الفرق بين المراجعتين لصفحة: «آية الاعتصام بحبل الله»

من ویکي‌وحدت
(أنشأ الصفحة ب'قال الله تعالى في محكم كتابه ومبرم خطابه : (وَآعْتَصِموا بِحَبْلِ اللهِ جَميعآ وَلا تَفَرَّ...')
 
لا ملخص تعديل
سطر ٩: سطر ٩:
(لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسآ إلّا وُسْعَها)[3] .
(لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسآ إلّا وُسْعَها)[3] .


   
  ويتناول علماء مركز الفتوي بالأزهر الشريف، اليوم معني الوِحدة، من خلال تفسير الآية الكريمة "وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا " {آل عمران: آية 103}.
 
كان العرب في الجاهليّة، وقبل الإسلام أعداءً يضرب بعضهم رقاب بعض، وتقوم بينهم الحروب لأتفه سبب وأقلّه، وهنا يمتنّ الله عليهم بنعمة الألفة ويذكّرهم كيف كانوا، ثمّ كيف آل أمرهم بعد أن جمع الإسلام هذه القلوب المتنافرة، فأصبحوا بنعمةِ الله إخوانًا، وينهاهم عن أن يحدثوا ما يكون به التّفرق، ويزول معه الاجتماع والألفة، فيعودُ بهم الحال إلى ما كانوا عليه في الجاهليّة من التّدابر والقطيعة، إن الفرقة تؤدّي إلى الضعف، والضعف يُجرّئ أعداء الأمة عليها، ولا يستقيمُ حال أمّة من الأمم إلاّ بالاتّفاقِ والائتلاف، ونبذ التّخالف والفرقة، لذا حذّر النّبي -صلّى الله عليه وسلّم- من الفرقةِ فقال:" إِيّاكُمْ وَالفٌرْقَةِ"، وقال عليه أفضل الصّلاة وأتمّ التّسليم:" يدُ الله معَ الجَمَاعَةِ"، وحتّى عمليًّا حين أرادَ النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يؤسّسَ مجتمعًا قويًّا بالمدينة، فإنّ أوّل ما صنعه هو أن آخى بين المهاجرين والأنصار، ونحنُ إذ نقرأ التّاريخ تطالعنا تلك السطور المريرة، تحكي مَا حدث لمّا وقع الخلاف بين المسلمين، ودبّت الفرقة في صفوفهم، نعم قد يطرأ على الأمّة أسباب الخلاف والفرقة، لكنّ الله أرشدهم إلى ما يحسم مادة النّزاع، وهو الاعتصام بكتاب الله وسنّة نبيه فهذا الّذي به تتّفق الكلمة، ويتبدّد الشتات، يقول الله تعالى:" فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ"{آل عمران:59}، ومما يحسن إيراده أن الآية والأمر بالوحدة ليس فيها دليلٌُ على تحريم الاختلاف في وجهات النّظر، والرؤية لشئون الحياة، والفهم، فإن ذلك لا يتعذّر معه الجمع، ومازال الصّحابة يختلفون في أحكام الحوادث، وهمْ مع ذلك متآلفون، إنّ الأمّة اليوم على مفرق طرقٍ، وهي أحوج ما تكون إلى نبذ الشقاق، وجمع الكلمة، وتوحيد الصّف، ولا يمكن أن تجتمع القلوب إلا على أخوّة في الله، تنطفئ بها الأحقاد التّاريخيّة، والثّارات القديمة، والأطماع الشخصيّة، ورايات، العنصريّة،" إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ "{ الأنبياء: آية 92} صدق الله العظيم .





مراجعة ٠٤:٤٦، ١٣ يوليو ٢٠٢١

قال الله تعالى في محكم كتابه ومبرم خطابه  :

(وَآعْتَصِموا بِحَبْلِ اللهِ جَميعآ وَلا تَفَرَّقوا)[2] .


هذه الآية الشريفة من الآيات التي يدعو إليها دعاة الوحدة الإسلامية من كلّ المذاهب والفرق ، مع هذا نجد المسلمين لا زالوا متفتّتين ومتشتّتين ، ولا زال الاختلاف والافتراق قائم على قدم وساق ، وكأنّهم عجزوا عن العمل بها، وكأنّ تكليفها ممّـا لا يطاق ، والحال  :

(لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسآ إلّا وُسْعَها)[3] .

ويتناول علماء مركز الفتوي بالأزهر الشريف، اليوم معني الوِحدة، من خلال تفسير الآية الكريمة "وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا " {آل عمران: آية 103}.

كان العرب في الجاهليّة، وقبل الإسلام أعداءً يضرب بعضهم رقاب بعض، وتقوم بينهم الحروب لأتفه سبب وأقلّه، وهنا يمتنّ الله عليهم بنعمة الألفة ويذكّرهم كيف كانوا، ثمّ كيف آل أمرهم بعد أن جمع الإسلام هذه القلوب المتنافرة، فأصبحوا بنعمةِ الله إخوانًا، وينهاهم عن أن يحدثوا ما يكون به التّفرق، ويزول معه الاجتماع والألفة، فيعودُ بهم الحال إلى ما كانوا عليه في الجاهليّة من التّدابر والقطيعة، إن الفرقة تؤدّي إلى الضعف، والضعف يُجرّئ أعداء الأمة عليها، ولا يستقيمُ حال أمّة من الأمم إلاّ بالاتّفاقِ والائتلاف، ونبذ التّخالف والفرقة، لذا حذّر النّبي -صلّى الله عليه وسلّم- من الفرقةِ فقال:" إِيّاكُمْ وَالفٌرْقَةِ"، وقال عليه أفضل الصّلاة وأتمّ التّسليم:" يدُ الله معَ الجَمَاعَةِ"، وحتّى عمليًّا حين أرادَ النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يؤسّسَ مجتمعًا قويًّا بالمدينة، فإنّ أوّل ما صنعه هو أن آخى بين المهاجرين والأنصار، ونحنُ إذ نقرأ التّاريخ تطالعنا تلك السطور المريرة، تحكي مَا حدث لمّا وقع الخلاف بين المسلمين، ودبّت الفرقة في صفوفهم، نعم قد يطرأ على الأمّة أسباب الخلاف والفرقة، لكنّ الله أرشدهم إلى ما يحسم مادة النّزاع، وهو الاعتصام بكتاب الله وسنّة نبيه فهذا الّذي به تتّفق الكلمة، ويتبدّد الشتات، يقول الله تعالى:" فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ"{آل عمران:59}، ومما يحسن إيراده أن الآية والأمر بالوحدة ليس فيها دليلٌُ على تحريم الاختلاف في وجهات النّظر، والرؤية لشئون الحياة، والفهم، فإن ذلك لا يتعذّر معه الجمع، ومازال الصّحابة يختلفون في أحكام الحوادث، وهمْ مع ذلك متآلفون، إنّ الأمّة اليوم على مفرق طرقٍ، وهي أحوج ما تكون إلى نبذ الشقاق، وجمع الكلمة، وتوحيد الصّف، ولا يمكن أن تجتمع القلوب إلا على أخوّة في الله، تنطفئ بها الأحقاد التّاريخيّة، والثّارات القديمة، والأطماع الشخصيّة، ورايات، العنصريّة،" إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ "{ الأنبياء: آية 92} صدق الله العظيم .


فالاعتصام بحبل الله جميعآ ممّـا في وسع الإنسان ، فإنّه قد كلّفنا الله جلّ جلاله به ، وحثّنا الإسلام ورسوله الأكرم على ذلک ، فلماذا نجح الاستعمار والاستكبار العالمي في سياسته البغيضة (فرّق تسد)؟!... ولماذا تمزّق المسلمون ولا زال التناحر بينهم والاختلاف ؟!... ومتى نعمل بهذه الآية الكريمة لتعود لنا عزّتنا وكرامتنا، ويسود ديننا ربوع الأرض ، ذلک الدين القويم الإسلام العظيم ، الذي به ختمت الأديان السماويّة قد أنزل الله سبحانه لسعادة الإنسان وإنقاذ البشرية من حضيض الجهل والشقاء إلى قمّة العزّ والشرف والسعادة ، بكلّ أبعادها في الحياة الدنيوية والاُخروية .

فهل في الآية المقدّسة من حكمةٍ وسرٍّ خاصّ ورمزٍ مخصوص ؟!

والقرآن الكريم يفسّر بعضه بعضآ، فهل فسّر لنا آية الاعتصام ؟ أم ترک الاُمّة سدىً تتصارع بعضها مع بعض ، وهيهات لمثل القرآن الكريم أن يفعل ذلک ، وهو كتاب هداية وإرشاد وفرقان بين الحقّ والباطل ، ونور في الظلمات ، وهو كتاب الله الذي يريد بعباده خيرآ، فهو اللطيف الودود الشفيق ، وكتابه المقدّس كتاب صنع الإنسان وكماله .

فلا بدّ من سرّ في الآية قد غفل المسلمون عن مغزاها، فلاكتها ألسنهم متجاهلين معناها، وغرّتهم الدنيا فأعرضوا عن محتواها.

فما هو السرّ؟

يحدو بنا المقام أوّلا أن نفسّر الآية في الظاهر ونكشف القناع عن مفرداتها ليتسنّى لنا الوصول إلى مرادها.

فقوله تعالى : (وَآعْتَصِموا) فعل أمر يدلّ بظاهره على الوجوب ، والخطاب للمؤمنين والمسلمين ، ولا يختصّ بمن حضر حين نزول الآية ، بل عامّة إلى يوم القيامة للاشتراک في التكليف .

والعصمة لغةً  : بمعنى المنع ، ومنه الماء المعتصم الذي لا يتنجّس بمجرّد ملاقاة النجس ، بل طاهر في نفسه ومطهّر لغيره ، كماء المطر والكرّ، وتأتي بمعنى الامتناع والاستمساک وما يعتصم به من عقد وسبب . وقوله تعالى : (لا عاصِمَ اليَوْمَ )[4] ،

أي لا مانع .

والعصمة اصطلاحآ : لطف خفي أودعه الله في خاصة أوليائه ، تمنعهم من الذنوب والمعاصي ، وكلّ ما يشين بالمرء من الخطأ والنسيان لا على نحو الإلجاء والقهر.

(بِحَبْلِ اللهِ)، والحبل : خيوط مفتولة ومبرمة وآلة معروفة ، تستخدم للصعود والخروج والسحب والشدّ وما شابه ذلک ، واستعير هنا لمناسبة الصعود المعنوي به إلى الحقّ المتعال ، والخروج من آبار الظلم والفساد والمعاصي والآثام ، والانجذاب والسحب نحو الفضائل والمكارم ، والشدّ على أواصر القرب إلى الله سبحانه ، وغير ذلک .

(جَميعآ وَلا تَفَرَّقوا)، أي : كلّ واحد حال كونهم بشكل جماعي لا منفردآ، ومن ثمّ لا يتفرّقوا بعد جمع شملهم ووحدة كيانهم .

هذا واستعارة الحبل في الآية الشريفة للدلالة على أنّ عدم الاعتصام به يوجب الهوادة والسقوط في وادي الضلال والهلاک ، وهذا أمر واضح .

ثمّ (حَبْلُ اللهِ) غير الله، وما سواه فهو مخلوق له سبحانه ، وهذا المخلوق لا بدّ أن يكون معصومآ (فإنّ فاقد الشيء لا يعطيه )، وقد أمرنا أن نعتصم بهذا الحبل ، فيعطينا العصمة ، فكيف يكون ذلک لولا أن يكون معصومآ في نفسه ، حتّى يعطي العصمة لمن اعتصم به .

ثمّ من أهمّ وظائف هذا الحبل الإلهي هو الصعود إلى قمّة الكمال وسماء الجمال ، ولقاء الله سبحانه ، في مقعد صدقٍ عند مليک مقتدر، وذلک بعد الخروج من الهيولى الظلمانية ومن شوائب المادّة وبئر الظلم والمنكرات ، ومن الدنيا الدنيّة وزخرفها وزبرجها، والتسلّق نحو المعالي والكمالات ، نحو الكمال المطلق ومطلق الكمال ، وإنّک كادح إلى ربّک كدحآ فملاقيه ، وإلى الله ترجع الاُمور، وأنّ إلى ربّک المنتهى ، وإنّا إليه راجعون .

ولا بدّ من الاعتصام بقوّة وحزم في كلّ الآنات ، وإلّا فمن يغفل ولو لحظة ، فإنّه يسقط ويهوى باتّباع الهوى والغفلة عن حبل الله.

وكلّما أراد الإنسان المتمسّک بالحبل الصعود فإنّه يزداد حذرآ وحزمآ وحنكآ، فلا يكثر الخطر ويزيد الخطب ويصعب الأمر، فإنّه لا يتحمّله إلّا مؤمن امتحن الله قلبه بالإيمان .

والحبل وسيلة وليست غاية ، فإنّه يعدّ من آلات السفر من الخلق إلى الحقّ ومن الحقّ إلى الخلق ومن الخلق إلى الخلق ومن الحقّ إلى الحقّ ، كلّ ذلک بالحقّ ، فالإنسان المؤمن المتمسّک مهاجر من النقص إلى الكمال ، ومن السفل إلى العلوّ، ومن الجهل إلى العلم ، ومن الشرّ إلى الخير، ومن الشقاء إلى السعادة ، ومن الظلام إلى النور، ومن الضلال إلى الهداية .

فالحبل طريق الله وصراطه المستقيم ومنهاجه القويم وشريعته السمحاء وكتابه الكريم ... ومن لم يعتصم بحبل الله فهو في هاوية وضلال وسحق وعذاب ، فكلّ واحد مكلّف بفطرته السليمة وعقله النيّر وضميره الواعي ووجدانه المتيقّظ ودينه الكامل أن يتمسّک بحبل الله عزّ وجلّ .