثة في الدعوة إلى هذا الدين : تبليغ الدعوة الإسلامية إلى الآخرين ، وإقامة الحجّة بصدق الإسلام على هؤلاء الآخرين ، وإزالة الشبهة عن الإسلام لدى هؤلاء الآخرين . | وبعد فإنّ عالمية الإسلام تفرض على أُمّته ـ وذلك كي تحقّق القيام بفريضة الدعوة إليه ـ تحقيق مستويات ثلاثة في الدعوة إلى هذا الدين : تبليغ الدعوة الإسلامية إلى الآخرين ، وإقامة الحجّة بصدق الإسلام على هؤلاء الآخرين ، وإزالة الشبهة عن الإسلام لدى هؤلاء الآخرين . | ||
سطر ٥٣: | سطر ٦٢: | ||
يعزو المؤرّخ توماس آرنولد في كتابه الشهير « الدعوة إلى الإسلام » انتشار الإسلام إلى دور المسلمين أنفسهم في الدعوة إلى دينهم ، فيقول : « إنّ انتشار هذا الدين ] الإسلام [بقوّة في بقعة من العالم يعود إلى أسباب متنوّعة : اجتماعية وسياسية ودينية ، ولكن من بينها وأهمّ العوامل القوية في صناعة هذه النتيجة المذهلة يعود للجهود المتواصلة للدعوة الإسلامية » . | يعزو المؤرّخ توماس آرنولد في كتابه الشهير « الدعوة إلى الإسلام » انتشار الإسلام إلى دور المسلمين أنفسهم في الدعوة إلى دينهم ، فيقول : « إنّ انتشار هذا الدين ] الإسلام [بقوّة في بقعة من العالم يعود إلى أسباب متنوّعة : اجتماعية وسياسية ودينية ، ولكن من بينها وأهمّ العوامل القوية في صناعة هذه النتيجة المذهلة يعود للجهود المتواصلة للدعوة الإسلامية » . | ||
وعلى العكس من الفكرة السائدة بأنّ الإسلام انتشر بالسيف نجد أُوربّا اليوم وهي تشهد نموّاً سلمياً في ظاهرة اعتناق الإسلام . إنّ نداء الإسلام إلى النخب الغربية من أجل التفكير بتعاليمه وعقائده لا تقتصر على بلد واحد ، فهناك العديد من المثقّفين الغربيّين الذين آمنوا بالإسلام وصاروا شخصيات إسلامية شهيرة ، ليس في الغرب فحسب ، بل في جميع أرجاء العالم . | وعلى العكس من الفكرة السائدة بأنّ الإسلام انتشر بالسيف نجد أُوربّا اليوم وهي تشهد نموّاً سلمياً في ظاهرة اعتناق الإسلام . إنّ نداء الإسلام إلى النخب الغربية من أجل التفكير بتعاليمه وعقائده لا تقتصر على بلد واحد ، فهناك العديد من المثقّفين الغربيّين الذين آمنوا بالإسلام وصاروا شخصيات إسلامية شهيرة ، ليس في الغرب فحسب ، بل في جميع أرجاء العالم . | ||
ينشط المفكّرون المسلمون الغربيّون في حقل الدعوة إلى الإسلام في أُوربّا ، ويوظّفون طاقاتهم وخبراتهم ودراساتهم من أجل نشر الإسلام بين الأُوربيّين ، وهم يبذلون جهوداً في خدمة هذا الهدف المقدّس من خلال تقديم الإسلام بشكل يكون فيه أكثر تكيّفاً مع البيئة الأُوربيّة ، فهم يأخذون بنظر الاعتبار طبيعة المخاطبين وخلفياتهم الثقافية الغربية والجوانب الاجتماعية والسياسية التي تساهم في تشكيل نمط تفكيرهم وردود أفعالهم ، فهم ـ أي : المعتنقون ـ يستخدمون مختلف الوسائل والطرق التقنية للوصول إلى هدفهم( | ينشط المفكّرون المسلمون الغربيّون في حقل الدعوة إلى الإسلام في أُوربّا ، ويوظّفون طاقاتهم وخبراتهم ودراساتهم من أجل نشر الإسلام بين الأُوربيّين ، وهم يبذلون جهوداً في خدمة هذا الهدف المقدّس من خلال تقديم الإسلام بشكل يكون فيه أكثر تكيّفاً مع البيئة الأُوربيّة ، فهم يأخذون بنظر الاعتبار طبيعة المخاطبين وخلفياتهم الثقافية الغربية والجوانب الاجتماعية والسياسية التي تساهم في تشكيل نمط تفكيرهم وردود أفعالهم ، فهم ـ أي : المعتنقون ـ يستخدمون مختلف الوسائل والطرق التقنية للوصول إلى هدفهم(9) . | ||
(9)موسوعة الحضارة الإسلامية ص484-487 \ثقافة المسلم ،ص326-343 . | |||
=معوّقات الخطاب الدعوي= | =معوّقات الخطاب الدعوي= |
تعديل