التشريع: وهو وضع القوانين والأحكام التي تسير عليها الأفراد والجماعات؛ أو هو مجموعة من القوانين والقواعد العامّة يضعها المشرّع لتنظيم الروابط بين الناس. فالتشريع: مأخوذ من الشريعة، ويراد به سنّ الشرائع والأحكام. واللّه‏ سبحانه وتعالى هو واضع الشرائع للبشر وسانّ القوانين والأحكام لهم، وما سنّه اللّه‏ وبيّنه في القرآن الكريم وما بلّغه النبي(ص) في السنّة الشريفة من أحكام بوحي من اللّه‏ تعالى هو الشرع الإسلامي و الشريعة الإسلامية، سواء في ذلك العقائد والأخلاق أو ما يتعلّق بأفعال المكلّفين من عبادات ومعاملات بمعناها الواسع.

تعريف التشريع لغةً

التشريع: مأخوذ من شَرَعَ، وهو يأتي بمعنى السَنْ، ويقال: شَرَعَ الدين يَشْرعه شَرْعا، أي سنّه. وقد يأتي بمعنى الإبانة والإظهار، فيقال: شرع فلان، إذا أظهر الحقّ وقمع الباطل[١]. والشريعة والشرعة ما سنّ اللّه‏ تعالى من الدين وأمر به كالصلاة والصوم والحجّ والزكاة وسائر أعمال البر[٢].

تعريف التشريع اصطلاحاً

يمكن أن يذكر للتشريع معنيان:
الأوّل: وهو إسناد ما ليس من الشارع إلى الشارع[٣]. وهو بهذا المعنى في قبال البدعة. والبحث في ذلك موكول إلى محلّه في مدخل بدعة.
الثاني: وهو وضع القوانين وبيان النظم وإظهار الأحكام التي تسير عليها الأفراد والجماعات[٤].
أو هو مجموعة من القوانين والقواعد العامّة يضعها المشرّع لتنظيم الروابط بين الناس[٥]. فالتشريع: مأخوذ من الشريعة، ويراد به سنّ الشرائع والأحكام، كما أنّ شَرْع معناه: إنشاء الشريعة وسنّ قوانينها[٦]، ومنه قوله تعالى: «شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلاَتَتَفَرَّقُوا»[٧]، وقوله تعالى: «أَمْ لَهُمْ شُرَكَاء شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ»[٨].
والشريعة جملة من الأحكام المشروعة فإن كان مصدرها الوحي سمّيت شريعة سماوية، وإن كان مصدرها البشر سمّيت وضعية[٩].
ويرتكز موضع بحثنا على المعنى الثاني من معاني التشريع، وهذا المعنى هو ما تناولته الروايات والأبحاث الحديثة التي تطرّقت إلى تاريخ التشريع الإسلامي، فأصبحت مفردة «تشريع» تختزل في داخلها مجموعة من العمليات التي تفيد استنباط وتنقيح أحكام الشريعة الإسلامية، سواء كانت منصوصة أو مسكوت عنها.
لكن مصطلح التشريع في اللغة العصرية أخذ أبعادا اُخرى بحيث أصبح له معنى شامل لما يصطلح عليه أصوليا استنباط واجتهاد، بل حتّى يعمّ ما سنّه أعضاء المجالس الوطنية.
وقد استخدمنا هنا التشريع لما يشمل تبليغ الدين واستنباط الأحكام من مصادرها.

حكم التشريع

التشريع وسنّ القوانين للبشر هو شأن إلهي، فعله اللّه‏ تعالى بواسطة رسله وأنبيائه بواسطة الوحي إليهم وتبليغهم، وقد حثّ اللّه‏ تعالى على اتّباع شرائعه، فقال: «ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلاَتَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لاَيَعْلَمُونَ»[١٠]. فقد حثّ اللّه‏ تعالى نبيه(ص) على اتّباع الشريعة الأصلية التي أنزلها اللّه‏ عليه، وهي الشريعة الإسلامية؛ لأنّها وحي إلهي، وكلّ ما لم يستند إلى ذلك الوحي ولم ينته إليه فهو من أهواء الجاهلين لايمت إلى الحقيقة بصلة[١١].
واللّه‏ سبحانه وتعالى هو واضع الشرائع للبشر وسان القوانين والأحكام لهم فـ «المشرّع والشارع في الإسلام هو اللّه‏ سبحانه فهو وحده الذي بيده الوضع وبيده الرفع... وما سنّه اللّه‏ وبيّنه في [[القرآن الكريم]] وما بلّغه النبي(ص) في السنّة الشريفة من أحكام بوحي من اللّه‏ تعالى هو الشرع الإسلامي و الشريعة الإسلامية، سواء في ذلك العقائد والأخلاق أو ما يتعلّق بأفعال المكلّفين من عبادات ومعاملات بمعناها الواسع»[١٢].
و«التشريع أمر ضروري لا بدّ منه لحفظ كيان الجماعة وحماية الأفراد باستقرار الأمن وتحقيق العدالة والمساواة بينهم؛ فإنّ النفوس قد جبلت على الإثرة وحبّ الذات... ، فلو ترك الناس وشأنهم يستبد كلّ برأيه ويسير وراء ميوله وشهواته ولم يوضع لهم شرع يميّز الخبيث من الطيب، وينظم العلاقة فيما بينهم ويوجههم إلى ناحية الخير لصالح المجموع لتعارضت ميولهم ورغباتهم»[١٣]. فلا بدّ من وجود تشريع ينظم العلاقات العامة بين الأفراد والجماعات ويضع الموازين لهم من أجل تنظيم سبل العيش المشترك، فأرسل اللّه‏ تعالى أنبياءه ورسله لبني البشر ليبين لهم الشرائع والنظم الإلهية.
و الفقهاء بدورهم أداموا هذه العملية في ظلّ ما ورد عن الشارع من نصوص شرعية ومصادر رئيسة للتشريع الإسلامي، وذلك إمّا عن طريق تنقيح ما ورد في نصوص الشارع من كتاب أو سنّة أو عن طريق علاج ما لم ينصّ عليه من المسائل والفروع، أو تلك المسائل التي استجد أمرها ولم يكن لها ذكر في نصوص الشارع.

تاريخ التشريع الاسلامي

مرّ التشريع الإسلامي عند المسلمين بمراحل عدّة أثرت فيه وفي مصادره الأساسية، وأنّ لكلّ فريق مراحله الخاصّة به، فالتشريع عند الشيعة الإمامية تختلف مراحله عن التشريع عند أهل السنّة؛ وذلك لأنّ لكلّ فريق منهجا خاصّا في اُسلوب وطرق التشريع ممّا جعله يختلف في مراحله، فالبحث هنا يقع في مقامين:

المقام الأوّل: تاريخ التشريع عند الشيعة الإمامية

التشريع عند الشيعة الإمامية مرّ بمراحل عدّة:

المرحلة الاُولى: التشريع في عهد النبي(ص)

كان التشريع في عهده(ص) يعتمد على دعامتين أساسيتين هما: الكتاب والسنّة، وكلّ منهما يؤدّي دورا لايمكن الاستغناء به عن الآخر في عملية التشريع.
وتمتد هذه المرحلة من بعثته(ص) حين نزول أوّل آي القرآن الكريم بمكّة المكرمة حتّى وفاته(ص) في المدينة المنورة، أي أنّ هذه المرحلة استغرقت مدّة ثلاث وعشرين سنة. ولم يرحل من هذه الدنيا إلاّ بعد أن قام بدور وضع الأساس للتشريع الإسلامي، وذلك:
1 ـ بتبليغه القرآن للناس تبليغا كاملاً.
2 ـ تبليغه السنّة[١٤]. وقد قام أهل البيت عليهم‏السلام في عهده(ص) بتدوين الحديث، فذكر السيوطي إنّ أهل البيت عليهم‏السلام وجابر وابن عبّاس من جملة الذين دوّنوا الحديث في حياته(ص)[١٥].
قال السيّد حسن الصدر: «إنّ الشيعة أوّل من تقدّم في جمع الآثار والأخبار في عصر خلفاء النبي المختار عليه وعليهم الصلاة والسلام اقتدوا بإمامهم أمير المؤمنين عليه‏السلام، فإنّه عليه‏السلام صنّف فيه على عهد رسول اللّه‏(ص)...»[١٦].
وقال السيّد شرف الدين: «رجال الشيعة أقدم من غيرهم في جمع الحديث وتدوين العلوم؛ ضرورة أنّه لم يتصدّ لذلك في العصر الأوّل أحد غير علي وأولي العلم من خاصّته»[١٧].

المرحلة الثانية: التشريع في عهد الإمام علي عليه‏السلام11 ـ 40هـ

يرى الشيعة أنّ الإمام علي عليه‏السلام وأهل البيت عموما امتداد للرسول من الناحية التشريعية والتبليغية، ولأجل ذلك تعدّ المرحلة ما بعد الرسول حتّى عصر غيبة الإمام الثاني عشر تحمل ذات الطابع الذي كانت تحمله مرحلة حياة الرسول.
وبعد وفاته(ص) غدا الإمام علي عليه‏السلام المرجع العام للمسلمين يرجعون إليه في شؤونهم كافّة، فيما يتعلّق بدينهم ودنياهم.
وتميزت هذه المرحلة بعدّة خصائص:
الاُولى: قيامه عليه‏السلام بجمع القرآن وترتيبه على حسب النزول مع إضافة بعض التعليقات والشروح إليه «فجمعه مرتّبا على حسب نزوله، وأشار إلى عامه وخاصّه ومطلقه ومقيده ومحكمه ومتشابهه وناسخه ومنسوخه وعزائمه ورخصه وسننه وآدابه، ونبّه على أساس النزول في آياته البينات وأوضح ما عساه يشكل من بعض الجهات»[١٨].
الثانية: ألّف بعد ذلك كتابا في الديّات أسماه «الصحيفة»، روى عنها كلّ من البخاري ومسلم في صحيحهما، وكذلك أحمد في مسنده[١٩].
الثالثة: تأليفه عليه‏السلام لفاطمة عليهاالسلام كتابا يُعرف بـ «مصحف فاطمة» وقد تضمّن أمثالاً وحكما وأخبارا وقضايا اُخرى[٢٠].
الرابعة: ألّف جماعة كثيرون كتبا فيما يروونه عن علي عليه‏السلامفـ «اقتدى بأمير المؤمنين عليه‏السلام ثلة من شيعته فألّفوا على عهده، منهم: سلمان الفارسي وأبو ذرّ الغفاري فيما ذكره ابن شهر آشوب، حيث قال: «أوّل من صنّف في الإسلام علي بن أبي طالب، ثُمّ سلمان الفارسي، ثُمّ أبو ذرّ الغفاري. ومنهم: أبو رافع مولى رسول اللّه‏(ص) وصاحب بيت مال أمير المؤمنين... له كتاب في السنن والأحكام والقضايا جمعه من حديث علي خاصّة... ومنهم: علي بن أبي رافع... له كتاب في فنون الفقه على مذهب أهل البيت عليهم‏السلام وكانوا يعظمون هذا الكتاب ويرجعون شيعتهم إليه، قال موسى بن عبد اللّه‏ بن الحسن: سأل أبي رجل عن التشهد فقال: هات كتاب ابن أبي رافع فأخرجه وأملاه علينا،... ومنهم: ربيعة بن سميع له كتاب في زكاة النعم من حديث علي عليه‏السلام عن رسول اللّه‏، ومنهم: عبداللّه‏ بن الحر الفارسي له المعة في الحديث جمعها عن علي عليه‏السلام عن رسول اللّه‏(ص)، ومنهم: الأصبغ بن نباتة... روى عنه عهده إلى الأشتر»[٢١].

المرحلة الثالثة: التشريع في عهد الحسنين وزين العابدين عليهم‏السلام 40 ـ 95هـ

اتّسمت هذه المرحلة بظهور تشنّجات سياسية بدخول الأمويين على الخطّ واستيلائهم على هرم السلطة فـ «عاصر الأئمة الثلاثة في هذا العهد عنف الحكم الأموي، حيث التضييق على أهل البيت عليهم‏السلام والضغط على شيعتهم بالقتل والسجن والتعذيب بغية القضاء على مدرسة أهل البيت لتبنيها منهج النصّ ورفضها رفضا صريحا وحازما منهج الرأي[٢٢].
فلم يتسنّ للأئمة الثلاثة الفرصة والدور المناسب للقيام بعمل بيان الأحكام للناس، ولذلك نرى في المدوّنات الحديثية لدى الشيعة الإمامية قلّة الأحاديث التي تنقل عنهم، قياسا إلى غيرهم من الأئمة كالباقر والصادق عليهماالسلام.
ومن مميزات هذه المرحلة وجود الصحيفة التي تنسب الى الإمام زين العابدين عليه‏السلام، وهي كانت من إملائه كتبها ابنه الباقر عليه‏السلام، ويقال: كتبها ابنه زيد الشهيد أيضا[٢٣].

المرحلة الرابعة: التشريع في عهد الباقر والصادق عليهماالسلام 95 ـ 148هـ

وهذه المرحلة هي أبرز مراحل التشريع عند الشيعة الإمامية وتعتبر العصر الذهبي الذي مرّ به تاريخ التشريع عندهم. وهذه المرحلة امتازت بخصائص كبرى، وهي:
أوّلاً: قيام كلّ من الإمام الباقر والإمام الصادق عليهماالسلامبتأسيس جامعة دينية يدرس فيها العلوم والفنون كافّة، وقد كانت هذه الجامعة بمثابة فجر جديد في تاريخ الإسلام .
ثانيا: استقطبت هذه الجامعة الدينية الآلاف من الطلاب وقد «بلغوا أكثر من أربعة آلاف طالب رووا عنهما الحديث والفقه وغيرهما من العلوم في الأصول والفلسفة والتفسير واللغة والطبيعيات وغير ذلك، وتركوا في كلّ فنّ من هذه الفنون عشرات الأحاديث والمؤلّفات»[٢٤].
يقول المحقّق الحلّي: «روى عن الصادق ما يقارب أربعة آلاف رجل وبرز بتعليمه من الفقهاء الأفاضل جم غفير كزرارة بن أعين وأخويه بكير وحمران، وجميل بن درّاج، ومحمّد بن مسلم، ويزيد بن معاوية، والهشامين وهما: (هشام بن الحكم، وهشام بن سالم)، وأبي بصير، وعبيداللّه‏، ومحمّد وعمران الحلبيين، وعبد اللّه‏ بن سنان، وأبي الصباح الكناني، وغيرهم من أعيان الفضلاء»[٢٥]. ولم يقتصر روّاد هذا المجلس على شيعته ومريديه، بل تلمذ على يديه علماء بارزون من أئمة المذاهب الاُخرى كسفيان الثوري، وعمرو بن عبيد، وأبي حنيفة، ومحمّد بن عبدالرحمن بن أبي ليلى، ومالك بن أنس[٢٦].
وأهمّ مؤلّفات هذا العهد هو الأصول الأربعمئة حتّى ألّفها كلّ من تلاميذ الباقر والصادق عليهماالسلام، وبعض منها في عهد الكاظم والرضا عليهماالسلام وهذه الأصول الأربعمئة، أربعمئة مصنّف تعود إلى أربعمئة مصنّف معروفين بالاسم في كتب الرجال والتراجم.
وهذه الأصول الأربعمئة وغيرها، هي المصدر الأساس للفقه الجعفري، ومنها تؤخذ الأحكام والعقائد والأخلاق.
يقول هاشم معروف الحسني: «وبعد التتبع في كتب المتقدّمين والمتأخّرين من الشيعة نراهم متفقين على الأصول المذكورة، ولم يعرف واحد منهم التردد والتشكيك بها، وأنّ الحر العاملي قد أحصى مؤلّفات أصحاب الأئمة فبلغت ستّة آلاف وستمئة كتاب، وذلك كلّ ما ألّفه أصحاب الأئمة من عهد الإمام علي عليه‏السلام إلى زمن الإمام أبي محمّد الحسن العسكري عليه‏السلام أمّا الأصول الاربعمئة فهي ما روته الرواة من أحاديث الإمامين الباقر والصادق، وأصبحت بعد ذلك مصدرا لأحاديث أهل البيت عليهم‏السلام في الفقه وغيره من أصول الإسلام، وإذا لاحظنا كتب الرجال ودراية الحديث يحصل لنا القطع بصحّة هذا الإحصاء الذي ادّعاه الحر العاملي وفي كتب الفهارس لأسماء المؤلّفين كفهرست الطوسي والنجاشي وغيرهما ممّا يؤكّد ذلك أيضا»[٢٧].
إلاّ أنّ هذه الأصول لم تبق على حالها، بل قام ثلة من المحدثين‏الأوائل في أوائل القرن الرابع إلى أخذ هذه الأصول وتبويبها بحسب الأبواب الفقهية، مع ذكر الإسناد إليها في المشيخة، وقد «بقي الكليني ت329ه أكثر من عشرين عاما يتجوّل الأقطار يجمع الحديث ويبحث عن مؤلّفات الشيعة»[٢٨]. فألّف كتاب الكافي في الأصول والفروع، وهو يحتوي على «ستّة عشر ألف ومئة وتسعة وتسعون حديثا، وهي أكثر ممّا اشتملت عليه الصحاح الستّة بأجمعها»[٢٩].
ومثله فعل الصدوق (ت381ه ) في (كتاب من لايحضره الفقيه)، والطوسي (ت460ه ) في كتابيه (تهذيب الأحكام) و(الاستبصار فيما اختلف من الأخبار). وهذه تُعرف بالكتب الأربعة، وهي من أهمّ مصادر الحديث عند الشيعة الإمامية[٣٠].
ولم يتوقّف دور الإمامين في رواية الحديث، بل تعدّى إلى تدريب تلامذتهم على استنباط الأحكام الشرعية التي لا نصَّ فيها في الظروف التي لايمكن الوصول فيها إلى الإمام عليه‏السلامواعطائهم الضوابط العامّة والقواعد الكلّية التي من خلالها يمكن معرفة أحكام جزئياتها. فقد وردت عنهم جملة من الروايات تتضمّن ذلك مثل قوله عليه‏السلام: «لاتعاد الصلاة إلاّ من خمسة»، وقوله عليه‏السلام: «ولاتنقض اليقين أبدا بالشكّ»، وقوله عليه‏السلام: «وكلّ شيء شكّ فيه وجاوزه ودخل في غيره فليمض عليه» الذي يشير إلى قاعدة الفراغ والتجاوز، وقوله عليه‏السلام: «إذا كثر عليك السهو فامض في صلاتك» الذي يشير إلى قاعدة لا شكّ لكثير الشكّ. وغير ذلك من الروايات الكثيرة الواردة عنهم، والتي تحتوي على قواعد عامّة للاستنباط.

المرحلة الخامسة: التشريع من عهد الإمام الكاظم(ع) الى انتهاء الغيبة الصغرى 148 ـ 329هـ

الكلام في هذه المرحلة شامل لأدوار ستّة من الأئمة عليهم‏السلامهم الكاظم والرضا والجواد والهادي والحسن العسكري والمهدي عليهم‏السلام، فإنّهم يتشابهون في نفس الظروف التي كانت تحيط بهم نتيجة تضييق السلطات عليهم آنذاك.
وتختلف هذه المرحلة عن سابقتها؛ لأنّ الظروف التي كانت تحيط بالمرحلة السابقة في عهد الإمامين الباقر والصادق تختلف اختلافا كبيرا عن الظروف التي كانت تحيط بهذه المرحلة، ففي تلك المرحلة مرّ المسلمون بفترة انتقالية ما بين الدولتين الأموية والعباسية، فترة رخاء الدولة الأموية وانحلالها وفترة بدايات تأسيس الدولة العباسية التي لم تكتمل أركانها بعد، ممّا يعني أنّ السلطة السياسية كانت مبعثرة ومشغولة بنفسها أكثر من انشغالها بخصومها ممّا لايتفقون معها بالرأي[٣١].
أمّا هذه المرحلة فهي تبدأ مع استحكام قوة العباسيين وسيطرتهم على السلطة، ولذلك يمكن القول: «إنّ التشريع الجعفري بعد وفاة الإمام الصادق عليه‏السلام قد اعتراه بعض الفتور بسبب اتجاه الحكّام إلى التضييق على الأئمة وشيعتهم واعتقال الإمام موسى بن جعفر عليه‏السلام، ممّا أدّى إلى تعسّر الاتّصال به»[٣٢].
ويقارن السيّد هاشم معروف الحسني بين هذه المرحلة وبين سابقتها بقوله: «وقد اختصّ الإمامان الباقر والصادق عليهماالسلام بدور خاصّ... لأنّهما قاما بأكبر نصيب في ذلك واستطاعا في نصف قرن من الزمن أن يقدّما إلى العالم مجموعة كبرى من مختلف العلوم ولاسيّما في الفقه الإسلامي المتّصل إليهما من جدّهما الرسول الأمين(ص)، ولم تتيسر تلك المصادفات التي تيسّرت لهما لأحد من أئمة الشيعة، ولذلك كان الفقه الشيعي بأغلبيته مأخوذا منهما، ونسب إلى الإمام جعفر عليه‏السلام؛ لأنّه استطاع أكثر من أبيه أن يقوم بأداء هذه المهمّة، أمّا غيرهما من الأئمة فكانت حياتهم متشابهة في جميع مراحلها»[٣٣].
ورغم ذلك إلاّ أنّ هذه المرحلة لاتخلو من بعض الأعمال التي تصب في خانة التشريع وهذه يمكن بيانها كما يلي:
أوّلاً: كان الإمام الكاظم عليه‏السلام في بدايات إمامته يمارس النشاط العلمي، وقد احتوت المصنّفات في الحديث شيئا من ا لروايات المنقولة عنه، فلقد «كان يتابع رسالة آبائه في نشر العلم ويلقي عليهم دروسا في الفقه والحديث والأخلاق وجميع العلوم الإسلامية وغيرها، وروى هؤلاء أحاديثه وفقهه إلى الناس من بعده وأصبحت من مصادر الفقه الجعفري بعد عصر الأئمة عليهم‏السلام»[٣٤].
ثانيا: تداول مرويات تلامذة الامامين الباقر والصادق عليهماالسلاموعرضها على الأئمة عليهم‏السلام في هذه المرحلة ككتب بني فضال والفطحية والواقفية وغيرهم التي أجاز الأئمة في هذه المرحلة العمل بها مع انحراف أصحابها عن الأئمة وأطلقوا قولهم: «خذوا ما رووا وذروا ما رأوا»[٣٥].
ثالثا: كان الإمام الرضا عليه‏السلام يمارس نفس الدور التشريعي الذي قام به أبوه الكاظم عليه‏السلام، ومن المصنّفات التي احتوت أحاديثه هو كتاب «الفقه الرضوي» الذي أخذ المحدّثون منه كثيرا عند تدوينهم للحديث وتبويبه حسب الأبواب الفقهية[٣٦].
رابعا: قيام الإمام الجواد عليه‏السلام بالدور التشريعي بعد أبيه الرضا عليه‏السلام «وروى عنه جماعة من الفقهاء والمحدّثين في الفقه وغيره من العلوم الإسلامية، كما تنصّ على ذلك كتب الحديث والرجال»[٣٧].
خامسا: انتقل الدور إلى الإمام الهادي عليه‏السلام بعد أبيه الجواد «فكان مرجعا للمحدّثين والفقهاء فيما يشكل عليهم أمره من الأحكام والأحاديث التي تصلهم من الرواة ومؤلّفات أصحاب الإمام الصادق»[٣٨].
سادسا: انتقل الدور إلى الإمام الحسن العسكري عليه‏السلاممن بعد أبيه الهادي فـ «رجع إليه الشيعة والعلماء في اُمور دينهم، وأخذوا عنه الفقه والحديث جماعة من فقهاء الشيعة والمحدّثين، منهم: الحسين بن سعيد الأهوازي... ومنهم: الحسن بن خالد البرقي صاحب التفسير الذي أملاه عليه الحسن العسكري المعروف بتفسير العسكري»[٣٩].
سابعا: انتقل الدور إلى الإمام المهدي عليه‏السلام بعد وفاة أبيه العسكري عليه‏السلام فـ «روى عنه الرواة في مختلف أبواب الفقه، ونقلها المحدّثون في مجاميع كتب الحديث ولاتزال تلك المرويات من مصادر الفقه عند الجعفريين»[٤٠].
ومن مختصات هذه المرحلة هي قلّة المرويات عن أهل البيت قياسا إلى سابقتها وهي مرحلة الإمامين الباقر والصادق عليهماالسلام فـ «إنّ ما رواه تلاميذ الإمامين محمّد الباقر وجعفر الصادق وما دونوه في مختلف العلوم، تلك المرويات والمدونات كانت مادّة غزيرة بيد الطبقة الثانية والثالثة من الشيعة المعاصرين لبقية الأئمة من أهل البيت، أمدتهم بقوة التفكير وسعة الانتاج في مختلف المواضع العلمية، فكانت حلقات الدرس في الكوفة وبغداد والحجاز وقم وغيرها من البلاد الإسلامية لدراسة تلك الآثار»[٤١].

المرحلة السادسة: تبويب الحديث وظهور الاجتهاد 260 ـ 460هـ

ففي هذه المرحلة تنبّه العلماء إلى الحاجة على الحفاظ على مصادر الحديث من التلف والضياع لكونها المصدر الأساس الثاني من مصادر التشريع، بل إنّ القرآن الكريم وحده لايحتوي إلاّ على القليل من أحكام الشريعة الإسلامية، فكان ولا بدّ من التوجّه إلى السنّة والحفاظ عليها، وخصوصا أنّ أهل البيت كانوا يحثّون اتباعهم على التدوين وكتابة العلم، فبرزت الحاجة إلى تبويب تلك الأحاديث المبعثرة في الأصول التي رواها تلاميذ الأئمة عليهم‏السلام وتمحيص تلك المرويات ومعرفة أسانيدها الى الإمام عليه‏السلام وتطبيق قواعد الصحّة والاعتلال عليها.
فقام ثلّة من المحدّثين الأوائل إلى تمحيص تلك الأصول الحديثية والتي يقدّر المعتبر منها بأربعمئة أصل تعود لأربعمئة مصنّف، فألّفت الكتب الأربعة التي هي الأصول الحديثية المعروفة لدى الشيعة الإمامية، وهي كما يلي:
1 ـ (الكافي) لـ محمّد بن يعقوب الكليني (ت329ه )، وقد جمع أحاديثه في ما يقارب العشرين عاما، وهو يشتمل على أحاديث في الأصول والفروع ويحتوي على «ستّة عشر ألف ومئة وتسعة وتسعون حديثا، وهي أكثر ممّا اشتملت عليه الصحاح الستّة بأجمعها»[٤٢].
2 ـ (من لايحضره الفقيه) لمحمّد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمّي الصدوق (ت381ه ) و«هو من أهمّ كتب الحديث عند الشيعة وعدد أحاديثه 5963 حديثا»[٤٣].
3 ـ (تهذيب الأحكام) و(الاستبصار فيما اختلف من الأخبار) لأبي جعفر محمّد بن الحسن بن علي الطوسي (ت460ه ) «أمّا التهذيب فهو أحد الكتب الأربعة والمجامع القديمة المعوّل عليها، وقد انتهت أبوابه إلى 390 بابا واُحصيت أحاديثه 13590 حديثا، وتوجد فيه نسخة بخط المؤلّف، وأمّا الاستبصار فيما اختلف من الأخبار فهو أحد الكتب الأربعة التي عليها مدار استنباط الأحكام الشرعية عند الفقهاء وقد أحصيت أحاديثه فكانت 5511 حديثا»[٤٤].
وقد برزت في هذه الفترة الحاجة إلى الاجتهاد واستنباط الأحكام الشرعية من النصوص الموروثة عن أئمة أهل البيت عليهم‏السلام، والاجتهاد في هذه المرحلة يعبر عن أوّل مراحله، وهي استنباط الحكم الشرعي من النصوص والروايات طبق الظواهر اللغوية المتبانى عليها القريبة من عصر النصّ، وألّفت كتب الفتوى بصورة رواية تروى عن الإمام مع حذف الأسانيد منها كما في (المقنع) و(الهداية)، إلى أن وصل السير بعملية الاستنباط إلى مراحل أكثر تعقيدا من خلال ظهور التأليفات في علم الأصول كالتذكرة بأصول الفقه للشيخ المفيد (ت413ه )، والذريعة الى أصول الشريعة للسيّد المرتضى (ت436ه )، والعدّة في أصول الفقه لـ الشيخ الطوسي (ت460ه )، وأخذ التشريع يأخذ بعدا آخر من مجرّد نقل الروايات إلى تدوين الفتاوى والآراء الفقهية المستنبطة من النصوص، وأخذ الفقه يتشعب إلى مسائل وافتراضات غير واقعة خارجا بعد.

المرحلة السابعة: عصر الركود الفقهي 460 ـ 550هـ

ففي هذه المرحلة كانت آراء الشيخ الطوسي (ت460ه ) هي المسيطرة على الساحة الفكرية ولم يجرأ أحد على نقد تلك الآراء أو مناقشتها على ضوء الموازين العامّة التي وضعها التفكير الفقهي لعملية الاستنباط وتشريع الأحكام. وقد نقلت كلمات عدّة في وصف تلك المرحلة بالركود والتقليد وعدم بذل الوسع في تطوير الاُسس الفقهية التي يقوم عليها التشريع الإسلامي.
فقد نقل عن الشيخ سديد الدين الحمصي (من أعلام القرن السادس) قوله: «لم يبق من الإمامية مفت على التحقيق بل كلّهم حاك»[٤٥].
وقال السيّد ابن طاووس (ت664ه ) في وصف هذه المرحلة: «فقد ظهر ليّ أنّ الذي يفتى به ويجاب على سبيل ما حفظ من كلام العلماء المتقدّمين»[٤٦].
ويؤكّد ذلك ما ذكره الشهيد الثاني من نفي تحقّق الشهرة في زمان الشيخ الطوسي وما بعده بقوله: «فالعمل بمضمون الخبر الضعيف قبل زمان الشيخ الطوسي على وجه يجبر ضعفه ليس بمتحقّق، ولما عمل الشيخ بمضمونه في كتبه الفقهية جاء من بعده من العلماء واتبعه منهم عليها الأكثر تقليدا له إلاّ من شذ منهم، ولم يكن فيهم من يسبر الأحاديث وينقّب عن الأدلّة بنفسه»[٤٧].
ويصف ابن إدريس الحلّي (ت598ه ) هذه المرحلة بقوله: «إنّيلما رأيت زهد أهل هذا العصر في علم الشريعة المحمّدية والأحكام الإسلامية وتثاقلهم طلبها، وعداوتهم لما يجهلون وتضييعهم لما يعلمون، ورأيت ذا السنّ من أهل دهرنا هذا لغلبة الغباوة عليه، وملكه الجهل لقياده، مضيعا لما استودعته الأيّام، مقصرا في البحث عمّا يجب عليه علمه، حتّى كأنّه ابن يومه ونتيج ساعته ورأيت الناشئ المستقبل ذا الكفاية والجدة مؤثرا للشهوات صارفا عن سبل الخيرات ورأيت العلم عنانه في يد الامتهان، وميدانه قد عطل من الرهان...»[٤٨].
وهذه المرحلة وإن اتسمت بالركود على المستوى التشريعي إلاّ أنّها لاتخلو من وجود علماء بارزين قاموا بدورهم التشريعي على أحسن وجه كابن البراج الطرابلسي (ت481ه )، وأبي علي الطوسي (ت515ه ) والفضل بن الحسن بن الفضل الطبرسي (ت548ه ) وغيرهم.

المرحلة الثامنة : عصر التجديد الفقهي 550 ـ 1030هـ

وتبدأ هذه المرحلة بظهور الشيخ ابن إدريس الحلّي (ت598ه ) الذي قاد حركة نقدية تجاه منهج الشيخ الطوسي في الاستنباط ومناقشة كثير من المسائل الفقهية التي لم يجرأ أحد على مناقشته فيها في عصر الركود والتقليد.
يقول الشيخ ابن إدريس الحلّي: «فعلى الأدلّة المتقدّمة ـ يعني الكتاب والسنّة المتواترة والإجماع ودليل العقل ـ أعمل وبها آخذ وأفتي واُدين اللّه‏ تعالى ولا التفت إلى سواد مسطور وقول بعيد عن الحقّ مهجور، ولا اُقلد إلاّ الدليل الواضح والبرهان اللائح»[٤٩].


من خصائص هذه المرحلة:
الاُولى: شيوع التدوين في أصول الفقه ومسائله باعتباره رافدا مهمّا ومساعدا للفقيه في إجراء عملية الاستنباط، فاحتوى كتاب «السرائر» الكثير من مسائل أصول الفقه، وألّف كلّ من المحقّق الحلّي و العلامة الحلي كتبا مستقلة في أصول الفقه، فضلاً عن أصول الاستنباط وأدلّته التي يذكرها الفقهاء عادة في مقدّمة كتاباتهم الفقهية.
الثانية: بروز التصنيفات الكثيرة في الفقه الاستدلالي، فظهرت الموسوعات الفقهية التي تناولت أبواب الفقه كافّة أو معظمها، مرتبة إلى عبادات ومعاملات وأحكام، وأكثر التأليفات الفقهية تعود إلى هذه المرحلة.
الثالثة: الخروج عن نزعة التقليد التي كانت سائدة في المرحلة التي سبقتها وامتلاك الفقيه الحرية الكاملة في إبداء رأيه في مسألة ما والاحتكام في ذلك إلى الأدلّة والضوابط العامّة لأصول المذهب لا لأقوال الفقهاء.

المرحلة التاسعة: ظهور الفكر الأخباري 1030ه ـ 1186هـ

ففي هذه المرحلة ظهر الفكر الأخباري مقابلاً للفكر الأصولي الذي كان سائدا من زمان الشيخ الطوسي (ت460ه ) إلى هذه المرحلة، وقد شنّ الأخباريون حملة على علم الأصول والآليات التي يستخدمها المجتهدون في استنباط الحكم الشرعي من الآيات والروايات.
ولظهور الفكر الأخباري أثر كبير على طريقة ومنهج التشريع الإسلامي عند الشيعة الإمامية، فقد عمدوا طريقة اُخرى في تشريع الأحكام تختلف عن طريقة السابقين، وطريقتهم هذه تعتمد النقاط التالية[٥٠]:
الاُولى: إلغاء الإجماع والعقل من مصادر التشريع وعدم اعتبارهما، والاقتصار على الكتاب والسنّة القطعية.
بل حتّى الكتاب لايمكن الركون إليه والاعتماد على ظهوره لكلّ أحد وأنّه تجب الاستعانة بروايات أهل البيت عليهم‏السلام حتّى ينقح ظهوره بالنسبة إلينا؛ لانّ ظواهر القرآن لايعرفها إلاّ من خوطب به، وهم وحدهم عليهم‏السلام الذين خوطبوا به، فالكتاب لايمكن الاعتماد عليه من دون السنّة.
الثانية: اعتبار الأخبار التي احتوتها الكتب الأربعة (الكافي، من لايحضره الفقيه، التهذيب، الاستبصار) قطعية الصدور؛ لأنّها إمّا متواترة أو اقترنت بما يوجب القطع بها، ممّا يعني عدم الحاجة لـ علم الرجال و علم الدراية لانتفاء الحاجة لذلك مع قطعية ما في الكتب الأربعة.
الثالثة: عدم مشروعية الاجتهاد و التقليد؛ لأنّهما خلاف سيرة الأئمة عليهم‏السلام؛ فإنّهم كانوا يبلّغون الأحكام للناس عند توجّه السؤال لهم، ولم يكن حاجة إلى إعمال قواعد أصولية في استكشاف الحكم الشرعي من مروياتهم.
الرابعة: التوقّف والاحتياط فيما لا نصّ فيه وعدم جواز الرجوع إلى البراءة الأصلية. فكانت هذه النقاط أهمّ مبانيالأخباريين على الصعيد التشريعي.
وشهدت تلك المرحلة سجالاً عنيفا بين مدرسة الأخباريين ومدرسة الأصوليين، وألّفت كتب كثيرة ردّ فيها كلام طرف مباني الطرف الآخر. وتراجع الفكر الأخباري بوفاة الشيخ يوسف البحراني (ت1186ه ).

المرحلة العاشرة: مرحلة تجديد الفكر الأصولي 1186ه ـ إلى العصر الحاضر

بوفاة الشيخ يوسف البحراني (ت1186ه ) تكون قد طويت صفحة الفكر الأخباري ففقد تأثيره على الساحة العلمية، وأصبحت الغلبة للفكر الأصولي بزعامة الشيخ الوحيد البهبهاني (ت1206ه )، فناظر كثيرا في بيان فساد مبادئ الأخباريين، وألّف في ذلك عدّة رسائل ومقالات[٥١].
وفي هذه المرحلة تضخم علم الأصول وتوسعت كمّا بحوث وتشقيقات كثيرة، وأفرد للبحث في الأصول العملية بابا خاصّا يوازي البحث في الأدلّة، وتعزّز دور علم الأصول في عملية التشريع الإسلامي، وعاد للإجماع وللعقل دورهما في استنباط الأحكام واعتبارهما من مصادر التشريع المهمّة على الصعيد الفقهي.

مجمل خصائص التشريع عند الشيعة الإمامية

من خلال مراجعة مراحل التشريع الإسلامي عند الشيعة الإمامية يمكن استخلاص عدّة خصائص له:

الاُولى: اتّصال مذهب أهل البيت عليهم‏السلام بالنبي(ص)

لقد حرص أئمة أهل البيت عليهم‏السلام على بيان أنّ الذي جاؤوا به إنّما هو من عند جدّهم رسول اللّه‏ النبي الأكرم محمّد بن عبد اللّه‏(ص)، وذلك عن طريق ما تناولوه واحدا بعد واحد إلى أن وصل إلى اتباعهم ومريديهم من غير أن يشوب ذلك شائبة.
ويعتمد الشيعة أحاديث أهل البيت عليهم‏السلام لكونها نفس ما جاء به رسول اللّه‏(ص) «لأنّ أقوالهم أقوال الرسول وأفعالهم تعبّر عن أفعاله؛ لأنّه أودع عليا علما كثيرا وعلّمه علي إلى الأئمة من أبنائه وكلّ إمام لقّنه من جاء بعده، دوّن علي قسما وافرا ممّا أخذه من الرسول(ص)، وبقيت هذه الكتب عند أبنائه»[٥٢].
وقد دلّت على ذلك مجموعة من النصوص وردت عن أهل البيت عليهم‏السلام:
منها: ما ورد عن أمير المؤمنين عليه‏السلام أنّه قال: «فما نزلت على رسول اللّه‏(ص) آية من القرآن إلاّ أقرأنيها وأملاها علي فكتبتها بخطّي وعلّمني تأويلها وتفسيرها وناسخها ومنسوخها ومحكمها ومتشابهها وخاصّها وعامها، ودعا اللّه‏ أن يعطيني فهمها وحفظها فما نسيت من كتاب اللّه‏ ولا علما أملاه علي وكتبته منذ دعا ليّ بما دعا، وما ترك شيئا علّمه اللّه‏ من حلال ولا حرام ولا أمر ولا نهي كان أو يكون منزلاًعلى أحد قبله من طاعة أو معصية إلاّ علمنيه وحفظته فلم أنس حرفا واحدا»[٥٣].
منها: ما روي عن أبي شيبة قال: سمعت أبا عبد اللّه‏ عليه‏السلام يقول ضلّ علم ابن شبرمة عند الجامعة املاء رسول اللّه‏(ص) وخطّ علي بيده، إنّ الجامعة لم تَدَع لأحد كلاما، فيها علم الحلال والحرام»[٥٤].
منها: إنّ رجلاً سأل أبا عبد اللّه‏ عليه‏السلام عن مسألة فأجابه فيها، فقال الرجل أرأيت إن كان كذا وكذا ما يكون القول فيه، فقال عليه‏السلامله: ما أجبتك فيه من شيء فهو عن رسول اللّه‏(ص)، لسنا من «أرأيت» في شيء[٥٥].
منها: ما روي عن أبي بصير أنّه قال: قلت لأبي عبد اللّه‏ عليه‌‏السلام: جعلت فداك، إنّ شيعتك يتحدّثون إنّ رسول اللّه‏(ص) علّم عليا عليه‏السلامبابا يفتح له مئة ألف باب. قال: فقال: ياأبا محمّد علّم رسول اللّه‏(ص) عليا عليه‌‏السلام ألف باب يفتح من كلّ باب ألف باب. قال: قلت: هذا واللّه‏ العلم، قال: فنكت ساعة في الأرض، ثُمّ قال: إنّه لَعِلمٌ وما هو بذاك، قال: ثُمّ قال: ياأبا محمّد وإنّ عندنا الجامعة وما يدريهم ما الجامعة؟ قال: قلت جعلت فداك، وما الجامعة؟ قال: صحيفة طولها سبعون ذراعا بذراع رسول اللّه‏(ص) وإملائه من فلق فيه وخطّ علي عليه‏السلامبيمينه، فيها كلّ حلال وحرام، وكلّ شيء يحتاج الناس إليه حتّى الأرش في الخدش»[٥٦].
منها: ما ينقل عن الإمام الصادق عليه‏السلام إنّه كان يقول: «حديثي حديث أبي، وحديث أبي حديث جدّي، وحديث جدّي حديث الحسين، وحديث الحسين حديث الحسن، وحديث الحسن حديث أمير المؤمنين، وحديث أمير المؤمنين حديث رسول اللّه‏(ص)، وحديث رسول اللّه‏(ص)قول اللّه‏ عزّ وجلّ»[٥٧].

الثانية: حث أهل البيت عليهم‏السلام على التدوين

حثّ النبي(ص) على كتابة الحديث وتدوينه عنه، وقال لعبد اللّه‏ بن عمرو بن العاص: «اكتب فوالذي نفسي بيده ما خرج منّي إلاّ حقّ»[٥٨].
وفي العهد الذي منع فيه من التدوين ارتأى أهل البيت عليهم‏السلام كعلي والحسن عليهما جواز التدوين وحثّا أصحابهما على ذلك، وفعلاه كما يذكر السيوطي[٥٩].
وقد ورد عن أهل البيت عليهم‏السلام إضافة إلى ذلك جملة من النصوص يحثون فيها على نقل الحديث وتدوينه خوفا من نسيانه أو ضياعه: منها: ما روي من أنّ أبا عبداللّه‏ عليه‏السلام قال: اكتبوا فإنّكم لاتحفظون حتّى تكتبوا[٦٠].
منها: ما روي عن المفضل بن عمر أنّه قال: قال لي أبو عبداللّه‏ عليه‏السلام: «اكتب وبث علمك في اخوانك فإن مت فاورث كتبك بنيك، فإنّه يأتي على الناس زمان هرج لايأنسون فيه إلاّ بكتبهم»[٦١].
منها: ما روي عن أبي عبداللّه‏ عليه‏السلام قال: أعربوا حديثنا فإنّا قوم فصحاء[٦٢].
منها: ما روي عن محمّد بن الحسن بن أبي خالد شينولة أنّه قال: قلت لأبي جعفر الثاني عليه‏السلام: جعلت فداك، إنّ مشايخنا رووا عن أبي جعفر وأبي عبد اللّه‏ عليهماالسلام وكانت التقية شديدة فكتموا كتبهم ولم ترو عنهم، فلمّا ماتوا صارت الكتب إلينا، فقال: حدّثوا بها فإنّها حقّ[٦٣].
وغير ذلك من الروايات التي تدلّ صراحة أو التزاما على فضل رواية الحديث أو كتابته.

الثالثة: شمولية سنّة أهل البيت(ع)

بحكم جواز التدوين والحث عليه من قبل أهل البيت عليهم‏السلام فإنّ أتباعهم قد رووا عنهم كثيرا ممّا يحتاجه المكلّفون في الأحكام الشرعية، وصنّفوا في ذلك مصنّفات سمّيت بـ «الأصول الأربعمئة» التي احتوت كثيرا من الفروع الفقهية والعقائد والأخلاق، فبلغت مرويات أهل البيت إلى درجة بيان جزئيات الاُمور وتفاصيلها ممّا يسهّل الأمر على من يأتي بعدهم لاستكشاف الحكم الشرعي.
يقول الفضلي: «أمّا السنّة الشريفة فالقدر الوارد منها في أحكام الفقه، والتي يطلق عليها أحاديث الأحكام كثير جدّا، وهو عند أهل البيت وشيعتهم من الإمامية بالكم الذي يغطي جميع أبواب الفقه ويشمل كلّ الفروع الفقهية»[٦٤].
ولهذا بلغت أحاديث أهل البيت عليهم‏السلام مقدارا كبيرا يصل عشرات الآلاف من الأحاديث المروية عنهم عليهم‏السلاميقول عبدالصمد العاملي: «وأكثر أحاديثنا الصحيحة وغيرها في أصولنا الخمسة وغيرها عن النبي(ص)، وعن الأئمة الاثني عشر المذكورين، وكثير منها يتّصل بالنبي(ص)، وهذا هو السبب في كون أحاديثنا اضعاف أحاديث العامّة، حيث إنّ زمان أئمتنا عليهم‏السلامامتد زمانا طويلاً واشتهر الإسلام وكثر في زمانهم العلماء والنقلة عنهم من المخالفين والمؤالفين»[٦٥].

الرابعة: إنّ التشريع عند الشيعة الإمامية يعتمد على ما ورد عن الباقر والصادق(ع)

فـ «قد اختصّ الإمامان الباقر والصادق عليهماالسلام بدور خاصّ... ؛ لأنّهما قاما بأكبر نصيب في ذلك واستطاعا في نصف قرن من الزمن أن يقدما إلى العالم مجموعة كبرى من مختلف العلوم ولاسيّما في الفقه الإسلامي المتّصل إليهما من جدّهما الرسول الأمين(ص)، ولم تتيسّر تلك المصادفات التي تيسّرت لهما لأحد من أئمة الشيعة، ولذلك كان الفقه الشيعي بأغلبيته مأخوذا منهما، ونسب إلى الإمام جعفر عليه‏السلام؛ لأنّه استطاع أكثر من أبيه أن يقوم باداء هذه المهمّة»[٦٦].

المقام الثاني: تاريخ التشريع عند أهل السنّة

مرّ التشريع الإسلامي عند أهل السنّة بعدّة مراحل، لكلّ مرحلة خصائصها وميزاتها:

المرحلة الاُولى: التشريع في عهده(ص)

تعود هذه المرحلة إلى بداية ظهور الإسلام في جزيرة العرب، وتشريعه جملة الأحكام التي تتعلّق بشؤون المكلّفين، ويقسّم التشريع فيها إلى نوعين: الأوّل: التشريع المكّي الذي كان يتّجه نحو إصلاح العقيدة من الشرك والوثنية، والثاني: التشريع المدني الذي كان يتّجه نحو تشريع الأحكام وتنظيم العلاقات العامّة في المجتمعات[٦٧].
وفي هذه المرحلة «كانت سلطة التشريع والقضاء والفتيا بيد الرسول(ص) وحده، فهو المرجع لكلّ ذلك، وفي عهده تكامل بناء الشريعة في استيفاء نصوصها الأساسية، وقد كان لفظ (الفقه) يطلق في عصر النبوة على كلّ ما يفهم من نصوص الكتاب والسنّة سواء أكان في اُمور العقيدة أو التشريع العملي أو الآداب»[٦٨].
ففي هذه المرحلة «كان التشريع الإسلامي منتظرا من السماء وكان النبي(ص) يؤدّي ما أنزل إليه تبعا لاُسلوب إنزاله وطريقة تبليغه، فمن صيغ قرآنية، إلى قول منه(ص)، الى فعل يطلب التأسّي فيه، إلى إقرار منه لبعض ما يصدر أمامه من الصحابة من عادات وتقاليد وأعمال، بعد قوله أو فعله أو اقراره(ص) يأخذ لديهم طابع التشريع»[٦٩]. ومن خصائص هذه المرحلة أنّ التشريع فيها «كان عماده القرآن والسنّة على اختلافها من قول الرسول أو فعله وتقريره، ونحوا من اثنين وعشرين عاما تكامل فيها التشريع بواسطة الوحي، وبلّغ الرسول بدوره كلّ ما أوحي إليه من تشريعات»[٧٠].
فقد كانت مصادر التشريع في هذه المرحلة تقوم على دعامتين رئيستين لايمكن لأحدهما الاستغناء عن الآخر وهما: الكتاب والسنّة، وجاء القرآن بجملة من الآيات التي احتوت مضامين تصب في خانة التشريع،ووضع القوانين وتنظيم العلاقات بين أفراد الانسان، وقدّر الفقهاء تلك الآيات بخمسمئة آية تتعلّق بالأحكام، واحتوت السنّة على بيان مجمل القرآن، وشارحة له وبيان الناسخ والمنسوخ والخاصّ والعام والمطلق والمقيد منه[٧١].
فـ مصادر التشريع الإسلامي في هذه المرحلة عبارة عن: «الوحي الإلهي بقسميه: المتلو وهو القرآن وغير المتلو وهو السنّة»[٧٢].
وربما اضافوا إلى ذلك مصدرا ثالثا وهو اجتهاد النبي(ص) فيما إذا لم يكن هناك وحي بقسميه المتلو وغير المتلو، وذكروا أنّ «ما ينال بالاجتهاد والرأي فهو وحي باعتبار المآل وهو إقراره من اللّه‏ على ذلك، ويشبه الوحي في أنّه بمنزلة الثابت عن طريق الوحي، لقيام الدليل على أنّه(ص)لايقر على خطأ»[٧٣].
وفي ظلّ هذه المرحلة لم يكن هناك حاجة إلى وضع آليات في استكشاف مراد الشارع بعدما أمكن مشافهته بكلّ شيء يراد السؤال عنه، ولم تظهر هناك حاجه‏اختراع وسائل جديدة للتشريع في عرض الكتاب والسنّة. فلقد «كان الكتاب والسنّة المصدرين الوحيدين لدى أكثر القدامى من الصحابة لأخذ التشريع من السماء، وكان التشريع تبعا لمصلحة التدرج في التبليغ فينزل تدريجيا وما كان المسلمون ـ وهم المشافهون في الأحكام والتبليغ ينزل ويؤدّى بلغتهم الخاصّة ـ ليحتاجوا إلى مؤونة كبيرة لتفهم ما ينطوي عليه النصّ التشريعي، ولذلك لم تخطر لهم أية حاجة إلى وضع أو التماس أصول ينتهون من طريقها إليه»[٧٤].

المرحلة الثانية: التشريع في عهد كبار الصحابة 11 ـ 40هـ

في هذه المرحلة واجه المسلمون وقائع مستجدّة وحوادث واقعة ولم يكن بإمكانهم السؤال منه(ص) مباشرة بعد رحيله والتحاقه بالرفيق الأعلى، فلم يكن لهم طريق إلاّ التفتيش فيما أتى به من قرآن وما صدر منه من قول أو فعل أو تقرير، فبرزت الحاجة إلى تدوين تلك المصادر الأساسية للتشريع، فدوّن القرآن الكريم في هذه الفترة وجمع في مصحف واحد[٧٥].
هذا بالنسبة للكتاب العزيز «أمّا السنّة القولية فلم تنل هذا النصيب من العناية بجمعها، بل ربّما كان هناك عمل سلبي للتقليل من روايتها»[٧٦].
والتعليل الذي في متناول أيديهم لتبرير عدم الاعتناء بالسنّة وعدم تدوينها رغم أهمّيتها التشريعية هو «مخافة أن تلتبس بـالقرآن»[٧٧].
فـ «لم تكن السنّة مدوّنة إذ ذاك، بل كانت مبثوثة في صدور الرجال ولم يكن من الصحابة من يحفظ كلّ الأحاديث عنه(ص)، بل منهم المقلّون والمكثرون، وقد يحضر أحدهم مجلسا لايحضره الآخر فيسمع ما لايسمعه غيره، ولم تكن رواية الحديث شائعة في هذا العصر شيوعها فيما بعد؛ وذلك لأنّ أبا بكر و عمر رضي اللّه‏ عنهما كرها للناس كثرة الرواية خشية الكذب على رسول اللّه‏(ص) وخشية أن يصدّهم ذلك عن القرآن، بل قد أخافهم عمر من ذلك ورهبهم منه»[٧٨].
هذا مع أنّ الرسول(ص) حثّ على كتابة الحديث وتدوينه كما تؤكّد ذلك جملة من النصوص:
منها: ما ذكره عبد اللّه‏ بن عمر بن العاص من أنّه قال: كنت أكتب كلّ شيء أسمعه من رسول اللّه‏(ص) اُريد حفظه، فنهتني قريش، فقالوا: إنّك تكتب كلّ شيء تسمعه عن رسول اللّه‏(ص)وهو بشر يتكلّم في الغضب والرضا؟! فأمسكت عن الكتابة، فذكرت ذلك لرسول اللّه‏، فقال: اكتب فوالذي نفسي بيده ما خرج منّي إلاّ حقّ.
منها: ما روي من أنّه(ص) قال: اكتبوا لابي شاة.
منها: ما روي من أنّ رجلاً من الأنصار كان يجلس إلى رسول اللّه‏(ص) فيسمع منه الحديث فيعجبه ولايحفظه، فشكا ذلك إلى رسول اللّه‏(ص) فقال: استعن بيمينك، وأومأ بيده إلى الخطّ.
منها: ما روي عن رافع بن خديج أنّه قال: قلت يا رسول اللّه‏، إنّا نسمع منك أشياء أفنكتبها؟ قال: اكتبوا ذلك ولا حرج.
منها: ما روي من حديث أنس وغيره أنّه(ص) قال: قيدوا العلم بالكتاب.
وغير ذلك من الأحاديث التي حثّ ورغّب فيها النبي(ص) على كتابة الحديث وتدوينه.
وفي هذه المرحلة برزت الحاجة إلى الاجتهاد والتماس وسائل جديدة لـ الاستنباط، للحاجة إلى استكشاف بعض الأحكام الشرعية التي لم ترد في الكتاب والسنّة.

المرحلة الثالثة: التشريع من منتصف القرن الأوّل إلى أوائل القرن الثاني

يبدأ تاريخ هذه المرحلة بعد نهاية فترة الخلافة الإسلامية سنة 40ه . ومن خصائص هذه المرحلة عدّة اُمور:
أوّلاً: تفرّق العلماء إلى الأمصار بعد ما «كان عمر لايمكّنهم أن يبرحوا المدينة»[٧٩]، ممّا أدّى إلى بروز حاجة أكبر إلى التماس أدلّة للتشريع الإسلامي يمكن من خلالها تعويض ما أدّاه منع تدوين الحديث من إحداث فراغ كبير على المستوى التشريعي، وخصوصا بعد مرور حوادث مستجدة واجتهادات جديدة.
ثانيا: نشوء مدرسة الرأي ومدرسة الحديث واتساعهما في هذا العصر[٨٠].
ثالثا: شيوع استعمال الرأي في الفقه، ففي «هذا العصر شاع وكثر استعماله في الفقه بطريق القياس أو الاستحسان أو الاستصلاح لاستخراج الاحكام فيما ليس فيه نصّ يخصّه والاستنتاج من دلائل النصوص وعللها»[٨١].
رابعا: رفع المنع عن رواية الحديث، إلاّ أنّ ذلك لم يصل إلى مرحلة التدوين[٨٢].
وفي ظلّ هذه المرحلة برز مفتون كثر قاموا بدور الإفتاء توزعوا في مختلف الأمصار والأقاليم[٨٣].

المرحلة الرابعة: التشريع من أوائل القرن الثاني إلى منتصف القرن الرابع

ومن خصائص هذه المرحلة عدّة اُمور:
أولاً: القيام بتدوين السنّة، و«كان هذا الدور عصرا مجيدا للسنّة، فقد تنبّه رواتها إلى وجوب تصنيفها وتدوينها، ومعنى تصنيفها ضم الأحاديث التي من نوع واحد في الموضوع بعضها إلى بعض كأحاديث الصلاة والصيام وما شاكل ذلك»[٨٤].
ثانيا: شيوع وظهور المذاهب والاجتهادات الفقهية، فبرز في هذه المرحلة مذاهب فقهية عدّة، لكلّ مذهب طريقته ومنهجه الخاصّ في التشريع الإسلامي[٨٥].
ثالثا: ظهور وبروز الخلاف بصورة واضحة بين مدرسة الرأي ومدرسة الحديث «وقد اشتدّ في أوائل هذا الدور الخلاف بين مدرستي الرأي والحديث، ثُمّ استقرّ فيه اعتبار الرأي طريقة فقهية صحيحة بحدودها وأصولها الشرعية التي أوضحها أصحابها، ودفعوا بها عن هذه الطريقة الشبهات»[٨٦].
رابعا: تدوين الفقه تدوينا علميا يحمل طابعا مذهبيا، فقد ألف محمّد بن الحسن الشيباني (ت189ه ) مجموعة من التأليفات برّز فيها رأي أبي حنيفة في المسائل الفقهية، وألف مالك (ت179ه ) كتابه «الموطأ» وألف الشافعي (ت204ه ) كتاب «الاُم»[٨٧].
خامسا: تدوين مادّة أصول الفقه، باعتباره المنهج والطريق لاستكشاف حكم الشارع من مجموعة من النصوص التي ورثناها عن الشارع، خصوصا مع بعد المسافة بين هذه المرحلة وبين عصر الشارع[٨٨].
سادسا: النزاع في السنّة هل هي أصل من أصول التشريع أو لا؟ «فإنّ قوما رفضوا السنّة كلّها واقتصروا على القرآن وحده»[٨٩].

المرحلة الخامسة: من منتصف القرن الرابع إلى منتصف القرن السابع

وفي هذه المرحلة «ركدت حركة الاجتهاد وأخلد الراغبون في الفقه إلى العكوف على مذاهب اُولئك المجتهدين السابقين، وخاصّة منهم الأئمة الأربعة، وتمركز كلّ مذهب من تلك المذاهب الأربعة في قطر أو أقطار»[٩٠].
ومن خصائص هذه المرحلة عدّة اُمور:
أوّلاً: إقفال باب الاجتهاد وحصر المذاهب في أربعة هي المذهب الحنفي و المالكي و الشافعي و الحنبلي، فـ «أفتى علماء المذاهب الأربعة بإقفال باب الاجتهاد، لقعود الهمم عن اكتساب مجموعة الصفات والعلوم اللغوية والشرعية بالقدر الذي يؤهل للاجتهاد في أحكام الشريعة»[٩١].
ثانيا: شيوع روح التقليد بين العلماء لأئمة المذاهب في البحوث الفقهية الاستدلالية «فإنّ روح التقليد سرت سريانا عاما، واشترك فيها العلماء وغيرهم من الجمهور،
فبعد أن كان مريد الفقه يشتغل أوّلاً بدراسة الكتاب ودراسة السنّة اللذين هما أساس الاستنباط صار في هذا الدور يتلقى كتب إمام معين ودرس طريقته التي استنبط بها ما دونه من الأحكام، فإذا أتمّ ذلك صار من العلماء الفقهاء، ومنهم من تعلو همته فيؤلّف كتابا في أحكام إمامه إمّا اختصارا لمؤلّف سبق أو شرحا له أو جمعا لما تفرق في كتب شتّى، ولا يستجيز الواحد منهم لنفسه أن يقول في مسألة من المسائل قولاً يخالف ما أفتى به إمامه، كأن الحقّ كلّه نزل على لسان إمامه وقلبه، حتّى قال طليعة فقهاء الحنفية في هذا الدور وإمامهم غير منازع وهو أبو الحسن عبيد اللّه‏ الكرخي: كلّ آية تخالف ما عليه أصحابنا فهي مؤولة أو منسوخة، وكلّ حديث كذلك فهو مؤول أو منسوخ»[٩٢].
وفي هذه المرحلة ظهر علماء التخريج وعلماء الترجيح في داخل كلّ مذهب.
ثالثا: شيوع المناظرات المذهبية والجدل الفقهي فـ «كانت في هذا الدور منافسات ومناقشات ومناظرات واسعة بين رجال المذاهب استمرّت إلى ما بعد ذلك تسودها صبغة العصبية المذهبية أكثر من الغرض العلمي»[٩٣].
وعلى أثر ذلك ظهر «علم الخلاف» أو «الخلافيات» الذي يعتمد الجدل في الفقه من أجل تقوّي كلّ مذهب على الطرف الآخر.

المرحلة السادسة: من منتصف القرن السابع إلى ظهور مجلّة الأحكام العدلية 1286هـ

وفي هذه المرحلة «ساد الفكر التقليدي المغلق وانصرفت الأفكار عن تلمّس العلل و المقاصد الشرعية في فقه الأحكام إلى الحفظ الجاف والاكتفاء بتقبّل كلّ ما في الكتب المذهبية دون مناقشة»[٩٤].
ومن مميزات هذه المرحلة كثرة التصنيفات في علوم الشريعة كالفقه والأصول، خصوصا على طريقة المتن والشرح والحاشية[٩٥].

المرحلة السابعة: التشريع من أواخر القرن الثالث عشر إلى الوقت الحاضر

في أثناء هذه المرحلة نتيجة الانفتاح على عوالم ومجتمعات جديدة، وبروز الحاجة إلى القيام بمهمّة تشريع الأحكام والقوانين ظهرت الحاجة إلى القيام بدور تشريع الأحكام بطريقة تختلف عن الطرق المعمول بها في المرحلة التي سبقتها؛ ولأنّه «لما بلغت عبارات الفقهاء في مؤلّفاتهم في الفقه حد الألغاز وعجز فقهاء آخر هذا العصر عن فهمها، رأى المسؤولون تكوين جماعات تشترك في وضع مؤلّفات فقهية، بحيث تكون باُسلوب سهل واضح لايصعب فهمه على أهل زمانهم»[٩٦].
وكان من نتاج هذه الرؤية ظهور التصنيفات التالية:
1 ـ مجلّة الأحكام العدلية.
و«هي مجموعة من أحكام المعاملات والدعاوى والبينات»[٩٧]، ألّفها جماعة من العلماء خبراء في الفقه الحنفي لكون دين الدولة العثمانية الرسمي آنذاك هو المذهب الحنفي ـ وكان هدفهم منها هو تسهيل تناول الأحكام الفقهية ومعرفتها، خصوصا المحاكم الشرعية التي وضعتها الدولة العثمانية، فإنّه لما رأت اختلاف الأقوال والفتاوى في حكم ما وضعت كتابا أصاغوه بصورة مواد على نمط القوانين الوضعية، فبلغت موادها 1453 مادّة لكي يسهل على محاكمها الرجوع إليه وعدم الارتباك والاختلاف في إصدار الأحكام[٩٨].
2 ـ موسوعة الفقه الإسلامي.
و«هي كتاب جامع لأحكام المذاهب الفقهية يقوم بتأليفه لجنة علمية معترف بها في الرأي العام الفقهي بأن عندها القدرة على فهم أساليب الفقهاء المبسوطة والمختصرة»[٩٩].
وكان الهدف من تأليف هذه الموسوعة صياغة الفقه وأدلّته بصورة أسهل ممّا هو موجود في كتب القدماء من الفقهاء، والمقارنة بين آراء المذاهب الفقهية لتكون جامعة لأطراف الفقه ومسائله وأدلّته، وعدم الاقتصار على مذهب معين كما فعلت مجلّة الأحكام العدلية.
3 ـ الموسوعة الفقهية.
وهي امتداد لشروع «موسوعة الفقه الإسلامي» الذي لم يكتمل، فقامت دائرة الأوقاف والشؤون الإسلامية في الكويت، بالعمل لإعداد هذه الموسوعة واتمامها إلى آخرها. وكان الهدف منها تسهيل المطالب والفروع الفقهية وجمعها ووصفها تحت مصطلح واحد من مصطلحات الفقه.
وتختلف هذه الموسوعة عن سابقتها بأنّها لاتحتوي إلاّ على آراء المذاهب الأربعة فقط.


خصائص هذه المرحلة كان من خصائص هذه المرحلة عدّة اُمور[١٠٠]:
أوّلاً: الشعور بالتذمر من الاختلاف الفقهي السائد بين المذاهب وكثرة الأقوال والتفريعات في المسألة الواحدة.
ثانيا: كثرة التعقيدات في اللغة التي كتبت بها تلك التصنيفات الفقهية، ما ولّد شعورا بالحاجة إلى القيام بكتابة فقه جديد يمكن فهمه بأيسر وأفضل العبارات.
ثالثا: الشعور بالحاجة إلى صياغة الفقه بصورة مقننة، كما هو الحال في التصنيفات الوضعية.

مصادر التشريع الإسلامي

يعتمد الشيعة الإمامية في تشريع الأحكام على مجموعة من المصادر هي: الكتاب والسنّة والإجماع والعقل، وأهمّها الكتاب والسنّة؛ لأنّ الإجماع إنّما يكون دليلاً لكونه كاشفا عن السنّة تقديرا لا أنّه دليل في نفسه، وأمّا بالنسبة للعقل؛ فإنّه لم يعهد من الشيعة الإمامية اعتمادهم بصورة مستقلة على العقل وحده، بل معتضدا بشاهد من الكتاب أو السنّة[١٠١]. وإذا لم يمكن إثبات حكم شرعي ما بتلك المصادر، فإنّ هناك أصولاً يرجع إليها المكلّف عند عدم التمكّن من العثور على الدليل الشرعي، وهذه الأصول تسمّى بالأصول العملية كـ الاستصحاب و أصالة البرائة أو الاحتياط و التخيير إذا لم يمكن الاحتياط فيه[١٠٢].
ولايعتمد الشيعة الإمامية على القياس الظنّي ولا الاستحسان ولا المصالح المرسلة ولا سد الذرائع.
ويعتمد أهل السنّة في التشريع الإسلامي على مجموعة من المصادر يقسّمونها إلى قطعية وظنّية، فالقطعية هي الكتاب والسنّة و الإجماع و القياس، أمّا الظنّية فقد وقع خلاف بينهم في اعتبارها هي الاستحسان و المصالح المرسلة و سد الذرائع والعرف وقول الصحابي ومذهبه، ولذلك قد يسمونها بالأدلّة المختلف فيها[١٠٣].
والقياس الظنّي يحتلّ بابا واسعا من الفقه عندهم، وعليه تدور كثير من الأحكام، ولذلك تراهم قليلاً ما يرجعون إلى الأصول العملية ؛ لأنّ باب الظنّ عندهم واسع.

المصادر

  1. . لسان العرب 2: 2014 مادّة «شرع».
  2. . المصدر السابق.
  3. . فوائد الأصول 1 ـ 2: 207 ـ 470.
  4. . تاريخ التشريع الإسلامي الشهاوي: 6.
  5. . تاريخ الفقه الجعفري: 15، تاريخ التشريع الإسلامي الفضلي: 10.
  6. . المدخل في التعريف بالفقه الإسلامي: 19.
  7. . الشورى: 13.
  8. . الشورى: 21.
  9. . المدخل في التعريف بالفقه الإسلامي: 19.
  10. . الجاثية: 18.
  11. . تفسير الميزان 18: 166.
  12. . مدخل إلى دراسة الشريعة الإسلامية: 37.
  13. . تاريخ التشريع الإسلامي الشهاوي: 7.
  14. . تاريخ التشريع الإسلامي الفضلي: 17، 22.
  15. . تدريب الراوي 1 ـ 2: 315.
  16. . تأسيس الشيعة لعلوم الإسلام: 279.
  17. . مختصر الكلام (ضمن موسوعة الإمام السيّد عبدالحسين شرف الدين) 6: 2701.
  18. . المراجعات: 431، مراجعة 110.
  19. . أنظر: تاريخ التشريع الإسلامي الحكيم: 66، أضواء على السنة المحمدية: 94.
  20. . مختصر الكلام (ضمن موسوعة عبدالحسين شرف الدين) 6: 2704.
  21. . المراجعات: 433 ـ 434، مراجعة 110 بتصرّف.
  22. . تاريخ التشريع الإسلامي الفضلي: 85.
  23. . مختصر الكلام (ضمن موسوعة الإمام السيّد عبدالحسين شرف الدين) 6: 2717.
  24. . المبادئ العامة للفقه الجعفري: 79.
  25. . المعتبر في شرح المختصر 1: 26.
  26. . الإمام جعفر الصادق: 194.
  27. . المبادئ العامة للفقه الجعفري: 81.
  28. . المبادئ العامة للفقه الجعفري: 83.
  29. . المراجعات: 440، مراجعة 110، وسائل الشيعة 1: 65 مقدّمة التحقيق.
  30. . أنظر: المراجعات: 440 مراجعة 110، وسائل الشيعة 1: 66 ـ 68 مقدّمة التحقيق.
  31. . أنظر: المبادئ العامة للفقه الجعفري: 308 ـ 312.
  32. . المبادئ العامة للفقه الجعفري: 320.
  33. . المصدر السابق: 308.
  34. . المبادئ العامة للفقه الجعفري: 312، أنظر: تاريخ التشريع الإسلامي الفضلي: 161 ـ 181.
  35. . المبادئ العامة للفقه الجعفري: 319.
  36. . أنظر: تاريخ التشريع الإسلامي الفضلي: 175، المبادئ العامة للفقه الجعفري: 324.
  37. . المبادئ العامة للفقه الجعفري: 325 أنظر: تاريخ التشريع الإسلامي الفضلي: 183 ـ 185.
  38. . المبادئ العامة للفقه الجعفري: 326 ـ 327 أنظر: تاريخ التشريع الإسلامي الفضلي: 185.
  39. . المبادئ العامة للفقه الجعفري: 327، أنظر: تاريخ التشريع الإسلامي الفضلي: 185 ـ 186.
  40. . المبادئ العامة للفقه الجعفري: 328.
  41. . المصدر السابق.
  42. . المراجعات: 440، مراجعة 110، وسائل الشيعة 1: 65 مقدمة التحقيق.
  43. . الإمام الصادق والمذاهب الأربعة 1: 563.
  44. . المصدر السابق: 563 ـ 564.
  45. . كشف المحجّة لثمرة المهجة: 127.
  46. . المصدر السابق.
  47. . الرعاية في علم الدراية: 74 ـ 75.
  48. . السرائر 1: 41.
  49. . المصدر السابق: 51.
  50. . أنظر: روضات الجنات 1: 127 ـ 130، تاريخ التشريع الإسلامي الفضلي: 436، تاريخ الفقه الإسلامي وأدواره (السبحاني): 384 وما بعدها.
  51. . أنظر: تاريخ التشريع الإسلامي الفضلي: 450 ـ 451، تاريخ الفقه الإسلامي وأدواره (السبحاني): 417 وما بعدها.
  52. . المبادئ العامة للفقه الجعفري: 70.
  53. . الكافي 1: 64 كتاب فضل العلم، باب اختلاف الحديث ح1.
  54. . المصدر السابق: 56 كتاب فضل العلم، باب البدع والرأي والمقائس ح14.
  55. . المصدر السابق: 58 كتاب فضل العلم، باب البدع والرأي والمقائس ح21.
  56. . المصدر السابق: 238 ـ 239 كتاب الحجة، باب فيه ذكر الصحيفة والجفر والجامعة ومصحف فاطمة عليهاالسلام ح1.
  57. . المصدر السابق: 53 كتاب فضل العلم، باب رواية الكتب والحديث وفضل الكتابة والتمسك بالكتب، ح14.
  58. . سنن الدارمي 1: 125 باب من رخص في كتابة العلم من حديث عبد اللّه‏ بن عمر.
  59. . تدريب الراوي 1 ـ 2: 315، أنظر: مختصرالكلام ضمن موسوعة الإمام السيّد عبدالحسين شرف الدين 6: 2701.
  60. . الكافي 1: 52 كتاب فضل العلم، باب رواية الكتب والحديث وفضل الكتابة والتمسّك بها ح9.
  61. . المصدر السابق: 52 كتاب فضل العلم، باب رواية الكتب والحديث وفضل الكتابة والتمسّك بها ح11.
  62. . المصدر السابق: 52 كتاب فضل العلم، باب رواية الكتب والحديث وفضل الكتابة والتمسّك بها ح13.
  63. . المصدر السابق: 53 كتاب فضل العلم، باب رواية الكتب والحديث وفضل الكتابة والتمسّك بها ح15.
  64. . تاريخ التشريع الإسلامي: 26.
  65. . وصول الأخيار: 44 ـ 45.
  66. . المبادئ العامة للفقه الجعفري: 308.
  67. . أنظر: المدخل في التعريف بالفقه الإسلامي: 50 ـ 59، تاريخ التشريع الإسلامي الشهاوي: 14 ـ 16، نظرة عامة في تاريخ الفقه الاسلامي: 9 ـ 10.
  68. . المدخل الفقهي العام 1: 148 بتصرّف.
  69. . تاريخ التشريع الإسلامي الحكيم: 36.
  70. . تاريخ الفقه الجعفري: 125، نظرة عامّة في تاريخ الفقه الإسلامي: 53 ـ 54.
  71. . أنظر: تاريخ الفقه الإسلامي السايس: 17 ـ 40، تاريخ التشريع الإسلامي (الحكيم): 36.
  72. . تاريخ التشريع الإسلامي الشهاوي: 17.
  73. . نظرة عامّة في تاريخ الفقه الإسلامي: 53.
  74. . تاريخ التشريع الإسلامي الحكيم: 36.
  75. . أنظر: تاريخ التشريع الإسلامي الخضري: 75 ـ 82، تاريخ الفقه الإسلامي: 45.
  76. . تاريخ التشريع الإسلامي الخضري: 79.
  77. . تاريخ التشريع الإسلامي الشهاوي: 44.
  78. . تاريخ الفقه الإسلامي السايس: 46 ـ 47.
  79. . المدخل الفقهي العام 1: 166.
  80. . المدخل الفقهي العام 1: 167، تاريخ الفقه الإسلامي السايس: 68 ـ 69.
  81. . المدخل الفقهي العام 1: 168.
  82. . تاريخ التشريع الإسلامي الخضري: 98.
  83. . المصدر السابق: 107 ـ 122.
  84. . المصدر السابق: 130 ـ 132.
  85. . أنظر: المدخل الفقهي العام 1: 171.
  86. . المصدر السابق: 172 ـ 173.
  87. . المصدر السابق: 174.
  88. . تاريخ التشريع الإسلامي الخضري: 159 ـ 164، المدخل الفقهي العام 1: 174.
  89. . تاريخ التشريع الإسلامي الخضري: 133.
  90. . المدخل الفقهي العام 1: 176، أنظر: تاريخ التشريع الإسلامي الشهاوي: 258 ـ 261.
  91. . المدخل الفقهي العام 1: 176.
  92. . تاريخ التشريع الإسلامي الخضري: 240 ـ 241.
  93. . المدخل الفقهي العام 1: 184.
  94. . المصدر السابق: 186.
  95. . أنظر: المدخل الفقهي العام 1: 189، تاريخ الفقه الإسلامي السايس: 135 ـ 138.
  96. . تاريخ التشريع الإسلامي الشهاوي: 269.
  97. . تاريخ التشريع الإسلامي الشهاوي: 270.
  98. . المصدر السابق: 270 ـ 271.
  99. . تاريخ التشريع الإسلامي الشهاوي: 271.
  100. . أنظر: المدخل في التعريف بالفقه الإسلامي: 155 ـ 156، المدخل الفقهي العام 1: 196 ـ 210.
  101. . أنظر: مدخل إلى دراسة الشريعة الإسلامية: 113 ـ 115.
  102. . أنظر: مصباح الأصول 2: 247 ـ 248.
  103. . أنظر: الإبهاج في شرح المنهاج 3: 165 وما بعدها، البحر المحيط 6: 7 وما بعدها.