الفرق بين المراجعتين لصفحة: «محمد عبد الرحمان بيصار»

من ویکي‌وحدت
لا ملخص تعديل
لا ملخص تعديل
 
(٧ مراجعات متوسطة بواسطة مستخدمين اثنين آخرين غير معروضة)
سطر ١: سطر ١:
'''محمّد عبد الرحمان بيصار:''' من مشايخ الأزهر، وأحد المفكّرين المصلحين.
'''محمّد عبد الرحمان بيصار:''' من مشايخ [[الأزهر]]، وأحد المفكّرين المصلحين. تخصّص الشيخ بيصار في الفلسفة الإسلامية، ودرس جوانب هذه الفلسفة دراسة علمية دقيقة، وتعمّق في بحث وجوه الخلاف بين الفلاسفة وعلماء الكلام و[[الصوفية]]، وسجَّل هذه البحوث في كتبه ومحاضراته، وخرج من هذه الدراسات بنتائج هامّة.


<div class="wikiInfo">
<div class="wikiInfo">
سطر ١٣: سطر ١٣:
|-
|-
|محلّ الولادة
|محلّ الولادة
| data-type="AuthorBirthPlace" |سامیة (مصر)
| data-type="AuthorBirthPlace" |[[كفر الشيخ]]/ [[مصر]]
|-
|-
|تاريخ الوفاة
|تاريخ الوفاة
سطر ٢٠: سطر ٢٠:
|المهنة
|المهنة
| data-type="AuthorOccupation" |عالم دیني، شیخ الأزهر
| data-type="AuthorOccupation" |عالم دیني، شیخ الأزهر
|-
|الأساتذة
| data-type="AuthorTeachers" |محمّد عبده
|-
|-
|الآثار
|الآثار
| data-type="AuthorWritings" |الوجود والخلود في فلسفة ابن رشد، العقيدة والأخلاق في الفلسفة اليونانية، الحقيقة والمعرفة على نهج العقائد النسفية، تأمّلات في الفلسفة الحديثة والمعاصرة، العالم بين القدم والحدوث، الإسلام بين العقائد والإيمان، الإسلام والمسيحية، الحرب والسلام في الإسلام (بالإنجليزية)، رجلان في التفكير الإسلامي، العقيدة والأخلاق وأثرهما في حياة الفرد والمجتمع، بؤس اليتامى (رواية)، الفلسفة اليونانية، مقدّمات ومذاهب
| data-type="AuthorWritings" |الوجود والخلود في فلسفة [[ابن رشد]]، العقيدة والأخلاق في الفلسفة اليونانية، الحقيقة والمعرفة على نهج العقائد النسفية، تأمّلات في الفلسفة الحديثة والمعاصرة، العالم بين القدم والحدوث، الإسلام بين العقائد والإيمان، الإسلام والمسيحية، الحرب والسلام في الإسلام (بالإنجليزية)، الفلسفة اليونانية، مقدّمات ومذاهب
|-
|-
|المذهب
|المذهب
سطر ٣٢: سطر ٢٩:
</div>
</div>


=الولادة=
=مدخل حول الأزهر ومشيخته=


ولد بالسالمية من أعمال مركز فوه التابع لكفر الشيخ ب  [[مصر]] سنة 1910 م.
مع تولّي أسرة [[محمّد علي باشا]] الحكم في مصر، تغيّرت عملية اختيار شيخ الأزهر، حيث كان يتمّ بتدخّل من الوالي، ومع الجهود المبذولة لتطوير جامع الأزهر وإصلاحه، ظهرت جماعة كبار العلماء سنة (1239هـ = 1911م) في عهد المشيخة الثانية للشيخ [[سليم البشري]]، ونصّ قانون الأزهر وقتها على أن يكون اختيار شيخ الجامع الأزهر من بين جماعة كبار العلماء، حيث يتمّ اختياره بطريق الانتخاب من بين هيئة كبار العلماء المرشّحين لشغل المنصب على أن يكون حاملاً للجنسية المصرية وحدها ومن أبوين مصريين مسلمين، <br>
وأن يكون من خرّيجي إحدى الكلّيات الأزهرية المتخصّصة في علوم أصول الدين والشريعة و[[الدعوة الإسلامية]] واللغة العربية، وأن يكون قد تدرّج في تعليمه قبل الجامعي بالمعاهد الأزهرية، وكان ذلك يضمن ما يجب أن يكون عليه شيخ الأزهر من العلم والمعرفة والسمعة وحسن الخلق.


=الدراسة=
وبصدور القانون رقم 103 لسنة 1961م الخاصّ بتطوير الأزهر، ألغيت هيئة كبار العلماء وحلّ محلّها ما عرف باسم: [[مجمع البحوث الإسلامية]]، ويتكوّن من 50 عضواً على الأكثر، كان من بينهم في بداية نشأته حوالي 20 من غير المصريّين من كبار علماء [[العالم الإسلامي]]، ولا تسقط عضوية أيّ منهم إلّا بالوفاة أو الاستقالة أو العجز الصحّي.


وحفظ القرآن الكريم، والتحق بمعهد دسوق الديني، ثمّ التحق بمعهد طنطا، وبمعهد الإسكندرية حيث حصل على الشهادة الثانوية الأزهرية، ثمّ التحق بكلّية أُصول الدين بالأزهر الشريف، فتخرّج منها ونال الشهادة العالمية سنة 1939 م، ثمّ نال درجة الأُستاذية «الدكتوراه» في العقيدة والفلسفة، وذلك سنة 1945 م.
ومجمع البحوث هو الذي يقرّر إسقاط العضوية، وهو الذي يملأ المكان الشاغر بانتخاب أحد المرشّحين سواء بالاقتراع السرّي أو بأغلبية الأصوات، ويتمّ اختيار شيخ [[الأزهر]] بشكل عامّ من بين أعضاء المجمع، ويكون رئيس الجمهورية وحده هو صاحب القرار، وعلى أن يعيّن ولا يقال. ويُعيّن شيخ الأزهر في منصبه بعد صدور قرار من رئيس الجمهورية، ويعامل معاملة رئيس مجلس الوزراء من حيث الدرجة والراتب والمعاش.
=النشاطات=


تمّ تعيينه مدرّساً بكلّية أُصول الدين سنة 1946 م. وفي سنة 1949 م رحل في بعثة علمية إلى إنجلترا، ودرس في جامعة كمبردج، ثمّ استقرّ في جامعة أدنبرة، ونال منها شهادة الدكتوراه سنة 1954 م بتفوّق في الفلسفة بموضوع تناول فيه حجّة الإسلام الغزالي والفيلسوف الفرنسي ديكارت وفلسفتهما. وعاد أُستاذاً سنة 1955 م بكلّية أُصول الدين، ثمّ رشّحته مواهبه ليكون مديراً للمركز الإسلامي بواشنطن سنة 1955 م، واستطاع أن يحظى بالاحترام من كلّ الطوائف، وعاد سنة 1959 م إلى كلّية أُصول الدين، ثمّ رأس البعثة التعليمية بليبيا سنة 1963 م.
وقد جعل هذا القانون شيخ الأزهر هو الإمام الأكبر وصاحب الرأي في كلّ ما يتّصل بالشئون الدينية وفي كلّ ما يتعلّق بالقرآن وعلوم الإسلام.


وعيّن سنة 1968 م أميناً عامّاً للمجلس الأعلى للأزهر، ممّا أتاح له المشاركة والتوجيه وتحقيق أهدافه الإصلاحية. ومن بعد ذلك عيّن سنة 1970 م أميناً عامّاً لمجمع البحوث الإسلامية، فحرص على أن يجدّد الثقافة الإسلامية في أوساط الدارسين، وأن يجرّدها من الشوائب وآثار التعصّب السياسي والمذهبي، على حدّ تعبير الدكتور محمّد عبد المنعم الخفّاجي.
=ولادته=


وفي سنة 1974 م عيّن وكيلًا للأزهر، وساعد الدكتور عبد الحليم محمود في كلّ ما يعنّ له من مسائل وقضايا وهموم إصلاحية.
ولد محمّد عبد الرحمان بيصار بالسالمية من أعمال مركز فوه التابع لكفر الشيخ بمصر بتاريخ 20 من أكتوبر سنة 1910 م.


وقد عيّن وزيراً للأوقاف المصرية وشؤون الأزهر سنة 1978 م، وكذلك شيخاً للأزهر سنة 1979 م، وأضحى أميناً عامّاً لمؤتمر علماء المسلمين أربع سنوات متتالية.
=دراسته=


ولمّا كان يجيد الإنجليزية والفرنسية فقد أطلّ على الثقافة الأوروبّية، وعرف غثّها وسمينها، وغذّى علوم الإسلام بما يفيدها، وكان هو المنظّم للدراسات العليا بجامعة أُمّ درمان الإسلامية.
حفظ القرآن الكريم، والتحق ب[[معهد دسوق الديني]]، وبعد نجاحه بمعهد دسوق ألحقه والده بمعهد طنطا ليكمل فيه دراسته الثانوية، وكان شَغُوفاً بالتأليف فألَّف رواية اسمها: (بؤس اليتامى)، فأثار عليه حفيظة أساتذته لاشتغاله بالتأليف، وهو عيب كبير في نظرهم، فأجروا معه تحقيقاً كانت نتيجته أن ترك [[معهد طنطا الديني]] إلى معهد [[الإسكندرية]] حيث وجد فيه عقولاً متفتّحة تشجّع المواهب الفكرية. وبمعهد الإسكندرية حصل على الشهادة الثانوية الأزهرية، ثمّ التحق بكلّية أُصول الدين بالأزهر الشريف، فتخرّج منها ونال [[الشهادة العالمية]] سنة 1939 م، ثمّ نال درجة الأُستاذية «الدكتوراه» في العقيدة والفلسفة، وذلك سنة 1945 م.
=نشاطاته ومناصبه=


وكان حيياً شديد التواضع طلق الوجه والمحيّا، وهو إداري من الطراز الأوّل وصاحب فكر منظّم.
تمّ تعيينه مدرّساً بكلّية أُصول الدين سنة 1946 م. وفي سنة 1949 م رحل في بعثة علمية إلى [[إنجلترا]]، ودرس في [[جامعة كمبردج]]، ثمّ استقرّ في [[جامعة أدنبرة]]، ونال منها شهادة الدكتوراه سنة 1954 م بتفوّق في الفلسفة بموضوع تناول فيه [[حجّة الإسلام الغزالي]] والفيلسوف الفرنسي [[ديكارت]] وفلسفتهما. وعاد أُستاذاً سنة 1955 م بكلّية أُصول الدين، ثمّ رشّحته مواهبه ليكون مديراً للمركز الإسلامي ب[[واشنطن]] سنة 1955 م، واستطاع أن يحظى بالاحترام من كلّ [[الطوائف]]، وعاد سنة 1959 م إلى كلّية أُصول الدين، ثمّ رأس البعثة التعليمية ب[[ليبيا]] سنة 1963 م.


عرض على المؤتمر الخامس لمجمع البحوث الإسلامية سنة 1970 م- والذي ضمّ في ثناياه خيرة علماء المسلمين- بحثاً فيّاضاً حول إثبات العقائد الإسلامية بين النصيّين والعقليّين.
وعيّن سنة 1968 م أميناً عامّاً للمجلس الأعلى للأزهر، ممّا أتاح له المشاركة والتوجيه وتحقيق أهدافه الإصلاحية. ومن بعد ذلك عيّن سنة 1970 م أميناً عامّاً لمجمع البحوث الإسلامية، فحرص على أن يجدّد الثقافة الإسلامية في أوساط الدارسين، وأن يجرّدها من الشوائب وآثار [[التعصّب]] السياسي والمذهبي، على حدّ تعبير الدكتور [[محمّد عبد المنعم خفّاجي]].


وكما عني بالدراسة الفلسفية فقد عنى كذلك بالسلوك وألقى محاضرات قيّمة في هذا الموضوع.
وفي سنة 1974 م عيّن وكيلاً للأزهر، وساعد الدكتور [[عبد الحليم محمود]] في كلّ ما يعنّ له من مسائل وقضايا وهموم إصلاحية.


=الوفاة=
وقد عيّن وزيراً للأوقاف المصرية وشؤون الأزهر سنة 1978 م، وكذلك شيخاً للأزهر سنة 1979 م، وأضحى أميناً عامّاً ل[[مؤتمر علماء المسلمين]] أربع سنوات متتالية.


توفّي بالقاهرة عام 1981 م.
ولمّا كان يجيد الإنجليزية والفرنسية فقد أطلّ على الثقافة الأوروبّية، وعرف غثّها وسمينها، وغذّى علوم الإسلام بما يفيدها، وكان هو المنظّم للدراسات العليا ب[[جامعة أمّ درمان الإسلامية]].


=التأليفات=
وكان حيياً شديد التواضع طلق الوجه والمحيّا، وهو إداري من الطراز الأوّل وصاحب فكر منظّم.


ترك بعض المؤلّفات، والتي منها: الوجود والخلود في فلسفة ابن رشد، العقيدة والأخلاق في الفلسفة اليونانية، الحقيقة والمعرفة على نهج العقائد النسفية، تأمّلات في الفلسفة الحديثة والمعاصرة، العالم بين القدم والحدوث، الإسلام بين العقائد والإيمان، الإسلام والمسيحية، الحرب والسلام في الإسلام (بالإنجليزية)، رجلان في التفكير الإسلامي، العقيدة والأخلاق وأثرهما في حياة الفرد والمجتمع، بؤس اليتامى (رواية)، الفلسفة اليونانية، مقدّمات ومذاهب.
عرض على المؤتمر الخامس لمجمع البحوث الإسلامية سنة 1970 م- والذي ضمّ في ثناياه خيرة علماء المسلمين- بحثاً فيّاضاً حول إثبات العقائد الإسلامية بين النصيّين والعقليّين.


=بعض من آرائه=
وكما عني بالدراسة الفلسفية فقد عنى كذلك بالسلوك وألقى محاضرات قيّمة في هذا الموضوع.
 
يذهب الدكتور بيصار إلى القول بأنّ القضايا التي أُثيرت في الفكر الإسلامي حول الأُلوهية لم تكن مجرّد نقل عن حضارات أو ثقافات غريبة عن المجتمع الإسلامي، أو نتيجة للتأثّر بعوامل خارجية، كما يذهب إلى ذلك كثير من المستشرقين، وإنّما كانت هناك عوامل داخلية هامّة ساعدت على إثارة هذه المشكلات. وتتلخّص هذه العوامل في: الحرّية الفكرية التي منحها الإسلام لأتباعه في شؤون عقيدتهم، ومطالبة القرآن للإنسان بالتأمّل والتفكير في ملكوت السماوات والأرض لإدراك حقائق الكون وكشف أسراره وتحديد مركز الإنسان فيه، وإشادة الإسلام بفضل العلم والمعرفة وتعظيمه لشأن العلماء. وذلك بالإضافة إلى ردّ شبهات الوافدين على الإسلام والمنحرفين عنه بمنطق عقلي رشيد.


ويؤكّد الدكتور بيصار أنّ الهدف لأصحاب الآراء المختلفة من المسلمين في أيّ مشكلة من مشاكل الأُلوهية كان السمو بالذات الإلهية والمبالغة في تنزيهها. ومن هنا فلا ينبغي أن نوجّه لوماً إلى أحد هؤلاء الباحثين بالكفر والمروق، بل علينا أن ندرس آراءه بأُسلوب علمي دقيق؛ لإبراز ما قد يكون قد وقع فيه من خطأ قد يكون غير مقصود.
=ولايته للمشيخة=


وينبّه الدكتور بيصار في هذا الصدد إلى ضرورة مراعاة التفرقة الواضحة بين الإسلام كما جاء في القرآن الكريم والسنّة الصحيحة، وبين فهمنا نحن للإسلام أو محاولاتنا لتفسير قضاياه وشرح نصوصه. ويرى أنّ عدم التمييز بين هذين الوجهين كان السبب في الأخطاء التي وقع فيها المستشرقون في الكثير من الأحكام التي يصدرونها على الإسلام وهو منها براء.
في آخر يناير سنة 1979م صدر قرار بتعيين الشيخ محمّد عبد الرحمان بيصار شَيْخاً للأزهر بعد وفاة الشيخ عبد الحليم محمود، كما قدّمنا.


وفي تناوله لقضية النزاع بين الدين والفلسفة بصفة عامّة يرى الدكتور بيصار أنّ هذا النزاع قد انتهى في الفلسفة الحديثة باتّفاق رجال الدين ورجال الفلسفة على (أن يختصّ الدين بعلم المغيّبات والحقائق اللامادّية، وأن يسدّ هذا الفراغ في الناحية المادّية من محيط المعرفة الإنسانية كذلك، ويُعدّ هذا التصافي بين الدين والفلسفة رفعاً لما قد يبدو بينهما من تناقض أو خلاف)، ويشير إلى أنّ رفع التناقض بين الدين والفلسفة قد سبق إليه ابن رشد في كتابه «فصل المقال».
وقد استهلّ عمله بتأليف لجنة كبرى لدراسة قانون الأزهر ولائحته التنفيذية ليستطيع الأزهر الانطلاق في أداء رسالته العَالَمية الكبرى، ونظراً لثقافته العلمية الواسعة عهدت إليه الحكومة السودانية إنشاء الدراسات العليا بجامعة أمّ درمان الإسلامية، فأقامها على أسس علمية، إن دلّت على شيء فإنّما تدلّ على عقلية علمية واسعة وثقافة واعية متنوّعة.


ويذهب الدكتور بيصار إلى مخالفة الرأي القائل بأنّ محاربة الغزالي للفلسفة في المشرق قد قضت على الفلسفة، وأنّ الغزالي كان سبباً في انحطاط الفلسفة في المشرق، ويرى أنّ في ذلك مبالغة. فالفلسفة في المشرق ظلّت قائمة بعد الغزالي وكثر طلّابها والمؤلّفون فيها، وضاقت الفجوة بينها وبين علم الكلام حتّى اختلطت مسائلها بمسائله وجمعتا في مؤلّف واحد.
بدأ الشيخ محمّد عبد الرحمان بيصار عمله في مشيخة الأزهر بدراسة قانون تطوير الأزهر ولائحته التنفيذية لتعديله بما يحقّق له الانطلاق دون معوّقات في أداء رسالته الداخلية والعالمية، فنجح في إرساء قواعد المنهج الفلسفي والعلمي في الأزهر، ونهض به نهضة سجّلها التاريخ له.


ولكن الدكتور بيصار يعترف في الوقت نفسه بأنّ الفلسفة مع هذا لم تستطع بعد الغزالي أن تحرز لنفسها المكانة الأُولى والحرّية الكاملة التي كانت تحظى بهما أيّام ابن سينا، وذلك‏ فضلًا عن انعدام التجديد في الميدان الفلسفي في المشرق بعد الغزالي.
=مكانته العلمية=


ويرفض الدكتور بيصار ما يذهب إليه بعض الباحثين من أنّ ابن رشد لم يكن من القائلين بقدم العالم، وأنّه عندما كان يقرّر قدم العالم لم يكن يعدو في ذلك أن يكون شارحاً لآراء أرسطو في هذه المسألة، ويرى أنّ كتب ابن رشد الأُخرى- والتي لا تعدّ شروحاً لآراء أرسطو مثل كتاب «التهافت» و «فصل المقال»- تدلّ على أنّ ابن رشد كان من القائلين بقدم العالم.
تخصّص الشيخ محمّد عبد الرحمان بيصار في الفلسفة الإسلامية، ودرس جوانب هذه الفلسفة دراسة علمية دقيقة، وتعمّق في بحث وجوه الخلاف بين الفلاسفة وعلماء الكلام والصوفية، وسجَّل هذه البحوث في كتبه ومحاضراته، وخرج من هذه الدراسات بنتائج هامّة لخصّها في بحث ممتع ألقاه في المؤتمر الخامس لمجمع البحوث الإسلامية المنعقد في 28 من فبراير سنة 1970 م، وكان عنوان البحث: (إثبات العقائد الإسلامية)، تتلخّص في ثلاثة مناهج، وهي: منهج المتكلّمين الذين يعتمدون على النصّ مع احترامهم للعقل، ومنهج الفلاسفة الذين يعتمدون أوّلاً على العقل مع إيمانهم بالنصّ، ومنهج الصوفية الذين يعتمدون على الرياضة الروحية والمجاهدة النفسية.. وخلص من نتائج بحثه إلى أنّ الحرّية الفكرية التي منحها الإسلام لأتباعه في شؤون عقيدتهم تأتي تحت ضوابط أساسية، هي: حثّ القرآن الكريم الإنسان على التأمّل والتفكير في ملكوت السموات والأرض، وإشادة الإسلام بفضل العلم والمعرفة وتعظيمه لشأن العلماء، وردّ شبهات الوافدين على الإسلام والمنحرفين عنه بمنطق عقلي رشيد.


وقد كان الدكتور بيصار- وذلك عندما كان شيخاً للأزهر- من مؤيّدي التعديلات الإصلاحية التي أُدخلت على قانون الأحوال الشخصية في عهد الرئيس السادات، رغم المعارضة الشديدة التي قوبلت بها هذه التعديلات حينذاك من بعض علماء الأزهر. وقد أعلن تأييده للتعديلات الجديدة في ندوة تليفزيونية اشترك معه فيها الشيخ [[جاد الحقّ]] (مفتي الجمهورية حينذاك) والشيخ [[عبد المنعم النمر]] (وزير الأوقاف حينذاك).
وقد امتاز الإمام الأكبر للأزهر بمواصلة البحث والدراسة في أدقّ المعارف الفلسفية والعلمية وصياغتها في أسلوب واضح دقيق يصل إلى العقول من أيسر الطرق.
=المصدر=


(انظر ترجمته في: الأزهر في ألف عام 2: 397- 399، إتمام الأعلام: 379، موسوعة أعلام الفكر الإسلامي: 966- 968، نثر الجواهر والدرر 2: 2080).
وسيأتي مزيد توضيح لذلك عند التعرّض لأفكاره ورؤاه.


=مصنّفاته=


ترك بعض المؤلّفات، والتي منها: الوجود والخلود في فلسفة ابن رشد، العقيدة والأخلاق في الفلسفة اليونانية، الحقيقة والمعرفة على نهج العقائد النسفية، تأمّلات في الفلسفة الحديثة والمعاصرة، العالم بين القدم والحدوث، الإسلام بين العقائد والإيمان، الإسلام والمسيحية، الحرب والسلام في الإسلام (بالإنجليزية)، رجلان في التفكير الإسلامي، العقيدة والأخلاق وأثرهما في حياة الفرد والمجتمع، بؤس اليتامى (رواية)، الفلسفة اليونانية، مقدّمات ومذاهب.


=أفكاره ورؤاه=


يذهب الدكتور بيصار إلى القول بأنّ القضايا التي أُثيرت في الفكر الإسلامي حول الأُلوهية لم تكن مجرّد نقل عن حضارات أو ثقافات غريبة عن [[المجتمع الإسلامي]]، أو نتيجة للتأثّر بعوامل خارجية، كما يذهب إلى ذلك كثير من المستشرقين، وإنّما كانت هناك عوامل داخلية هامّة ساعدت على إثارة هذه المشكلات.


الميلاد:
وتتلخّص هذه العوامل في: الحرّية الفكرية التي منحها الإسلام لأتباعه في شؤون عقيدتهم، ومطالبة القرآن للإنسان بالتأمّل والتفكير في ملكوت السماوات والأرض لإدراك حقائق الكون وكشف أسراره وتحديد مركز الإنسان فيه، وإشادة الإسلام بفضل العلم والمعرفة وتعظيمه لشأن العلماء. وذلك بالإضافة إلى ردّ شبهات الوافدين على الإسلام والمنحرفين عنه بمنطق عقلي رشيد.
وُلِدَ الإمام بمدينة السالمية، مركز قرة، بمحافظة كفر الشيخ في 20 من أكتوبر سنة 1910م.


نشأته ومراحل تعليمه:
ويؤكّد الدكتور بيصار أنّ الهدف لأصحاب الآراء المختلفة من المسلمين في أيّ مشكلة من مشاكل الأُلوهية كان السمو بالذات الإلهية والمبالغة في تنزيهها. ومن هنا فلا ينبغي أن نوجّه لوماً إلى أحد هؤلاء الباحثين بالكفر والمروق، بل علينا أن ندرس آراءه بأُسلوب علمي دقيق؛ لإبراز ما قد يكون قد وقع فيه من خطأ قد يكون غير مقصود.
حفظ القرآن الكريم وجوَّده ثم التحق بمعهد دسوق الديني، وبعد نجاحه بمعهد دسوق ألحقه والده بمعهد طنطا ليكمل فيه دراسته الثانوية، وكان شَغُوفًا بالتأليف فألَّف رواية اسمها (بؤس اليتامى) فأثار عليه حفيظة أساتذته لاشتغاله بالتأليف، وهو عيب كبير في نظرهم، فأجروا معه تحقيقًا كانت نتيجته أن ترك معهد طنطا إلى معهد الإسكندرية حيث وجد فيه عقولا متفتحة تشجع المواهب الفكرية.


أتم دراسته بمعهد الإسكندرية ثم التحق بكلية أصول الدين وتخرَّج فيها بتفوق سنة 1949م، وتم تعيينه مُدرِّسًا بها، فجذب إليه الطلبة ولفت أنظار الأساتذة، وفي سنة 1949م اختاره الأزهر في بعثة تعليمية إلى إنجلترا فانتقل بين الجامعات الإنجليزية حيث نهل منها العلم الكثير، ثم استقر بكلية الآداب بجامعة أدنبره، ونال منها الدكتواره بتفوق، وعاد بعدها أستاذًا بكلية أصول الدين.
وينبّه الدكتور بيصار في هذا الصدد إلى ضرورة مراعاة التفرقة الواضحة بين الإسلام كما جاء في القرآن الكريم والسنّة الصحيحة، وبين فهمنا نحن للإسلام أو محاولاتنا لتفسير قضاياه وشرح نصوصه. ويرى أنّ عدم التمييز بين هذين الوجهين كان السبب في الأخطاء التي وقع فيها [[المستشرقون]] في الكثير من الأحكام التي يصدرونها على الإسلام وهو منها براء.


وفي سنة 1955م رشَّحته ثقافته ليكون مديرًا للمركز الثقافي الإسلامي بواشنطن، وقام بشؤون المركز خير قيام، وجعله مركز إشعاع لجميع الطوائف الدينية في أوربا، واستطاع الإمام بيصار أن يحظى باحترام وتقدير جميع الطوائف، وظل يدير المركز لمدة 4 سنوات، وبعدها عاد إلى مصر أستاذًا بكلية أصول الدين.
وفي تناوله لقضية النزاع بين الدين والفلسفة بصفة عامّة يرى الدكتور بيصار أنّ هذا النزاع قد انتهى في الفلسفة الحديثة باتّفاق رجال الدين ورجال الفلسفة على (أن يختصّ الدين بعلم المغيّبات والحقائق اللامادّية، وأن يسدّ هذا الفراغ في الناحية المادّية من محيط المعرفة الإنسانية كذلك، ويُعدّ هذا التصافي بين الدين والفلسفة رفعاً لما قد يبدو بينهما من تناقض أو خلاف)، ويشير إلى أنّ رفع التناقض بين الدين والفلسفة قد سبق إليه ابن رشد في كتابه «فصل المقال».


وفي سنة 1963م اختاره الأزهر رئيسًا لبعثته التعليمية في ليبيا، فواصل مجهوداته في نشر الدعوة الإسلامية هناك.
ويذهب الدكتور بيصار إلى مخالفة الرأي القائل بأنّ محاربة الغزالي للفلسفة في المشرق قد قضت على الفلسفة، وأنّ الغزالي كان سبباً في انحطاط الفلسفة في المشرق، ويرى أنّ في ذلك مبالغة. فالفلسفة في المشرق ظلّت قائمة بعد الغزالي وكثر طلّابها والمؤلّفون فيها، وضاقت الفجوة بينها وبين علم الكلام حتّى اختلطت مسائلها بمسائله وجمعتا في مؤلّف واحد.
وفي سنة 1968م صدر قرار جمهوري بتعيينه أمينًا عامًّا للمجلس الأعلى للأزهر، فاستطاع بثقافته العالية وخبرته العملية أن ينهض بأعباء هذا المنصب المهم وأدى واجبه على أكمل وجه.


وفي سنة 1970م صدر قرار جمهوري بتعيينه أمينًا عامًّا لمجمع البحوث الإسلامية واستطاع في هذا المنصب أن يقوم بنهضة علمية كبرى، وأشرف على إصدار عشرات المصنفات العلمية القيمة، وتحقيق طائفة من أمهات مصادر التراث الإسلامي الخالد.
ولكن الدكتور بيصار يعترف في الوقت نفسه بأنّ الفلسفة مع هذا لم تستطع بعد الغزالي أن تحرز لنفسها المكانة الأُولى والحرّية الكاملة التي كانت تحظى بهما أيّام [[ابن سينا]]، وذلك‏ فضلاً عن انعدام التجديد في الميدان الفلسفي في المشرق بعد الغزالي.


وفي سنة 1974م خلا منصب وكيل الأزهر، فصدر قرار جمهوري بتعيينه وكيلا للأزهر، ووكيل الأزهر هو المعاون الأول لشيخه، والمتولي تنفيذ قراراته، والقائم بعمله حين غيابه أو مرضه، وكان الدكتور بيصار الساعد الأيمن للدكتور عبد الحليم محمود وموضع ثقته، وكان يستشيره في الأمور المهمة ويأخذ برأيه، ولهذا طلب تجديد خدمته أكثر من مرة إلى أن صدر قرار جمهوري بتعيينه وزيرًا للأوقاف وشؤون الأزهر في 15 من أكتوبر سنة 1978م.
ويرفض الدكتور بيصار ما يذهب إليه بعض الباحثين من أنّ ابن رشد لم يكن من القائلين بقدم العالم، وأنّه عندما كان يقرّر قدم العالم لم يكن يعدو في ذلك أن يكون شارحاً لآراء [[أرسطو]] في هذه المسألة، ويرى أنّ كتب ابن رشد الأُخرى- والتي لا تعدّ شروحاً لآراء أرسطو مثل كتاب «التهافت» و «فصل المقال»- تدلّ على أنّ ابن رشد كان من القائلين بقدم العالم.


مكانته العلمية، ومؤلفاته:
وقد كان الدكتور بيصار- وذلك عندما كان شيخاً للأزهر- من مؤيّدي التعديلات الإصلاحية التي أُدخلت على قانون الأحوال الشخصية في عهد الرئيس [[محمّد أنور السادات]]، رغم المعارضة الشديدة التي قوبلت بها هذه التعديلات حينذاك من بعض علماء الأزهر. وقد أعلن تأييده للتعديلات الجديدة في ندوة تليفزيونية اشترك معه فيها الشيخ [[جاد الحقّ علي جادّ الحقّ]] (مفتي الجمهورية حينذاك) والشيخ [[عبد المنعم النمر]] (وزير الأوقاف حينذاك).
تخصص الإمام محمد عبد الرحمن بيصار في الفلسفة الإسلامية، ودرس جوانب هذه الفلسفة دراسة علمية دقيقة، وتعمق في بحث وجوه الخلاف بين الفلاسفة وعلماء الكلام والصوفية، وسجَّل هذه البحوث في كتبه ومحاضراته، وخرج من هذه الدراسات بنتائج هامة لخصها في بحث ممتع ألقاه في المؤتمر الخامس لمجمع البحوث الإسلامية المنعقد في 28 من فبراير سنة 1970م، وكان عنوان البحث: (إثبات العقائد الإسلامية) تتلخص في ثلاثة مناهج وهي: منهج المتكلمين الذين يعتمدون على النص مع احترامهم للعقل، ومنهج الفلاسفة الذين يعتمدون أوَّلا على العقل مع إيمانهم بالنص، ومنهج الصوفية الذين يعتمدون على الرياضة الروحية والمجاهدة النفسية، وخلص من نتائج بحثه إلى أن الحرية الفكرية التي منحها الإسلام لأتباعه في شؤون عقيدتهم تأتي تحت ضوابط أساسية، هي: حث القرآن الكريم الإنسان على التأمل والتفكير في ملكوت السموات والأرض، وإشادة الإسلام بفضل العلم والمعرفة وتعظيمه لشأن العلماء، ورد شبهات الوافدين على الإسلام والمنحرفين عنه بمنطق عقلي رشيد.


وقد امتاز الإمام الأكبر بمواصلة البحث والدراسة في أدق المعارف الفلسفية والعلمية وصياغتها في أسلوب واضح دقيق يصل إلى العقول من أيسر الطرق، وترك للمكتبة الإسلامية العديد من المؤلفات العلمية القيمة، وأهمها:
=وفاته=
- الوجود والخلود في فلسفة ابن رشد.
- العقيدة والأخلاق في الفلسفة الإسلامية.
- الحقيقة والمعرفة على نهج العقائد النسفية.
- تأملات في الفلسفة الحديثة والمعاصرة.
- العالم بين القدم والحدوث.
- الإمكان والامتناع.
- شروح مختارة لكتاب المواقف، لعضد الدين الإيجي.
- الإسلام والمسيحية.
- رسالة باللغة الإنجليزية عن الحرب والسلام في الإسلام.
- رجلان في التفكير الإسلامي، وهي دراسات عن حجة الإسلام الغزالي وإمام الحرمين الجويني.


ولايته للمشيخة:
توفّي الشيخ محمّد عبد الرحمان بيصار في [[القاهرة]] بتاريخ الثاني عشر من جمادى الأولى سنة 1402 هـ الموافق 7 من مارس سنة 1982م.
في آخر يناير سنة 1979م صدر قرار بتعيين فضيلة الشيخ الإمام محمد عبد الرحمن بيصار شَيْخًا للأزهر بعد وفاة الشيخ الإمام عبد الحليم محمود.


وقد استهل عمله بتأليف لجنة كبرى لدراسة قانون الأزهر ولائحته التنفيذية ليستطيع الأزهر الانطلاق في أداء رسالته العَالَمية الكبرى ونظرًا لثقافته العلمية الواسعة عهدت إليه الحكومة السودانية إنشاء الدراسات العليا بجامعة أم درمان الإسلامية، فأقامها على أسس علمية، إن دلت فإنما تدل على عقلية علمية واسعة وثقافة واعية متنوعة.
=المصدر=


بدأ الشيخ الإمام محمد عبد الرحمن بيصار عمله في مشيخة الأزهر بدراسة قانون تطوير الأزهر ولائحته التنفيذية لتعديله بما يحقق له الانطلاق دون معوقات في أداء رسالته الداخلية والعالمية، فنجح في إرساء قواعد المنهج الفلسفي والعلمي في الأزهر، ونهض به نهضة سجلها التاريخ له.
(انظر ترجمته في: الأزهر في ألف عام 2: 397- 399، إتمام الأعلام: 379، موسوعة أعلام الفكر الإسلامي: 966- 968، نثر الجواهر والدرر 2: 2080).


وفاته:  
وراجع الموقع التالي: WWW.DAR-ALIFTA.ORG
توفي الشيخ الإمام محمد عبد الرحمن بيصار رحمه الله في الثاني عشر من جمادى الأولى سنة 1402 هـ الموافق 7 من مارس سنة 1982م.


[[تصنيف: الشخصيات الدينية]]
[[تصنيف:روّاد التقريب]]
[[تصنيف: الشخصيات ]]
[[تصنيف:شيوخ الأزهر]]

المراجعة الحالية بتاريخ ٠٥:٣١، ١٠ أكتوبر ٢٠٢١

محمّد عبد الرحمان بيصار: من مشايخ الأزهر، وأحد المفكّرين المصلحين. تخصّص الشيخ بيصار في الفلسفة الإسلامية، ودرس جوانب هذه الفلسفة دراسة علمية دقيقة، وتعمّق في بحث وجوه الخلاف بين الفلاسفة وعلماء الكلام والصوفية، وسجَّل هذه البحوث في كتبه ومحاضراته، وخرج من هذه الدراسات بنتائج هامّة.

محمد عبد الرحمان بيصار
الاسم محمّد عبد الرحمان بيصار
الاسم الکامل محمّد عبد الرحمان بيصار
تاريخ الولادة 1910م/1328ق
محلّ الولادة كفر الشيخ/ مصر
تاريخ الوفاة 1982م/1402ق
المهنة عالم دیني، شیخ الأزهر
الآثار الوجود والخلود في فلسفة ابن رشد، العقيدة والأخلاق في الفلسفة اليونانية، الحقيقة والمعرفة على نهج العقائد النسفية، تأمّلات في الفلسفة الحديثة والمعاصرة، العالم بين القدم والحدوث، الإسلام بين العقائد والإيمان، الإسلام والمسيحية، الحرب والسلام في الإسلام (بالإنجليزية)، الفلسفة اليونانية، مقدّمات ومذاهب
المذهب سنّي

مدخل حول الأزهر ومشيخته

مع تولّي أسرة محمّد علي باشا الحكم في مصر، تغيّرت عملية اختيار شيخ الأزهر، حيث كان يتمّ بتدخّل من الوالي، ومع الجهود المبذولة لتطوير جامع الأزهر وإصلاحه، ظهرت جماعة كبار العلماء سنة (1239هـ = 1911م) في عهد المشيخة الثانية للشيخ سليم البشري، ونصّ قانون الأزهر وقتها على أن يكون اختيار شيخ الجامع الأزهر من بين جماعة كبار العلماء، حيث يتمّ اختياره بطريق الانتخاب من بين هيئة كبار العلماء المرشّحين لشغل المنصب على أن يكون حاملاً للجنسية المصرية وحدها ومن أبوين مصريين مسلمين،
وأن يكون من خرّيجي إحدى الكلّيات الأزهرية المتخصّصة في علوم أصول الدين والشريعة والدعوة الإسلامية واللغة العربية، وأن يكون قد تدرّج في تعليمه قبل الجامعي بالمعاهد الأزهرية، وكان ذلك يضمن ما يجب أن يكون عليه شيخ الأزهر من العلم والمعرفة والسمعة وحسن الخلق.

وبصدور القانون رقم 103 لسنة 1961م الخاصّ بتطوير الأزهر، ألغيت هيئة كبار العلماء وحلّ محلّها ما عرف باسم: مجمع البحوث الإسلامية، ويتكوّن من 50 عضواً على الأكثر، كان من بينهم في بداية نشأته حوالي 20 من غير المصريّين من كبار علماء العالم الإسلامي، ولا تسقط عضوية أيّ منهم إلّا بالوفاة أو الاستقالة أو العجز الصحّي.

ومجمع البحوث هو الذي يقرّر إسقاط العضوية، وهو الذي يملأ المكان الشاغر بانتخاب أحد المرشّحين سواء بالاقتراع السرّي أو بأغلبية الأصوات، ويتمّ اختيار شيخ الأزهر بشكل عامّ من بين أعضاء المجمع، ويكون رئيس الجمهورية وحده هو صاحب القرار، وعلى أن يعيّن ولا يقال. ويُعيّن شيخ الأزهر في منصبه بعد صدور قرار من رئيس الجمهورية، ويعامل معاملة رئيس مجلس الوزراء من حيث الدرجة والراتب والمعاش.

وقد جعل هذا القانون شيخ الأزهر هو الإمام الأكبر وصاحب الرأي في كلّ ما يتّصل بالشئون الدينية وفي كلّ ما يتعلّق بالقرآن وعلوم الإسلام.

ولادته

ولد محمّد عبد الرحمان بيصار بالسالمية من أعمال مركز فوه التابع لكفر الشيخ بمصر بتاريخ 20 من أكتوبر سنة 1910 م.

دراسته

حفظ القرآن الكريم، والتحق بمعهد دسوق الديني، وبعد نجاحه بمعهد دسوق ألحقه والده بمعهد طنطا ليكمل فيه دراسته الثانوية، وكان شَغُوفاً بالتأليف فألَّف رواية اسمها: (بؤس اليتامى)، فأثار عليه حفيظة أساتذته لاشتغاله بالتأليف، وهو عيب كبير في نظرهم، فأجروا معه تحقيقاً كانت نتيجته أن ترك معهد طنطا الديني إلى معهد الإسكندرية حيث وجد فيه عقولاً متفتّحة تشجّع المواهب الفكرية. وبمعهد الإسكندرية حصل على الشهادة الثانوية الأزهرية، ثمّ التحق بكلّية أُصول الدين بالأزهر الشريف، فتخرّج منها ونال الشهادة العالمية سنة 1939 م، ثمّ نال درجة الأُستاذية «الدكتوراه» في العقيدة والفلسفة، وذلك سنة 1945 م.

نشاطاته ومناصبه

تمّ تعيينه مدرّساً بكلّية أُصول الدين سنة 1946 م. وفي سنة 1949 م رحل في بعثة علمية إلى إنجلترا، ودرس في جامعة كمبردج، ثمّ استقرّ في جامعة أدنبرة، ونال منها شهادة الدكتوراه سنة 1954 م بتفوّق في الفلسفة بموضوع تناول فيه حجّة الإسلام الغزالي والفيلسوف الفرنسي ديكارت وفلسفتهما. وعاد أُستاذاً سنة 1955 م بكلّية أُصول الدين، ثمّ رشّحته مواهبه ليكون مديراً للمركز الإسلامي بواشنطن سنة 1955 م، واستطاع أن يحظى بالاحترام من كلّ الطوائف، وعاد سنة 1959 م إلى كلّية أُصول الدين، ثمّ رأس البعثة التعليمية بليبيا سنة 1963 م.

وعيّن سنة 1968 م أميناً عامّاً للمجلس الأعلى للأزهر، ممّا أتاح له المشاركة والتوجيه وتحقيق أهدافه الإصلاحية. ومن بعد ذلك عيّن سنة 1970 م أميناً عامّاً لمجمع البحوث الإسلامية، فحرص على أن يجدّد الثقافة الإسلامية في أوساط الدارسين، وأن يجرّدها من الشوائب وآثار التعصّب السياسي والمذهبي، على حدّ تعبير الدكتور محمّد عبد المنعم خفّاجي.

وفي سنة 1974 م عيّن وكيلاً للأزهر، وساعد الدكتور عبد الحليم محمود في كلّ ما يعنّ له من مسائل وقضايا وهموم إصلاحية.

وقد عيّن وزيراً للأوقاف المصرية وشؤون الأزهر سنة 1978 م، وكذلك شيخاً للأزهر سنة 1979 م، وأضحى أميناً عامّاً لمؤتمر علماء المسلمين أربع سنوات متتالية.

ولمّا كان يجيد الإنجليزية والفرنسية فقد أطلّ على الثقافة الأوروبّية، وعرف غثّها وسمينها، وغذّى علوم الإسلام بما يفيدها، وكان هو المنظّم للدراسات العليا بجامعة أمّ درمان الإسلامية.

وكان حيياً شديد التواضع طلق الوجه والمحيّا، وهو إداري من الطراز الأوّل وصاحب فكر منظّم.

عرض على المؤتمر الخامس لمجمع البحوث الإسلامية سنة 1970 م- والذي ضمّ في ثناياه خيرة علماء المسلمين- بحثاً فيّاضاً حول إثبات العقائد الإسلامية بين النصيّين والعقليّين.

وكما عني بالدراسة الفلسفية فقد عنى كذلك بالسلوك وألقى محاضرات قيّمة في هذا الموضوع.

ولايته للمشيخة

في آخر يناير سنة 1979م صدر قرار بتعيين الشيخ محمّد عبد الرحمان بيصار شَيْخاً للأزهر بعد وفاة الشيخ عبد الحليم محمود، كما قدّمنا.

وقد استهلّ عمله بتأليف لجنة كبرى لدراسة قانون الأزهر ولائحته التنفيذية ليستطيع الأزهر الانطلاق في أداء رسالته العَالَمية الكبرى، ونظراً لثقافته العلمية الواسعة عهدت إليه الحكومة السودانية إنشاء الدراسات العليا بجامعة أمّ درمان الإسلامية، فأقامها على أسس علمية، إن دلّت على شيء فإنّما تدلّ على عقلية علمية واسعة وثقافة واعية متنوّعة.

بدأ الشيخ محمّد عبد الرحمان بيصار عمله في مشيخة الأزهر بدراسة قانون تطوير الأزهر ولائحته التنفيذية لتعديله بما يحقّق له الانطلاق دون معوّقات في أداء رسالته الداخلية والعالمية، فنجح في إرساء قواعد المنهج الفلسفي والعلمي في الأزهر، ونهض به نهضة سجّلها التاريخ له.

مكانته العلمية

تخصّص الشيخ محمّد عبد الرحمان بيصار في الفلسفة الإسلامية، ودرس جوانب هذه الفلسفة دراسة علمية دقيقة، وتعمّق في بحث وجوه الخلاف بين الفلاسفة وعلماء الكلام والصوفية، وسجَّل هذه البحوث في كتبه ومحاضراته، وخرج من هذه الدراسات بنتائج هامّة لخصّها في بحث ممتع ألقاه في المؤتمر الخامس لمجمع البحوث الإسلامية المنعقد في 28 من فبراير سنة 1970 م، وكان عنوان البحث: (إثبات العقائد الإسلامية)، تتلخّص في ثلاثة مناهج، وهي: منهج المتكلّمين الذين يعتمدون على النصّ مع احترامهم للعقل، ومنهج الفلاسفة الذين يعتمدون أوّلاً على العقل مع إيمانهم بالنصّ، ومنهج الصوفية الذين يعتمدون على الرياضة الروحية والمجاهدة النفسية.. وخلص من نتائج بحثه إلى أنّ الحرّية الفكرية التي منحها الإسلام لأتباعه في شؤون عقيدتهم تأتي تحت ضوابط أساسية، هي: حثّ القرآن الكريم الإنسان على التأمّل والتفكير في ملكوت السموات والأرض، وإشادة الإسلام بفضل العلم والمعرفة وتعظيمه لشأن العلماء، وردّ شبهات الوافدين على الإسلام والمنحرفين عنه بمنطق عقلي رشيد.

وقد امتاز الإمام الأكبر للأزهر بمواصلة البحث والدراسة في أدقّ المعارف الفلسفية والعلمية وصياغتها في أسلوب واضح دقيق يصل إلى العقول من أيسر الطرق.

وسيأتي مزيد توضيح لذلك عند التعرّض لأفكاره ورؤاه.

مصنّفاته

ترك بعض المؤلّفات، والتي منها: الوجود والخلود في فلسفة ابن رشد، العقيدة والأخلاق في الفلسفة اليونانية، الحقيقة والمعرفة على نهج العقائد النسفية، تأمّلات في الفلسفة الحديثة والمعاصرة، العالم بين القدم والحدوث، الإسلام بين العقائد والإيمان، الإسلام والمسيحية، الحرب والسلام في الإسلام (بالإنجليزية)، رجلان في التفكير الإسلامي، العقيدة والأخلاق وأثرهما في حياة الفرد والمجتمع، بؤس اليتامى (رواية)، الفلسفة اليونانية، مقدّمات ومذاهب.

أفكاره ورؤاه

يذهب الدكتور بيصار إلى القول بأنّ القضايا التي أُثيرت في الفكر الإسلامي حول الأُلوهية لم تكن مجرّد نقل عن حضارات أو ثقافات غريبة عن المجتمع الإسلامي، أو نتيجة للتأثّر بعوامل خارجية، كما يذهب إلى ذلك كثير من المستشرقين، وإنّما كانت هناك عوامل داخلية هامّة ساعدت على إثارة هذه المشكلات.

وتتلخّص هذه العوامل في: الحرّية الفكرية التي منحها الإسلام لأتباعه في شؤون عقيدتهم، ومطالبة القرآن للإنسان بالتأمّل والتفكير في ملكوت السماوات والأرض لإدراك حقائق الكون وكشف أسراره وتحديد مركز الإنسان فيه، وإشادة الإسلام بفضل العلم والمعرفة وتعظيمه لشأن العلماء. وذلك بالإضافة إلى ردّ شبهات الوافدين على الإسلام والمنحرفين عنه بمنطق عقلي رشيد.

ويؤكّد الدكتور بيصار أنّ الهدف لأصحاب الآراء المختلفة من المسلمين في أيّ مشكلة من مشاكل الأُلوهية كان السمو بالذات الإلهية والمبالغة في تنزيهها. ومن هنا فلا ينبغي أن نوجّه لوماً إلى أحد هؤلاء الباحثين بالكفر والمروق، بل علينا أن ندرس آراءه بأُسلوب علمي دقيق؛ لإبراز ما قد يكون قد وقع فيه من خطأ قد يكون غير مقصود.

وينبّه الدكتور بيصار في هذا الصدد إلى ضرورة مراعاة التفرقة الواضحة بين الإسلام كما جاء في القرآن الكريم والسنّة الصحيحة، وبين فهمنا نحن للإسلام أو محاولاتنا لتفسير قضاياه وشرح نصوصه. ويرى أنّ عدم التمييز بين هذين الوجهين كان السبب في الأخطاء التي وقع فيها المستشرقون في الكثير من الأحكام التي يصدرونها على الإسلام وهو منها براء.

وفي تناوله لقضية النزاع بين الدين والفلسفة بصفة عامّة يرى الدكتور بيصار أنّ هذا النزاع قد انتهى في الفلسفة الحديثة باتّفاق رجال الدين ورجال الفلسفة على (أن يختصّ الدين بعلم المغيّبات والحقائق اللامادّية، وأن يسدّ هذا الفراغ في الناحية المادّية من محيط المعرفة الإنسانية كذلك، ويُعدّ هذا التصافي بين الدين والفلسفة رفعاً لما قد يبدو بينهما من تناقض أو خلاف)، ويشير إلى أنّ رفع التناقض بين الدين والفلسفة قد سبق إليه ابن رشد في كتابه «فصل المقال».

ويذهب الدكتور بيصار إلى مخالفة الرأي القائل بأنّ محاربة الغزالي للفلسفة في المشرق قد قضت على الفلسفة، وأنّ الغزالي كان سبباً في انحطاط الفلسفة في المشرق، ويرى أنّ في ذلك مبالغة. فالفلسفة في المشرق ظلّت قائمة بعد الغزالي وكثر طلّابها والمؤلّفون فيها، وضاقت الفجوة بينها وبين علم الكلام حتّى اختلطت مسائلها بمسائله وجمعتا في مؤلّف واحد.

ولكن الدكتور بيصار يعترف في الوقت نفسه بأنّ الفلسفة مع هذا لم تستطع بعد الغزالي أن تحرز لنفسها المكانة الأُولى والحرّية الكاملة التي كانت تحظى بهما أيّام ابن سينا، وذلك‏ فضلاً عن انعدام التجديد في الميدان الفلسفي في المشرق بعد الغزالي.

ويرفض الدكتور بيصار ما يذهب إليه بعض الباحثين من أنّ ابن رشد لم يكن من القائلين بقدم العالم، وأنّه عندما كان يقرّر قدم العالم لم يكن يعدو في ذلك أن يكون شارحاً لآراء أرسطو في هذه المسألة، ويرى أنّ كتب ابن رشد الأُخرى- والتي لا تعدّ شروحاً لآراء أرسطو مثل كتاب «التهافت» و «فصل المقال»- تدلّ على أنّ ابن رشد كان من القائلين بقدم العالم.

وقد كان الدكتور بيصار- وذلك عندما كان شيخاً للأزهر- من مؤيّدي التعديلات الإصلاحية التي أُدخلت على قانون الأحوال الشخصية في عهد الرئيس محمّد أنور السادات، رغم المعارضة الشديدة التي قوبلت بها هذه التعديلات حينذاك من بعض علماء الأزهر. وقد أعلن تأييده للتعديلات الجديدة في ندوة تليفزيونية اشترك معه فيها الشيخ جاد الحقّ علي جادّ الحقّ (مفتي الجمهورية حينذاك) والشيخ عبد المنعم النمر (وزير الأوقاف حينذاك).

وفاته

توفّي الشيخ محمّد عبد الرحمان بيصار في القاهرة بتاريخ الثاني عشر من جمادى الأولى سنة 1402 هـ الموافق 7 من مارس سنة 1982م.

المصدر

(انظر ترجمته في: الأزهر في ألف عام 2: 397- 399، إتمام الأعلام: 379، موسوعة أعلام الفكر الإسلامي: 966- 968، نثر الجواهر والدرر 2: 2080).

وراجع الموقع التالي: WWW.DAR-ALIFTA.ORG