أحمد سحنون
أحمد سحنون: داعية إسلامي، وأديب، وأحد علماء الجزائر القلائل الذين توحّدت حولهم معظم الأطياف والتوجّهات، فكان عالم وحدة وتماسك وتضامن، وليس عالم فرقة وتجزئة وتشرذم.. ساهم بكتاباته وخطبه ودعواته في توحيد شمل المسلمين وإصلاح حالهم.
المولد والنشأة
ولد أحمد سحنون سنة 1907 ببلدة ليشانة قرب مدينة بسكرة جنوب شرق الجزائر، وتوفّيت أمّه وهو رضيع، وتولّى والده -والذي كان معلّماً للقرآن الكريم- تربيته، فحفظ كتاب الله وعمره 12 سنة، كما تعلّم مبادئ اللغة العربية والشريعة الإسلامية على يد مجموعة من المشايخ والعلماء، من أبرزهم: الشيخ محمّد خير الدين، والشيخ محمّد الدرّاجي، والشيخ عبد الله بن مبروك.
ومنذ نعومته أظافره كان مولعاً بكتب الأدب، فدرس وطالع منها الكثير قديمها وحديثها.
جمعية العلماء المسلمين
في سنة 1936 التقى سحنون لأوّل مرّة مع الشيخ عبد الحميد بن باديس، وفي ذلك يقول: "جمعني به أوّل مجلس، فبادرني بسؤاله: ماذا طالعت من الكتب؟ فأخذت أسرد له –ولسوء حظّي أو لحسنه- قائمة حافلة بمختلف القصص والروايات، فنظر إليّ نظرة عاتبة غاضبة وقال: هلّا طالعت العقد الفريد لابن عبد ربّه، هلّا طالعت الكامل للمبرد بشرح المرصفي، واستمرّ في سرد قائمة من الكتب النافعة المكوّنة، فكانت تلك الكلمة القيّمة خير توجيه لي في هذا الباب".
وهكذا كان هذا اللقاء نقطة تحوّل كبرى في حياة الشيخ أحمد سحنون، حيث انضمّ إلى جمعية العلماء المسلمين الجزائريّين ،وأصبح من أعضائها الفاعلين.
يقول في هذا المجال في مقدّمة كتابه "توجيهات إسلامية": "إنّ كلّ شيء كنّا نعمله لهذا الشعب، وكلّ ما نبذله لهذا الوطن، إنّما كان بوحي من روح الجمعية، ووفق الخطّة التي رسمتها لتطهير هذه الأرض العربية المسلمة من وجود الاستعمار ومن سيطرة الأجنبي ومن عار الحكم بغير ما أنزل الله".
مشوار الكتابة
وبالإضافة إلى الخطابة والتعليم والشعر، اقتحم الشيخ ميدان الصحف والمجلّات، فكتب في العديد منها، كالشهاب والبصائر لسان حال جمعية العلماء المسلمين الجزائريّين، حيث ساهم في جريدة "البصائر" منذ عام 1936، ونشر أوّل قصائده في 22 مايو 1936 عنوانها: ”الإنسان بين تيّارات الشقاء”، وكانت قصائده شعرية تتناول القضايا الاجتماعية والأخلاقية، ثمّ نشر مجموعة مقالات عالجت مشكلات مماثلة، وكان أوّلها حول ”الكذب وخطره على المجتمع”، وواصل الكتابة في هذه الجريدة إلى أن حظرتها سلطات الاحتلال الفرنسي في عام 1956.
وأعجب الشيخ الفضيل الورتلاني الذي كان آنذاك مقيماً في القاهرة بالمقال الأسبوعي المنشور في ركن: “منبر الوعظ والإرشاد” الذي بدا الشيخ بنشره في فبراير 1953، والذي تلقّى قبولاً حسناً لدى القرّاء، ونال شهرة واسعة في الجزائر وخارجها.
وحتّى أنّ محمّد البشير الإبراهيمي علّق على كتاباته قائلاً:«إنّ ما تكتبه في البصائر هو حلّة البصائر»، وهي شهادة كانت أعزّ عليه من كلّ وصف، ذلك أنّها صدرت من رجل كان يعتبره قدوة له وعظيماً من عظماء الأمّة.
في سنة 1947 اشترك في المجلس الإداري للجمعية، وقام بكتابة نشيدها، كما عيّنته الجمعية في نفس السنة معلّماً في مدرسة "التهذيب الحرّة" في بولوغين، ثمّ أصبح مديراً لها بعد عام واحد. ويشهد الجميع للشيخ بقوّة خطابه وبلاغته وفصاحته، حيث كان يقصده جمع غفير من الناس يؤدّون عنده صلاة الجمعة في مسجد الأمّة ببولوغين، فكان يحثّ الشباب على الاعتزاز بماضيهم والتمسّك بالحرّية والسعي نحو الانعتاق من نير الاستعمار.
مع الثورة التحريرية
أدرك الشيخ حقيقة المستعمر الفرنسي، فكان دائم التحذير من مكائده والتنبيه إلى أساليبه، وساهم مع إخوانه العلماء في نشر الوعي الديني والوطني في أوساط الشعب وبعث الثقة في نفسه؛ ليرفع لواء الحرّية والاستقلال، ويطهّر وطنه من رجس المستعمرين.
وكان قد كوّن تنظيماً فدائياً سرّياً انطلاقاً من مسجد الأمّة عام 1953.
في عام 1955 مرض الشيخ أحمد سحنون، واضطرّ إلى السفر إلى مدينة ليون الفرنسية للاستشفاء، وأجريت له العملية الجراحية في عينه، ثمّ عاد إلى الجزائر.
بعد اندلاع ثورة التحرير الجزائرية لم يتردّد سحنون في مساندتها، ممّا أدّى إلى سجنه عام 1956. وحاول المستعمر استغلال مكانة الشيخ عند الشعب الجزائري وتأثيره فيه، فطلب منه أن يحذّر الناس من المجاهدين ويبعدهم عن احتضان الثورة ودعمها، فردّ عليه قائلاً: "أنا الآن في حكم الميّت، إذا نفّذت ما طلبتم منّي يقتلني إخواني، وإذا لم أنفّذ تقتلونني أنتم، ومادمت ميّتاً فليكن موتي على أيديكم أفضل". فحكم عليه بالإعدام، ثمّ أطلق سراحه بعد ثلاث سنوات لأسباب صحّية، فقام المجاهدون بتهريبه إلى منطقة باتنة بالشرق الجزائري، ثمّ إلى مدينة سطيف؛ ليواصل عمله وجهاده بين أفراد شعبه.
وخلال تواجده بالسجن كان مواظباً على متابعة ما يصدره الأستاذ سيّد قطب من تفسيره "في ظلال القرآن"، وكان يقول: "كان الظلال يخرج من السجن في مصر، ويدخل السجن في الجزائر».
الدعوة بعد الاستقلال
بعد نيل الجزائر استقلالها، عيّن الشيخ أحمد سحنون إماماً خطيباً بالجامع الكبير بالعاصمة، وعضواً بالمجلس الإسلامي الأعلى، فواصل عمله الدعوي التربوي.
ومن الجهود التي قام بها الشيخ محاولته تأسيس رابطة الدعوة الإسلامية، وهي إطار دعوي يجمع كافّة أطياف الحركة الإسلامية لتوجيه العمل الدعوي وتوجيه جهود العاملين بعد توحيدها وتنسيقها لاجتناب التناحر والشقاقات داخل صفوف الحركة الإسلامية، كان ذلك سنة 1989م، وقد كانت محاولة رائدة لو كتب لها الله النجاح والاستمرار.
ولمّا دخلت الجزائر في محنتها وسالت دماء أبنائها حاول مخلصاً جاهداً أن يجنّب الشعب ويلات تلك المحنة وآلامها، فكان جزاؤه محاولة اغتياله وهو في ساحة المسجد متوجّهاً للصلاة، ممّا ترك في نفسه الأثر العميق لما وصلت إليه الجزائر، فعكف في بيته يدعو الله ويعبده ويطالع الكتب ويدرّس إلى أن لقي ربّه.
الآثار
ترك الشيخ بعض الآثار المخطوطة والمطبوعة، أهمّها:
1.دراسات وتوجيهات إسلامية.
2.كنوزنا.
3.ديوان شعر بعنوان:" حصاد السجن"، يضمّ 196 قصيدة.
4.ديوان شعر بعنوان:" تساؤل وأمل ".
إلى جانب عشرات المقالات في العديد من الجرائد والمجلّات، كالبصائر والشهاب.
الوفاة
روى أحد الإخوة ممّن زار سحنون في الأسبوع الأخير من رمضان وهو على فراش المرض: أنّه كان يدخل في غيبوبة لبعض الوقت، ولمّا يستفيق يردّد قوله تعالى: {فَأَمَّا ٱلزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَآءًۭ وَأَمَّا مَا يَنفَعُ ٱلنَّاسَ فَيَمْكُثُ فِى ٱلْأَرْضِ}(سورة الرعد-17). قال: ولمّا عزمنا على الخروج من عنده طلبنا منه أن ينصحنا، فقال (رحمه الله): “عليكم بالتوحيد والوحدة”.
توفّي الشيخ أحمد سحنون ليلة الاثنين 8 ديسمبر 2003 م الموافق لـ 14 شوّال 1424 هـ، وقد كان لهذا النبأ وقع أليم على نفوس كلّ الجزائريّين، وكانت وفاته مصاباً كبيراً وخسارة فادحة للجزائر.