الأخباري

من ویکي‌وحدت

الأخباري اصطلاح أصولي يطلق علی جماعة یتمسکون في استنباطاتهم الفقهية بالأخبار وأنّهم يقولون بعدم جواز العمل بغير النص، مضافاً إلی أنّ هناك أصولاً فكرية للحركة الأخبارية، حيث يدّعي الأخباريون أنّ خطهم الفكري في استنباط الحكم الشرعي يعود إلى الفقهاء الأوائل، ويعدُّ الأمين الأسترآبادي أبرز علماء هذه المدرسة ورائدها، وهناك علماء آخرون بنفس الاتجاه، كالشيخ حسين بن شهاب الدين الكركي(م1076ق)، والحرّ العاملي، والفيض الكاشاني، والشيخ يوسف البحراني.

تعريف الأخباري لغةً

الأخباري: هو المنسوب إلى الأخبار واحده الخبر، قال الفراهيدي: «الخبر: النبأ، ويجمع على أخبار»[١]، وقال الجوهري: «الخبر بالتحريك: واحد الأخبار»[٢]، وقال ابن منظور: «الخبر بالتحريك: واحد الأخبار، والخبر: ما أتاك من نبأ عمّن تستخبر... والجمع أخبار، وأخابير: جمع الجمع. فأمّا قوله تعالى: «يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا» فمعناه: يوم تزلزل تخبر بما عمل عليها، وخبّره بكذا وأخبره: نبّأه... والاستخبار والتخبّر: السؤال عن الخبر... ورجل خابر وخبير: عالم بالخبر».[٣] وبناءً على ما تقدم، فإنّ كلّ من كان له نسبة إلى الأخبار فهو أخباري لغةً، ومن هذا الباب كان يطلق على المشتغلين بنقل القصص والأخبار على اختلاف أنواعها الأخباريين.

تعريف الأخباري اصطلاحاً

وأمّا الأخباري اصطلاحا، فقد اختلفت الأنماط في تعريفه؛ اعتمادا على الزاوية التي نظر إليها كلٌّ من المعرّفين، إلاّ أنّ هذا اللفظ قد حافظ على علاقته وارتباطه بالخبر والأخبار الذي ورثه من تعريفه اللغوي. وفي الحقيقة، فإنّ من يراجع الكلمات الواردة في تعريفهم للأخباري، يضع يده على فائدة أخرى من فوائد التعريف الاصطلاحي، وهي قراءة الخارطة التاريخية للأخباريين والأخبارية، والأدوار التي مرّ بها هؤلاء.

الأنماط المختلفة في تعريف الأخباري

وهناك أنماط من التعاريف نذکرها للقارئين تتميماً للفائدة و تکميلاً للتعريف

النمط الأول

التعريف مع قصر النظر على زاوية العلاقة بين الخبر والمشتغل به كناقل. وهو ما يرادف مصطلح المحدّث، والأخبارية أو أهل الحديث، وهو من كان مشتغلاً بنقل الحديث والأخبار، بدون أن يكون له صلة بكون الخبر مادة للاستنباط والاستدلال، ولا بنوع علاقته مع سائر أدلة الاستنباط على فرض وجودها، ولا بقيمته العلمية الإثباتية. ويعبّر عن الأخباريين حسب هذا التعريف بأهل الأخبار وأهل الحديث، بمعنى نقَلَة الحديث أيضا، وهم من تكلم بصددهم الفقهاء فقالوا عنهم: «إنّهم رووا ما سمعوا، وبما حُدّثوا به، ونقلوا عن أسلافهم، وليس عليهم أن يكون حجّةً ودليلاً في الأحكام الشرعية، أو لايكون كذلك».[٤] وذكروا أيضاً أنّ مصنّفاتهم غير معتبرة «فما في أولئك محتج، ولا من يعرف الحجّة، ولا كتبهم موضوعة للاحتجاجات».[٥] وبهذا الاصطلاح ـ الأخباري ـ أيضا عبّر عنهم علماء الرجال، حيث وصفوا بعض رجال الحديث بأ نّه: «كان أخباريّا واسع العلم».[٦] ووصفوا آخر بأ نّه كان لايبالي عمّن يأخذ، على طريقة أهل الأخبار. [٧] ومن هذا الباب تعبير بعض المفسرين في تفسيره لقوله تعالى: «...وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ»[٨] بقوله: «وغالب الأخباريين على أنّها نزلت في علي كرم اللّه‏ وجهه».[٩] وبناءً على ما سبق، فإنّ كلّ من كان مشتغلاً بنقل الأخبار والأحاديث فهو أخباري ومن أهل الأخبار والحديث. وهذا المعنى لمصطلح الأخباري شديد الالتصاق بالمعنى اللغوي للأخباري الذي سبق ذكره في المعنى اللغوي، كلّ ما في الأمر، أنّ الأخباري اصطلاحا طبق هذا النمط من التعريفات، يشتغل بنوع خاص من الأخبار وهي ما له علاقة بالشرع.

النمط الثاني

التعريف مع لحاظ زاوية الافتاء بالخبر. وهو يعبّر عن مرحلة أعلى وأكثر تطورا من المصطلح في دوره السابق، فيطلق على المشتغل بالفقه الروائي أو الفقه المنصوص، أو فقه الروايات، أو ما شابه هذه المصطلحات والذي يعتبره بعض المختصين بتأريخ الاجتهاد وأدواره المرحلة الأولى من مراحل تكوين الفقه وتطوّره[١٠]، حيث كان البحث الفقهي لايتجاوز حدود بيان الحكم الشرعي باستعراض الروايات الواردة في الباب. ولم يعهد في تلك المرحلة محاولة معالجة فروع جديدة لم تتعرض لها الروايات. [١١] وتحت هذا النمط من التعريف يصنّف من وصف الأخباريين في هذه المرحلة بأنّهم ألفوا الأخبار «وما رووه من صريح الألفاظ، حتى أنّ مسألة لو غُيّر لفظها وعُبّر عن معناها بغير اللفظ المعتاد لهم، لعجبوا منها وقصر فهمهم عنها».[١٢]

النمط الثالث

التعريف من زاوية المقابلة للأصولية والأصوليين. والمقصود بهذا النمط هو التعريف بالأخباري والأخباريين من زاوية مقابلتهم للأصوليين، وهو النمط الذي تداخل مع النمط السابق في بعض امتداداته، وهو الذي ينظر إلى الأخباريين من نافذة أخرى، هي عدم الاعتراف بغير الخبر بالإضافة إلى الكتاب كمصدر للتشريع، الأمر الذي بدأ مرحلة من التقابل بين هؤلاء وبين من لم يوافقهم في ما ذهبوا إليه، وهم المصطلح عليهم بالأصوليين. وانقسام علماء الإمامية إلى الأخباريين وغيرهم مشهور في كتب العامّة،... وفي كتب الخاصة».[١٣]

النمط الرابع

التعريف من زاوية الحركة والتيّار. وتحت هذا النمط من التعريف بالأخباريين، يتعامل المعرّفون معهم على أنّهم حركة وتيار ومدرسة لها أسسها وأركانها ومتبنّياتها، والتي يتفق الكثير بل الأكثر، على أنّ هذه الزاوية بدأت بالشيخ محمد أمين بن محمد شريف الأسترآبادي(م1033ق) صاحب «الفوائد المدنية». والأخباريون تحت هذا النمط، هم المقصودون عادةً عندما يرد ذكرهم في علم الأصول والرجال، وسيأتي الحديث عنهم وعن متبنياتهم وأسس مدرستهم في ما سيأتي من العناوين. وتحت هذا النمط تقع كلمات أصحاب هذه الحركة، حيث يدَّعون أنّه كما لا اجتهاد عند الأخباريين لا تقليد أيضا، فانحصر العمل في غير ضروريات الدين في الروايات عنهم. [١٤] وأنّهم يقولون بعدم جواز العمل بغير النص. [١٥] وأنّه ما هو الفرق بين المجتهد والأخباري؟[١٦] وهكذا تكلم جملة من المحقّقين غير الأخباريين تحت هذا النمط، حيث ادّعى بعض أنّه وقد مني علم الأصول بعد الشيخ جمال الدين(م1011ق) بصدمة عارضت نموّه وعرّضته لحمله شديدة؛ وذلك نتيجة لظهور حركة الأخبارية في أوائل القرن الحادي عشر على يد الميرزا محمد أمين الأسترآبادي واستفحال أمر هذه الحركة بعده. [١٧] وأنّه قد «تعاظم أمر الأخباريين وانتشرت كلمتهم على يد عميدهم محمد أمين الأسترآبادي ، حتى قيام عميد مدرسة الأصول في عصره الأستاذ البهبهاني».[١٨] وأنّ هناك أصولاً فكرية للحركة الأخبارية، حيث «يدّعي الأخباريون أنّ خطهم الفكري في استنباط الحكم الشرعي يعود إلى الفقهاء الأوائل... ويعدُّ الأمين الأسترآبادي أبرز علماء هذه المدرسة ورائدها، وهناك علماء آخرون بنفس الاتجاه، كالشيخ حسين بن شهاب الدين الكركي(م1076ق)، والحرّ العاملي، والفيض الكاشاني، والشيخ يوسف البحراني مؤلّف «الحدائق الناضرة».[١٩] هذه أنماط مختلفة للتعريف بالأخباري وبالأخباريين، والنمط الأخير في التعريف هو المنظور عادةً وغالبا عند إطلاقه في علم الأصول، وعند مناقشة العلماء الأصوليين للأخباريين. نعم، عمّم بعض[٢٠] مصطلح الأخباري لمقلّد العالم الأخباري، إلاّ أنّه مبني على المسامحة ظاهرا.

المصادر

  1. العين 4 : 258 مادة «خبر».
  2. الصحاح 2 : 641 مادة «خبر».
  3. لسان العرب 1 : 1023 مادة «خبر».
  4. السرائر 1 : 50.
  5. رسائل الشريف المرتضى 1 : 27.
  6. رجال النجاشي : 346، الرقم 936.
  7. رجال ابن الغضائري : 39، الرقم 10.
  8. المائدة : 55.
  9. روح المعاني 6 : 167.
  10. راجع : تأريخ التشريع الإسلامي الخضري بك : 9، 75، المدخل الفقهي العام 1 : 148، 156، تأريخ التشريع الإسلامي (القطّان) : 25، 181، تأريخ الفقه الاسلامي وأدواره : 209 وما بعدها.
  11. راجع المقدمة التي كتبها الشيخ محمد مهدى الآصفي لكتاب رياض المسائل تحت عنوان : تأريخ فقه أهل البيت عليهم‏السلام : 35.
  12. المبسوط الطوسي 1 : 2، وانظر : المعالم الجديدة للاصول : 79 ـ 80 ، 81 ، تذكرة الأعيان (السبحاني) : 351.
  13. الفوائد المدنية : 97، وانظر : نهاية الوصول 3 : 403، شرح المواقف 7 : 392.
  14. الفوائد المدنية : 61، 75.
  15. الفوائد الطوسية : 447.
  16. الحدائق الناضرة 1 : 167.
  17. المعالم الجديدة للأصول : 98.
  18. القرآن الكريم وروايات المدرستين 3 : 33.
  19. مقدمة رياض المسائل 1 : 104 ـ 105 بتصرّف. وراجع : تأريخ الفقه الإسلامي وأدواره : 394 ما بعدها.
  20. منية السائل : 238.