الفرق بين المراجعتين لصفحة: «الاستثناء»

أُضيف ٢٨٬٧٧٠ بايت ،  ٦ مارس ٢٠٢١
لا يوجد ملخص تحرير
لا ملخص تعديل
لا ملخص تعديل
سطر ٤٣: سطر ٤٣:
وفصَّل الحنفية في المستغرق: فإن كان بلفظ الصدر، نحو: «لفلان عليَ عشرةٌ إلاّ عشرة»، أو بما يساويه في المفهوم، نحو: «عبيدي أحرار إلاّ مماليكى»، فهو باطل. وإن كان بغير ذلك، نحو: «عبيدي أحرار إلاّ هولاء» وأشار إلى عبيده الموجودين، لم يمتنع. <ref> سلّم الوصول المطيعي 2 : 411، وانظر : التوضيح شرح التنقيح 2 : 86 ـ 87 ، أصول الفقه (الخضري بك) : 178.</ref>
وفصَّل الحنفية في المستغرق: فإن كان بلفظ الصدر، نحو: «لفلان عليَ عشرةٌ إلاّ عشرة»، أو بما يساويه في المفهوم، نحو: «عبيدي أحرار إلاّ مماليكى»، فهو باطل. وإن كان بغير ذلك، نحو: «عبيدي أحرار إلاّ هولاء» وأشار إلى عبيده الموجودين، لم يمتنع. <ref> سلّم الوصول المطيعي 2 : 411، وانظر : التوضيح شرح التنقيح 2 : 86 ـ 87 ، أصول الفقه (الخضري بك) : 178.</ref>
ويبدو أنَّ حجّة القائلين بهذا الشرط استلزام الاستثناء المستغرق بطلان الكلام ولغويته. <ref> انظر : البرهان في أصول الفقه 1 : 143.</ref>
ويبدو أنَّ حجّة القائلين بهذا الشرط استلزام الاستثناء المستغرق بطلان الكلام ولغويته. <ref> انظر : البرهان في أصول الفقه 1 : 143.</ref>
==الاستثناء معارضة أو بيان==
قال الحنفية: إنَّ الاستثناء يعمل بطريق البيان، وعلى قول الشافعي يعمل بطريق المعارضة، ولم يرد نصٌّ عن الشافعي، لكن استدلّوا على رأيه باستظهارات. <ref> انظر : ميزان الأصول : 1 : 461 ـ 462، البحر المحيط 3 : 298.</ref>
والمراد بالبيان: أنَّ المستثنى لم يكن مرادا للمتكلّم من الأصل؛ لأنَّه مَنَعَ دخوله تحت المستثنى منه، وأمَّا بالنظر إلى صورة اللفظ، فهو استخراج صوري.
والمراد بالمعارضة: أنَّه يمنع الحكم مثل دليل التخصيص، أي: أن يثبت حكما مخالفا لحكم صدر الكلام؛ فإنَّ صدر الكلام يدلُّ على إرادة المجموع، وآخره يدلُّ على إرادة إخراج بعض عن الإرادة، فتعارضا في ذلك البعض، فتعيَّن خروجه عن المراد دفعا للتعارض، كتخصيص العام. <ref> البحر المحيط 3 : 298.</ref>
وفائدة الخلاف في كيفية التعامل مع النص الذي تضمَّن استثناءً، فإنّه بناءً على التعارض يندرج تحت بحوثه ويعالج بمعالجات التعارض مثل التخصيص، أمّا بناءً على كونه بيانا، فيكون من بحوث الألفاظ ولا حاجة لمعالجته بنحو التعارض.
==الألفاظ ذات الصلة==
===أ ـ التخصيص===
اعتبر [[السيد المرتضى]] الاستثناء من أقسام الأدلَّة المتصلة والمخصِّصة الأربعة وهي: الاستثناء، والتقييد بصفة، والدليل العقلي، والدليل السمعي<ref> الذريعة 1 : 243.</ref>، وكذلك فعل [[الفخرالرازي]]<ref> المحصول 1 : 406 ، وانظر : الكاشف عن المحصول 4 : 431 ـ 434.</ref>، و [[الآمدي]]<ref> الإحكام 1 ـ 2 : 491.</ref>، و [[الزركشي]]<ref> البحر المحيط 3 : 300.</ref>، و [[محدرضا المظفّر]]<ref> أصول الفقه 1 ـ 2 : 193 ـ 194.</ref>، و [[حسن هيتو]]<ref> الوجيز في أصول التشريع الإسلامي : 182 ـ 183.</ref>، ومحمد أبوالنور زهير<ref> أصول الفقه 1 ـ 2 : 448.</ref>، و [[الخضري بك]]، إلاَّ أنَّ الأخير اعتبره واحدا من أدلّة التخصيص الخمسة وهي: الشرط والغاية والصفة والبدل والاستثناء. <ref> أصول الفقه : 178.</ref>
والجويني اعتبر الاستثناء عِدْلاً للتخصيص ومن القرائن غير الحالية التي يرفع اليد بها عن العموم؛ إذ قال: «فأمَّا القرائن التي ليست حالية، فهي تنقسم إلى الاستثناء والتخصيص»<ref> البرهان في أصول الفقه 1 : 136.</ref>. وفرَّق بينهما في الأمور التالية:
1 ـ الاستثناء مع المستثنى منه في حكم الكلام الواحد ، والتخصيصُ لايقع جزءا من الكلام الوارد عامّا.
2 ـ التخصيص قد يتبيَّن بقرائن الأحوال، ولايُفْرَضُ ذلك في وضع الاستثناء. <ref> المصدر السابق 1 : 145 ـ 146.</ref>
واعتبر أبو حامد الغزالي الاستثناء كالتخصيص من القرائن اللفظية التي يرفع اليد بها عن العموم<ref> المنخول : 154.</ref>. وفرَّق بينهما بما يلي:
1 ـ الاستثناء جزء من الكلام، وليس كذلك التخصيص.
2 ـ التخصيص بيان لمعنى اللفظ والمراد به، والاستثناء رافعا وناسخا (أو معارضا).
3 ـ الاستثناء يجوز اتصاله بالنص، والتخصيص لايتطرّق إلى النص. <ref> المصدر السابق : 163.</ref>
===ب ـ النسخ===
يفرّق بين النسخ والاستثناء في الأمور التالية:
1 ـ النسخ يرفع ما دخل تحت اللفظ المنسوخ، والاستثناء يمنع بعض الأفراد من الدخول تحت المستثنى منه. <ref> انظر : المستصفى 2 : 74، روضة الناظر : 132، ابن قدامة وآثاره الأصولية 2 : 253.</ref>
2 ـ يشترط في الاستثناء اتّصاله بالمستثنى وعدم استقلاله عنه، في حين يشترط في الناسخ تأخُّره واستقلاله.
3 ـ يجوز في النسخ رفع بعض أو جميع الحكم، في حين الاستثناء يمنع بعض الأفراد من الدخول تحت المستثنى منه. <ref> انظر : الجامع لمسائل أصول الفقه : 286، روضة الناظر : 132، ابن قدامة وآثاره الأصولية 2 : 253.</ref>
===ج ـ الشرط===
يميّز بين الشرط والاستثناء في أمور، منها:
1 ـ الاستثناء يُخْرِجُ الأعيانَ، والشرط يُخْرِجُ الأحوال.
2 ـ الشرط يُثبت الحكم في حال وجوده، وينفيه في حال عدمه، والاستثناء يجمع بين النفي والإثبات.
3 ـ لايجوز في الاستثناء رفع جميع المنطوق به، في حين يجوز أن يدخل الشرط في كلام يبطل جميعه. <ref> البحر المحيط 3 : 338.</ref>
==أقسام الاستثناء==
للاستثناء أقسام متعدّدة باعتبارات مختلفة، أهمها تقسيمه باعتبار الحقيقة والمجاز، فيقسم إلى قسمين:
'''الأوّل: الاستثناء الحقيقي:''' وهو المتَّصل من حيث الكلام، والمتّحد من حيث الجنس، أي أنّ شروط الاستثناء قد تحقَّقت فيه، من قبيل: «لزيد عندي عشرة دراهم إلاَّ درهما» و «أكرم الناس إلاَّ الفاسقين».
'''والآخر: الاستثناء المجازي أو المنقطع:''' وهو المنفصل من حيث الكلام، أو كون الاستثناء فيه من غير الجنس، من قبيل: '''«فَسَجَدَ الْمَلآئِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ إِلاَّ إِبْلِيسَ»'''<ref> الحجر : 30ـ31، وص 73ـ74.</ref> أو «أتاني المسلمون إلاَّ اليهود» <ref> انظر : المعتمد 1 : 242 ـ 243، الإحكام ابن حزم 1 ـ 4 : 420، مبادئ الوصول : 133.</ref> والمدار في كونه مجازيا أ نّه فاقد لبعض شروط الاستثناء.
ويقسَّم الاستثناء تقسيما آخر، وهو:
1 ـ الاستثناء المفرَّغ، وهو الاستثناء الذي يكون المستثنى منه محذوفا مقدَّرا مع كونه أمرا شاملاً للمستثنى، من قبيل: ما جاءني إلاّ زيد، فيقدّر أحد هنا.
2 ـ الاستثناء غير المفرَّغ، وهو الذي يكون المستثنى منه مذكورا، مثل: جاءني القوم إلاّ زيدا.
وهناك تداخل بين الأقسام، فالاستثناء المنقطع يكون غير مفرّغ دائما، أمّا المتصل فقد يكون مفرغا وقد لايكون مفرّغا. <ref> عمدة القاري 1 : 180، حاشية كتاب المكاسب الأصفهاني 2 : 60، كتاب المكاسب والبيع (الآملي) 1 : 462، المحكم في أصول الفقه 1 : 611.</ref>
==حكم الاستثناء==
لا شبهة في دلالة الاستثناء المتّصل على اختصاص الحكم ـ  سلبا أو إيجابا ـ بالمستثنى منه، ولا يعمّ المستثنى. <ref> كفاية الأصول : 209، وانظر : إرشاد الفحول 1 : 492.</ref>
وأمّا المنقطع، فباعتباره لا استثناء فيه ولا إخراج، فلا يعتبر مخصِّصا، وإنّما سمّي استثناءً مجازا، بل أنكر بعضهم تسميته استثناءً، لا حقيقةً ولا مجازا<ref> انظر : البرهان فى أصول الفقه 1 : 139، الوجيز في أصول التشريع الإسلامي : 184.</ref> لكن الموارد التالي ذكرها وقعت موضع نقاش الأصوليين:
===1 ـ حکم استثناء الأكثر===
ذهب أكثر المحصّلين من الفقهاء والمتكلّمين وأهل اللغة إلى صحّة استثناء الأكثر<ref> انظر : العُدّة في أصول الفقه الطوسي 1 : 315 ـ 316، الواضح في أصول الفقه 4 ق1 : 475، روضة الناظر : 133، نهاية الوصول (العلاّمة الحلّي) 2 : 249، أصول الفقه (ابن مفلح) 3 : 914، تمهيد القواعد : 202، زبدة الأصول (البهائي) : 136 ـ 137.</ref>، حتَّى إنَّه لو قال: «له عليَّ عشرة إلاَّ تسعة» لم يلزمه سوى درهم واحد. <ref> الإحكام الآمدي 1 ـ 2 : 501 ـ 502، الإبهاج في شرح المنهاج 2 : 147، نهاية الوصول (العلاّمة الحلّي) 2 : 249.</ref>
وذكر القاضي أبو بكر: أنَّ شرط صحّة الاستثناء أن يكون مضمونه أقلَّ من نصف المستثنى منه، ولم يتمسَّك إلاَّ باستبعاد أنَّ العرب تستقبح استثناء الأكثر. <ref> البرهان في أصول الفقه 1 : 143، المستصفى 2 : 76، نهاية الوصول العلاّمة الحلّي 2 : 249، التحبير شرح التحرير 6 : 2574.</ref> و [[أحمد بن حنبل]]<ref> إرشاد الفحول 1 : 491.</ref> وأتباعه الحنابلة<ref> الواضح في أصول الفقه 4 ق1 : 475، الإحكام الآمدي 1 ـ 2 : 502، نهاية الوصول (العلاّمة الحلّي) 2 : 249، وأصول الفقه (ابن مفلح) 3 : 913.</ref> منعوا هذا النوع من الاستثناء، وذُكِرَ أنَّ للشافعي فيه قولين. <ref> انظر : البحر المحيط 3 : 290.</ref>
وهناك مذهب آخر (ثالث)، وهو: التفصيل بين أن يكون العدد صريحا، فلا يجوز استثناء الأكثر، نحو: «عشرة إلاَّ تسعة»، وبين غيره، فيجوز نحو: «خذ الدراهم إلاَّ ما في الكيس الفلاني» وكان ما في الكيس أكثر من الباقي. <ref> انظر : الإحكام الآمدي 1 ـ 2 : 503، الإبهاج في شرح المنهاج 2 : 148، البحر المحيط 3 : 291، التحبير شرح التحرير 6 : 2574.</ref>
و [[السيد الخوئي]] يفصِّل بنحو آخر؛ إذ يقول: «عموم المستثنى منه: '''تارةً''' يكون من قبيل القضايا الخارجية، والملحوظ في الحكم هو الأفراد الخارجيين، فلا شكّ في قبح هكذا استثناء، كما لو قيل: «قتل جميع العسكر إلاّ بني تميم» وكان في العسكر من غير بني تميم رجل أو رجلان، أي أنّ المقتول رجل أو رجلان، فهذا مستهجن. و'''تارةً أخرى''' يكون العموم الوارد في المستثنى منه على نحو القضايا الحقيقة، والحكم ناظر فيه إلى الموضوع المقدّر لا الأفراد الخارجيين، فالتخصيص عندئذٍ غير مستهجن مهما بلغ المستثنى؛ لعدم لحاظ الخارج»، واعتبرَ هذا قاعدة كلية في تخصيص الأكثر. <ref> مصباح الأصول 2 : 537 ـ 538.</ref>
====أدلّة المجوّزين====
'''الأوَّل: ''' أنَّ استثناء الأكثر في المعنى المقصود كاستثناء الأقلّ، فيجب جوازُه.
'''الثاني: ''' أنَّ الاستثناء كالتخصيص في المعنى، فإذا جاز أن يُخصَّص الأكثر جاز أن يستثنيه. <ref> الذريعة 1 : 247، وانظر : اللمع : 98.</ref>
'''الثالث: ''' لا فرق بين قول القائل: (ألف غير تسعمئة وتسعة وتسعين)، وبين قوله: (واحد)، ولا فرق بين قول القائل: (سبع مئة وثلاثمئة)، وبين قوله: (ألف). وهذا كلّه من المتلائمات، وهي ألفاظ مختلفة معناها واحد. وإذا كان ذلك فلا فرق بين استثناء ثلاثمئة من ألف؛ لأنَّها بعض الألف، وبين استثناء تسعمئة وتسعة وتسعين من الألف أيضا؛ لأنَّها بعض الألف، ولا فرق. <ref> الإحكام ابن حزم 1 ـ 4 : 428.</ref>
====أدلّة المانعين====
يمكن أن يستدلَّ المانعون بالأمور التالية:
'''الأوّل: ''' أن يمنعوا منه؛ لأنَّه لايفهم منه المراد.
'''الثاني: ''' أنَّه غير مستعمل في اللغة.
'''الثالث: ''' أنَّ الحكمة تمنع من ذلك، فالاستثناء للاختصار أو للاستدراك، وفي هذا النوع من الاستثناء إطالة، كما أنَّه لم تجرِ العادة على استثناء الكثير.
'''ويرد عليه''' أمّا الأوّل، فإنّ السامع يفهم المراد من قول: (لزيد عليَّ عشرة دراهم إلاَّ تسعة). وأمّا الثاني من كونه غير مستعمل فدعوى، وعدم نقله في اللغة أو نقله نادرا لأجل أنَّ الحاجة إلى هكذا استثناء نادرة؛ ولهذا ندر في كلامهم، فلم يُنْقَل أو نُقِلَ نادرا<ref> انظر : المعتمد 1 : 244 ـ 245.</ref> مضافا إلى وروده في القرآن في الآية: '''«إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلاَّ مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ»'''<ref> الحجر : 42.</ref>، ثمَّ قال: '''«قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ»'''<ref> ص : 82 ـ 83 .</ref>، فاستثنى الغاوين من العباد، والعباد من الغاوين، وأيّهما كان أكثر فقد استثناه من الآخر. <ref> انظر : التبصرة : 169، اللمع : 97 ـ 98 الواضح في أصول الفقه 4 ق1 : 479، روضة الناظر: 133، أصول الفقه ابن مفلح 3 : 916.</ref>
وأمّا الثالث، فعلى الرغم من أنَّ الحكمة تقتضي عدم استثناء الأكثر غالبا، فإنّه أحيانا يتّفق خلافه؛ لسبق لسان أو ما شابه. <ref> انظر : المعتمد 1 : 245.</ref>
نعم، هو ركيك، وهذا لايعني عدم الصحّة، فقد يقال: «إلاَّ تسع سدس» و«خمس سبع» و«سبع سدس»، فهذا ركيك، إلاَّ أنَّه مقبول، نعم لايصدر مثله عن الشارع؛ لركاكته، لا لتناقضه. <ref> انظر : المنخول : 158.</ref>
لكنَّ الصحيح أنَّ الخلاف في أنَّ هذا الاستثناء ليس بمستحسن في اللغة عند العامّة؛ لأنَّه لاستدراك الغلط في الأصل، ومثل هذا الغلط نادر<ref> ميزان الأصول 1 : 459.</ref>، أو أنَّ هذا الاستثناء مستكره وإن كان صحيحا، فإذا قال: (عليَّ عشرة إلاَّ تسعة) فلا يلزمه باتّفاق الفقهاء إلاَّ درهم. <ref> المستصفى 2 : 77.</ref>
ثمَّ المانعون لاستثناء الأكثر اختلفوا في حدّ القليل الذي يستثنى، فالكثير لم يحدّده بالضبط، لكنَّ ابن مغيث من المالكية حدَّده بالثلث فما دونه، وهذا مذهب مالك وأصحابه. <ref> انظر : البحر المحيط 3 : 290.</ref>
===2 ـ حکم استثناء المساوي===
استثناء المساوي جائز، وإليه ذهب الجمهور، وهو واقع في اللغة وفي الكتاب العزيز، نحو قوله سبحانه: '''«قُمِ اللَّيْلَ إِلاَّ قَلِيلاً * نِصْفَهُ أَوِ انقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً»'''<ref> المزمّل : 2 ـ 3.</ref>، وقد نقل القاضي أبو الطيّب الطبري والشيخ أبو إسحاق الشيرازي والمازري والآمدي عن الحنابلة أنَّه لايصحّ استثناء المساوي، ولا وجه لذلك<ref> انظر : الإحكام الآمدي 1 ـ 2 : 433.</ref>؛ ومن المانعين استثناء المساوي ابن قتيبة؛ فإنَّه قال: القليل الذي يجوز استثناؤه هو الثلث فما دونه. <ref> إرشاد الفحول 1 : 491.</ref>
===3 ـ حکم تعقيب الاستثناء لجمل متعاقبة===
انقسم القوم إلى عِدّة أقوال في رجوع الاستثناء إلى الجملة الأخيرة أو إلى جميع الجمل فيما إذا جاء بعد جمل متعاطفة بالواو أو نحوها. على أنَّه لا خلاف في رجوع الاستثناء في المفردات المتعاطفة إلى الجميع، كما لا خلاف في رجوعه إلى مورد خاصّ إذا دلَّ دليل أو قرينة على ذلك<ref> انظر : الوجيز في أصول التشريع الإسلامي : 186.</ref>. كما أنَّهم اتّفقوا على أنَّ النزاع خاصّ بالاستثناء الواقع بعد الجمل المتعاطفة.
وقال بعضهم: إنَّ العاطف هو خصوص الواو، فإذا كان غيرها كالفاء أو ثُمَّ اختصَّ الاستثناء بالأخيرة، وإلى ذلك ذهب الأسنوي وجماعة. <ref> انظر : الإبهاج في شرح المنهاج 2 : 154، شرح الجلال المحلّي 2 : 27، القواعد والفوائد الأصولية : 338، أصول الفقه محمد أبوالنور 1  ـ 2 : 465.</ref>
====الأقوال في حکم تعقيب الاستثناء لجمل متعاقبة====
في هذا النوع من الاستثناء وردت الأقوال التالية:
=====القول الأوّل: الرجوع إلى جميع الجمل=====
وهو رأي أصحاب الشافعي<ref> انظر : المعتمد 1 : 245، التبصرة : 172، اللمع : 98، المستصفى 2 : 78، المنخول : 160، المحصول 1 : 413، الإحكام الآمدي 1 ـ 2 : 504.</ref>، والمالكية<ref> انظر : إحكام الفصول : 277، شرح تنقيح الفصول : 249.</ref>، وأكثر الحنبلية<ref> المسوّدة : 140، أصول الفقه ابن مفلح 3 : 920، القواعد والفوائد الأصولية : 336.</ref>، والشيخ الطوسي<ref> العُدّة في أصول الفقه 1 : 321.</ref>، والشهيد الثاني<ref> تمهيد القواعد : 205.</ref> من الإمامية.
واستدلّ له بعدّة أدلة:
1 ـ إنَّ الكلام إذا عُطِفَ بعضه على بعض بالواو الموضوعة للجمع صار كأنَّه مذكور بلفظ واحد، ألا ترى أنَّه لا فرق بين أن يقول: «رأيت زيدا وعمرا وخالدا»، وبين أن يقول: «رأيتهم»؟ فالاستثناء لو ذُكِرَ عقيب الجملة المتناولة لجميعهم كان متعلّقا بهم، فكذلك إذا ذكر عقيب الجمل المعطوف بعضها على بعض؛ لأنَّها في حكم الجملة الواحدة. <ref> العُدَّة في أصول الفقه الطوسي 1 : 321 ـ 322، وانظر : الإحكام (الآمدي) 1 ـ 2 : 506، الحاصل من المحصول 2 :، 347، شرح تنقيح الفصول : 250، نهاية الوصول (العلاّمة الحلّي) 2 : 263.</ref>
وأجيب بأنَّ ذلك مسلَّم في المفردات، وأمَّا في الجمل فممنوع. <ref> إرشاد الفحول 1 : 497.</ref>
2 ـ إنَّ الإجماع منعقد على أنَّه لو قال: (واللّه‏ لا أكلت الطعام، ولا دخلت الدار، ولا كلَّمت زيدا) واستثنى بقوله: (إن شاء اللّه‏)، لعاد إلى الجميع. <ref> الإحكام الآمدي 1 ـ 2 : 506.</ref>
واُجيب بأنَّ ذكر المشيئة عقيب الجمل ليس باستثناء ولا شرط؛ لأنَّه لو كان استثناء، لكان فيه بعض حروفه. ولو كان شرطا على الحقيقة، لما صحَّ دخوله على الماضي، وقد يذكر المشيئة في الماضي، فيقول القائل: «حججت وزرت إن شاء اللّه‏ تعالى». <ref> معالم الدين : 129.</ref>
3 ـ إنَّ الحاجة قد تدعو إلى الاستثناء من جميع الجمل، وأهل اللغة مطبقون على أنَّ تكرار الاستثناء في كلّ جملة مستقبح ركيك مستثقل، فلم يبقَ سوى تعقّب الاستثناء للجملة الأخيرة. <ref> الإحكام الآمدي 1 ـ 2 : 507، وانظر : روضة الناظر : 135.</ref>
ورُدَّ بأنَّهم كما يريدون الاستثناء من كلّ جملة فيختصرون بذكر ما يدلُّ على مرادهم في أواخر الجمل، هربا من التطويل بذكره عقيب كلّ جملة، كذلك يريدون الاستثناء من الجملة الأخيرة فقط، فلا بدَّ من القرينة في الحكم بالاختصار وعدمه. <ref> معالم الدين : 130.</ref>
4 ـ إنَّ الاستثناء صالح أن يعود إلى كلّ واحدة من الجمل، وليس بعض أولى من بعض، فوجب العود إلى الجميع كالعامّ. <ref> الواضح في أصول الفقه 4 ق1 : 490، الإحكام الآمدي 1 ـ 2 : 507، نهاية الوصول (العلاّمة الحلّي) 2 : 263.</ref>
وأجيب عنه: بأنَّ صلاحيّته للجميع لاتوجب ظهوره فيه، وإنَّما تقتضي التجويز لذلك والشكّ فيه، فرقا بين ما يصحّ عوده إليه، وبين ما لايصحّ. وتناول ألفاظ العموم للجميع ليس باعتبار صلاحيتها لذلك، بل لأنَّها موضوعة للشمول والاستغراق وجوبا. <ref> معالم الدين : 129 ـ 130.</ref>
5 ـ إنَّه لو قال : «عليَّ خمسة وخمسة إلاَّ ستة» لصحّ،  ولو كان مختّصا بالجملة الأخيرة، لما صحَّ؛ لكونه مستغرقا لها.
وأجيب بأنَّا لا نسلّم صحّة هذا الاستثناء، وإن سلَّمنا فإنَّما عاد إلى الجميع؛ لقيام الدليل عليه، وهو أنَّ استثناء الستة من الخمسة متعذّر، فلا بدَّ من رجوعه إلى الجميع.
6 ـ لو قال القائل: «بنو تميم وربيعة أكرموهم إلاَّ الطوال»، لعاد الاستثناء إلى الجميع، فكذلك إذا تقدَّم الأمر بالإكرام؛ ضرورة اتّحاد المعنى.
ويردُّ بأنَّ حاصل هذا يرجع إلى القياس في اللغة، وهو باطل، مع أنَّ الفرق ظاهر؛ لأنَّه إذا تأخَّر الأمر عن الجمل، فقد اقترن باسم الجميع، وهو قوله: «أكرموهم» بخلاف الأمر المتقدِّم، فإنَّه لم يتَّصل باسم الفريقين، بل باسم الفريق الأوَّل.
7 ـ إذا قال القائل: «اضربوا بني تميم وبني ربيعة إلاَّ من دخل الدار» فمعناه من دخل من الفريقين. <ref> الإحكام الآمدي 1 ـ 2 : 507 ـ 508.</ref>
ويردُّ بأنَّه ليس تقدير هذا المعنى أولى من تقدير «إلاَّ من دخل من ربيعة».<ref> المصدر السابق : 508.</ref>
8 ـ إنَّ الشرط إذا تعقَّب جملاً كثيرة، فلا خلاف في أنَّه يرجع إلى جميعها<ref> روضة الناظر : 134، شرح تنقيح الفصول : 250.</ref>، والعلّة الجامعة بينهما: أنَّ كلّ واحد منهما لايستقلّ بنفسه، ويحتاج إلى تعليقه بغيره ليفيد، فلمَّا اتّفقا في هذا الحكم، وجب اتّفاقهما في وجوب رجوع كلّ واحد منهما إلى ما تقدَّم. <ref> العُدّة في أصول الفقه الطوسي 1 : 322 وانظر : ابن قدامة وآثاره الأصولية 2 : 258.</ref>
وأجيب عن القياس على الشرط بالفرق بينهما، وذلك بأنَّ الشرط قد يتقدَّم كما يتأخَّر. <ref> إرشاد الفحول 1 : 497 وانظر : شرح تنقيح الفصول : 250.</ref>
=====القول الثاني: الرجوع إلى الجملة الأخيرة=====
وهو مذهب أصحاب [[أبي حنيفة]] <ref> نقله عنهم في المعتمد 1 : 245، والواضح في أصول الفقه 4 ق1 : 488، والإحكام الآمدي 1 ـ 2 : 504.</ref>، إلاَّ في استثناء المشيئة، فقد أرجعوه إلى الكلّ<ref> نقله عنهم في المعتمد 1 : 245، 248 والمنخول : 160 ـ 161، والمسوّدة : 140.</ref>، وكذا [[العلاّمة الحلّي]] في مبادئ الوصول<ref> مبادئ الوصول : 136.</ref>، لكنَّه ذهب إلى التفصيل في تهذيب الوصول. <ref> تهذيب الوصول : 141.</ref>
واستدلّ له بعدّة أدلة:
1 ـ من حق العموم المطلق أن يُحمل على عمومه وظاهره إلاّ لضرورة تقتضي خلاف ذلك، ولمّا خصّصنا الجملة التي يليها الاستثناء بالضرورة، لم يجز تخصيص غيرها، ولا ضرورة تقتضي ذلك.
2 ـ إنَّ الاستثناء إنَّما وجب ردّه إلى ما قبله ضرورة أنَّه لايستقل بنفسه، فإذا تعلَّق بما يليه فقد استقلَّ وأفاد، فلا حاجة إلى تعليقه بما قبل ذلك.
3 ـ إنّه فُصِل بين الاستثناء والجملة الأولى بالجملة الأخيرة، وذلك أشبه ما لو فُصِل بينهما بكلام  آخر. <ref> روضة الناظر : 134، وانظر : الفصول في الأصول 1 : 265 ـ 269، الذريعة 1 : 253، الواضح في أصول الفقه 4 ق1 : 494، أصول الفقه الخضري بك : 181.</ref>
ورُدَّ الدليل الأوَّل بأنَّ إطلاق الكلام الأوّل غير مسلَّم قبل تمام الكلام، وما تمَّ الكلام حتَّى أردف باستثناء يرجع إليه عند المعمِّم، ويحتمل الرجوع إليه عند المتوقّف، كـ : [[السيد المرتضى]] الذي لايسلِّم أن لفظ العموم يجب حمله بظاهره على الاستغراق.
وردّ الدليل الثاني بأنّ حصول الاستقلال بتعلّقه بالأخيرة، إنّما يقتضي عدم القطع بالتعلّق بغيرها، وعليه العود إلى الجميع محتمل، لا واجب. <ref> معالم الدين : 134، وانظر : الذريعة 1 : 254 ـ 255.</ref>
ورُدَّ الدليل الثالث بأنَّ العطف بالواو يوجب نوعا من الاتّحاد بين المعطوف والمعطوف عليه، فتصير الجمل كالجملة الواحدة التي لا فصل بين أجزائها. <ref> انظر : روضة الناظر : 135، البلبل في أصول الفقه : 68، ابن قدامة وآثاره الأصولية 2 : 258.</ref>


==المصادر==
==المصادر==
confirmed
١٬٦٣٠

تعديل