الفرق بين المراجعتين لصفحة: «وسائل التقريب»

من ویکي‌وحدت
لا ملخص تعديل
لا ملخص تعديل
سطر ١: سطر ١:
'''وسائل التقريب''' كتاب [[الفقه الإسلامي المقارن|فقهي مقارن]] من تأليف الأُستاذ [[عبد المطّلب حمدان]]، ونشر دار الجامعة الجديدة في [[الإسكندرية]].<br>
'''وسائل التقريب'''السبل الكفيلة بترتيب الأثر الملموس والنتائج المطلوبة لدفع عجلة التقريب بين المذاهب الإسلامية نحو الأمام.<br>
[[تصنيف: الكتب التقريبية]]
ومن جملة هذه الوسائل والسبل اتّخاذ الإجراءات العاجلة والجادّة لتنفيذ عملية إجراء البحوث العلمية والموضوعية عن واقع كلّ مذهب من المذاهب الإسلامية، واستخراج حقائقه العقدية ومواقفه الفقهية من مصادر المذهب نفسه ومراجعه، لا ممّا كتب عنه الآخرون؛<br>
[[تصنيف: الكتب الفقهية]]
لأنّ كلّ مذهب من المذاهب له خصوصياته التي لا تعرف إلّامن مصادره المعتمدة لديه، سواء كانت عقدية أو أُصولية أو من الفروع، أو حتّى في حقل تفسير التاريخ وفهمه، لاعتبار أنّ ما كان قد كتب أو روي عن بعض المذاهب من خارج بنيتها الحقيقية قد اختلط بنفثات نسبت إلى هذا المذهب أو ذاك اتّهامات، أقلّ ما يقال عنها: إنّها ليست معترفاً بها في هذا المذهب ولا يقرّها، أو ليست صحيحة عنده.<br>
وانطلاقاً من أنّ عملية التقريب بين المذاهب لا بدّ أن يراعى فيها المصداقية والموضوعية، فإنّ مثل تلك الصفات والحقائق لا يمكن أن تؤخذ أو تستقى إلّامن لسان أصحاب المذهب نفسه، أو من مصادره المعتمدة عند أهله وأتباعه، لا من أقوال خارجية، فربّما صاحبتها أباطيل، ودسّت فيها دسائس، أو زوّرت عنها أقاويل دون ثوابت، حتّى انطوت على الشكّ فيها بصورة عامّة.<br>
ويراعى عند تنفيذ بحوث [[التقريب]] وإجرائها ما يلي:<br>
== وسائل التقريب ==
=== أ - التمييز بين الرأي السائد والرأي الشاذّ داخل كلّ مذهب ===
وعلى الباحث الذي يسند رأياً إلى مذهب معيّن أن يأخذ بعين الاعتبار الرأي الشاذّ، كما أنّ عليه أن ينسب الآراء الشاذّة إلى أصحابها فقط، وليس إلى المذهب ذاته، باعتبار أنّ المذاهب هي القواعد والأفكار، وليست الأفراد.<br>
ولتحقيق هذا الأمر فإنّ استراتيجية [[التقريب بين المذاهب الإسلامية]] تدعو المنظّمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة، وبالتعاون مع مفكّري المذاهب الإسلامية وعلمائها وفقهائها، إلى إعداد دراسة بحثية علمية لاعتمادها مرجعاً إسلامياً أساساً لكلّ دراسة تتمّ عن أيّ مذهب من المذاهب الإسلامية، على أن تتاح لهم الاستعانة بميادين تنفيذ هذه الاستراتيجية.<br>
=== ب - تقدير الرأي والرأي الآخر واحترامهما؛ ===
لضرورتهما وأهمّيتهما عند الحوار، وحين تبادل الرأي، على أن يسود [[الحوار]] العلمي المجرّد كلّ مواقف عمليات [[التقريب]] وإن أدّت إلى الاختلاف، فالاختلاف طبيعي، وليس بمستنكر في إطار قواعد الاختلاف وآدابه. كما أنّ الدفاع عن الرأي والاستدلال على صحّته حقّ لكلّ عالم، والردّ المدعم بالدليل العلمي حقّ أيضاً، وإذا كانت المسألة من المسلّمات في القضايا الجدلية والمنطقية فهي في القضايا والمسائل الفرعية ومجالات الأحكام الاجتهادية من باب الأولىٰ والأحرىٰ.<br>
=== ج - الاتّفاق على المرجع المبدئي والثابت للتحكيم بين الآراء المتحاورة ===
وهو الكتاب والسنّة النبويّة الصحيحة، كما هو مرجع كلّ المذاهب، والمسلمون متّفقون نظرياً على المرجعية الواحدة، لكنّهم مع التأثّر بالمغريات المادّية والوجاهة الدنيوية والدوافع الخارجية لا يلتزمون أحياناً بما تدعو إليه تلك المرجعية، ومرجع التقريب على كلّ الأحوال هو الكتاب الكريم والسنّة النبويّة الصحيحة التي ثبتت حجّيتها لدىٰ المسلمين على اختلاف مذاهبهم.<br>
=== د - الاهتمام بإبراز النقاط المشتركة بين المذاهب ===
لأنّها الأهمّ والأكثر من نقاط الخلاف، ولكونها العامل الجامع المشترك بين متعدّد المذاهب، ويتحقّق هذا الأمر الأساس <br>
من خلال ميادين التأليف والنشر، والبحث العلمي، والاستعانة بكلّ وسائل الاتّصال المقروءة والمسموعة والمرئية.<br>
=== ه‍ - إذا تغلّب الاختلاف على الأفكار والآراء فلا يجوز أن ينعكس كلّياً أو جزئياً على مواقف المسلمين من القضايا العالمية الكبرىٰ ===
فالاختلافات الفكرية والفقهية تبيّن بما لا يدع مجالاً للشكّ أنّها كنز اشتهر به الفقه الإسلامي، ولها تاريخ طويل، كما أنّها من سنن اللّٰه تعالى في خلقه،<br>
نتج وينتج عنها تفاعل الحركة العلمية وتنوّع قواعد التشريع، كما نجم عنها النموّ والغنى العلمي والفقهي الذي يباهي به التراث الإسلامي على المستوىٰ الدولي، لذلك لا عيب ولا خطر في الاختلافات الفقهية والفكرية، وإنّما الخطر في استثمارها في فصم عُرى الإسلام ومخالفة ما جاء به التشريع السماوي، <br>
والأخطر من ذلك على الأُمّة والوحدة الإسلامية هو الاختلاف في مصادر الإسلام الأساس؛ لأنّ هذا النوع من الاختلاف ليس إلّا الهوان والخسران، كما يعني وبلا جدل الضعف والتمزّق وهيمنة الأعداء.<br>
لذلك فمن أهمّ أُسس التقريب وخطواته العملية الإسراع بتوحيد هويّة الأُمّة الإسلامية، بتأكيد وحدة مصادرها ومرجعياتها، والحفاظ على أمنها السياسي والاجتماعي والثقافي والعملي والاقتصادي؛ حتّى لا يقوى الاختلاف ويزداد التمزّق، فيسقط حقّ المسلم في حياة العزّة والمجد الذي هو نعمة من نعم اللّٰه على عباده المسلمين.<br>
وبالنظر بموضوعية إلى القضايا الإسلامية ذات الأولويات الكبرى، والتركيز عليها دون الدخول في جزئياتها؛ حتّى لا يستفرغ الجهد في الهوامش والجزئيات،<br>
ومن أهمّها بل ومن أولوياتها الكبرى مسألة التفريق بين المسلمين، وضراوة التنكيل بشعوبهم، وخطورة العمل على إخراجهم عن دينهم بأعمال التنصير والتهويد والتجهيل واستغلال حاجاتهم المادّية في هذا العمل الخطير.<br>
وباعتبار التقريب عملية متواصلة فلا بدّ من استمرارية الحوار المتأنّي والمتعمّق في مسائل التقريب وقضاياه.<br>
ويمكن أن تشمل الخطط التنفيذية إقامة ندوات تخصّصية، وإحياء حلقات دروس <br>
[[الفقه المقارن]]، وتنظيم اجتماعات رجالات الفكر وعلماء الشريعة وفقهاء الإسلام والمؤرّخين وذوي الاهتمام من فقهاء مختلف أنحاء العالم الإسلامي.<br>
ولتطبيق هذه الوسيلة يجب أن تعدّ خطط عمل تطبيقية تُعنى بها الجهات المعنية داخل كلّ تجمّع إسلامي، سواء منها ما كان على مستوى البلد الواحد،<br>
أو ما هو على مستوى الجاليات والأقلّيات القاطنة خارج بلدان العالم الإسلامي، بحيث تشمل تلك الخطط والبرامج والأنشطة التعاونية برامج ثقافية التقريب،<br>
يصحبها حملات توعية إعلامية، وحوارات فكرية فقهية تناقش فيها وبعمق وموضوعية مسائل التقريب وقضايا توحيد الرأي، شاملة لمجمل قضايا الاختلافات الفقهية والفكرية، ويتمّ تنفيذها وفق خطّة زمنية محكمة، بحيث يبدأ تداوله على المستوى الدولي الإسلامي في إطار أنشطة المنظّمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة،<br>
ومن ثمّ يتمّ انتقالها وتداولها على المستوى الإقليمي، تليها أنشطة في المجال نفسه، تنفّذ على المستوىٰ المحلّي، تخطيطاً وتنفيذاً، ومتابعةً وتقويماً، على أن يسبق ذلك إنشاء هيئة أو مجلس أو جمعية في البلدان الإسلامية وفي مراكز تجمّعات المسلمين، بحيث تتحدّد مهامّها ومسؤولياتها حول قضايا [[التقريب]]، على أن تكون تابعة للمنظّمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة هيكلياً وتنظيمياً، وتحت مسؤولياتها وإشرافها، على غرار الأمانة العامّة لاتّحاد جامعات العالم الإسلامي،<br>
على أن تُعنى بإعداد لوائحها وتحدّد مهامّها ومسؤولياتها وبرامج عملها وخططها بنفسها وبعد تكوينها، ولها أن تستمدّ خبرتها ونشاطها وأوّليات برامجها وأنشطتها من خلال مقترحات رجالات الفكر والفقه الإسلامي وكتّابه وعلمائه، بالتعاون والتنسيق مع الدول الأعضاء والهيئات المماثلة القائمة حالياً على الساحة الإسلامية.<br>
ولها أن تستعين بالمهامّ الإجرائية التالية:<br>
1 - إعداد برامج العمل التقريبي وأنشطته، واقتراح خطط التنفيذ على مختلف الصعد والمناطق والموضوعات.<br>
2 - دراسة جهود التقريب، والعمل على تعميمها على مختلف الدول الأعضاءوالهيئات المعنية.<br>
3 - التواصل مع المعنيّين بالتقريب أفراداً وجماعات حول كلّ الأُمور والمسائل التي تعنّ للمسلمين في ميادين التقريب ومجالاته، والعمل على إعلام الدول والهيئات المعنية بها للتعاون والتشاور في ذلك.<br>
4 - القيام بمهامّ الإعلام والتعريف والمتابعة الدائمة للجهود الدولية والإقليمية والمحلّية المبذولة في مجالات التقريب.<br>
5 - اقتراح موضوعات البحوث الإسلامية ذات البعد الهادف الموصل إلى وحدة العالم الإسلامي علماً وعملاً،<br>
وفق أهداف [[التقريب]]، وبما يخدم ويحقّق مقاصد الدين الإسلامي في ترسيخ وحدته وتأصيل مبادئه، ووحدة بنيته، مع مراعاة الشمولية والتوسّع والتحديث فيما يصلح أمر المسلمين كافّة في حياتهم الدينية والدنيوية،<br>
وبما يمكّنهم من مسايرة الركب الحضاري العلمي والتقدّم التكنولوجي، ويعيدهم إلى مكانتهم التي أرادها اللّٰه لأُمّته، بحيث تتحقّق لها صفة الأُمّة الواحدة التي ينطبق عليها وصف الرسول صلى الله عليه و آله: «مثل المؤمنين في توادّهم وتراحمهم كالجسد الواحد إذا اشتكىٰ منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمّىٰ».<br>
هذا، وتوجد إجراءات عملية في إطار تنفيذ استراتيجية [[التقريب بين المذاهب الإسلامية]]، تبرز أهمّيتها من خلال اتّخاذ إجراءات متكاملة متماسكة على مختلف المستويات الوطنية والإقليمية والدولية، ويأتي في مقدّمتها ما يلي:<br>
1 - وضع سياسة وطنية تستهدف التقريب بين المذاهب الإسلامية، تتضمّن خططاً عملية من شأنها أن تساعد المعنيّين على إبراز حقيقة الاختلافات الفقهية من منظور إسلامي باعتباره ظاهرة فكرية نابعة من منطلقات غير منافية للتشريع الإسلامي، لها جذور إسلامية صحيحة مبرّرة، وبالذات منها ما كان في المسائل والقضايا الاجتهادية المستنبطة من الأدلّة الظنّية.<br>
2 - إدماج مادّة (ثقافة التقريب بين المذاهب الإسلامية) في كلّ مناهج المراحل التعليمية، وبصور أخصّ فى المعاهد والمدارس والجامعات الدينية ذات الطابع المتخصّص في العلوم الشرعية، ووفق أُسس تربوية، والتركيز عليها في كلّ مسارات العملية التعليمية، والعناية بها كمادّة تطبيقية صفّية ولا صفّية أساس يحصل الطالب عند تفوّقه فيها على تقدير أعلى في علامات النجاح التعليمي.<br>
3 - تكثيف المحاضرات الدورية عن [[التقريب]] وثقافته السلوكية في مختلف المراكز المعنية بالقضايا الثقافية، وفي المعاهد والمؤسّسات التعليمية، مع التركيز بشكل أكثر عمقاً على الوحدة الإسلامية، وشرح أسباب الاختلافات الفكرية والفقهية بين المذاهب، والعمل على تبسيط مبرّراتها وتوضيح مقاصدها.<br>
4 - استغلال المناسبات الوطنية والتجمّعات الشبابية المتكرّرة لتناول مسائل التقريب،<br>
والعمل بشتّىٰ السبل والوسائل على نشر ثقافته، والتعريف بأنّ اختلافات المذاهب لا تعني التباين والتضادّ والتفرّق، وإنّما هي اختلافات اجتهادية ظنّية، تدور حول أحكام فروع مسائل وقضايا الفقه الإسلامي، وأنّها لا تمّت إلى جوهر الإسلام وثوابته.<br>
5 - الربط بين أُصول الدعوة الإسلامية ومحتوى اختلاف المذاهب والفتاوى الإسلامية وتعدّدها، والدعوة إلى ضرورة انسجام فتاوىٰ العصر مع جوهر الإسلام، وإسنادها إلى مصادر التشريع، لا إلى أقوال ليس لها مرجع من الدين، خصوصاً حول قضايا الساعة الملحّة الاجتماعية منها والسياسية والاقتصادية.<br>
6 - دعوة الكلّيات والجامعات الإسلامية لتطوير مناهجها ومقرّراتها، وفتح آفاق معرفية جديدة تتمثّل في توسيع الدراسات الإسلامية العليا وتطويرها في إطار التقريب، وتشجيعها على فتح باب الاجتهادات الفقهية وفق أُسسه المعروفة في علم أُصول الفقه،<br>
بحيث يتسنّىٰ لها تخريج المجتهدين والعلماء المبرّزين المتعمّقين في الشؤون والقضايا الإسلامية، ومساعدتها على تطوير البحث العلمي المتخصّص وتعميقه، وخصوصاً في جوانب الدراسة التي تخدم وتحقّق أهداف التقريب بين المذاهب، مع إيلاء مناهج ثقافة التقريب أهمّية خاصّة في الدراسات الدينية والجامعية وبحوث الدراسات العليا ورسائل <br>
الماجستير وأُطروحات الدكتوراه، وفي جميع إصداراتها.<br>
7 - إيلاء دور الأئمّة وخطباء المساجد والوعّاظ ورجال الدعوة الإسلامية والصحافيّين والإعلاميّين اهتماماً خاصّاً، والعمل على تشجيعهم على حمل [[رسالة التقريب]]، وتوحيد رؤيتهم الإسلامية نحو المذاهب، ودعوتهم للحدّ من تناول المسائل الخلافية وإثارة النقاش حولها، إلّابما يجعل منها منطلقاً للغنىٰ الفكري والتوسّع المعرفي، وبما يخدم مقاصد التشريع، ويؤكّد الوحدة الإسلامية.<br>
 
 
 
[[تصنيف: المفاهيم التقريبية]]

مراجعة ١٢:٣٥، ٢٧ أبريل ٢٠٢١

وسائل التقريبالسبل الكفيلة بترتيب الأثر الملموس والنتائج المطلوبة لدفع عجلة التقريب بين المذاهب الإسلامية نحو الأمام.
ومن جملة هذه الوسائل والسبل اتّخاذ الإجراءات العاجلة والجادّة لتنفيذ عملية إجراء البحوث العلمية والموضوعية عن واقع كلّ مذهب من المذاهب الإسلامية، واستخراج حقائقه العقدية ومواقفه الفقهية من مصادر المذهب نفسه ومراجعه، لا ممّا كتب عنه الآخرون؛
لأنّ كلّ مذهب من المذاهب له خصوصياته التي لا تعرف إلّامن مصادره المعتمدة لديه، سواء كانت عقدية أو أُصولية أو من الفروع، أو حتّى في حقل تفسير التاريخ وفهمه، لاعتبار أنّ ما كان قد كتب أو روي عن بعض المذاهب من خارج بنيتها الحقيقية قد اختلط بنفثات نسبت إلى هذا المذهب أو ذاك اتّهامات، أقلّ ما يقال عنها: إنّها ليست معترفاً بها في هذا المذهب ولا يقرّها، أو ليست صحيحة عنده.
وانطلاقاً من أنّ عملية التقريب بين المذاهب لا بدّ أن يراعى فيها المصداقية والموضوعية، فإنّ مثل تلك الصفات والحقائق لا يمكن أن تؤخذ أو تستقى إلّامن لسان أصحاب المذهب نفسه، أو من مصادره المعتمدة عند أهله وأتباعه، لا من أقوال خارجية، فربّما صاحبتها أباطيل، ودسّت فيها دسائس، أو زوّرت عنها أقاويل دون ثوابت، حتّى انطوت على الشكّ فيها بصورة عامّة.
ويراعى عند تنفيذ بحوث التقريب وإجرائها ما يلي:

وسائل التقريب

أ - التمييز بين الرأي السائد والرأي الشاذّ داخل كلّ مذهب

وعلى الباحث الذي يسند رأياً إلى مذهب معيّن أن يأخذ بعين الاعتبار الرأي الشاذّ، كما أنّ عليه أن ينسب الآراء الشاذّة إلى أصحابها فقط، وليس إلى المذهب ذاته، باعتبار أنّ المذاهب هي القواعد والأفكار، وليست الأفراد.
ولتحقيق هذا الأمر فإنّ استراتيجية التقريب بين المذاهب الإسلامية تدعو المنظّمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة، وبالتعاون مع مفكّري المذاهب الإسلامية وعلمائها وفقهائها، إلى إعداد دراسة بحثية علمية لاعتمادها مرجعاً إسلامياً أساساً لكلّ دراسة تتمّ عن أيّ مذهب من المذاهب الإسلامية، على أن تتاح لهم الاستعانة بميادين تنفيذ هذه الاستراتيجية.

ب - تقدير الرأي والرأي الآخر واحترامهما؛

لضرورتهما وأهمّيتهما عند الحوار، وحين تبادل الرأي، على أن يسود الحوار العلمي المجرّد كلّ مواقف عمليات التقريب وإن أدّت إلى الاختلاف، فالاختلاف طبيعي، وليس بمستنكر في إطار قواعد الاختلاف وآدابه. كما أنّ الدفاع عن الرأي والاستدلال على صحّته حقّ لكلّ عالم، والردّ المدعم بالدليل العلمي حقّ أيضاً، وإذا كانت المسألة من المسلّمات في القضايا الجدلية والمنطقية فهي في القضايا والمسائل الفرعية ومجالات الأحكام الاجتهادية من باب الأولىٰ والأحرىٰ.

ج - الاتّفاق على المرجع المبدئي والثابت للتحكيم بين الآراء المتحاورة

وهو الكتاب والسنّة النبويّة الصحيحة، كما هو مرجع كلّ المذاهب، والمسلمون متّفقون نظرياً على المرجعية الواحدة، لكنّهم مع التأثّر بالمغريات المادّية والوجاهة الدنيوية والدوافع الخارجية لا يلتزمون أحياناً بما تدعو إليه تلك المرجعية، ومرجع التقريب على كلّ الأحوال هو الكتاب الكريم والسنّة النبويّة الصحيحة التي ثبتت حجّيتها لدىٰ المسلمين على اختلاف مذاهبهم.

د - الاهتمام بإبراز النقاط المشتركة بين المذاهب

لأنّها الأهمّ والأكثر من نقاط الخلاف، ولكونها العامل الجامع المشترك بين متعدّد المذاهب، ويتحقّق هذا الأمر الأساس
من خلال ميادين التأليف والنشر، والبحث العلمي، والاستعانة بكلّ وسائل الاتّصال المقروءة والمسموعة والمرئية.

ه‍ - إذا تغلّب الاختلاف على الأفكار والآراء فلا يجوز أن ينعكس كلّياً أو جزئياً على مواقف المسلمين من القضايا العالمية الكبرىٰ

فالاختلافات الفكرية والفقهية تبيّن بما لا يدع مجالاً للشكّ أنّها كنز اشتهر به الفقه الإسلامي، ولها تاريخ طويل، كما أنّها من سنن اللّٰه تعالى في خلقه،
نتج وينتج عنها تفاعل الحركة العلمية وتنوّع قواعد التشريع، كما نجم عنها النموّ والغنى العلمي والفقهي الذي يباهي به التراث الإسلامي على المستوىٰ الدولي، لذلك لا عيب ولا خطر في الاختلافات الفقهية والفكرية، وإنّما الخطر في استثمارها في فصم عُرى الإسلام ومخالفة ما جاء به التشريع السماوي،
والأخطر من ذلك على الأُمّة والوحدة الإسلامية هو الاختلاف في مصادر الإسلام الأساس؛ لأنّ هذا النوع من الاختلاف ليس إلّا الهوان والخسران، كما يعني وبلا جدل الضعف والتمزّق وهيمنة الأعداء.
لذلك فمن أهمّ أُسس التقريب وخطواته العملية الإسراع بتوحيد هويّة الأُمّة الإسلامية، بتأكيد وحدة مصادرها ومرجعياتها، والحفاظ على أمنها السياسي والاجتماعي والثقافي والعملي والاقتصادي؛ حتّى لا يقوى الاختلاف ويزداد التمزّق، فيسقط حقّ المسلم في حياة العزّة والمجد الذي هو نعمة من نعم اللّٰه على عباده المسلمين.
وبالنظر بموضوعية إلى القضايا الإسلامية ذات الأولويات الكبرى، والتركيز عليها دون الدخول في جزئياتها؛ حتّى لا يستفرغ الجهد في الهوامش والجزئيات،
ومن أهمّها بل ومن أولوياتها الكبرى مسألة التفريق بين المسلمين، وضراوة التنكيل بشعوبهم، وخطورة العمل على إخراجهم عن دينهم بأعمال التنصير والتهويد والتجهيل واستغلال حاجاتهم المادّية في هذا العمل الخطير.
وباعتبار التقريب عملية متواصلة فلا بدّ من استمرارية الحوار المتأنّي والمتعمّق في مسائل التقريب وقضاياه.
ويمكن أن تشمل الخطط التنفيذية إقامة ندوات تخصّصية، وإحياء حلقات دروس
الفقه المقارن، وتنظيم اجتماعات رجالات الفكر وعلماء الشريعة وفقهاء الإسلام والمؤرّخين وذوي الاهتمام من فقهاء مختلف أنحاء العالم الإسلامي.
ولتطبيق هذه الوسيلة يجب أن تعدّ خطط عمل تطبيقية تُعنى بها الجهات المعنية داخل كلّ تجمّع إسلامي، سواء منها ما كان على مستوى البلد الواحد،
أو ما هو على مستوى الجاليات والأقلّيات القاطنة خارج بلدان العالم الإسلامي، بحيث تشمل تلك الخطط والبرامج والأنشطة التعاونية برامج ثقافية التقريب،
يصحبها حملات توعية إعلامية، وحوارات فكرية فقهية تناقش فيها وبعمق وموضوعية مسائل التقريب وقضايا توحيد الرأي، شاملة لمجمل قضايا الاختلافات الفقهية والفكرية، ويتمّ تنفيذها وفق خطّة زمنية محكمة، بحيث يبدأ تداوله على المستوى الدولي الإسلامي في إطار أنشطة المنظّمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة،
ومن ثمّ يتمّ انتقالها وتداولها على المستوى الإقليمي، تليها أنشطة في المجال نفسه، تنفّذ على المستوىٰ المحلّي، تخطيطاً وتنفيذاً، ومتابعةً وتقويماً، على أن يسبق ذلك إنشاء هيئة أو مجلس أو جمعية في البلدان الإسلامية وفي مراكز تجمّعات المسلمين، بحيث تتحدّد مهامّها ومسؤولياتها حول قضايا التقريب، على أن تكون تابعة للمنظّمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة هيكلياً وتنظيمياً، وتحت مسؤولياتها وإشرافها، على غرار الأمانة العامّة لاتّحاد جامعات العالم الإسلامي،
على أن تُعنى بإعداد لوائحها وتحدّد مهامّها ومسؤولياتها وبرامج عملها وخططها بنفسها وبعد تكوينها، ولها أن تستمدّ خبرتها ونشاطها وأوّليات برامجها وأنشطتها من خلال مقترحات رجالات الفكر والفقه الإسلامي وكتّابه وعلمائه، بالتعاون والتنسيق مع الدول الأعضاء والهيئات المماثلة القائمة حالياً على الساحة الإسلامية.
ولها أن تستعين بالمهامّ الإجرائية التالية:
1 - إعداد برامج العمل التقريبي وأنشطته، واقتراح خطط التنفيذ على مختلف الصعد والمناطق والموضوعات.
2 - دراسة جهود التقريب، والعمل على تعميمها على مختلف الدول الأعضاءوالهيئات المعنية.
3 - التواصل مع المعنيّين بالتقريب أفراداً وجماعات حول كلّ الأُمور والمسائل التي تعنّ للمسلمين في ميادين التقريب ومجالاته، والعمل على إعلام الدول والهيئات المعنية بها للتعاون والتشاور في ذلك.
4 - القيام بمهامّ الإعلام والتعريف والمتابعة الدائمة للجهود الدولية والإقليمية والمحلّية المبذولة في مجالات التقريب.
5 - اقتراح موضوعات البحوث الإسلامية ذات البعد الهادف الموصل إلى وحدة العالم الإسلامي علماً وعملاً،
وفق أهداف التقريب، وبما يخدم ويحقّق مقاصد الدين الإسلامي في ترسيخ وحدته وتأصيل مبادئه، ووحدة بنيته، مع مراعاة الشمولية والتوسّع والتحديث فيما يصلح أمر المسلمين كافّة في حياتهم الدينية والدنيوية،
وبما يمكّنهم من مسايرة الركب الحضاري العلمي والتقدّم التكنولوجي، ويعيدهم إلى مكانتهم التي أرادها اللّٰه لأُمّته، بحيث تتحقّق لها صفة الأُمّة الواحدة التي ينطبق عليها وصف الرسول صلى الله عليه و آله: «مثل المؤمنين في توادّهم وتراحمهم كالجسد الواحد إذا اشتكىٰ منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمّىٰ».
هذا، وتوجد إجراءات عملية في إطار تنفيذ استراتيجية التقريب بين المذاهب الإسلامية، تبرز أهمّيتها من خلال اتّخاذ إجراءات متكاملة متماسكة على مختلف المستويات الوطنية والإقليمية والدولية، ويأتي في مقدّمتها ما يلي:
1 - وضع سياسة وطنية تستهدف التقريب بين المذاهب الإسلامية، تتضمّن خططاً عملية من شأنها أن تساعد المعنيّين على إبراز حقيقة الاختلافات الفقهية من منظور إسلامي باعتباره ظاهرة فكرية نابعة من منطلقات غير منافية للتشريع الإسلامي، لها جذور إسلامية صحيحة مبرّرة، وبالذات منها ما كان في المسائل والقضايا الاجتهادية المستنبطة من الأدلّة الظنّية.
2 - إدماج مادّة (ثقافة التقريب بين المذاهب الإسلامية) في كلّ مناهج المراحل التعليمية، وبصور أخصّ فى المعاهد والمدارس والجامعات الدينية ذات الطابع المتخصّص في العلوم الشرعية، ووفق أُسس تربوية، والتركيز عليها في كلّ مسارات العملية التعليمية، والعناية بها كمادّة تطبيقية صفّية ولا صفّية أساس يحصل الطالب عند تفوّقه فيها على تقدير أعلى في علامات النجاح التعليمي.
3 - تكثيف المحاضرات الدورية عن التقريب وثقافته السلوكية في مختلف المراكز المعنية بالقضايا الثقافية، وفي المعاهد والمؤسّسات التعليمية، مع التركيز بشكل أكثر عمقاً على الوحدة الإسلامية، وشرح أسباب الاختلافات الفكرية والفقهية بين المذاهب، والعمل على تبسيط مبرّراتها وتوضيح مقاصدها.
4 - استغلال المناسبات الوطنية والتجمّعات الشبابية المتكرّرة لتناول مسائل التقريب،
والعمل بشتّىٰ السبل والوسائل على نشر ثقافته، والتعريف بأنّ اختلافات المذاهب لا تعني التباين والتضادّ والتفرّق، وإنّما هي اختلافات اجتهادية ظنّية، تدور حول أحكام فروع مسائل وقضايا الفقه الإسلامي، وأنّها لا تمّت إلى جوهر الإسلام وثوابته.
5 - الربط بين أُصول الدعوة الإسلامية ومحتوى اختلاف المذاهب والفتاوى الإسلامية وتعدّدها، والدعوة إلى ضرورة انسجام فتاوىٰ العصر مع جوهر الإسلام، وإسنادها إلى مصادر التشريع، لا إلى أقوال ليس لها مرجع من الدين، خصوصاً حول قضايا الساعة الملحّة الاجتماعية منها والسياسية والاقتصادية.
6 - دعوة الكلّيات والجامعات الإسلامية لتطوير مناهجها ومقرّراتها، وفتح آفاق معرفية جديدة تتمثّل في توسيع الدراسات الإسلامية العليا وتطويرها في إطار التقريب، وتشجيعها على فتح باب الاجتهادات الفقهية وفق أُسسه المعروفة في علم أُصول الفقه،
بحيث يتسنّىٰ لها تخريج المجتهدين والعلماء المبرّزين المتعمّقين في الشؤون والقضايا الإسلامية، ومساعدتها على تطوير البحث العلمي المتخصّص وتعميقه، وخصوصاً في جوانب الدراسة التي تخدم وتحقّق أهداف التقريب بين المذاهب، مع إيلاء مناهج ثقافة التقريب أهمّية خاصّة في الدراسات الدينية والجامعية وبحوث الدراسات العليا ورسائل
الماجستير وأُطروحات الدكتوراه، وفي جميع إصداراتها.
7 - إيلاء دور الأئمّة وخطباء المساجد والوعّاظ ورجال الدعوة الإسلامية والصحافيّين والإعلاميّين اهتماماً خاصّاً، والعمل على تشجيعهم على حمل رسالة التقريب، وتوحيد رؤيتهم الإسلامية نحو المذاهب، ودعوتهم للحدّ من تناول المسائل الخلافية وإثارة النقاش حولها، إلّابما يجعل منها منطلقاً للغنىٰ الفكري والتوسّع المعرفي، وبما يخدم مقاصد التشريع، ويؤكّد الوحدة الإسلامية.